الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
965 ـ حجاج بن نفيع من أصحاب عبد الله بن عمر، مكى
.
قدم مصر، وحدث عنه سعيد بن موسى بن وردان. ذكره ابن يونس فى تاريخ مصر.
966 ـ الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسىّ، وهو ثقيف، الثقفى، الطائفى، أبو محمد:
أمير الحرمين، والحجاز، والعراق، هكذا نسبه ابن الكلبى فى الجمهرة.
وذكر المسعودى: أنه ولد مشوها لا دبر له فنقب عن دبره، وأنه لما ولد، أبى أن يقبل ثدى أمه أو غيرها، فأعياهم أمره. فيقال إن الشيطان تصور لهم فى صورة الحارث ابن كلدة الطائفى، حكيم العرب. فقال: ما خبركم؟ فأخبروه. فقال: اذبحوا جديا أسود وأولغوه دمه. ففعلوا به ذلك ثلاث مرات، فصار لا يصبر عن سفك الدماء. وكان يخبر عن نفسه، أن أكبر لذاته سفك الدماء.
وروى عبد الله بن مسلم بن قتيبة: أن الحجاج بن يوسف كان يعّلم الصبيان فى الطائف، واسمه كليب، وأبوه يوسف معلم أيضا. انتهى.
وأول ولايته تبالة (1).
وذكر صاحب العقد: أن الحجاج بن يوسف، لحق بروح بن زنباع وزير عبد الملك ابن مروان، وكان فى عديد شرطه، إلى أن شكى عبد الملك ما رأى من انحلال عسكره، وأن الناس لا يرحلون برحيله، ولا ينزلون بنزوله. فقال له روح بن زنباع: يا أمير المؤمنين، إن فى شرطى رجلا لو قلده أمير المؤمنين أمر عسكره لأرحل الناس برحيله، وأنزلهم بنزوله، يقال له الحجاج بن يوسف، قال: فإنا قد قلّدناه. فكان لا يقدر أحد أن يتخلف عن الرحيل والنزول، إلا أعوان روح بن زنباع، فوقف عليهم يوما، وقد رحل
966 ـ انظر ترجمته فى: (الأعلام 2/ 168، معجم البلدان 8/ 382، وفيات الأعيان 1/ 123، المسعودى 2/ 103 ـ 119، تهذيب التهذيب 2/ 210، تهذيب ابن عساكر 4/ 48، ابن الأثير 4/ 222، البدء والتاريخ 6/ 28، التاريخ الكبير 1/ 2 / 373، الجرح والتعديل 3/ 168).
(1)
تبالة: بقرب الطائف على طريق اليمن من مكة، وهى لبنى مازن. انظر: معجم ما استعجم (تبالة).
الناس وهم على طعام يأكلون. فقال لهم: ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين؟ فقالوا: يا ابن اللّخناء، انزل وكل معنا. فقال لهم: هيهات، ذهب ما هنالك، ثم أمر بهم، فجلدوا بالسياط، وطوفهم فى العسكر، وأمر بفساطيط روح بن زنباع فأحرقت بالنار.
فدخل روح بن زنباع على أمير المؤمنين عبد الملك باكيا، فقال: يا أمير المؤمنين، الحجاج بن يوسف الذى كان فى عديد شرطى، ضرب غلمانى وأحرق فساطيطى، قال: علىّ به. فلما دخل عليه، قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: أنا ما فعلته يا أمير المؤمنين، قال: ومن؟ . قال: أنت والله فعلته، إنما يدى يدك، وسوطى سوطك، وما على أمير المؤمنين أن يخلف لروح بن زنباع الفساطيط أضعافا، والغلام غلامين، ولا يكسرنى فيما قدمنى له، فأخلف لروح بن زنباع ما ذهب له، وتقدم الحجاج إلى منزلته. انتهى.
ثم إن عبد الملك بن مروان بعد فراغه من قتال مصعب بن الزبير، واستيلائه على العراق، فى سنة اثنتين وسبعين من الهجرة، بعث الحجاج لقتال عبد الله بن الزبير بمكة.
قال ابن جرير: وكان السبب فى توجه الحجاج دون غيره فيما ذكروا، أن عبد الملك لما أراد الرجوع إلى الشام، قام إليه الحجاج بن يوسف فقال: يا أمير المؤمنين، إنى رأيت فى منامى أنى أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته، فابعثنى إليه وولنى قتاله. فبعثه فى جيش كثيف من أهل الشام، فسار حتى قدم مكة. وقد كتب إليهم عبد الملك بالأمان، إن دخلوا فى طاعته، ونزل الطائف. وكان يبعث البعث إلى عرفة فى الحلّ، ويبعث ابن الزبير بعثا، فيقتتلون هنالك، وكل ذلك تهزم خيل ابن الزبير، وترجع خيل الحجاج بالظّفر، ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه فى حصار ابن الزبير، ودخول الحرم عليه، ويخبره أن شوكته قد كلّت، وتفرق عنه عامة أصحابه، ويسأله أن يمده برجال. ثم قال: وكتب عبد الملك إلى طارق، أن يلحق بمن معه من الخيل بالحجاج، فسار فى خمسة آلاف من أصحابه، حتى لحق بالحجاج.
وكان قدوم الحجاج إلى الطائف، فى شعبان سنة اثنتين وسبعين. فلما أهل ذو القعدة، وصل الحجاج من الطائف، حتى نزل بئر ميمون، وحصر ابن الزبير، وحج بالناس فى هذه السنة، وابن الزبير محصور.
وكان قدوم طارق، هلال ذى القعدة. انتهى كلام ابن جرير.
وذكر ابن الأثير فى كامله: أن طارقا، هو مولى عثمان بن عفان، وأن عبد الملك
كان أمر طارقا بالنزول بين أيلة، ووادى القرى، لمنع عمال ابن الزبير من الانتشار، ويسد خللا إن ظهر له. فقدم طارق المدينة فى ذى الحجة فى خمسة آلاف.
وكان الحجاج قد قدم مكة فى ذى القعدة، وقد أحرم بحجة. فنزل بئر ميمون. وحج بالناس تلك السنة، إلا أنه لم يطف بالكعبة، ولا سعى بين الصفا والمروة، لمنع ابن الزبير له من ذلك، ولم يحج هو ولا أصحابه. ولما حصر الحجاج ابن الزبير بمكة، نصب المنجنيق على أبى قبيس ورمى به الكعبة.
وكان عبد الله بن عمر، قد حج تلك السنة، فأرسل إلى الحجاج، أن اتق الله واكفف هذه الحجارة عن الناس، فإنك فى شهر حرام وبلد حرام، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا الفريضة ويزدادوا خيرا، وأن المنجنيق قد منعهم عن الطواف، فاكفف عن الرمى حتى يقضوا ما وجب عليهم بمكة. فبطل الرمى، حتى عاد الناس من عرفات، وطافوا وسعوا، فلما فرغوا من طواف الزيارة، نادى منادى الحجاج: انصرفوا إلى بلادكم، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير. فأول ما رمى بالمنجنيق إلى الكعبة، رعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرعد على الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام، وأمسكوا أيديهم، فأخذ الحجاج حجر المنجنيق بيده، فوضعها فيه، ورمى بها معهم.
فلما أصبحوا، جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثنى عشر رجلا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: يا أهل الشام لا تنكروا هذا، فإنى ابن تهامة، وهذه صواعقها، وهذا الفتح قد حضر فأبشروا.
فلما كان الغد، جاءت صاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدة. فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة، وهم على خلافها. ولم يزل القتال بينهم دائما، فغلت الأسعار عند ابن الزبير، وأصاب الناس مجاعة شديدة، حتى ذبح فرسه وقسم لحمها بين أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، والمدّ الذرة بعشرين درهما، وإن بيوت ابن الزبير لمملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا.
وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق ويقول: أنفس أصحابى قوية ما لم يفن.
فلما كان قبل مقتله، تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان. خرج من عنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه، ابناه حمزة وحبيب، أخذ لأنفسهما أمانا.
ولما تفرق أصحابه عنه، خطب الناس الحجاج وقال: ما ترون قلة تابع ابن الزبير وما
هم فيه من الجهد والضيق. ففرحوا واستبشروا وتقدموا. فملؤوا ما بين الحجون إلى الأبواب. فحمل ابن الزبير على أهل الشام حملة منكرة، فقتل منهم، ثم انكشف هو وأصحابه، فقال له بعض أصحابه: لو لحقت بموضع كذا؟ فقال: بئس الشيخ أنا إذا فى الإسلام، لئن أوقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم! ودنا أهل الشام حتى امتلأت منهم الأبواب. وكانوا يصيحون به: يا ابن ذات النطاقين فيقول (2)[من الطويل]:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وجعل أهل الشام على أبواب المسجد رجالا من أهل كل بلد، فكان لأهل حمص الباب الذى يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بنى شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بنى جمح، ولأهل قنّسرين (3) باب بنى سهم. وكان الحجاج بناحية الأبطح إلى المروة. فمّرة يحمل ابن الزبير فى هذه الناحية، ومرة فى هذه الناحية، كأنه أسد فى أجمة، ما تقدم عليه الرجال، يعدو فى إثر القوم حتى يخرجهم.
فلما رأى الحجاج أن الناس لا يقدمون على ابن الزبير، غضب وترجل وأقبل يسوق الناس ويصمد بهم، صمد صاحب علم ابن الزبير وهو بين يديه. فتقدم ابن الزبير على صاحب علمه، وضاربهم فانكشفوا، وعرج وصلّى ركعتين عند المقام، فحملوا على صاحب علمه فقتلوه على باب بنى شيبة، وصار العلم بيد أصحاب الحجاج، ثم حمل على أهل الشام، حتى بلغ بهم الحجون، فرمى بآجرّة، رماه بها رجل من السّكون، فأصابته فى وجهه، فأرعش ودمى وجهه، فلما وجد الدم على وجهه قال (4) [من الطويل]:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
ولكن على أقدامنا يقطر الدم (5)
وقاتلهم قتالا شديدا. فتعاونوا عليه، فقتلوه فى جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وحمل رأسه إلى الحجاج، فسجد واستولى على مكة.
(2) انظر: الكامل لابن الأثير 4/ 354.
(3)
قنسرين: بالشام، وهى الجابية، وبينها وبين حلب اثنا عشر ميلا، وهى على نهر قويق، وهو نهر حلب يصل فى جريته إلى قنسرين ثم يغوص فى الأجمة، وقيل: بين قنسرين وحلب عشرين ميلا. انظر: الروض المعطار 473، 474.
(4)
انظر: الكامل لابن الأثير 4/ 356.
(5)
فى الكامل: تقطر.
ثم ولاه عبد الملك إمرة الحجاز، وسار إلى المدينة من مكة، فأقام بها ثلاثة أشهر وتغيب أهلها منه، واستخف فيها ببقايا الصحابة رضى الله عنهم، وختم أعناقهم، وغير من الكعبة ما صنعه بها ابن الزبير.
وذلك أنه نقض الجانب الشامى من الكعبة، وأخرج منه ما كان ابن الزبير أدخله من الحجر فيها، وسدّ بابها الغربى الذى فتحه ابن الزبير، وردمها بما فضل من حجارتها حتى ارتفعت كما هى عليه اليوم. وقد شرحنا ذلك فى شفاء الغرام ومختصراته، فأغنى عن إعادته هنا.
ثم عزله عبد الملك عن الحجاز فى سنة خمس وسبعين، وأمره على العراق، ففعل فيه أيضا أمورا منكرة يطول شرحها، وهى مبسوطة فى كتب التاريخ. ولم يزل الحجاج على إمرة العراق، حتى أهلكه الله تعالى، فى يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان سنة خمس وتسعين. كذا قال الطبرى فى تاريخ وفاته.
وذكر الذهبى: أنه توفى ليلة سبع وعشرين من رمضان، وله ثلاث وخمسون سنة أو دونها.
وروى ابن زبر فى وفياته، عن ابن عيينة: أنه توفى فى شوال سنة خمس وتسعين، وهو ابن أربع وخمسين سنة، وقيل: إن عمره ثلاث وخمسون سنة. وكانت وفاته بمدينة واسط التى بناها. وبها دفن وعفّى أثر قبره وأجرى عليه الماء. وكان مرضه الذى مات به الأكلة وقعت فى بطنه، وسلط الله تعالى معها عليه الزمهرير. ولما بلغ الحسن البصرى موت الحجاج سجد لله شكرا. وقال: اللهم إنك أمته فأمت عنا سننه. وسئل إبراهيم النخعى عنه فقال: ألم يقل الله تعالى: (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
وروى الترمذى عن هشام بن حسان، أنه أحصى من قتل الحجاج صبرا، فبلغ مائة ألف وعشرين ألفا، وعرضت السجون بعده، فوجد فيها ثلاثة وثلاثون ألفا، لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب.
قال الذهبى: وسمعوه يقول عند الموت: رب اغفر لى، فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر لى. قال: وكان شجاعا مهيبا جبارا عنيدا، مخازيه كثيرة، إلا أنه كان عالما فصيحا مفوّها، مجودا للقرآن. انتهى.
وكانت ولايته للحجاز ثلاث سنين، وولايته للعراق عشر سنين.