الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ حِينَ الْقَبُولِ، فِي الصَّحِيحِ.
ــ
الردُّ وكان له قَبولُها بعدَ ذلك، وإن كان الحَظُّ في رَدِّها، لم يَصِحَّ قَبُولُه لها؛ لأنَّ الوَلِيَّ لا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ في حَقِّ المُوَلَّى عليه بغيرِ ما له الحَظُّ فيه. فلو وَصَّى لصَبيٍّ بذي رَحِمٍ يعْتِقُ بمِلْكِه له، وكان على الصَّبيِّ ضَرَرٌ في ذلك، بأن تَلْزَمَه نَفَقةُ المُوصَى به؛ لكَونِه فَقِيرًا لا كَسْبَ له، والمُولَّى عليه مُوسِرٌ، لم يكنْ له قَبُولُ الوَصِيَّةِ، وإن لم يكنْ عليه ضَرَرٌ، لكونِ المُوصَى به ذا كَسْبٍ، أو لكَوْنِ المُوَلَّى عليه فَقِيرًا لا تَلْزَمُه نَفَقَتُه، تَعَيَّنَ القَبُولُ؛ لأنَّ في ذلك نَفْعًا للمُوَلَّى عليه، لعِتْقِ قَرابَتِه مِن غيرِ ضَرَرٍ يَعُودُ عليه، فتَعَيَّنَ ذلك. والله أعلم.
2668 - مسألة: (وإن قَبِلَها بعدَ المَوْتِ، ثَبَت المِلْكُ حينَ القَبُولِ، في الصَّحِيحِ)
مِن المَذْهَبِ. وهو قولُ مالِكٍ، وأهلِ العِراقِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورُوِيَ عن الشافعيِّ. وفيه وَجْهُ آخَرُ ذَكَرَه أبو الخَطّابِ، أنه إذا قَبِل تَبَيَّنَّا أنَّ المِلْكَ ثَبَت حينَ مَوْتِ المُوصِي. وهو ظاهِرُ مَذْهَبِ الشافعيِّ؛ لأنَّ ما وَجَب انْتِقالُه بالقَبُولِ، وَجَب انْتِقالُه مِن جِهَةِ المُوجِبِ عندَ الإِيجابِ، كالهِبَةِ والبَيعِ، ولأنَّه لا يجوزُ أن يَثْبُتَ المِلْكُ فيه للوارِثِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَينٍ} (1). والإِرْثُ بعدَ الوَصِيَّةِ، ولا يَبْقَى للمَيِّتِ؛ لأنَّه صار جَمادًا لا يَمْلِكُ شيئًا. وللشافعيِّ قولٌ ثالثٌ غيرُ مَشْهُورٍ، أنَّ الوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بالمَوْتِ، ويُحْكَمُ بذلك قبلَ القَبُولِ؛ لِما ذَكَرْنا. ولَنا، أنَّه تَمْلِيكُ عَينٍ لمُعَيَّنٍ يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ،
(1) سورة النساء 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يَسْبِقِ المِلْكُ القَبُولَ، كسائِرِ العُقُودِ، ولأنَّ القَبُولَ مِن تَمامِ السَّبَبِ، والحُكْمُ لا يَتَقَدَّمُ سَبَبَه، ولأنَّ القَبُولَ لا يَخْلُو مِن أن يكونَ شَرْطًا أو جُزْءًا مِن السَّبَبِ، والحُكْمُ لا يَتَقَدَّمُ سَبَبَه ولا شَرْطَه، ولأنَّ المِلْكَ في الماضِي لا يجوزُ تَعْلِيقُه بشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. فإن قِيلَ: فلو قال لامرأتِه: أنت طالقٌ قبلَ مَوْتِي بشَهْرٍ. ثم مات، تَبَيَّنّا وُقُوعَ الطلاقِ قبلَ مَوْتِه بشَهْرٍ. قُلْنا: ليس هذا شَرْطًا في وُقُوعِ الطَّلاقِ، وإنَّما نَتَبَيَّنُ الوَقْتَ الذي يَقَعُ فيه الطَّلاقُ. ولو قال: إذا مِتُّ فأنتِ طالِقٌ قبلَه بشَهْرٍ. لم يَصِحَّ. وأمّا انْتِقالُه مِن جِهَةِ الموُجِب في سائِرِ العُقُودِ فإنَّه لا يَنْتَقِلُ إلَّا بعدَ القَبُولِ، فهو كمسألتنا، غيرَ أنَّ ما بينَ الإيجابِ والقَبُولِ ثَمَّ يَسِير لا يَظْهَرُ له أثرٌ، بخِلافِ مسألتِنا. قولُهم: إنَّ المِلْكَ لا يَثْبُتُ للوارِثِ. مَمْنُوعٌ؛ فإنَّ المِلْكَ يَنْتَقِلُ إلى الوارِثِ بحُكْمِ الأصْلِ، إلَّا أن يَمْنَعَ منه مانِع، فأمّا قولُ اللهِ تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَينٍ} . قُلْنا: المُرادُ به وَصِيَّةٌ مَقْبُولةٌ، بدَلِيلِ أنَّه لو لم يَقْبَلْ، لكان مِلْكًا للوارِثِ، وقبلَ قَبُولِها فليست مَقْبُولَةً. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ المُرادُ بقَوْلِه:{فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا} (1). أي لكم ذلك مُسْتَقِرٌّ. ولا يَمْنَعُ هذا ثُبُوتَ المِلْكِ غيرَ مُسْتَقِرٍّ. ولهذا لا يَمْنَعُ الدَّينُ ثُبُوتَ المِلْكِ في التَّرِكَةِ، وهو آكَدُ مِن
(1) سورة النساء 12.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَصِيَّةِ. وإن سَلَّمْنا أنَّ المِلْكَ لا يَبْقَى للوارِثِ، فإَّنه يَبْقَى مِلْكًا للمَيِّتِ، كما إذا كان عليه دَينٌ وقولُهم: لا يَبْقَى له مِلْكٌ. مَمْنُوعٌ، فإّنه يَبْقَى مِلْكُه فيما يَحْتاجُ إليه مِن مُؤْنَةِ تَجْهِيزِه ودَفْنِه، وقَضاءِ دُيُونِه. ويجوزُ أن يَتَجَدَّدَ له مِلْكٌ في دِيَتِه إذا قُتِل، وفيما إذا نَصَب شَبَكَةً فوَقَعَ فيها صَيدٌ بعدَ مَوْتِه، بحيث تُقْضَى دُيُونُه، وتَنْفُذُ وصاياه، ويُجَهَّزُ إن كان قبلَ تَجْهِيزِه، فهذا يَبْقَى على مِلْكِه، لتَعَذُّرِ انْتِقالِه إلى الوارِثِ مِن أجْلِ الوَصِيَّةِ، وامْتِناعِ انْتِقالِه إلى الوَصِيِّ قبلَ تَمامِ السَّبَبِ، فإن رَدَّ المُوصَى له، أو قَبِل، انْتَقَلَ حِينَئِذٍ. فإن قلنا بالأوَّلِ، وأنَّه يَنْتَقِلُ إلى الوارِثِ، فإنَّه يَثْبُتُ له المِلْكُ على وَجْهٍ لا يُفِيدُ إباحَةَ التَّصَرُّفِ، كثُبُوتِه في العَينِ المَرْهُونَةِ، فلو باع المُوصَى به، أو رَهَنَه، أو أعْتَقَه، أو تَصَرَّفَ بغيرِ ذلك، لم يَنْفُذْ شيءٌ مِن تَصَرُّفاتِه. ولو كان الوارِثُ ابنًا للمُوصَى به، مثلَ أن تَمْلِكَ امرأةٌ زَوْجَها الذي لها منه ابْنٌ، فتُوصِيَ به لأجْنَبِيٍّ، فإذا ماتت،