الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ وَصَّى لِكَتْبِ الْقُرْآنِ، أو الْعِلْم، أوْ لِمَسْجِدٍ، أوْ لِفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفَقُ عَلَيهِ، صَحَّ، وَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ رُدَّ الْمُوصَى بِهِ أوْ بَاقِيهُ إلَى الْوَرَثَةِ.
ــ
2694 - مسألة: (وإن وَصَّى لكَتْبِ القُرآنِ، أو العِلْمِ، أو لمسجدٍ، أو لفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفقُ عليه، صَحَّ)
لأنَّ ذلك قُرْبَةٌ يَصِحُّ بَذْلُ المالِ فيه، فصَحَّتِ الوصيةُ له، كالوصيةِ للفُقَراءِ (فإن مات الفَرَسُ رُدَّ المُوصَى به أو باقيه إلى الوَرَثَةِ) لأنَّه عَيَّنَ للوصيةِ جِهَةً، فإذا فاتَت عادت إلى الورثةِ، كما لو وصَّى أن يُشْتَرَى عبدُ زيدٍ فيَعْتِقَ، فمات العَبْدُ، أو لم يَبِعْه سَيِّدُه، أو تعَذَّرَ شِرَاؤُه. وإن أنْفَقَ بعضَ الدَّراهِمِ ثم مات الفَرَسُ، بَطَلَتِ الوصيةُ في الباقِي، كما لو وَصَّى بشِراءِ عَبْدَين مُعَيَّنَين، فاشْتَرَى أحَدَهما ومات الآخَرُ قبلَ شِرَائهِ. قال الأثْرمُ: سَمِعْتُ أَبا عبدِ اللهِ يُسْألُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن رجلٍ أوْصَى بألْفِ دِرْهَم في السَّبِيلِ، أيُجْعَلُ في الحَجِّ منها؟ قال: لا، إنَّما يَعْرِفُ النّاسُ السَّبِيلَ الغزْوَ.
فصل: إذا قال: يَخْدِمُ عَبْدِي فُلانًا (1) سَنَةً، ثم هو حُرٌّ. صَحَّتِ الوصيةُ. فإن قال المُوصَى له بالخِدْمَةِ: لا أقْبَلُ الوصيةَ. أو قال: قد وَهَبْتُ الخِدْمَةَ له (2). لم يَعْتِقْ في الحالِ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال مالك: إن وَهَب الخِدْمَةَ للعَبْدِ، عَتَقَ في الحالِ. ولَنا، أنَّه أوْقَعَ العِتْقَ بعدَ مُضِيِّ السَّنَةِ، فلم يَقَعْ قبلَه، كما لو رَدَّ الوصيةَ.
فصل: وإن وَصَّى أن يُشْتَرَى عَبْدُ زيدٍ بخَمْسِمائةٍ، فيُعْتَقَ، فلم يَبِعْه سَيِّدُه، فالخَمْسُمائةِ للورثةِ. وكذلك إنِ امْتَنَعَ مِن بَيعِه بالخَمْسِمائةِ، أو تَعَذَّرَ شِراؤُه بمَوْتِه، أو لعَجْزِ الثُّلُثِ عن ثَمَنِه، فالثَّمَنُ للورثةِ؛ لأنَّ الوصيةَ بَطَلَتْ لتَعَذُّرِ العَمَلِ بها، فأشْبَهَ ما لو وَصَّى لرجلٍ فمات قبلَ مَوْتِ المُوصِي، أو بعدَه ولم يَدَعْ وارِثًا. ولا يَلْزَمُ الورثةَ شِراءُ عَبْدٍ آخَرَ؛ لأنَّ الوصيةَ لمُعَيَّنٍ، فلا تُصْرَفُ إلى غيرِه، فإنِ اشْتَرَوْه بأقَلَّ مِن ذلك، فالباقي للورثةِ. وقال الثَّوْرِيُّ: يُدْفَعُ جميعُ الثَّمنِ إلى سَيِّدِ العَبْدِ؛ لأنَّه قَصَد إرْفاقَه بالثَّمَنِ ومُحاباتَه، فأشْبَهَ ما لو قال: بِيعُوه عَبْدِي بخَمْسِمائةٍ. وقِيمَتُه
(1) في النسختين: «فلان» . وانظر المغني 8/ 579.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكْثَرُ منها، وكما لو وَصَّى أن يَحُجَّ عنه فلانٌ بخَمْسِمائةٍ، وهي أكْثرُ مِن أجْرِ المِثْلِ. وقال إسحاقُ: يُجْعَلُ بَقِيَّةُ الثَّمَنِ في العِتْقِ، كما لو وَصَّى أن يُحَجَّ عنه بخَمْسِمائةٍ، رُدَّ ما فَضَل في الحَجِّ. ولَنا، أنَّه أمَرَ بشِرائِه بخَمْسِمائةٍ، فكان ما فَضَل مِن الثَّمنِ راجِعًا إليه، كما لو وَكَّلَ في شِرائِه في حَياتِه، وفارَقَ ما إذا أوْصَى أن يَحُجَّ عنه رجل بخَمْسِمائةٍ؛ لأن القَصْدَ ثَمَّ إرْفاقُ الذي يَحُجُّ بالفَضْلَةِ، وفي مسألَتِنا المَقْصُودُ العِتْقُ. ويُفارِقُ ما إذا أوْصَى أن يُحَجَّ عنه بخَمْسِمائةٍ لغيرِ معَيَّنٍ؛ لأنَّ الوصيةَ ثَمَّ للحَجِّ مُطْلَقًا، فتُصْرَفُ جَميعُها فيه، وههُنا لمُعَيَّنٍ فلا تَتَعدّاه.
وقولُه: إنَّه قَصَد إرْفاقَ زيدٍ ومُحاباتَه به. قلنا: إن كانت ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على ذلك، إمّا لكونِ البائِعِ صَدِيقَه، أو ذا حاجَةٍ، أو مِن أهلِ الفَضلِ الذين يُقْصدُونَ بهذا، أو كان يَعْلَمُ حُصُولَ العبدِ بدُونِ الخَمْسِمائة؛ لقِلَّةِ قِيمَتِه، فإنَّه يُدْفَعُ جَميعُ الثَّمَنِ إلى زيدٍ، كما لو صَرَّحَ بذلك، فقال: ادْفَعُوا إليه جَمِيعَها وإن بَذَلَه بدُونِها. وإن عُدِمَتْ هذه القَرائِنُ، فالظّاهِرُ أنَّه إنَّما قَصَد العِتْقَ، وقد حَصَل، فكان الثَّمَنُ عائِدًا إلى الوَرَثَةِ، كما لو أمَرَه بالشِّراءِ في حَياتِه. قال شيخُنا (1): وهذا الصحيحُ، إن شاء الله تعالى.
فصل: ولو أوْصَى أن يُشْتَرَى عبدٌ بألْفٍ فيُعْتَقَ عنه، فلم يَخْرُجْ مِن ثُلُثِه، اشْتُرِيَ عَبْدٌ بالثُّلُثِ. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: تَبْطُلُ الوصيةُ؛ لأنَّه أمَرَ بشِراءِ عبدٍ بألْفٍ، فلا يَجُوزُ للمَأْمُورِ الشِّراءُ بدُونِه،
(1) في: المغني 8/ 524.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالوَكِيلِ. ولَنا، أنَّها وصيةٌ يَجِبُ تَنْفِيذُها إذا احْتَمَلَها الثُّلُثُ، فإذا لم يَحْمِلْها وَجَب تَنْفِيذُها فيما حَمَلَه، كما لو وَصَّى بعِتْقِ عَبْدٍ فلم يَحْمِلْه الثُّلُثُ، وفارَقَ الوَكالةَ، فإنَّه لو وَكَّلَه في إعْتاقِ عَبْدٍ لم يَمْلِكْ إعْتاقَ بَعْضِه، ولو وَصَّى إليه بإعْتاقِ عبدٍ، أعْتَقَ منه ما يَحْتَمِلُه الثُّلُثُ. فإن حَمَلَه الثُّلُثُ، فاشْتَراه وأعْتَقَه، ثم ظَهَر على المَيّتِ دَين يَسْتَغْرِقُ المال، فالوصيةُ باطِلَة، ويُرَدُّ العبدُ إلى الرِّقِّ إن كان اشْتَراه بعَينِ المالِ؛ لأننا تَبَيَّنّا أنَّ الشِّراءَ باطِل، لكونِه اشْتَرَى بمالٍ مُسْتَحَقٍّ للغُرَماءِ بغيرِ إذْنِهم، وإن كان اشْتَراه في الذِّمَّةِ، صَحَّ الشِّراءُ، ونَفَذ العِتْقُ، وعلى المُشْتَرِي غرامَةُ ثَمنِه، لا يَرْجِعُ به على أحَدٍ؛ لأنَّ البائِعَ ما غَرَّه، إنَّما غَرَّه المُوصِي، ولا تَرِكَةَ له فيَرْجِعَ عليها. وهذا ظاهِرُ مَذْهَبِ الشافعيِّ. ويَحْتَمِلُ أن يُشارِكَ الغُرَماءَ في التَّرِكَةِ، ويَضْرِبَ معهم بقَدْرِ دَينِه؛ لأنَّ الدَّينَ غرمَه بتَغْرِيرِ المُوصِي، فيَرْجِعُ به عليه، فإذا كان مَيِّتًا لَزِمَه في تَرِكَتِه، كأَرْشِ جِنايَتِه.
فصل: وإن وَصَّى بشِراءِ عَبْدٍ (1) وأطْلَقَ، أو بِبَيعِ عبدِه وأطْلَقَ، فالوصيةُ باطِلَةٌ؛ لأنَّ الوصيةَ لا بُدَّ لها مِن مُسْتَحِق، ولا مُسْتَحِقَّ ههُنا. فإن وَصَّى ببَيعِه بشَرْطِ العِتْقِ، صَحَّتِ الوصيةُ، وبِيعَ كذلك؛ لأنَّ في البَيعِ ههُنا (2) نَفْعًا للعَبْدِ بالعِتْقِ. فإن لم يُوجَدْ مَن يَشْتَرِيه كذلك، بَطَلَتِ الوصيةُ؛ لتَعَذُّرِها، كما لو وَصَّى بشِراءِ عَبْدٍ يُعْتَقُ، فلم يَبِعْه سَيِّدُه. وإن وَصَّى ببَيعِه لرجلٍ بعَينِه بثَمَنٍ مَعْلُومٍ، بِيعَ به (2)؛ لأنَّه قَصَد إرْفاقَه
(1) في النسختين: «عين» . وانظر المغني 8/ 525.
(2)
سقط من: م.