الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ أوْ فَضَّلَهُ، فَعَلَيهِ التَّسْويَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إِعْطَاءِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوُوا.
ــ
2616 - مسألة: (فإن خَصَّ بعضَهم أو فَضَّلَه، فعليه التَّسْويَةُ بالرُّجُوعِ أو إعْطاءِ الآخَرِ حتى يَسْتَوُوا)
قد ذَكَرْنا أنَّ المَشْرُوعَ أنَّ يُسَوِّيَ بينَ أوْلادِه في العَطيَّةِ على قَدْرِ مِيراثِهم، فإن خَصَّ بعضَهم بعَطِيَّتِه، أو فاضَلَ بينَهم، أثِمَ، إذا لم يَخْتَصَّ بمَعْنًى يُبِيحُ التَّفْضِيلَ، ووَجَب عليه التَّسْويَةُ، إمّا برَدِّ ما فَضَّلَ به البعضَ، أو إعْطاءِ الآخَرِ حتى يُتِمَّ نَصِيبَه. قال طاوُسٌ: لا يَجُوزُ ذلك، ولا رَغِيفٌ مُحْتَرِقٌ. وبه قال ابنُ المُبارَكِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورُوِيَ مَعْناه عن مُجاهِدٍ، وعُرْوَةَ. وكان الحَسَنُ يَكْرَهُه، ويُجيزُه (1) في القَضاءِ. وقال مالِك، واللَّيثُ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وَأصحابُ الرَّأي: يَجُوزُ ذلك. ورُوِيَ مَعْنَى ذلك عن شُرَيح، وجابرِ بنِ زيدٍ، والحسنِ بنِ صالِحٍ؛ لأنَّ أبا بكر، رضي الله عنه، نَحَل عائشةَ ابْنَتَه جذاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا دُونَ سائِرِ وَلَدِه (2). واحْتَجَّ الشافعيُّ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ النُّعْمانِ بنِ بَشِير:«أشْهدْ عَلَى هَذَا غَيرِي» . فأمَرَه بتَأَكِيدِها دُونَ الرُّجُوعِ فيها. ولأنَّها عَطِيَّةٌ تَلْزَمُ بمَوْتِ الأبِ، فكانت جائِزةً، كما لو سَوَّى بينَهم. ولَنا، ما روَى النُّعْمانُ بنُ بَشِير، قال: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أبي ببعضِ مالِه، فقالت أمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَواحَةَ: لا أرْضَى حتى تُشْهِدَ عليها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فجاء بِي إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليُشْهِدَه على صَدَقَتِي، فقال:«أكُلَّ وَلَدِكَ أعْطَيتَ مِثْلَه؟» . قال: لا. قال: «فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَينَ أوْلادِكُمْ» . قال: فَرَجَعَ أبي فرَدَّ تلك الصَّدَقَةَ. وفي لَفْظٍ قال: «فَارْدُدْهُ» . وفي لَفْظٍ: «فَأرْجِعْهُ» . وفي لَفْظٍ: «لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» وفي لَفْظٍ: «فلا تُشْهِدْنِي إذًا» . وفي لفظٍ: «فَأشْهِدْ عَلَى
(1) في م: «يخيره» .
(2)
تقدم تخريجه في 16/ 485.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هَذَا غَيرِي». وفي لَفْظٍ: «سَوِّ بَينَهُم» . مُتفَق عليه (1). وهو (2) دَلِيلٌ على التَّحْرِيمِ؛ لأنَّه سَمَّاه جَوْرًا وأمَرَه برَدِّه، وامْتَنَعَ مِن الشَّهادَةِ عليه، والجَوْرُ حَرامٌ، والأمْرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ، ولأنَّ تَفْضِيلَ بعضِهم يُورِثُ بينَهم العَداوَةَ والبَغْضاءَ وقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، فمُنِعَ منه، كَتَزْويجِ المرأةِ على عَمَّتِها وخَالتِها. وقولُ أبي بكر لا يُعارِضُ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يُحْتَجُّ بهْ معه. ويَحْتَمِلُ أنَّ أبا بكر، رضي الله عنه، خَصَّها لحاجَتِها وعَجْزِها عن الكَسْبِ والتَّسَبُّبِ، مع اخْتِصاصِها بفَضْلِها وكونِها أمَّ المُؤْمِنِين، وغيرِ ذلك مِن فَضائِلِها. ويَحْتَمِلُ أنَّ يكونَ نَحَلَها ونَحَل غيرَها مِن وَلَدِه، أو نَحَلَها وهو يُرِيدُ أنَّ يَنْحَلَ غيرَها، فأدْرَكَه المَوْت قبلَ ذلك. ويتَعَيَّنُ حَمْلُ حَدِيثِه على أحَدِ هذه الوُجُوهِ؛ لأنَّ حَمْلَه على مِثْلِ مَحَلِّ
(1) أخرجه البخاري، في: باب الهبة للولد. . . .، وباب الإشهاد في الهبة، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 206. ومسلم، في: باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1241 - 1244.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 262. وابن ماجه، في: باب الرجل ينحل ولده، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه 2/ 795. والإمام مالك، في: باب ما لا يجوز من النحل، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 751، 752. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 326، 4/ 268، 269، 270.
(2)
في م: «وفيه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النِّزاعِ مَنْهِيٌّ عنه، وأقَلُّ أحْوالِه الكَراهَةُ، والظّاهِرُ مِن حالِ أبي بكر، رضي الله عنه، اجْتِنابُ المَكْرُوهاتِ، وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«فأَشْهِدْ عَلَى هذا غَيرِي» : ليس بأمْرٍ؛ لأن أدْنَى أحْوالِ الأمْرِ الاسْتِحْبابُ والنُّدْبُ، ولا خِلافَ في كَراهَةِ هذا. وكيف يَجُوزُ أن يَأْمُرَ بتَأْكِيدِه مع أمْرِه برَدِّه، وتَسْمِيته إيّاه جَوْرًا؟ وحَمْلُ الحديثِ على هذا حَمْلٌ لحديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم على التناقُضِ، ولو أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإشْهادِ غيرِه، لامْتَثَلَ بَشِيرٌ أمْرَه، ولم يَرُدُّه، وإنَّما هو تَهْدِيدٌ له [على هذا](1)، فيُفيدُ ما أفادَه النَّهْيُ عن إتْمامِه.
فصل: فأمّا إن خَصَّ بعضَهم لمَعْنًى يَقْتَضِيه تَخْصِيصُه؛ مِن حاجَةٍ، أو زَمانَةٍ، أو عَمًى، أو كَثْرةِ عائِلَةٍ، أو لاشْتِغالِه بالعِلْمِ، أو صَرَف عَطِيَّتَه عن بعضِ وَلَدِه؛ لفِسْقِه، أو بِدْعَتِه، أو (2) لكونِه يَعْصِي اللهَ تعالى بما يَأْخُذُه، فقد رُوِيَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على جَوازِ ذلك؛ فإَّنه قال، في تَخْصِيصِ بعضِهم بالوَقفِ: لا بَأْس إذا كان لحاجَةٍ، وأكْرَهُه إذا كان
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على سَبِيلِ الأثَرَةِ. والعَطِيَّةُ في مَعْناه. ويَحْتَمِلُ ظاهِرُ لَفْظِه المَنْعَ مِن التَّفْضِيلِ على كلِّ حالٍ، لكونِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يَسْتَفْصِلْ بَشِيرًا في عَطِيَّتِه. قال شيخُنا (1): والأوَّلُ أوْلَى إن شاء الله؛ لحديثِ أبي بكر، ولأنَّ بعضَهم اخْتَصَّ بمَعْنًى يَقْتَضِي العَطِيَّةَ، فجاز أن يَخْتَصَّ بها، كما لو اخْتَصَّ بالقَرابَةِ، وحديثُ بَشِير قَضِيَّة في عَين لا عُمُومَ لها، وتَرْكُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الاسْتِفْصال يَجُوزُ أنَّ يكونَ لعِلْمِه بالحالِ. فإن قِيلَ: لو عَلِم الحال لَما قال: «ألَكَ وَلَدٌ غَيرُهُ؟» . قُلْنا: يَجُوزُ أنَّ يكونَ السُّؤالُ ههُنا لبَيانِ العِلَّةِ، كما قال، عليه الصلاة والسلام، للذي سَأله عن بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمْرِ:«أيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِسَ؟» قال: نعم. قال: «فَلَا إذًا» (2). وقد عَلِم أنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ، لكنْ نبَّهَ السّائِلَ بهذا على عِلَّةِ المَنْعِ. واللهُ أعلمُ.
فصل: والأمُّ في المَنْعِ مِن المُفاضَلَةِ بينَ أوْلادِها كالأبِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بين أوْلَادِكُمْ» . ولأنَّها أحَدُ الوالِدَين، أشْبَهَتِ الأبَ، ولأنَّ ما يَحْصُلُ بتَخْصِيص الأبِ بعضَ وَلَدِه مِن الحَسَدِ والتَّباغُضِ، يُوجَدُ مِثْلُه في تَخْصِيصِ الأمِّ، فيَثْبُتُ لها مِثْلُ حُكْمِه في ذلك.
(1) في: المغني 8/ 258.
(2)
تقدم تخريجه في 12/ 51.