الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعَطَايَاهُ كَالْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ، وَلَا تَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ
ــ
أنَّه يُقْبَلُ قولُ واحِدٍ عَدْلٍ، إذا لم يُقدَرْ على طَبِيبين. فهذا الضرْبُ وما أشْبَهَه، عَطاياه صَحِيحَة؛ لأنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، أوْصَى حينَ جُرِح فسَقاه الطَّيبُ لَبَنًا فخَرَجَ مِن جُرْحِه، فقال له الطَّيبُ: اعْهَدْه إلى النّاسِ. فعَهِدَ اليهم ووَصَّى (1). فاتَّفَقَ الصحابةُ على قَبُولِ عَهْدِه ووَصيَتِّيه. وكذلك أبو بكر، رضي الله عنه، عَهِد إلى عُمَرَ حينَ اشْتَدَّ مَرَضُه، فَنَفَّذَ عَهْدَه.
فصل: فإن كان المَرِيضُ يَتَحَقَّقُ تَعْجِيلُ مَوْتِه، فإن كان عَقْلُه قد اخْتَلَّ، مثلَ مَن ذُبِح، أو أُبِينَتْ حَشْوَتُه، فلا حُكْمَ لكَلامِه ولا لعَطيَّتِه. وإن كان ثابتَ العَقْلِ، كمَن خُرِقَتْ حَشْوَتُه، أو اشْتَدَّ مَرَضُه ولم يَتَغيَّرْ عَقْلُه، صَحَّ تَصَرُّفُه وعَطيَّتُه؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ عُمَرَ، رضي الله عنه. وكذلك عليٌّ، رضي الله عنه، بعدَ ضَرْبِ ابنِ مُلْجِمٍ، وَصَّى وأمَرَ ونَهَى (2). ولم يُخْتَلَفْ في صِحَّةِ ذلك.
2630 - مسألة: (فعَطاياه كالوَصِيَّةِ في أنَّها لا تصِحُّ لوارِثٍ، ولا
(1) أخرجه البخاري، في: باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، من كتاب الجنائز، وفي: باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان، من كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري 2/ 128، 129، 5/ 20، 21. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 42.
(2)
أخرجه الطبراني في: المعجم الكبر 1/ 59، 60.
بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإجَازَةِ الْوَرَثَةِ، مِثْلَ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمُحَابَاةِ.
ــ
لأجْنَبِيٍّ بزِيادَةٍ على الثُّلُثِ إلَّا بإجازَةِ الوَرَثَةِ؛ كالهِبَةِ، والعِتقِ، والكِتابةِ، والمُحاباةِ) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ التَّبرُّعاتِ المُنْجَزَةَ؛ كالعِتْقِ، والمُحاباةِ، والهِبَةِ المَقْبُوضَةِ، والصدَقَةِ، والوَقْفِ، والإبراءِ مِن الدَّينِ، والعَفْو عن الجِنايَةِ المُوجِبَةِ للمالِ، والكِتابَةِ، إذا كانت في الصِّحَّةِ، فهي مِن رَأْسِ المالِ. لا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. وإن كانت في مَرَض مَخُوفٍ اتَّصَلَ به المَوْتُ، فهي مِن ثُلُثِ المالِ، في قولِ الجُمْهُورِ. وحُكِيَ عن أهلِ الظّاهِرِ في الهِبَةِ المَقْبُوضَةِ، أنها مِن رَأسِ المالِ. ولَنا، ما روَى أبو هُرَيرَةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تَصَدَّقَ عَلَيكُم عِندَ وَفَاتِكُم بثُلُثِ أمْوالِكُم، زِيادَةً لَكُم في أعْمالِكُم» . رَواه ابنُ ماجه (1). وهذا يَدُلُّ بمَفْهُومِه على أنَّه ليس له أكْثَرُ مِن الثُّلُثِ. وروَى عِمْرانُ بنُ حُصَين، أنَّ رجلًا أعْتَقَ سِتَّةَ أعْبُدٍ (2) له في مَرَضِه، لا مال له غيرُهم، فاسْتَدعاهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فجَزَأهم ثلاثةَ
(1) في: باب الوصية كالثلث، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه 2/ 904.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 491.
(2)
بعده في ر 2: «مملوكين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أجْزاءٍ وأقْرَعَ بينَهم، فأعْتَقَ اثْنَين وأرَقَّ أرْبَعَةً. رَواه مسلمٌ (1). وإذا لم يَنْفُذِ العِتْقُ مع سِرايَتِه، فغيرُه أوْلَى. ولأنَّ هذه الحال الظّاهِرُ منها المَوْتُ، فكانت عَطيَّتُه فيها في حَقِّ وَرَثَتِه لا تَتَجاوَزُ الثُّلُثَ، كالوَصِيَّةِ.
فصل: وحُكْمُ العَطايا في مَرَضِ المَوْتِ حُكْمُ الوَصِيَّةِ في خَمْسَةِ أشياءَ؛ أحَدُها، أن يَقِفَ نُفُوذُها على خُرُوجِها مِن الثُّلُثِ، أو (2) إجازَةِ الوَرَثَةِ. الثانِي، أنَّها لا تَصِحُّ للوارِثِ إلَّا بإجازَةِ الوَرَثَةِ. الثالثُ، أنَّ فَضِيلَتَها ناقِصَةٌ عن فَضِيلةِ الصَّدَقَةِ في الصِّحَّةِ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن
(1) في: باب من أعتق شركا له في عبد، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1288.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في من أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث، من كتاب العتق. سنن أبي داود 2/ 353. والترمذي، في: باب ما جاء في من يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 121، 122. والنسائي، في: باب الصلاة على من يحيف في وصيته، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 51، 52. والإمام مالك، في: باب من أعتق رقيقا لا يملك مالا غيرهم، من كتاب العتق. الموطأ 2/ 744 مرسلًا. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 426، 428، 430، 431، 438 - 440، 445، 446.
(2)
في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أفْضَلِ الصَّدَقَةِ، قال:«أنْ تَصَدَّقَ وأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الغِنَى وتَخْشَى الفَقْرَ، ولا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ قُلْتَ: لفلانٍ كَذَا، ولِفُلانٍ كَذا، وقَدْ كان لفُلانٍ» . مُتَّفَق عليه (1). الرابعُ، أنَّ العَطايا تَتَزاحَمُ في الثُّلُثِ إذا وَقَعَتْ دَفْعَةً واحِدَةً، كتَزاحُمِ الوَصايا فيه. الخامسُ، أنَّ خروجَها مِن الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ حال المَوْتِ لا قبلَه ولا بعدَه.
(1) أخرجه البخاري، في: باب أي الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة، وفي: باب الصدقة عند الموت، من كتاب الوصايا. صحيح البخاري 2/ 136، 137، 4/ 5. ومسلم، في: باب بيان أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 716.
كما أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود 2/ 102. والنسائي، في: باب أي الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 51. وابن ماجه، في: باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه 2/ 903. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 231، 250، 447، 415.