الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هِبَةً، مِنَ الإيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْمُعَاطَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيهَا.
ــ
2604 - مسألة: (وتَحْصُلُ الهِبَةُ بما يَتَعارَفُه الناسُ هِبَةً، مِن الإِيجابِ والقَبُولِ والمُعاطاةِ المُقْتَرِنَةِ بما يَدُلُّ عليها)
فالإيجابُ أن يقولَ: وَهَبْتُك. أو: أهْدَيتُ إليك. أو: مَلَّكْتُك. أو: هذا لك. ونحوَه مِن الألفاظِ الدّالَّةِ على هذا المَعْنَى. والقَبُولُ أن يقولَ: قَبِلْتُ. أو: رَضِيتُ. أو نحوَ هذا. وتَصِحُّ بالمُعاطاةِ المُقْتَرِنَةِ بما يَدُلُّ عليها (1)، وإن لم يَحْصُلْ إيجابٌ أو (2) قَبُولٌ. وذَكَر القاضي، وأبو الخَطّابِ، أنَّ الهِبَةَ والعَطِيَّةَ لا بُدَّ فيها مِن الإِيجابِ والقَبُولِ، ولا تَصِحُّ بدُونِه، سَواءٌ وُجِد القَبْضُ أو لم يُوجَدْ. وهو قولُ أكْثَرِ أصحابِ الشافعيِّ؛ لأنَّه عَقْدُ تَمْلِيكٍ، فافْتَقَرَ إلى الإيجابِ والقَبُولِ، كالنِّكاحِ. والصَّحِيحُ أنَّ المُعاطاةَ والأفْعال الدّالَّةَ على الإيجابِ والقَبُولِ كافِيَةٌ، ولا يُحْتاجُ إلى لَفْظٍ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان
(1) سقط من: الأصل. وفي م: «عليهما» .
(2)
في ر 1: «ولا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُهْدِي ويُهْدَى إليه، ويُعْطِي ويُعْطَى، ويُفَرِّقُ الصَّدَقاتِ، ويَأْمُرُ سُعاتَه بأخْذِها وتَفْرِيقِها، وكان أصحابُه يَفْعَلُون ذلك، ولم يُنْقَلْ عنهم في ذلك إيجابٌ ولا قَبُولٌ، ولا أمْرٌ به ولا تَعْلِيمُه لأحَدٍ، ولو كان ذلك شَرْطًا لنُقِلَ عنهم نَقْلًا مُشْتَهَرًا، وقد كان ابنُ عُمَرَ على بَعِيرٍ لعُمَرَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعُمَرَ:«بِعْنِيهِ» . فقال: هو لك يا رسولَ اللهِ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ لَكَ يا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ به ما شِئْتَ» (1). ولم يُنْقَلْ قَبُولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن عُمَرَ، ولا قَبُولُ ابنِ عُمَرَ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولو كان شَرْطًا لفَعَلَه النبيُّ
(1) تقدم تخريجه في 11/ 313.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم وعَلِمَه ابنُ عُمَرَ، ولم يكنْ ليَأمُرَه أن يَصْنَعَ به ما شاء قبلَ أن يَقْبَلَه. وروَى أبو هُرَيرَةَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أُتِيَ بطَعام سَألَ عنه، فإن قالُوا: صَدَقَةٌ. قال لأصحابِه: «كُلُوا» . ولم يَأْكُلْ، وإن قالُوا: هَدِيَّةٌ. ضَرَب بيَدِه فأكَلَ معهم (1). ولا خِلافَ بينَ العُلَماءِ فيما عَلِمْنا في أن تَقْدِيمَ الطَّعامِ بينَ يَدي الضِّيفانِ والإذْنَ في أكْلِه، أنَّ ذلك لا يَحْتاجُ إلى إيجابٍ ولا قَبُولٍ. ولأنه وُجِد ما يَدُلُّ على التَّراضِي بنَقْلِ المِلْكِ، فاكْتُفِيَ به، كما لو وُجِد الإيجابُ والقَبُولُ. قال ابنُ عَقِيلٍ: إنَّما يُشْتَرَطُ الإيجابُ مع الإطْلاقِ وعَدَمِ العُرْفِ القائِمِ مِن المُعْطِي والمُعْطىَ؛ لأنَّه إذا لم يَكُنْ عُرْفٌ يَدُلُّ على الرّضا، فلا بُدَّ مِن قولٍ دالٍّ عليه، أمّا مع قَرائِنِ الأحْوالِ والدَّلالةِ، فلا وَجْهَ لتَوَقُّفِه على اللَّفْظِ، ألا تَرَى أنّا اكْتَفَينا بالمُعاطاةِ في
(1) تقدم تخريجه في 7/ 297.