الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ أَنْ فَسَقَ. وَعَنْهُ، يُضَمُّ إلَيهِ أَمِينٌ.
ــ
لضَعْفٍ أو عِلَّةٍ أو نحو ذلك، أو كانا ممَّن لكلِّ واحِدٍ منهما (1) التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا، فليس للحاكمِ أن يَضُمَّ إليهما أمينًا؛ لأنَّ الباقِيَ منهما يَكفِي، إلَّا أن يكونَ الباقي منهما يَعْجِزُ عن التَّصَرُّفِ وحدَه؛ لكَثْرَةِ العَمَلِ ونحوه، فله أن يُقِيمَ أمِينًا. وإن كانا ممَّن ليس لأحَدِهما التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا، فعلى الحاكِمِ أن يُقِيمَ مُقامَ مَن ضَعُفَ منهما أمِينًا يَتَصَوَّفُ معه على كل حالٍ، فيَصِيرُون ثلاثةً؛ الوَصِيّان والأمِينُ.
2771 - مسألة: (وكذلك إن فَسَقَ. وعنه، يُضَمُّ إليه أمِينٌ)
قد ذَكَرْنا الاخْتِلافَ في صحةِ الوصيةِ إلى الفاسِقِ، وأنَّ كَلامَ الخِرَقِيِّ يَدُلُّ على صحةِ الوصيةِ إليه، ويُضَمُّ إليه أمِينٌ، وكذلك إن كان عَدْلًا ففسَقَ. ونَقَل ابنُ مَنْصُورٍ عن أحمدَ نحوَ ذلك، فقال: إذا كان الوَصِيُّ مُتَّهَمًا لم يَخْرُجْ عن يَدِه. ونَقَل المَرُّوذِيُّ عن أحمدَ في مَن وَصَّى إلى رَجُلَين ليس أحَدُهما بمَوْضِعِ الوصيةِ، فقال للآخَرِ: أعْطنِي. لا يُعْطِيه شيئًا، ليس هذا بمَوْضِعٍ للوصيةِ. فقيل له: أليس المَرِيضُ قد رَضِيَ به؟ فقال: وإن رَضِيَ به. فظاهِرُ هذا إبْطالُ الوصيةِ إليه. وحَمَل القاضِي كلامَ
(1) في م: «منها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخِرَقِيِّ وكلامَ أحمدَ على إبْقائِه في الوصيةِ على أنَّ خيانتَه (1) طَرَأتْ بعدَ المَوْتِ. فأمّا إن كانت خيانتُه (1) مَوْجُودَةً حال الوصيةِ إليه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يجوزُ تَوْلِيَةُ الخائِنِ على يَتيمٍ في حَياتِه، فكذلك بعدَ مَوْتِه، ولأن الوصيةَ ولاية وأمانة، والفاسِقُ ليس مِن أهْلِهما. فعلى هذا، إذا كان الوَصِيُّ فاسِقًا فحُكْمُه حُكْمُ مَن لا وَصِيَّ له، ويَنْظُرُ في مالِه الحاكمُ. وإن طَرَأ فِسْقُه بعدَ الوصيةِ زالت ولايتُه، وأقام الحاكمُ مُقامَه أمِينًا. هذا اخْتِيارُ القاضي. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وإسحاقَ. وعلى قولِ الخِرَقِيِّ، لا تَزُولُ ولايتُه، ويُضَمُّ إليه أمِين يَنْظُرُ معه. رُوِيَ ذلك عن الحسنِ ، وابنِ سِيرِين؛ لأنَّه أمْكَنَ حِفْظُ المالِ بالأمِينِ، وتَحْصِيلُ نَظَرِ المُوصِي بإبْقائِه في الوصيةِ، فيكونُ جمعًا بينَ الحَقَّين. فأمّا إن لم يُمْكِنْ حِفْظُ المالِ بالأمِينِ، تَعَيَّنَ إزالةُ يَدِ الفاسِقِ الخائنِ وقَطْعُ تَصَرُّفِه؛ لأنَّ حِفْظَ المالِ على اليَتيمِ أوْلَى مِن رِعايَةِ قولِ المُوصِي الفاسِدِ. وأمّا التَّفْرِيقُ بينَ الفِسْقِ الطارِئ والمُقارِنِ فبَعِيدٌ؛ فإن الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ في
(1) في النسخ: «جنايته» والمثبت كما في المغني 8/ 555.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدَّوامِ كاعْتِبارِها في الابتِداءِ، سِيَّما إذا كانت لمَعْنًى يُحْتاجُ إليه في الدَّوامِ، وإذا لم يكنْ بُدٌّ مِن التَّفْرِيقِ، فاعْتِبارُ العدالةِ في الدَّوامِ أوْلَى، مِن قِبَلِ أنَّ الفِسْقَ إذا كان مَوْجُودًا حال الوصيةِ، فقد رَضِيَ به المُوصِي مع عِلْمِه بحالِه، وأوْصَى إليه راضِيًا بتَصَرُّفِه مع فِسْقِه، فيُشْعِرُ ذلك بأنَّه عَلِم أنَّ عندَه مِن الشَّفَقَةِ على اليَتِيمِ ما يَمْنَعُه مِن التَّفْرِيطِ فيه وخِيانَتِه في مالِه، بخِلافِ ما إذا طَرَأ الفِسْقُ، فإنَّه لم يَرْضَ به على تلك الحالِ، والاعْتِبارُ برِضائِه، ألا تَرَى أنه إذا وَصَّى إلى واحدٍ، جاز له التَّصَرُّفُ وحدَه، ولو وَصَّى إلى اثْنَين، لم يَجُزْ للواحدِ التَّصَرُّفُ.
فصل: إذا تَغَيَّرت حالُ المُوصَى إليه بمَوْتٍ أو فِسْقٍ أو جُنُونٍ أو سَفَهٍ، فقد ذَكَرْنا حُكْمَه. فإن تَغَيَّرَت حالُه قبلَ المَوْتِ وبعدَ الوصيةِ، ثم عاد فكان عندَ المَوْتِ جامِعًا لشُرُوطِ الوصيةِ، صَحَّتِ الوصيَّةُ إليه؛ لأنَّ الشّرُوطَ مَوْجُودَةٌ حال العَقْدِ والمَوْتِ، فصَحَّتِ الوصيةُ، كما لو لم تَتَغَيَّرْ حالُه. ويَحْتَمِلُ أن تَبْطُلَ؛ لأنَّ كلَّ حالةٍ منها حالةٌ للقَبُولِ والرَّدِّ، فاعْتُبِرَتِ الشُّرُوطُ فيها. فأمّا إن زالت بعدَ المَوْتِ فانْعَزَلَ، ثم عاد فكَمَّلَ الشّرُوطَ، لم تَعُدْ وَصِيَّتُه؛ لأنَّها زالتْ فلا تَعُودُ إلَّا بعَقدٍ جَدِيدٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا العَدْلُ الذي يَعْجزُ عن النَّظَرِ لعِلَّةٍ أو ضَعْفٍ، فإن الوصيةَ تَصِحُّ إليه، ويَضُمُّ الحاكِمُ إليه أَمِينًا، ولا يُزِيلُ يَدَه عن المالِ ولا نَظَرَه؛ لأنَّ الضَّعِيفَ أهلٌ للولايةِ والأمانةِ، فصَحَّتِ الوصيةُ إليه. وهكذا إن كان قَويًّا فحَدَثَ فيه ضَعْفٌ أو عِلَّةٌ، ضَمَّ الحاكِمُ إليه يَدًا أُخْرَى، ويكونُ الأوَّلُ الوَصِيَّ دُونَ الثانِي، وهذا مُعاونٌ؛ لأنَّ ولايةَ الحاكمِ إنَّما تكونُ عندَ عَدَمِ المُوصَى إليه. وهذا قولُ الشافعيِّ، وأبي يُوسُفَ. وما نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا.