الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سئل فى المعالجة، وأطمع بالبرء، فامتنع وقال: أحتسب ذلك عند الله. وكان الناس يعظمونه كثيرا.
وبلغنى أن جدى الشريف عليا الفاسى، كان إذا ذكره عبر عنه بسيدى الزين، وهو من أجدادى؛ لأنه جد والدتى لأمها.
ومن شعر القاضى زين الدين الطبرى، ما أنشدناه جدى لأمى أبو الفضل النويرى، وجماعة عنه، إذنا إن لم يكن سماعا من أبيات [من الكامل]:
بين السلو وبين قلبى معرك
…
عمدا دم التعنيف فيه يسفك
وعلى للحسن البديع مواثق
…
أنى بغير هواه لا أتمسك
617 ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن العقيلى، قاضى الحرمين وخطيبهما، محب الدين النويرى المكى الشافعى، يكنى أبا البركات:
ولد فى أوائل شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بمكة، وأجاز له على ما وجدت بخط شيخنا ابن سكر، شخص يروى عن المحب الطبرى يقال له ابن المدنى من أهل عدن، والشيخ شهاب الدين الحرازى، وعلى بن الزين القسطلانى، وأم الهدى عائشة بنت الخطيب تقى الدين عبد الله بن المحب الطبرى، والشهاب الحنفى، وسمع عليه، على ما ذكر شيخنا ابن سكر.
ووجدت سماعه على سيدى الشيخ خليل المالكى للموطأ رواية يحيى بن يحيى، وغير ذلك، وسمع على القاضى عز الدين بن جماعة أربعينه التساعية، ومنسكه الكبير، وجزء ابن نجيد، وغير ذلك، وسمع جزء ابن نجيد على القاضى موفق الدين الحنبلى، وسمع على الكمال بن حبيب سنن ابن ماجة، وسمع على محمد بن أحمد بن عبد المعطى كثيرا من الكتب والأجزاء، وسمع بالمدينة على القاضى بدر الدين بن فرحون: الموطأ.
وطلب العلم، وأخذ الفقه عن أبيه، والقاضى شهاب الدين بن ظهيرة، وأخذ عنه الفرائض، وأخذ النحو عن الشيخ أبى العباس بن عبد المعطى، ولازمهما مدة، فحصل كثيرا، ودرس وأفتى وحدث بالحرمين، وولى قضاءهما وخطابتهما، وغير ذلك من الوظائف بهما.
وأول ولاياته أنه ناب عن أبيه القاضى أبى الفضل فى الحكم والخطابة بمكة، فى سنة
617 ـ انظر ترجمته فى: (الدليل الشافى 1/ 74، إنباء الغمر 1/ 532، الدرر 1/ 259، التحفة اللطيفة 1/ 221، شذرات الذهب 6/ 357، المنهل الصافى 2/ 85).
ثلاث وسبعين ثم ولى قضاء المدينة النبوية وخطابتها وإمامتها، على قاعدة من تقدمه، فى سنة خمس وسبعين بعد وفاة القاضى بدر الدين بن الخشاب، وأتاه الخبر بذلك إلى مكة فى سابع عشر رجب من السنة المذكورة، وتوجه إلى المدينة ومعه عمه القاضى نور الدين على بن أحمد النويرى.
وبلغوها فى مستهل شعبان، وباشر جميع ما فوض إليه، ولقى من كثير من أهل المدينة أذى كثيرا بالقول، فقابل كثيرا من ذلك بالصفح والإحسان، ثم صرف عن الخطابة والإمامة مديدة يسيرة بالشيخ شهاب الدين الصقلى، ثم عاد إليه، واستمر على ذلك حتى صرف عنه فى جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، لما ولى قضاء مكة وخطابتها بعد عزل القاضى شهاب الدين بن ظهيرة على ما كان عليه، وجاءه الخبر بذلك وهو بالمدينة.
وتوجه إلى مكة ودخلها فى أول العشر الآخر من رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وباشر ما فوض إليه من الحكم والخطابة وغير ذلك، ثم أضيف إليه فى سنة تسع وثمانين تدريس درس بشير الجمدار، ثم أضيف إليه تدريس المدرسة المجاهدية بمكة.
واستمر على ذلك حتى مات فى ليلة الأربعاء تاسع عشر شهر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة عند أبيه، وكثر الأسف عليه، لما فيه من المحاسن العديدة، فإنه كان كثير التودد للناس مجملا لهم، مع عقل راجح وديانة وصيانة وعفاف، وكان نشأ على ذلك من صغره، ولديه فضائل ومعرفة بالأحكام، ورزق فيها من صغره السداد مع الهيبة والحرمة، وكان نقمة على الرافضة بالمدينة، وله فى إهانتهم لإعزاز السنة أخبار كثيرة، ولم يحترم منهم فى ذلك كبيرا، حتى إنه كان يغلظ لأميرهم عطية بن منصور صاحب المدينة.
ومما جرى بينهما فى ذلك، أن عطية قال له يوما ما معناه؛ يا قاضى، أنا مثل هذه المنامة ـ يعنى سارية من سوارى المسجد النبوى ـ إذا طحت على شيء كسرته، وإن طاح على شيء انكسر.
فقال له القاضى محب الدين المذكور ما معناه: هذه المنامة إذا رأينا منها خللا أزلناها وأقمنا عوضها أخرى. فأفحم عطية ولم يحر جوابا، وقال: قتلنى ابن النويرى.
وكان له حظ وافر من العبادة والذكر وصحبة أهل الخير وخدمتهم والإحسان إليهم،