الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ.
ــ
وسُلَيمانُ بنُ يَسارٍ، وعَطاءٌ، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزَاعِيُّ، وأصحابُ الرأي، والشافعي، وإسحاقُ. وحُكِيَ عن طاوُسٍ، والضَّحّاكِ، وعبدِ المَلَكِ بنِ يَعْلَى، أنهم قالُوا: يُنْزَعُ عنهم ويُرَدُّ إلى قَرابَتِه. وعن سعيدِ بنِ المُسَيَّب، والحسنِ، وجابِرِ بنِ زيدٍ: للذي أوْصَى له ثُلُثُ الثُّلُثِ، والباقِي يُرَدُّ إلى قَرابَةِ المُوصِي؛ لأنه لو أوْصَى بِمالِه كلِّه، لجاز منه الثُّلُثُ، والباقِي يُرَدُّ على الوَرَثَةِ، وأقَارِبُه الذين لا يَرِثُونَه في اسْتِحْقاقِ الوَصِيَّةِ كالوَرَثَةِ في اسْتِحْقاقِ المالِ كلِّه. ولَنا، ما روَى عِمْرانُ بنُ حُصَين، أنَّ رجلًا أعْتَقَ في مَرَضِه سِتَّةَ أعْبُدٍ، لم يكنْ له مالٌ غيرُهم، فبَلَغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فدَعاهم فجَزَّأهم ثلاثةَ أجْزاء ثم أقْرَعَ بينهم، فأعْتَقَ اثْنَين وأرَقَّ أربعةً (1). فأجاز العِتقَ في ثُلُثِه لغيرِ أقاربِه. ولأنَّها عَطِيَّةٌ فجازت لغيرِ أقاربِه، كالعَطِيَّةِ في الحَياةِ.
2655 - مسألة: (فأمّا مَن لا وارِثَ له، فتَجُوزُ وَصِيته بجَمِيعِ مالِه. وعنه، لا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 124.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في مَن لم يُخَلِّف مِن وُرّاثِه عَصَبَةً ولا ذا فَرْضٍ، فرُوِيَ عنه، أنَّ وَصِيَّتَه جائِزَةٌ بكلِّ مالِه. ثَبَت ذلك عن ابنِ مسعودٍ. وبه قال عَبِيدَةُ السّلْمانِيُّ، ومَسْرُوقٌ، وإسحاقُ، وأهلُ العراقِ. والرِّوايَةُ الأخْرَى، لا يجوزُ إلَّا الثُّلُثُ. وبه قال مالكٌ، والأوْزاعِيُّ، وابنُ شبْرُمَةَ، والشافعيُّ، والعَنْبَرِيُّ؛ لأنَّ له مَن يَعْقِلُ عنه، فلم تَنْفُذْ وَصِيَّتُه في أكْثَرَ مِن الثُّلُثِ، كما لو تَرَك وارِثًا، ولأنَّ المسلمين يَرِثُونَه، وهو بَيتُ المالِ. ولَنا، أن المَنْعَ مِن الزِّيادَةِ على الثُّلُثِ إنَّما كان لتَعَلُّقِ حَقِّ الوَرَثَةِ به، بدَلِيلِ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّكَ أن تَدَعَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءَ، خَيرٌ مِن أن تَدَعَهُم عَالةً يتَكَففُونَ النّاسَ» . وهَا هُنا لا وارِثَ (1) له يَتَعَلقُ حَقُّه بمالِه، فأشْبَهَ حال الصِّحّةِ، ولأنَّه لم يَتَعَلَّقْ بمالِه حَقُّ وارِثٍ ولا غَرِيمٍ، أشْبَهَ حال الصِّحَّةِ، والثُّلُثَ.
(1) في م: «وراث» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن خَلَّفَ ذا فَرْض لا يَرِثُ جَمِيعَ المالِ، كبنتٍ أو أُمٍّ، لم تكنْ له الوَصِيَّةُ بأكْثَرَ مِن الثُّلُثِ؛ لأنَّ سعدًا قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: لا يَرِثُنِي إلا ابنةٌ. فمَنَعَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن الزِّيادَةِ على الثُّلُثِ، ولأنَّها تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ المالِ بالفَرْضِ والرَّدِّ، فأشْبَهَ العَصَبَةَ. وإن كان للمَيِّتةِ زوجٌ، أو كان للرجلِ امرأة، فكذلك؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ تَنْقُصُ حَقَّه؛ لأنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّ فرْضَه بعدَ الوَصِيَّةِ، لقولِ الله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ} (1). وقيل: تَبْطُلُ في قَدْرِ فرْضِه مِن الثلُثَين. فإذا كان للمَيتةِ زوجٌ، فله الثُّلُثُ، وإن كان للمَيِّتِ امرأة، فلها السُّدْسُ، وهو رُبْعُ الباقِي بعدَ الثُّلُثِ، والباقِي للمُوصَى له. وهذا أوْلَى، إن شاء الله تعالى؛ لأن الثلثَ ليس للوارِثِ فيه أمر، إنَّما إجازَتُه ورَدُّه في الثُّلُثَين، ولم يَنْقصْ عليه منهما شيء. فأمّا ذَوو الأرْحامِ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّه لا يمْنَعُ الوَصِيَّةَ بجَمِيعِ المالِ؛ لأنَّه قال: ومَن أوْصَى بجَمِيعِ مالِه ولا عَصَبَةَ له ولا مَوْلَى، فجائِزٌ. وذلك لأنَّ ذا الرَّحمِ إرْثُه كالفَضْلَةِ والصِّلَةِ، ولذلك لا يُصْرَفُ
(1) سورة النساء 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إليه شيءٌ إلَّا عندَ عَدَمِ الرَّدِّ والمَوْلَى، ولا تَجبُ نَفَقَتُهم في الصحيح. ويَحْتَمِلُ كلامُ شيخِنا في الكِتابِ المَشْرُوحِ أَنَّه لا تَنْفُذُ وَصِيته فيما زاد على الثُّلُثِ؛ لأنَّ له وارِثًا، فيَدْخُلُ في مَعْنَى قَوْلِه عليه السلام:«إنَّكَ أن تترُكَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءَ، خَير مِن أن تَدَعَهُمْ عَالةً يتَكَفَّفُونَ النّاسَ» . ولأنَّهم وَرَثَة يَسْتَحِقُّون ماله بعدَ مَوْتِه، فأشبَهُوا ذوي الفُرُوضِ والعَصَباتِ، وتَقْدِيمُ غيرِهم عليهم لا يَمْنَعُ مُساوَاتهم لهم في مسألتِنا، كذوي الفُرُوضِ الذين يَحْجُبُ بعضُهم بعضًا.
فصل: فإن خَلَّف ذا فَرْضٍ لا يَرِثُ المال كُلَّه بفَرْضِه، و (1) قال: أوْصَيت لفلانٍ بثُلُثِي، على أنَّه لا يَنْقُصُ ذا الفَرْضِ شيئًا مِن فَرْضِه. أو خَلَّفَ امرأةً، وقال: أوْصَيتُ لكَ بما فَضَل مِن المال عن فَرْضِها. صَحَّ في المسألةِ الأولَى؛ لأنَّ ذا الفَرْض يَرِثُ المال كلَّه لولا الوَصِيَّةُ، فلا فَرْق في الوَصِيَّةِ بينَ أن يَجْعَلَها مِن رأسِ المالِ، أو يَجْعَلَها مِن الزّائِدِ على
(1) في م: «أو» .