الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ شَرَطَ رَجُوعَهَا إلَى الْمُعْمِرِ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ قَال: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا. صَحَّ الشَّرْطُ. وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ.
ــ
قَوْلُهم: إنَّ التَّمْلِيكَ لا يتَأقَّت. قلْنا: فلذلك أبْطَلَ الشَّرْعُ تَأْقِيتَها، وجَعَلَها تَمْلِيكًا مُطْلَقًا. فإن قال في العُمْرَى: إنَّها للمُعْمَرِ وعَقِبِه. كان تَوْكِيدًا لحُكْمِها، وتكون للمُعْمَرِ ولوَرَثَتِه. وهو قول جَمِيعِ القائِلِين
بها.
2615 - مسألة: (وإن شَرَط رُجُوعَها إلى المُعْمِرِ عندَ مَوْتِه، أو قال: هي لآخِرِنا مَوْتًا. صَحَّ الشَّرْط. وعنه، لا يَصِحُّ، وتكون للمُعْمَرِ ولِوَرَثَتِه)
مِن بعدِه. أمّا إذا شَرَط رُجُوعَها إلى المُعْمِرِ عندَ مَوْتِه، أو قال: هي لآخِرِنا مَوْتًا. أو: إذا مِتَّ عادَتْ إلَيَّ إن كُنْتُ حَيًّا. أو: إلى وَرَثَتِي. ففيها رِوايتان؛ إحْداهما، صِحَّةُ العَقْدِ والشرْطِ، ومتى مات المُعْمَر رَجَعَتْ إلى المُعْمِرِ. وبه قال القاسِمُ بن محمدٍ، ويزيدُ بنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُسَيطٍ (1)، والزُّهْرِيُّ، وأبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وابنُ أبي ذِئْبٍ، ومالِكٌ، وأبو ثَوْرٍ، وداودُ. وهو أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ؛ لِما روَى جابِرٌ، قال: إنَّما العُمْرَى التي أجاز رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَن يقولَ: هي لَكَ ولعَقِبِكَ. فأمّا إذا قال: هي لك ما عِشْتَ. فإنَّها تَرْجِعُ إلى صاحِبِها. مُتَّفَقٌ عليه (2). وروَى مالِكٌ في «مُوَطَّئِه» (3)، عن جابِرٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«أَيُّمَا رَجُل أعْمَرَ عُمْرَى لَهُ ولِعَقِبِه، فإنَّها لِلذِي أُعْطِيَها، لَا تَرْجِعُ إلى مَنْ أعْطَاهَا» . لأنَّه أعْطَى عَطاءً وَقَعَتْ فيه المَوارِيثُ. ولقولِ النبيِّ
(1) هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المدني الأعرج، أبو عبد الله، الإمام الفقيه الثقة. توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة. سير أعلام النبلاء 5/ 266.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1246.
كما أخرجه أبو داود، في: باب من قال فيه: ولعقبه، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 264. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 294.
ولم نجده في البخاري: انظر الإرواء 6/ 55، واللؤلؤ والمرجان 2/ 186.
(3)
في: باب القضاء في العمرى، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 756.
كما أخرجه مسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1245، 1246. وأبو داود، في: باب من قال فيه: ولعقبه، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 264. والترمذي، في: باب ما جاء في العمرى، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 99. والنسائي، في: باب ذكر الاختلاف على الزهري فيه، عن كتاب العمرى. المجتبى 6/ 233. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 360، 399.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم: «المُؤمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (1). وقال القاسِمُ بنُ محمدٍ: ما أدرَكْتُ النَّاسَ إلَّا على شُرُوطِهم في أمْوالِهم. والثانيةُ، أنها تكونُ للمُعْمَرِ أيضًا ولوَرَثَتِه، ويَبْطُلُ الشَّرْطُ. وهو قولُ الشافعيِّ الجَدِيدُ (2)، وأبي حنيفةَ. قال شيخُنا (3): وهو ظاهِرُ المَذْهَبِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ أبي طالبٍ؛ للأحاديثِ المُطْلَقةِ التي ذَكَرْناها، ولقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا رُقْبَى، فمَنْ أُرْقِبَ شَيئًا فَهُوَ لَه حَيَاتَه وَمَوْتَه» . قال مجاهِدٌ: والرُّقبَى، هو أنَّ يقولَ: هي للآخِرِ مِنِّي ومنك مَوْتًا. قال مجاهدٌ: سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَرْقُبُ مَوْتَ صاحِبِه. وروَى الإمامُ أحمدُ (4)، بإسْنادِه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«لَا عُمْرَى وَلَا رُقْبَى، فمَنْ أُعْمِرَ شَيئًا أوْ أُرْقِبَه فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ ومَوْتَهُ» . وهذا صَرِيحٌ في إبْطالِ الشَّرْطِ؛ لأنَّ الرُّقْبَى يُشْتَرَطُ فيها عَوْدُها إلى المُرقِبِ إن مات الآخَرُ قبلَه.
(1) تقدم تخريجه في 10/ 149.
(2)
في ر 2، م:«في الجديد» .
(3)
في: المغني 8/ 285.
(4)
في: المسند 2/ 34، 73.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمّا حديثُهم الذي احْتَجُّوا به، فمِن قولِ جابِر نَفْسِه، وإنَّما نَقْلُ لَفْظِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«أمْسِكُوا عَلَيكُمْ أمْوالكُمْ ولا تُفْسِدُوَها، فإنَّه مَنْ أعْمَرَ عُمْرَى، فَهِيَ للَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا ومَيِّتًا، ولِعَقِبِه» . ولأنَّنا لو أجَزْنا هذا الشَّرْطَ، كانت هِبَةً مُؤقَّتَة، والهِبَةُ لا يجوزُ فيها التَّأْقِيتُ، وإنَّما لم يُفسِدْها الشَّرْطُ؛ لأنَّه ليس بشَرْطٍ على المُعْمَرِ، وإنَّما شَرْطُ ذلك على وَرَثَتِه، ومتى لم يكنِ الشَّرْطُ مع المَعْقُودِ معه، لم يُؤثِّرْ فيه. وأمّا (1) قَوْلُه في الحديثِ الآخرِ: لأنَّه أعْطَى عَطاءً وَقَعَتْ فيه المَوارِيثُ. فهذه الزِّيادَةُ مِن كَلامِ أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، كذلك رَواهُ ابنُ أبي ذِئْبٍ، وفَصَّلَ هذه الزِّيادَةَ فقال عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّه مضَى في مَن أُعْمِرَ عُمْرَى له ولعَقِبه فهي له بَتْلَةً (2)، لا يَجُوزُ للمُعْطِي فيها شَرْط ولا مَثْنَويَّة (3). قال أبو سَلَمَةَ: لأنَّه أعْطَى عَطاءً وَقَعَتْ فيه المَوارِيثُ (4).
(1) في م: «ولنا» .
(2)
بتلة: مقطوعة.
(3)
المثنوية. الاستثناء.
(4)
انظر ما تقدم عند مسلم والنسائي في تخريج حديث: «أيما رجل أعمر عمرى» في صفحة 52.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والرُّقْبَى كالعُمْرَى. قال أحمدُ: هي أنَّ يقولَ»: هي لك حَياتَك، فإذا مِتَّ فهي لفُلانٍ. أو: هي راجِعَة إلَيَّ. وهي كالعُمْرَي فيما إذا شَرَط عَوْدَها إلى المُعْمِر. قال عل، رضي الله عنه: العُمْرَى والرُّقْبَى سواءٌ. وقال طاوُسٌ: مَن ارقِبَ شيئًا فهو سَبِيلُ المِيراثِ. وقال الزُّهْرِيُّ: الرُّقْبَى وَصِيَّة. يَعْنِي أنَّ مَعْناها إذا مِتُّ فهذا لك. وقال الحسنُ، ومالِكٌ، وأبو حنيفةَ: الرُّقْبَى باطِلَةٌ؛ لِما رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أجاز العُمْرَى، وأبْطَلَ الرُّقْبَى (1). ولأنَّ مَعْناها أنَّها للآخِرِ مِنّا، وهذا تَمْلِيكُ مُعَلَّقٌ بخَطَرٍ، ولا
(1) حديث إجازة العمرى، أخرجه البخاري، في: باب ما قيل في العمرى، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 216. ومسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1248. وأبو داود، في: باب في العمرى، وباب من قال فيه: ولعقبه، وباب في الرقبى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 263، 264، 265. والترمذي، في: باب ما جاء في العمرى: باب ما جاء في الرقبى، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 99، 100، 101. والإمام أحمد، في: السند 1/ 250، 347، 429، 468، 489، 3/ 297، 303، 319، 361، 364، 392.
وحديث النهي عن الرقبى. أخرجه النسائي، في: باب الاختلاف على أبي الزبير، من كتاب الرقبى. المجتبى 6/ 227. وابن ماجه، في: باب الرقبى، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه 2/ 796. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 26، 34، 73، 5/ 189.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَجُوزُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بالخَطرِ. ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن الأحاديثِ، وحديثُهم لا نعْرِفُه، ولا نُسَلِّمُ أنَّ مَعْناها ما ذكَرُوه، بل مَعْناها أنَّها لك حَياتَكَ، فإن مِتَّ رَجَعَتْ إلَيَّ، فتكونُ كالعُمْرَى سَواءً، [إلَّا أنَّه](1) زاد شَرْطَها لوَرَثَةِ المُرْقَبِ إن مات المُرْقَبُ قبلَه، وهذا يُبَيِّنُ تَأْكِيدَها على العُمْرَى.
فصل: وتَصِحُّ العُمْرَى في الحَيَوانِ والثِّياب؛ لأنها نَوْعُ هِبَةٍ، فصَحَّت في ذلك، كسائرِ الهِباتِ. وقد رُوِيَ عن أحَمدَ، في الرجلِ يُعْمَرُ الجارِيةَ، أنَّه قال: لا أرَى له وَطْأها. قال القاضي: لم يَتَوَقَّفْ أحمدُ في وطْءِ الجارِيَةِ لعَدَمِ المِلْكِ فيها، لكنْ على طَرِيقِ الوَرَعِ؛ لكونِ الوَطْءِ اسْتِباحَةَ فرْجٍ، وقد اخْتُلِفَ في العُمْرَى، فجعَلَها بعضُهم تَمْلِيكَ المَنافِعِ، فلم يَرَ له وَطْأَها لهذا، ولو وَطِئَها، جاز.
فصل: وقد ذَكَرْنا أنَّه لو وَقَّتَ الهِبَةَ في غيرِ العُمْرَى والرُّقْبَى كقَوْلِه: وَهَبْتُكَ هذا سَنَةً. أو: إلى أن يَقْدَمَ الحاجُّ. أو: إلى أنَّ يَبْلُغَ وَلَدِي. أو:
(1) في م: «لأنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُدَّةَ حَياةِ فُلانٍ. ونحوَ هذا، لم يَصِحَّ؛ لأنَّها تَمْلِيكْ للرَّقَبَةِ، فلم تَصِحَّ مُؤقَّتَةً، كالبَيعِ، وتُفارِقُ العُمْرَى والرُّقْبَى؛ لأنَّ الإنْسانَ إنَّما يَمْلِكُ الشيءَ عُمُرَه، فإذا مَلَكَه عُمُرَه فقد وَقَّتَه بما هو مُوقَّتٌ به في الحَقِيقةِ، فصار ذلك كالمُطْلَقِ.
فصل: فأمّا إن قال: سُكْناها لك عُمُرَك. فله أخْذُها في أيِّ وَقْتٍ أحَبَّ. وكذلك إن قال: اسْكُنْها. أو: أسْكَنْتُكَهَا عُمُرَكَ. أو نحوَ ذلك، فليس هذا عَقْدًا لازِمًا؛ لأنَّه في التَّحْقِيقِ هِبَةُ المَنافِعِ، والمَنافِعُ إنما تُسْتَوْفَى بمُضِيِّ الزَّمانِ شيئًا فشيئًا، فلا تَلْزَمُ إلَّا في قَدْرِ ما قَبَضَه منها واسْتَوْفاه بالسُّكْنَى. فعلى هذا، للمُسْكِنِ الرُّجُوعُ متى شاء، وتَبْطُلُ بمَوْتِ مَن مات منهما. وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلْمِ؛ منهم الشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأْي. وقال الحسنُ، وعَطاءٌ، وقَتادَةُ: هي كالعُمْرَى، يَثْبُتُ فيها مِثْلُ حُكْمِها. وحُكِيَ عن الشَّعْبِيِّ، أنَّه قال: إذا قال: هي لك، اسْكُنْ حتى تَمُوتَ. فهي له حَياتَه ومَوْتَه. وإن قال: دارِي هذه اسْكُنْها حتى تَمُوتَ. فإنَّها تَرْجِعُ إلى صاحِبِها؛ لأنَّه إذا قال: هي (1) لك. فقد جَعَل له رَقَبَتَها، فتكون عُمْرَى. وإذا قال: اسْكُنْ دارِي هذه. فإنَّما جَعَل له نَفْعَها دُونَ رَقَبَتِها، فتكونُ عارِيَّةً. ولَنا، أنَّ هذا إباحَةُ المَنافِعِ، فلم يَقَعْ لازِمًا، كالعارِيَّةِ، وفارَقَ العُمْرَى؛ فإنَّها هِبَةُ الرَّقَبةِ. فأمّا قَوْلُه: هذه لك، اسْكُنْها حتى
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَمُوتَ. فإنَّه يَحْتَمِلُ، لك سُكْنَاها حتى تَمُوتَ. وتَفْسِيرُها بذلك دَلِيل على أنَّه أراد السُّكْنَى، فأشْبَهَ ما لو قال: هذه لك سُكْنَاها. وإذا احْتَمَل أنه يُرِيدُ به الرَّقَبَةَ، واحْتَمَلَ أنَّ يُرِيدَ السُّكْنَى، فلا نُزِيلُ مِلْكَه بالاحْتِمالِ.
فصل: إذا وَهَب هِبَةً فاسِدَةً، أو باع بَيعًا فاسِدًا، ثم وَهَب تلك العَينَ، أو باعَها بعَقْدٍ صحيحٍ مع عِلْمِه بفَسادِ الأوَّلِ، صَحَّ العَقْدُ الثانِي؛ لأنَّه تَصَرَّفَ في مِلْكِه عالِمًا بأنه مِلْكُه. وإنِ اعْتقَدَ صِحَّةَ العَقْدِ الأوَّلِ، ففي الثَّانِي وَجْهان؛ أحَدُهما، صِحَّتُه؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ صادَفَ مِلْكَه وتَمَّ (1) بشُرُوطِه، فصَحَّ (2)، كما لو عَلِم فَسادَ الأوَّلِ. والثانِي، لا يَصِحُّ؛ لأنَّه تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَعْتَقِدُ فَسادَه، ففَسَدَ، كما لو صَلَّى يَعْتَقِدُ أنَّه مُحْدِثٌ، فبان مُتَطَهِّرًا. وهكذا لو تَصَرَّفَ في عَين يَعْتَقِدُ أنَّها لأبيه، فبان أنَّه قد مات ومَلَكَها الوارِثُ، أو غَصَب عَينًا، فباعَها يَعْتَقِدُها مَغْصُوبَةً، فبان أنَّها مِلْكُه، فعلى الوَجْهَين. قال القاضي: أصْلُ الوَجْهَين مَن باشَرَ امرأةً بالطَّلاقِ يَعْتَقِدُها أجْنَبِيَّةً، فبانَتِ امْرأتَه، أو باشَرَ بالعِتْقِ مَن يَعْتَقِدُها حُرَّةً، فبانَتْ أمَتَه، ففي وُقُوعِ الطَّلاقِ والحُرِّيَّةِ رِوايَتان وللشّافِعِيَّةِ في هذه المَسْألةِ وَجْهان، كما حَكَينا. واللهُ أعلمُ.
(1) في م: «ثَمَّ» .
(2)
في الأصل: «لم يصح» .
فَصْلٌ: وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الأوْلَادِ الْقِسْمَةُ بَينَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ.
ــ
فصل: قال الشيخُ، رضي الله عنه:(والمَشْرُوعُ في عَطِيَّةِ الأوْلادِ القِسْمَةُ بينَهم على قَدْرِ مِيراثِهم) ولا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ في اسْتِحْبابِ التَّسْويَةِ بينَهم، وكَراهِيَةِ التَّفْضِيلِ. قال إبراهيمُ: كانُوا يَسْتَحِبُّون التَّسْويَةَ بينَهم حتى في القُبَلِ. إذا ثَبَت هذا، فالتَّسْويَةُ المُسْتَحَبَّةُ أنَّ يَقْسِمَ بينَهم على حَسَبِ قِسْمَةِ اللهِ تعالى المِيراثَ، للذكَرِ مثلُ حَظ الأُنْثَيَين. وبه قال عَطاءٌ، وشُرَيحٌ، وإسحاقُ، ومحمدُ بنُ الحسنِ. قال شرَيحٌ لرجلٍ قَسَمَ ماله بينَ وَلَدِه: ارْدُدْهم إلى سِهامِ الله وفَرائضِه. وقال عَطاءٌ: ما كانُوا يَقْسِمُون إلَّا على كِتابِ اللهِ تعالى. وقال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشافعيُّ، وابنُ المُبارَكِ: يُعْطِي الأُنثَى مثلَ ما يُعْطِي الذَّكَرَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبَشِيرِ بنِ سَعْدٍ: «سَوِّ بَينَهُم» . وعَلَّلَ ذلك بقَوْلِه: «أُيسُرُّكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنْ يَسْتَوُوا فِي بِرِّكَ». فقال: نعمَ. قال «فَسَوِّ بَينَهُم» (1). والبِنْتُ كالابنِ في اسْتِحْقاقِ برِّها، فكذلك في عَطِيَّتها. وعن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «سَوُّوا بَينَ أوْلَادِكُمْ فِي العَطِيَّةِ، ولَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا أحَدًا لآثرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَال» . رَواه سعيدٌ في «سُنَنِه» (2). ولأنَّها عَطِيَّةٌ في الحَياةِ، فاسْتَوَى فيها الذَّكَر والأُنْثَى، كالنَّفَقَةِ والكُسْوَةِ. ولَنا، أنَّ اللهَ تَعالى قَسَمَ بينَهم، فجَعَلَ للذَّكَرِ مثلَ حَظِّ الأُنْثَيَينِ، وأوْلَى ما اقْتُدِيَ به قِسْمةُ الله تعالى، ولأنَّ العَطِيَّةَ في الحَياةِ إحْدَى حالتَي العَطيَّةِ، فيُجْعَلُ للذَّكَرِ منها مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَينِ، كحالةِ المَوْتِ، يَعْني المِيراثَ، يُحَقِّقه أنَّ العَطِيَّةَ اسْتِعْجالٌ لِما يكونُ بعدَ المَوْتِ، فيَنْبَغِي أنَّ تكونَ على حَسَبِه، كما أنَّ مُعَجِّلَ الزكاةِ قبلَ وُجُوبِها يُؤَدِّيها على صِفَةِ أدائِها بعدَ وُجُوبِها،
(1) يأتي تخريجه من حديث النعمان بن بشير في صفحة 65.
(2)
في: باب من قطع ميراثا فرضه الله. السنن 1/ 97.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك الكَفّاراتُ المُعَجَّلَةُ، ولأنَّ الذَّكَرَ أحْوَجُ مِن الأُنْثَى، مِن قِبَل أنَّهما إذا تَزَوَّجا جَمِيعًا، فالصَّداقُ والنَّفَقَةُ ونَفَقَةُ الأوْلادِ على الذَّكرِ، والأُنْثَى لها ذلك، فكان أوْلَى بالتَّفْضِيلِ؛ لزيادَةِ حاجَتِه، وقد قَسَمَ اللهُ المِيراثَ، فَفَضَّلَ الذَّكَرَ مَقْرُونًا بهذا المَعْنَى، فيُعَلَّلُ به، ويتَعَدَّى ذلك إلى العَطِيَّةِ في الحَياةِ. وحديثُ بَشِيرٍ قَضِيَّةُ عَينٍ، وحِكايَةُ حالٍ لا عُمُومَ لها، إنَّما يَثْبُتُ حُكْمها في مِثْلِها، ولا نَعْلَم حال أوْلادِ بَشِيرٍ، هل كان فيهم أُنْثَى أوْ لا. ولَعَلَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد عَلِم أنَّه ليس له إلَّا ولَدٌ ذَكَرٌ. ثم تُحْمَلُ التّسْويَةُ على القِسْمَةِ على كِتاب اللهِ تعالى. ويَحْتَمِلُ أنَّه أراد التَّسْويَةَ في أصْلِ العَطاءِ لا في صِفَتِه، فإنَّ التسْويَةَ لا تَقْتَضِي التَّسْويَةَ مِن كلِّ وَجْهٍ، وكذلك الحديث الآخَرُ، ودَلِيلُ ذلك قولُ عَطاءٍ: ما كانُوا يَقْسِمُونَ إلَّا على كِتابِ اللهِ تعالى. وهذا خَبَرٌ عن جَميعِهم. على أنَّ الصحيحَ في خَبَرِ ابنِ عباسٍ أنَّه مُرْسَلٌ.