الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنْ وَصَّى لَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، أوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا، صَحَّ. وإنْ وَصَّى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَبِمَا عَلَيهِ لِآخرَ، صَحَّ. فَإِنْ أدَّى
ــ
2737 - مسألة: (وإن وَصَّى له بمالِ الكِتابةِ، أو بنَجْمٍ منها، صَحَّ)
لأنَّها تَصِحُّ بما ليس بمُسْتَقِرٍّ، كما تَصِح بما لا يَمْلِكُه في الحالِ، كحَمْلِ الجارِيَةِ. وللمُوصَى له أن يَسْتَوْفِيَ المال عندَ حُلُولِه، وله أن يُبْرِئَ منه، ويَعْتِقَ بأحَدِهما، والوَلاءُ لسَيِّدِه؛ لأنَّه المُنْعِمُ عليه. فإن عَجَزَ، وأراد الوارِثُ تَعْجِيزَه، وأراد الوَصِيُّ إنْظارَه، فالقولُ قولُ الوارِثِ؛ لأنَّ حقَّ الوصِيِّ في المالِ إذا كان العقدُ قائمًا، وحقُّ الوارِثِ مُتَعَلِّق به، إذا عَجَز يَرُدُّه في الرقِّ، وليس للوصيِّ إبْطالُ حقِّ الوارِثِ من تعجيزِه. وكذلك إن أراد الوارثُ إنظارَه وأراد الوصيُّ تعجيزَه، فالحُكْمُ للوارِثِ، ولا حَق للوَصِيِّ في ذلك، ولا نَفْعَ له؛ لأنَّ حَقه يَسْقُطُ به. ومتى عَجَزَ عاد عَبْدًا للوارِثِ. وإن وَصَّى بما يُعَجِّلُه المُكاتَبُ، صَحَّ، فإن عَجَّلَ شيئًا فهو للوَصِيِّ، وإن لم يُعَجِّلْ شيئًا حتى حَلّتْ نُجُومُه، بَطَلَتِ الوصيةُ.
2738 - مسألة: (وإن وَصَّى لرجلٍ برَقَبَتِه ولآخَرَ بما عليه، صَحَّ. فإن أدَّى)
إلى صاحِبِ المالِ أو أبرَأه منه (عَتَقَ وبَطَلَتْ وَصِيَّةُ
عَتَقَ، وإنْ عَجَزَ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ المَالِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيهِ.
ــ
صاحِبِ الرقبةِ) قالهُ أصحابُنا. ويَحْتَمِلُ أن لا تَبْطُلَ، ويكونَ الوَلاءُ له؛ لأنه أقَامَه مُقامَ نَفْسِه، ولو لم يُوصِ بها، كان الوَلاءُ له، فإذا أوْصَى بها كان الوَلاءُ للمُوصَى له، وكما لو وَصَّى له بالمُكاتَبِ مُطْلَقًا؛ لأنَّ الوَلاءَ يُسْتَفادُ مِن الوصيةِ بالرقبةِ دُونَ الوصيةِ بالمالِ. وإن عَجَز، فَسَخ صاحِبُ الرقبةِ كِتابَتَه، وكان رَقِيقًا له. وبَطَلَتْ وصية صاحِبِ المالِ. وإن كان صاحِبُ المالِ قَبَض مِن مالِ الكِتابَةِ شيئًا، فهو له. فإنِ اخْتَلَفا في فَسْخِ الكِتابَةِ بعدَ العَجْزِ، قُدِّمَ قولُ صاحِبِ الرقبةِ؛ لأنه يَقُومُ مَقامَ الورثةِ، على ما ذَكَرنا.
فصل: فإن كانتِ الكِتابَةُ فاسِدَةً، فوَصَّى لرجلٍ بما في ذِمَّةِ المُكاتَبِ، لم يَصِحَّ؛ لأنه لا شيءَ في ذِمَّتِه. فإن قال: أوْصَيتُ لك بما أقْبِضُه مِن مالِ الكِتابَةِ. صَحَّ؛ لأنَّ الكِتابَةَ الفاسِدَةَ يُؤَدَّى منها المالُ كما يُؤَدَّى في الصحيحةِ. وإن وَصَّى برقبةِ المُكاتَبِ فيها، صَحَّ؛ لأنها تَصِحُّ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُكاتَبةِ الصحيحةِ، ففي الفاسِدَةِ أوْلَى. والله أعْلَمُ.
فصل: وإذا قال: اشْتَرُوا بثُلُثيِ رِقابًا فأعْتِقُوهُم. لم يَجُزْ صَرْفُه إلى المُكاتَبين؛ لأنَّه أوْصَى بالشِّراء، لا بالدَّفْعِ إليهم. فإنِ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لثلاثةٍ (1)، لم يَجُزْ أن يُشْتَرَى أقَلُّ منها؛ لأنَّها أقَلُّ الجَمْعِ. فإن قُدِر أن يُشْتَرَى أكثرُ مِن ثلاثةٍ بثَمنِ ثلاثةٍ غالِيَةٍ، كان أوْلَى وأفْضَلَ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَن أعْتَقَ امْرَءًا مُسْلِمًا، أعْتَقَ الله بكُلِّ عُضْو منه عُضْوًا منه مِنَ النَّارِ» (2). ولأنَّه يُفَرِّجُ عن نَفْس زائِدَةٍ، فكان أفْضَلَ مِن عَدَمِ ذلك. وإن أمْكَنَ شِراءُ ثلاثةٍ رَخِيصَةٍ وحِصّةٍ مِن الرابعةِ، بثَمَنِ ثلاثةٍ غاليةٍ، فالثلاثةُ أفْضَلُ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمّا سُئِلَ عن أفْضَلِ الرِّقابِ، قال:«أغْلَاهَا ثَمَنًا، وأنْفَسُها عِنْدَ أهْلِها» (3). والقَصْدُ مِن العِتْقِ تَكْمِيلُ الأحْكامِ؛ مِن الولايةِ، والجُمُعَةِ، والحَجِّ، والجِهادِ، وسائِرِ الأحْكَامِ التي تَخْتَلِفُ بالرِّقِّ والحُريَّةِ، ولا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بإعْتاقِ جَمِيعِه. وهذا التَّفْضِيلُ، والله أَعْلَمُ، مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّما يكونُ مع التَّساوي في المَصْلَحَةِ، فأمّا إن تَرَجَّحَ بعضُهم بدِينٍ وعِفّةٍ وصَلاحٍ
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)} ، من كتاب العتق، وفي: باب قول الله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وأي الرقاب أزكى، من كتاب الكفارات. صحيح البخاري 3/ 188، 8/ 181. ومسلم، في: باب فضل العتق، من كتاب العتق. صحيح مسلم 2/ 1147، 1148. والترمذي، في: باب ما جاء في ثواب من أعتق رقبة، من أبواب النذور. عارضة الأحوذي 7/ 24، 25. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 420، 422، 429، 431، 447، 525.
(3)
تقدم تخريجه في 7/ 133.
فصل: وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِشَيءٍ بِعَينهِ، فَتَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أوْ بَعدَهُ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.
ــ
ومَصْلَحَةٍ له في العِتْقِ، بأن يكونَ مَضْرُورًا بالرِّقِّ وله صَلاحٌ في العِتْقِ، وغيره له مَصلَحَةٌ في الرِّقِّ ولا مَصْلَحَةَ له في العِتْقِ، بل رُبما تَضَررَ به، مِن فَوَاتِ نَفَقَتِه، وكِفايته، ومَصالِحِه، وعَجْزِه بعدَ العِتْقِ عن الكَسْبِ وخُروجِه عن الصِّيانَةِ والحِفْظِ، فإنَّ إعْتاقَ مَن كَثُرَتِ المَصْلَحَةُ في إعْتاقِه أفْضَلُ وأوْلَى وإن قَلَّتْ قِيمَته. ولا يَسُوغُ إعْتاقُ مَن في إعْتاقِه مَفْسَدَةٌ؛ لأنَّ مَقْصودَ المُوصِي تَحْصِيلُ الثَّوابِ والأجْرِ، ولا أجْرَ في إعْتاقِ هذا. ولا يجوزُ أن يُعْتِقَ إلَّا رَقبةً مُسْلِمَة؛ فإنَّ اللهَ تعالى لَمّا قال:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (1). لم يَتَنَاوَلْ إلا المسلمةَ، ومُطْلَقُ كَلامِ الآدَمِيِّ مَحْمُولٌ على مطْلَقِ كلامِ اللهِ تَعالى. ولا يجوزُ إعْتاقُ مَعِيبَةٍ عَيبًا يَمْنَعُ مِن الإجْزاءِ في الكَفّارَةِ؛ [لِما ذَكَرْنا](2)، والله أعلمُ.
فصل: قال الشيخ، رضي الله عنه:(ومَن أُوصِيَ له بشيءٍ بعَينه، فتَلِفَ قبلَ مَوْتِ الموصِى أو بعدَه، بَطَلَتِ الوصيةُ) كذلك حَكاه ابن المُنْذِرِ، فقال: أجْمَعَ كلُّ مَن أحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلمِ، على أنَّ الرجلَ إذا أُوصِيَ له بشيءٍ، فهَلَكَ الشيءُ، أن لا شيءَ له في سائِرِ مالِ المَيِّتِ؛ وذلك لأنَّ المُوصَى له إنَّما يَسْتَحِقُّ بالوصيةِ لا غير، وقد تَعَلَّقَتْ بمُعَيَّنٍ،
(1) سورة المجادلة 3.
(2)
سقط من: م.