الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1083 ـ حميضة بن أبى نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة ابن إدريس بن مطاعن الحسنى المكى، الملقب عز الدين:
أمير مكة. ولى إمرة مكة إحدى عشرة سنة ونصف سنة أو أزيد، فى أربع مرات، منها مرتان شريكا لأخيه رميثة، ومرتان مستقلا بها. والمرتان اللتان شارك فيهما أخاه رميثة نحو عشر سنين إحداهما عشرة أشهر متوالية بعد موت أبيه، فى سنة موته، وهى سنة إحدى وسبعمائة، والمرة الثانية، نحو تسع سنين، بعد الأولى بسنتين أو ثلاث. والمرتان اللتان استقل بالإمرة فيهما، إحداهما نحو سنة ونصف، أولها بعد مضى شهرين من سنة أربع عشرة وسبعمائة.
والمرة الأخرى التى استقل بها، أياما يسيرة فى آخر سنة سبع عشرة وسبعمائة، بعد الحج منها، أو فى أوائل سنة ثمانى عشرة. وسنوضح شيئا من خبره فى ذلك وغيره.
وجدت بخط القاضى نجم الدين الطبرى قاضى مكة، أن حميضة وأخاه رميثة، قاما بالإمرة بعد أبيهما. وكان دعا لهما على قبة زمزم قبل موته يوم الجمعة، ومات يوم الأحد رابع صفر، يعنى من سنة إحدى وسبعمائة، واستمر الدعاء لهما.
وكان قبل ذلك قد وقعت فتنة بين أولاد أبى نمى، وكان حميضة الغالب. انتهى.
ولم يزل حميضة ورميثة فى الإمرة، حتى عزلا فى موسم هذه السنة، بأخويهما أبى الغيث وعطيفة وقبض عليهما. وجهّزا إلى مصر باتفاق الأمراء القادمين إلى مكة ـ وكان كبيرهم بيبرس الجاشنكير، الذى صار سلطانا بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون، فى سنة ثمان وسبعمائة. وكان بيبرس إذ ذاك أستادار الملك الناصر ـ تأديبا لهما على ما صدر منهما فى حق أخويهما عطيفة وأبى الغيث، من الإساءة إليهما؛ لأنهما كانا اعتقلا أبا الغيث وعطيفة، فهربا من الاعتقال إلى ينبع، فلما حضر الحاج إلى مكة، حضرا إلى الأمراء المذكورين.
هكذا ذكر ما ذكرناه من سبب القبض على رميثة وحميضة، وتولية أبى الغيث وعطيفة: صاحب نهاية الأرب، النويرى، وإلا فالأمير بيبرس الدوادار فى تاريخه، وهو الغالب على ظنى.
وذكر ذلك صاحب بهجة الزمن فى تاريخ اليمن، إلا أنه خالف فى بعض ذلك؛ لأنه
1083 ـ انظر ترجمته فى: (شذرات الذهب 8/ 97، إتحاف الورى 3/ 126، مرآة الجنان لليافعى 4/ 259).
قال فى ترجمة أبى نمى فيه: واختلف القواد والأشراف بعده على أولاده، فطائفة مالت إلى رميثة وحميضة، على أخويهما، فلزماهما وأقاما فى حبسهما مدة، ثم احتالا فخرجا وركنا إلى بعض الأشراف والقواد، فمنعوا منهما.
ولما وصل الحاج المصرى، تلقاهم أبو الغيث فمالوا إليه، ولما انفصل الموسم، لزم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير حميضة ورميثة، وسار بهما إلى مصر مقيدين، وأمّر بمكة أبا الغيث ومحمد بن إدريس، وحلفهما لصاحب مصر. انتهى.
وكان من خبر حميضة، أنه وأخاه رميثة وليا إمرة مكة فى سنة أربع وسبعمائة، وقيل: فى سنة ثلاث وسبعمائة، وهذه ولايته الثانية التى شارك فيها أخاه رميثة، ودامت ولايتهما لمكة إلى زمن الموسم، من سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وما ذكرناه من ولايته لإمرة مكة مع أخيه رميثة فى هذا التاريخ، ذكره صاحب بهجة الزمن، وأفاد فى ذلك ما لم يفده غيره، مع شيء من خبرهما. ولذلك رأيت أن أذكره.
قال فى أخبار سنة أربع وسبعمائة: وحج من مصر خلق كثير، وفى جملتهم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فى أمراء كثيرين، وصل معهم الشريفان رميثة وحميضة ولدا أبى نمى المقدما الذكر فى القبض عليهما.
فلما انقضى الحج، أحضر الأمير ركن الدين الشريفين أبا الغيث وعطيفة، وأعلمهما أن ملك مصر قد أعاد أخويهما إلى ولايتهما. فلم يقابلا بالسمع والطاعة، وحصلت منهم المنافرة، ثم قال: واستمر رميثة وحميضة فى الإمرة يظهران حسن السيرة وجميل السياسة، وأبطلا شيئا من المكوس فى السنة المذكورة والتى قبلها.
وذكر فى أخبار سنة ثمان وسبعمائة: أنه ظهر منهما من التّعسّف ما لا يمكن شرحه.
وذكر أن فى سنة عشر وسبعمائة: حج من الديار المصرية، عسكر قوى فيه أمراء طبلخانات، يريدون لزم الشريفين حميضة ورميثة. فلما علما بذلك، هربا من مكة. فلما توجه العسكر إلى الديار المصرية، عادا إلى مكة.
وذكر أنهما فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة، عدلا عن مكة، تخوفا من الملك الناصر صاحب مصر؛ لأنه كان حج فى هذه السنة، ومعه مائة فارس وستة آلاف مملوك، تخوفا منه.
وذكر أنهما فعلا فيها ما لا ينبغى من النهب، وأنهما عادا إلى مكة بعد ذهاب الملك الناصر منها.
وذكر أنهما هربا من مكة، فى سنة ثلاث عشرة، إلى صوب حلى بن بعقوب، لما علما بوصول أبى الغيث بن أبى نمى من الديار المصرية إلى مكة، ومعه عسكر جرّار، فيهم من المماليك الأتراك، ثلاثمائة وعشرون فارسا، وخمسمائة فارس من أشراف المدينة، خارجا عما يتبع هؤلاء من المتخطفة والحرامية، وكان المقدم الأمير سيف الدين طقصبا.
وذكر أن فى المحرم من سنة أربع عشرة وسبعمائة، سار أبو الغيث وطقصبا إلى صوب حلى بن يعقوب، بسبب حميضة ورميثة، فإنهما لم يجدا خبرا عنهما؛ لأنهما لحقا ببلاد السراة، ووصلا ـ أعنى أبا الغيث وطقصبا ـ إلى حلى بن يعقوب، ولم يدخلها، طقصبا، وقال: هذه أوائل بلاد السلطان الملك المؤيد، ولا ندخلها إلا بمرسوم السلطان الملك الناصر، فعاد على عقبه.
وفى كلام صاحب البهجة، ما يفهم أن أبا الغيث وطقصبا لم يبلغا حلى، والله أعلم.
وقد ذكر صاحب نهاية الأرب فى فنون الأدب، شيئا من خبر حميضة بعد عزله من مكة أخيه أبى الغيث، وشيئا من خبر العسكر الذى جهز معه؛ لأنه قال فى أخبار سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.
وفى هذه السنة، جرد السلطان جماعة من الأمراء إلى مكة شرفها الله تعالى، وهم سيف الدين طقصبا الناصرى، وهو المقدم على الجيش، وسيف الدين بكتمر، وصارم الدين صاروجا الحسامى، وعلاء الدين أيدغدى الخوارزمى.
وتوجهوا فى شوال فى جملة الركب، وجرد من دمشق الأمير سيف الدين بلبان تترى. وسبب ذلك ما اتصل بالسلطان من شكوى المجاورين والحجاج من أميرى مكة حميضة ورميثة، ولدى الشريف أبى نمى. فندب السلطان هذا الجيش، وجهز أخاهما الأمير أبا الغيث بن أبى نمى. فلما وصل العسكر إلى مكة، فارقها حميضة. وأقام الجيش بمكة بعد عود الحاج نحو شهرين، فقصر أبو الغيث فى حقهم، وضاق منهم، ثم كتب خطه باستغنائه عنهم، فعادوا.
وكان وصولهم إلى الأبواب السلطانية، فى آخر شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة وسبعمائة. ولما علم حميضة بمفارقة الجيش لمكة، عاد إليها بجمع، وقاتل أخاه أبا الغيث، ففارق أبو الغيث مكة، والتحق بأخواله من هذيل بوادى نخلة، وأرسل حميضة إلى السلطان رسولا وخيلا للتقدمة، فاعتقل السلطان رسوله. انتهى.
وذكر صاحب المقتفى: أن حميضة لما علم بسفر هذا العسكر من مكة، حضر إلى مكة بعد جمعة، وقاتل أخاه ـ يعنى أبا الغيث ـ وقتل نحو خمسة عشر نفرا، ومن الخيل أكثر من عشرين فرسا، وملك مكة، ولجأ أبو الغيث إلى أخواله من هذيل بوادى نخلة مكسورا، ثم إن حميضة أرسل خيلا إلى السلطان، فحبس رسوله، ولم يرض عنه، وأرسل بعده أبو الغيث هدية، فوعد السلطان بنصره وإرسال عسكر إليه. انتهى.
وهذه ولايته الثالثة التى استقل بها فى المدة التى تقدم ذكرها، أو فى أكثرها، واستقلاله بإمرة مكة فى بعضها متحققة.
وقد ذكر صاحب المقتفى من خبره بعد ذلك؛ لأنه قال: وفى يوم الثلاثاء رابع ذى الحجة، يعنى من سنة أربع عشرة وسبعمائة، وقعت حرب بين الأخوين حميضة وأبى الغيث، ولدى أبى نمى، بالقرب من مكة، وانتصر حميضة، وجرح أبو الغيث، ثم ذبح بأمر أخيه. وكان جماعة أبى الغيث أكثر عددا، ولكن رزق حميضة النصر. واستقر بمكة. انتهى.
وقال فى أخبار سنة خمس عشرة وسبعمائة: ولما بلغ حميضة بن أبى نمى وصول العسكر مع أخيه، وأنهم قاربوا مكة، نزح قبل وصولهم بستة أيام. وأخذ المال النّقد والبز، وهو مائة حمل، وأحرق الباقى فى الحصن الذى فى الجديد، وبينه وبين مكة [ ....... ](1) وقطع ألفى نخلة. وكان مرض قبل ذلك فى شعبان، وتغير سمعه، وحضر إلى بيت الله الحرام وتاب.
وذكر عنه أنه ما يتعرض لإيذاء المجاورين ولا التجار ولا غيرهم، وكان وصول العسكر إلى مكة يوم السبت منتصف رمضان، وأقاموا بها ثلاثة عشر يوما، ثم توجهوا إلى الخليف، وهو حصن بينه وبين مكة ستة أيام، والتجأ حميضة إلى صاحبه، وصاهره لعله يحتمى به، فواقع العسكر حميضة وصاحب الحصن المذكور، وأخذ جميع أموال حميضة وخزانته، ونهب الحصن وأحرق، وأسر ولد حميضة ابن اثنى عشر سنة، وسلّم إلى عمه رميثة، ثم رجع الجيش إلى مكة، فوصلوها فى الخامس والعشرين من ذى القعدة، واستقروا إلى أن حضروا الموقف، ورجعوا مع المصريين، واستقر الأمير رميثة بمكة. ونجا أخوه حميضة بنفسه، ولحق بالعراق. كتب إلينا بذلك أمين الدين الوانى. انتهى.
وسيأتى إن شاء الله تعالى شيء من خبر هذا العسكر، فى ترجمة رميثة بن أبى نمى.
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
وقد ذكر صاحب المقتفى شيئا من خبر حميضة بعد لحاقه بالعراق؛ لأنه قال فى أخبار سنة ست عشرة: وفى التاريخ المذكور ـ يعنى عقيب عيد الأضحى ـ وصل الخبر بأن الشريف حميضة بن أبى نمى الحسنى المكى، كان قد لحق بخربندا فأقام فى بلاده أشهرا. وطلب منه جيشا يغزوا به مكة، وساعده جماعة من الرافضة على ذلك، وجهزوا له جمعا من خراسان، وكانوا مهتمين بذلك. فقدر الله تعالى موت خربندا، وبطل ذلك بحمد الله تعالى.
ثم قال: ثم إن محمد بن عيسى أخا مهنّا، هو وجمع من العرب، وقعوا على حميضة وعلى الدلقندى. وكان معهما جمع وأموال، فقهرهم وغنم ما معهم ودمر حميضة. وكان الدلقندى، وهو رجل رافضى من أعيان دولة التتار، قد قام بنصره وجمع له الأموال والرجال، على أن يأخذ له مكة ويقيمه بها. انتهى.
وقال صاحب نهاية الأرب، فى أخبار سنة سبع عشرة وسبعمائة: فى هذه السنة، وصل كتاب الأمير أسد الدين رميثة أمير مكة إلى الأبواب السلطانية، يتضمن أن أخاه عز الدين حميضة، قدم من بلاد العراق. وكان قد انسحب إليها، والتحق بخربندا كما تقدم، وأنه وصل الآن على فرس واحد، ومعه اثنان من أعيان التتار، روهما درقندى ـ وقيل فيه دقلندى ـ وملك شاه، ومعهم ثلاثة وعشرون راحلة، وأنه كتب إلى أخيه رميثة يستأذنه فى دخول مكة، فمنعه إلا بعد إذن السلطان.
فكتب السلطان إلى حميضة أنه إن حضر إلى الديار المصرية، على عزم الإقامة بها، قابله بالأمان وسامحه بذنوبه السالفة. وأما الحجاز فلا يقيم به.
وكتب إلى درقندى وملك شاه بالأمان، وأن يحضرا، وأخبر من وصل، أنهم لقوا فى طريقهم شدة من العراق إلى الحجاز، وأن العربان نهبوهم، فنهب لدرقندى أموال جمة، وأنه وصل على فرس واحد مسافة عشرين ليلة.
وقد حكى عن الأمير محمد بن عيسى أخى مهنّا، أن الملك خربندا كان قد جهز دقلندى المذكور، فى جمع كثير مع عز الدين حميضة، قبل وفاته إلى الحجاز، لنقل الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، من جوار النبى صلى الله عليه وسلم، وأن الأمير محمد المذكور، جمع من العربان نحو أربعة آلاف فارس، وقصد المقدم ذكره، وقاتله ونهبه، وكسب العسكر منهم أموالا جمة عظيمة من الذهب والدراهم، حتى إن فيهم جماعة، حصل للواحد منهم نحو ألف دينار، غير الدواب والسلاح وغير ذلك، وأخذوا الفوس
والمجارف التى كانوا قد هيئوها لنبش الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.
وكان ذلك فى ذى الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة.
ثم قال: ولما ورد كتاب الأمير أسد الدين رميثة بما تقدم، ندب السلطان إلى مكة شرفها الله تعالى، الأميرين سيف الدين أيتمش المحمّدى، وسيف الدين بهادر السعيدى أمير علم، وأمرهما أن يستصحب كل واحد منهما عشرة من عدته، وجرد معهما من كل أمير مائة، جنديّين، ومن كل أمير طبلخانة، جنديّا واحدا، وتوجها إلى مكة لإحضار حميضة، ومن حضر من التتار، فتوجها فى يوم السبت سادس عشر ربيع الأول بمن معهما، فوصلا إلى مكة، وأرسلا إلى حميضة فى معاودة الطاعة، وأن يتوجه معهما إلى الأبواب السلطانية، فاعتذر أنه ليس معه من المال ما ينفقه على نفسه ومن معه فى سفره، وطلب منهما ما يستعين به على ذلك، فأعطياه.
فلما قبض المال تغيب، وعادا إلى القاهرة، فوصلا فى يوم الأحد السادس والعشرين من جمادى الآخرة من السنة، يعنى سنة سبع عشرة.
ثم قال فى أخبار سنة ثمانى عشرة وسبعمائة: وفى صفر من هذه السنة، وردت الأخبار من مكة شرفها الله تعالى، أن الأمير عز الدين حميضة بن أبى نمى بعد عود الحاج من مكة، وثب على أخيه الأمير أسد الدين رميثة بموافقة العبيد، وأخرجه من مكة، فتوجه رميثة إلى نخلة، وهى التى كان بها حميضة، واستولى حميضة على مكة شرفها الله تعالى.
وقيل إنه قطع الخطبة السلطانية، وخطب لملك العراقين، وهو أبو سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، فلما اتصل ذلك بالسلطان، أمر بتجريد جماعة من أقوياء العسكر. فجرد الأمير صارم الدين الجرمكى، والأمير سيف الدين بهادر الإبراهيمى، وجماعة من الحلقة، وأجناد الأمراء، من كل أمير مائة، فارسين، ومن كل أمير طبلخانة، جنديا، وأمر بالمسير إلى مكة، وأن لا يعودوا إلى الديار المصرية، حتى يظفروا بحميضة، فتوجهوا فى العشر الأواخر من شهر ربيع الأول من هذه السنة. انتهى بلفظه.
وذكر أن الإبراهيمى لما توجه لمحاربة حميضة والقبض عليه، ركب إليه، وتقاربا من بعضهما بعض، وباتا على ذلك، ولم يقدر الإبراهيمى على مواجهة حميضة، فاقتضى ذلك القبض على الإبراهيمى وعلى رميثة؛ لأنه نسب إلى مواطأة أخيه حميضة، وأن الذى يفعله من التشعيث باتفاق رميثة، وجهزا إلى الديار المصرية ـ انتهى بالمعنى.
وهذه ولاية حميضة الرابعة التى أشرنا إليها، ولم يزل حميضة مهجّجا والطلب عليه، وأهل مكة خائفون من شره.
وذكر اليافعى: أنه قصد مكة بجيش يريد أخذها، وقتل جماعة من أهل مكة والمجاورين بها، فخرج إليه أخوه عطيفة. وكان قد استقر فى إمرة مكة بعد القبض على أخيه رميثة، لاتهامه بممالأة حميضة، ومع عطيفة أخوه عطّاف، وآخر من إخوته، وعسكر ضعيف، فنصرهم الله عليه وكسروه، ثم قتل بعد كسرته بأيام. انتهى.
وقد ذكر خبر مقتل حميضة، صاحب نهاية الأرب، وأفاد فى ذلك ما لم يفده غيره. وقد رأيت أن أذكر كلامه لذلك. قال فى أخبار سنة عشرين وسبعمائة: كان السلطان لما كان بمكة شرفها الله تعالى، سأله المجاورون بمكة ومن بها من التجار، أن يخلف عسكرا يمنع عز الدين حميضة بن أبى نمى إن هو قصد أهل مكة بسوء، فجرد ممن كان معه الأمير شمس الدين (آق) سنقر ومعه مائة فارس. فأقام بمكة، فلما عاد السلطان إلى قلعة الجبل، جرد الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، وكان هو من الأمراء مقدمى الألوف، ببعض عدته، وجرد معه جماعة من المماليك السلطانية، وكانت عدة من توجه مائة فارس.
وخرج من القاهرة فى يوم الأربعاء السادس من شهر ربيع الأول هذه السنة، ووصل إلى مكة شرفها الله تعالى. وأقام بها ومنع أهلها من حمل السلاح، السكّين فما فوقها، وبعث إلى الأمير عز الدين حميضة، وكان بقرب نخلة يستميله إلى الطاعة والتوجه إلى الأبواب السلطانية. فسأل رهينة عنده من الأمير ركن الدين يكون عند أهله ويحضر، فأجاب الأمير ركن الدين إلى ذلك، وجهز أحد أولاده، وهو الأمير علىّ، وجهز معه هدية لحميضة، ولم يبق إلا أن يتوجه، فأتاه فى ذلك اليوم رجل من الأعراب، وأخبره بقتل حميضة، فأنكر وقوع ذلك.
وظن ذلك مكيدة لأمر مّا، لكنه توقف عن إرسال ولده حتى يتبين له الحال. فلما كان فى مساء ذلك اليوم، طرق باب المعلاة بمكة، ففتح، فإذا مملوك اسمه أسندمر، وهو أحد المماليك الثلاثة الذين كانوا قد التحقوا بحميضة من مماليك الأمراء كما تقدم، وهو راكب حجرة حميضة التى تسمى جمعة ـ وكان السلطان قد طلبها من حميضة، فشح بإرسالها ـ وأخبر أنه قتل حميضة، اغتاله وهو نائم، وجرد سيفه وإذا به أثر الدم، وذلك فى جمادى الآخرة، يعنى من سنة عشرين وسبعمائة، وأرسل الأمير ركن الدين ولديه
ناصر الدين محمدا وشهاب الدين أحمد، إلى الأبواب السلطانية بهذا الخبر، فوصلا إلى السلطان فأنعم عليهما وجهز الأمير ركن الدين من توجه لإحضار سلب حميضة، والمملوكين اللذين بقيا معه، فأحضر السلب وأحد المملوكين، وقيل: إن الثالث مات، وهو مملوك الأمير سيف الدين بكتمر الساقى، فألزم صاحبه نخلة بإحضاره وتوعده إن تأخر، فأحضره، واستمر الأمير ركن الدين بمكة، إلى أن عاد الجواب السلطانى بطلبه، فتوجه من مكة شرفها الله تعالى، فى مستهل شعبان، وصحبته المماليك الثلاثة، الذين كانوا قد هربوا.
وكان وصوله إلى الأبواب السلطانية، فى العشر الأول من شهر رمضان. فلما وصل، شمله الإنعام والتشريف، فأمر السلطان بقتل أسندمر قاتل حميضة، قودا به، فى شوال من السنة. انتهى.
وقال صاحب المقتفى فى أخبار سنة عشرين وسبعمائة: وفى هذه السنة، قتل الأمير عز الدين حميضة بن الأمير الشريف أبى نمى صاحب مكة. وكان قد خرج عن طاعة السلطان، وولى السلطان بمكة أخاه سيف الدين عطيفة، وبقى هو فى البرّية، والطلب عليه، وأهل مكة خائفون من شره، وكان شجاعا قامعا لأهل الفساد، وكان فى السنة الماضية، سنة حج السلطان، هرب من مماليكه ثلاثة، ولجأوا إلى حميضة، ثم إنهم خافوا من دخوله فى الطاعة، وأنه يرسلهم إلى حضرة السلطان، فقتلوه.
وتوجهوا فى وادى بنى شعبة، وحضروا إلى مكة، فقيد الذى تولى القتل منهم، وأرسل إلى الديار المصرية فاعتقل، ثم قتل فى شوال. انتهى.
وذكره الذهبى فى ذيل سير النبلاء، فقال: كان فيه ظلم وعنف، ثم قال: وقتل كهلا.
وذكر اليافعى فى تاريخه: أنه رأى فى المنام قبيل قتل حميضة، كأن القمر فى السماء قد احترق بالنار. قال: وأظنه سقط إلى الأرض. انتهى. وهذه مزيّة.
وذكر اليافعى: أن حميضة كان يقول: لأبى خمس فضائل: الشجاعة، والكرم، والحلم، والشعر، والسعادة. فالشجاعة لعطيفة، والكرم لأبى الغيث، والحلم لرميثة، والشعر لشميلة، والسعادة لى، حتى لو قصدت جبلا لدهكته. انتهى
وللأديب موفق الدين علىّ بن محمد الحنديدى من قصيدة يمدح بها الشريف حميضة ابن أبى نمى، هذا أولها [من الخفيف]:
قدح الوجد فى فؤادى زنادا
…
منع الجفن أن يذوق الرقادا
وفؤاد الشجى يوم إلال
…
ساقه سائق الظعون وقادا
بدلنى بالوصل هجرا وبالزو
…
رة صدّا وبالتدانى بعادا
وتمادى بها الجفاء وما
…
كان لها فى الجفا أن تمادى
يا معيد الحديث عد فيه عنهم
…
ما ألذ الحديث عنهم معادا
هات بالله يا محدث حدث
…
بن جياد جاد الغمام جيادا
بلدا بالشريف شرفه الل
…
هـ بقاعا شيحانه ووهادا
مملك من قتادة ملك الأر
…
ض نصالا محشودة وصعادا
إن أكن فى حميضة زدت فى المد
…
ح فقد زاد فى نوالى وزادا
رجل سالم المسالم فى الله
…
وفى الله للمعادين عادا
عاد أبدا أولى فوالى تغالى
…
عز أعطى سطا أفاد أبادا
جاد أغنى علا سما جل جلا
…
ظلم الظلم عدله ساد سادا
حسن الصمت ليس يحسن أن تس
…
مع إلا فى مثله الإنشادا
ابن بنت النبى لم يجعل الل
…
هـ سواكم لأرضه أوتادا
ومنها:
اركاب الآمال ويحك بالنج
…
ح بحصن الجديد أمى نجادا
يا جوادا ما زرت مغناه إلا
…
أبت من عنده أقود جوادا
كل شعر أتاكم غير شعرى
…
يا أبا زيد ليس يسوى المدادا
وله فيه أيضا [من الكامل]:
إن الفريق النازلين فى منى
…
غاية سول القلب منى والمنا
هم أوقفوا جفنى على سبل البكا
…
فصرت بالأربع أبكى الدمنا
ومنها:
ومخشف طاف فطفنا حوله
…
ندعو إذا يدعو ونعنو إذا عنا
جنى علينا طرفه لكننا
…
لا نستطيع أخذه بمال جنا
رضيته فليقض ما شاء ولو
…
لم يقض بالعدل علينا ولنا
وسائل بالخيف من طل له
…
من المحبين دم قلت أنا
يا حسن الناظر إن ناظرى
…
لم ير من بعدك شيئا حسنا
ومنها:
إن الحجاز لست أرضى غيره
…
أرضا ولا أبغى سواه مسكنا
ومن بنى النجم نمى أنجم
…
طبقت الأرض سناء وسنا
وسادة يفنون أموال العدا
…
بعد النفوس بالمواضى والقنا
أهل المساعى والصفاء وزمزم
…
والمشعرين والمصلى ومنى
إن العطايا من يدى حميضة
…
أعطين بعد الفقر من كفى الغنا
خليفة لا يخلف الوعد ولا
…
يضن عن سائله بما اقتنى
إمام حق جد فى الله فما
…
فى الله مذ جد وهى ولا ونا
عار من العار عليه حلة
…
مرقومة أثناؤها من الثنا
أخاف فى الله تعالى من بغى
…
وأمن الخائف حتى أمنا
أحسن ابنا حسن سجية
…
أيقظهم عينا وأوعى أذنا
هو ابن من أسرى به الله ومن
…
من قاب قوسين تدلى ودنا
وابن الذى به اللات آلت
…
إلى شر مآل ولعزى أوهنا
يا بن أبى الفدا إذا تبسمت
…
بيضك أبكين العدا والبدنا
إذا سألت المكرمات منكم
…
سالت علينا من هنا ومن هنا
يا عارض الجود الذى شمت سنا
…
بارقه اسق ربوعى مزنا
لازلت فى كل أوان ممطرا
…
على جميع الخلق غيثا هتنا
وللأديب عفيف الدين عبد الله بن علىّ بن جعفر فيه مدحا، قصيدة أولها [من البسيط]:
تحدثى يا رياح الشيح والغار
…
عما تحمّلت من علم وأخبار
منها:
أبقى لى الشوق دمعا من تذكر كم
…
مثل الصبير وقلبا غير صبار
فيا أخلاى هل تجزون ذا وله
…
وجدا بوجد تذكارا بتذكار
وقد تهيج صبابات الفؤاد لكم
…
سجع الحمام وومضى البارق السارى
ما زال دمعى يبدى ما أكتمه
…
حتى تشابه إعلانى وإسرارى
لا تحسبونى أنسيت المواثق بل
…
حفظتها حفظ عز الدين للجار
حميضة الحسنى التندب خير فتى
…
كاس من الحمد بل عار من العار
سلالة من رسول الله أنجبه
…
زاك ومختار أصل وابن مختار
من آدم ينبى الله متصلا
…
أصلا بأصلٍ وأمحارا بأثمار
ما من تسمى عليا كالوصى ولا
…
ما كل جعفر فى الدنيا بطيار