الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
839 ـ برقوق بن آنص الجركسى، السلطان الملك الظاهر أبو سعيد:
صاحب الديار المصرية والشامية والحجازية، وغيرها من البلاد الإسلامية. ذكرناه فى هذا الكتاب لما صنع من المآثر بمكة. وهى عمارة أماكن بالمسجد الحرام وبعض المواليد، وقبة عرفة وغير ذلك.
كان مملوكا للأمير يلبغا الخاصكى، وتنقلت به الأحوال بعده، إلى أن استخدم لأحد ولدى الملك الأشرف شعبان. فلما تسلطن المنصور على بن الأشرف، بعد قتل أبيه، صار برقوق من جملة الأمراء، وكان ممن قام على أينبك البدرى، الذى ولى تدبير المملكة بمصر، بعد قيامه على صهره قرطاى، ولما أمسك أينبك صار برقوق أمير آخور، وسكن الاصطبل، وأخرج منه يلبغا الناصرى. وكان يلبغا المتحدث فى الدولة بعد هرب أينبك، وكان ذلك فى ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وسبعمائة.
وفى ثالث عشرى ذى الحجة منها، استقر برقوق أتابك بالعسكر بالقاهرة. وكان الأتابك قبله الأمير طشتمر الدوادار الأشرفى، ولى ذلك فى جمادى الأولى من هذه السنة، بعد قدومه من دمشق مطلوبا، ثم حصل بين برقوق وجماعته وبين طشتمر وجماعته كدر، وأفضى الحال إلى أن ركب برقوق وخشداشه بركة، وهو أمير مجلس، ومن انضم إليهم من الأمراء والمماليك، فى ليلة عرفة من هذه السنة، على طشتمر وجماعته، فانكسر أصحاب طشتمر، وقبضوا عليه وأنفذ لسجن الإسكندرية، واستقر برقوق أتابك العسكر عوضه، وصار تدبير الدولة إليه وإلى خشداشه بركة، ثم وقع بينه وبين بركة كدر.
فخرج بركة فى أصحابه إلى قبة النصر، مستعدا للحرب، وانكسر بركة وقبض عليه، وارسل إلى الإسكندرية. وانفرد برقوق بتدبير الدولة. ودام على ذلك حتى بويع بالسلطنة، بعد خلع الصالح حاجى بن الأشرف، الذى ولى السلطنة بعد موت أخيه المنصور على بن الأشرف.
وكانت مبايعة الملك الظاهر بالسلطنة، يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان، سنة
839 ـ انظر ترجمته فى: (الدليل الشافى 1/ 187، النجوم 11/ 221، مورد اللطافة 91، 94، درة الأفلاك حوادث سنة 801، عقد الجمان حوادث سنة 801، الضوء 3/ 10، البدر الطالع 1/ 162، شذرات 7/ 6، السلوك 3/ 476، إنباء الغمر 2/ 66، نزهة النفوس 1/ 33، بدائع الزهور 1/ 312، تاريخ ابن قاضى شهبة 86، المنهل الصافى 2/ 285).
أربع وثمانين وسبعمائة، واستمر حتى خلع فى أوائل جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، بعد تخلى أصحابه عنه. وعند وصول العساكر الشامية إلى الديار المصرية، صحبة الأمير يلبغا الناصرى، وأعيد الملك الصالح حاجى بن الأشرف، ولقب بالمنصور، وبعث الملك الظاهر إلى الكرك. فاعتقل بها أشهرا، ثم أطلق فى ثالث شهر رمضان سنة إحدى وتسعين، وأقام بها حتى استفحل أمره، ثم خرج منها فى ثالث عشرى شوال إلى دمشق، فلقيه عسكر من الشام فهزمه، ثم نزل فى العشر الوسط من ذى القعدة، على قبة يلبغا ظاهر دمشق، واستولى على جميع بلاد الشام، ما خلا داخل دمشق، وما قرب من السور وبعلبك، وأتاه نائب حلب كمشبغا الحموى، فيمن معه من عسكر حلب؛ لأنه نقم على منطاش قيامه على الناصرى، فقوى به أمر الظاهر.
ولما سمع باقترب العسكر المصرى، رحل من قبة النصر للقائه، فى ثالث عشر المحرم سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. فالتقا الجمعان فى يوم الأحد رابع عشره؛ بمكان يقال له شقحب (1) بقرب الكسوة (2). فحمل جاليش المصريين على جاليش الظاهر، فكسر جاليشه، وحمل الظاهر على الساقة فهزمها وظفر فيها بالمنصور والخليفة المتوكل والقضاة وغيرهم. وبويع هناك بالسلطنة بعد أن أشهد المنصور بخلع نفسه، وأعرض الظاهر عن دمشق؛ لأن منطاش هرب إليها وحصنها.
وكان خروجه من مصر مع المنصور، فى سابع عشر ذى الحجة من سنة إحدى وتسعين.
وأقام الظاهر بشقحب أياما، ثم سار إلى مصر فوصلها فى رابع عشر صفر، وفيه جلس على سرير الملك بها. وكان وصوله إليها بعد أن استولى عليها بعض مماليكه، لأنهم كانوا مسجونين فى سرب فى القلعة، فنقبوه حتى أخرجهم إلى موضع يتوصلون منه إلى القلعة، وخرجوا منه ليلا، فلم يكن للذين تركهم منطاش بها قدرة على قتالهم، فاستولوا على القلعة. وبعثوا إلى مولاهم الظاهر يعرفونه الخبر قبل علمهم بحاله، فازداد بذلك سرورا، ثم جهز عسكرا إلى دمشق، فاستولوا عليها بعد هرب منطاش، ثم عمل عليه، حتى قتل، وحمل إليه رأس منطاش، وأباد أعداءه واحدا بعد واحد، حتى صفى له
(1) قرية فى الشمال الغربى من جبل غباغب من ضواحى دمشق. انظر: النجوم الزاهرة 8/ 159.
(2)
الكسوة: قرية هى أول منزل تنزله القوافل إذا خرجت من دمشق إلى مصر. انظر: معجم البلدان (الكسوة).