الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا: الطرق السلوكية المعرفية والطرق المعرفية
العلاج العقلاني الانفعالي rational emotive therapy
…
خامسا: الطرق السلوكية المعرفية، والطرق المعرفية
Cognitive Behavioral and Cognitive Methods
16-
العلاج العقلاني الانفعالي Rational Emotive Therapy:
ينتمي العلاج العقلاني الانفعالي إلى النظرية التي طوّرها ألبرت إيليس "1957، 1962، 1971، 1977" Albert Ellis، والتي تفترض أن الاضطرابات والمشكلات النفسية إنما تنشأ عن أنماط خاطئة، أو غير منطقية في التفكير.
يرى إيليس أن البشر يشتركون في غايتين أساسيتين: أولاهما المحافظة على الحياة، وثانيتهما الإحساس بالسعادة النسبية والتحرر من الألم، وأن العقلانية تتكون من التفكير بطرق تسهم في تحقيق هذين الهدفين، على حين أن عدم العقلانية يشتمل على التفكير بطرق تقف حجر عثرة في سبيل تحقيقهما. وبذلك فإن العقلانية يمكن تعريفها على أنها استخدام المنطق في تحقيق الأهداف القريبة والبعيدة.
وفي صياغته الأولى لنظرية العلاج العقلاني والانفعالي، وضع إيليس ثلاثة فروض أساسية لفهم هذه الطريقة:
أولها: أن التفكير والانفعال بينهما صلة وثيقة.
وثانيها: أن درجة الصلة بين التفكير والانفعال من القوة بحيث إن كلا منهما يرافق الثاني، وإنهما يتبادلان التأثير على بعضهما البعض، وفي بعض الأحيان فإنهما يكونان نفس الشيء.
وثالثها: أن كلا من التفكير والانفعال يميل إلى أن يكون في صورة حديث ذاتي أو عبارات داخلية، وإن هذه العبارات التي يقولها الناس لأنفسهم تصبح هي نفسها أفكارهم وانفعالاتهم؛ وبالتالي فإن العبارات الداخلية التي يقولها الناس لأنفسهم تصبح قادرة على توليد وتعديل الانفعالات.
ويرى إيليس أن الانفعالات غير الملائمة مثل القلق، إنما تقوم على أساس من أفكار غير منطقية؛ مما يؤدي إلى إعاقة السلوك الواقعي، كذلك فإن العداوة Hositility قد يكون لها جانب منطقي وآخر غير منطقي. فالجانب المنطقي من العداوة يشتمل على الاعتراف بالضيق أو عدم الراحة كأساس للتصرف المعدّ للتغلب على التذبذب، على حين أن الجانب غير العقلاني من العداوة يشتمل على لوم الآخرين أو لوم العالم وبطريقة تمنع التصرف الفعال، وربما تولد المزيد من عدم السعادة للفرد، بل وتسبب عداوة الآخرين له، ومن ثَمَّ فإن الانفعالات تكون مناسبة عندما تصاحبها أفكار منطقية أو متعقلة.
ويرى إيليس أن البشر لديهم استعداد فطري وميل مكتسب لأن يكونوا عقلانيين، وكذلك أن يكونوا غير عقلانيين. فمن ناحية، نجد أن البشر لديهم طاقة كبيرة لأن يكونوا منطقيين "عقلانيين" ومولدين للسعادة، ومن الناحة الأخرى فإن لديهم طاقة هائلة في أن يكونوا قاهرين لأنفسهم Self Dafeating وللآخرين، وأن يكونوا غير منطقيين ويكرروا باستمرار نفس الأخطاء، كما يرى أن إخفاق الناس في تقبل الواقع ينتج عنه أن يظهروا الاضطراب الانفعالي.
وينظر إيليس إلى البيئة، وإلى مرحلة الطفولة على أنها تساعد ذلك الميل الفطري لتكوين الأفكار غير العقلانية ونموها. وفي عرضه لنظريته، فإنه يحدد العناصر الآتية:
إذا كان أ "A" هو الحدث أو الواقعة المنشطة، والذي قد يكون شيئا وقع بالفعل أو سلوكا أو اتجاها من جانب شخص آخر.
وكانت ب "B" تلك الأفكار أو المقولات التي يقولها الفرد لنفسه حول الحادث أ.
وكانت جـ "C" هي النتيجة أو ردود الفعل التي يستجيب بها الفرد، سواء كان ذلك سعادة أو اضطرابا انفعاليا.
فإنه في الواقع يكون هذا الانفعال سواء كان انفعالا سارا أو انفعالا كَدِرا، ليس نتيجة للحدث الذي سبقه "أ"، وإنما هو نتيجة للفكرة الخاطئة "ب"، أو بعبارة أخرى: فإن النتائج الانفعالية والسلوكية المترتبة على أحداث منشطة في حياتنا إنما يحكمها نظام التفكير لدينا، وإن لدينا القدرة على ضبط وتعديل أفكارنا ومن ثم النتائج النفسية.
ويوضح شكل رقم "20" مثالا تصويريا على أساس من نظرية إيليس، حيث يصور شخصين أحدهما لديه أفكار منطقية، والثاني لديه أفكار غير منطقية وما يترتب على ذهاب كل منهما إلى مقابلة للحصول على وظيفة، وعدم حصوله على هذه الوظيفة.
ويقرر ألبرت إيليس أن كل المشاعر المضطربة ترتبط ارتباطا وثيقا بواحدة أو أكثر من الأفكار غير المنطقية الآتية:
1-
يقول الفرد لنفسه: إنه ينبغي عليَّ أن أؤدي أداء جيدا وأن ألقى القبول والرضا عن كل ما أقوم به، وإلا فإني أكون فاشلا.
2-
إن على الآخرين أن يتصرفوا تجاهي بلطف وعدالة، وإلا فإنهم يكونون مخبولين.
3-
إن الظروف التي أعيش فيها ينبغي أن تظل حسنة وميسرة حتى أحصل على كل ما أريده بدون مجهود كبير، وإلا فإن الحياة تبدو قاتمة.
وقد حدّد إيليس اثنتي عشرة فكرة غير عقلانية Irrational ideas يرى أنها تمثل الأسباب الكامنة وراء الاضطرابات النفسية، وهذه الأفكار هي:
1-
إنه أمر بالغ الأهمية بالنسبة للشخص الراشد أن يكون محبوبا من كل شخص، وراضيا عن كل شيء يعمله.
2-
بعض التصرفات تعتبر مزعجة أو وقحة، وينبغي أن نعاقب الأفراد الذين يرتكبونها بشدة.
3-
من المفزع أن تسير الأمور في صورة غير التي يتمناها المرء.
4-
إن بؤس الإنسان، وشقاءه ينتج نتيجة الأحداث والأشخاص الموجودين في البيئة.
5-
إذا بدا شيء ممثلا لخطر أو لخوف، فإنه ينبغي أن ننشغل به بشكل زائد، وأن نتضايق بسببه ويتعكر صفو حياتنا.
6-
من السهل أن نتجنب مصاعب الحياة، والمسئوليات الشخصية عن أن نواجهها.
7-
إن الإنسان يحتاج لأشياء أقوى منه، أو أكبر منه يلقي مسئولياته عليها.
8-
ينبغي أن يكون المرء حاذقا ذكيا، ومنجزا في كل جوانب الحياة.
9-
إذا كان قد سبق لشيء ما أن سبّب لك ضيقا في حياتك، فإنه سيستمر في التأثير عليها.
10-
إنه ينبغي أن يكون للإنسان القدرة على التحكم في بعض الأشياء.
11-
إن سعادة الإنسان تتحقق من خلال عملية القصور الذاتي.
12-
إن الإنسان ليس لديه تحكم "سيطرة" على انفعالاته الخاصة.
وتقوم إستراتيجية العلاج العقلاني الانفعالي على أن يساعد المرشد المسترشد على التعرف على الأفكار غير المنطقية لديه، وأن يحل أفكارا أكثر عقلانية محلها.
ويشتمل الإرشاد على الخطوات التالية:
1-
الإقناع اللفظي، والذي يهدف إلى إقناع المسترشد بمنطق العلاج العقلاني.
2-
التعرف على الأفكار غير العقلانية لدى المسترشد من خلال مراقبة المسترشد لذاته، وتزويد المرشد له بردود الفعل.
3-
تحديات مباشرة للأفكار غير العقلانية، مع إعادة التفسير العقلاني للأحداث.
4-
تكرار المقولات الذاتية العقلانية، بحيث تحل محل التفسيرات غير العقلانية.
5-
واجبات سلوكية معدَّة لتكوين الاستجابات العقلانية؛ لتحل محل الاستجابات غير العقلانية التي كانت سببا في حدوث الاضطراب النفسي.
والمرشد الذي يستخدم طريقة العلاج العقلاني الانفعالي، مرشد نشط يقع عليه عبء كبير في مساعدة المسترشد على التعرف على الأفكار غير العقلانية الكامنة وراء انفعالاته الكدرة، وعلى إقناعه بالأفكار العقلانية التي تحل محلها، وكذلك في مساعدة المسترشد على تغيير سلوكه من خلال تكليفه بواجبات منزلية مثل قراءة كتب محددة، أو القيام بنشاط معين.
17-
الإعادة المتدرّجة للبناء العقلاني Systematic Rational Restructuring:
طوّر جولد فرايد "1977" Goldfried هذه الطريقة التي تعتبر أكثر تحديدا وبنية من طريقة إيليس. وتشبه هذه الطريقة إلى حد ما طريقة التخلص المنظم من الحساسية، حيث يطلب المرشد من المسترشد أن يتخيل تدرجا من المواقف المولدة للقلق، وفي كل خطوة يعطي المسترشد تعليمات بأن يتعرف على الأفكار غير المنطقية المرتبطة بهذا الموقف المحدد، وأن يدحض هذه الأفكار ويعيد تقويم الموقف بطريقة عقلانية. كذلك يطلب المرشد من المسترشدين أن يمارسوا إعادة البناء العقلاني في الواقع الملموس In vivo، وذلك في المواقف التي تولد القلق. وتشترك هذه الطريقة مع طريقة إيليس في الأساس النظري.
18-
طريقة التدريب على التعليمات الذاتية Self- Instructional Training:
صاحب هذه الطريقة هو دونالد ميكينبوم "1974" Meihenbaum، الذي اقترح طريقة لإعادة البناء المعرفي عن طريق التدريب على إعطاء تعليمات ذاتية "النصح الذاتي"، وذلك على أساس من فكرتين أساسيتين:
أ- فكرة العلاج العقلاني الانفعالي لألبرت إيليس وتركيزها على أن الأشياء غير العقلانية التي يقولها الإنسان لنفسه، هي السبب في الاضطراب الانفعالي.
ب- تتابع النمو لدى الأطفال والذي يطور فيه الأطفال الحديث الذاتي "الداخلي" والضبط اللفظي الرمزي على السلوك "لوريا 1961 Luria" حيث يرى لوريا أن سلوك الأطفال ينتظم في البداية من خلال تعليمات يعطيها لهم أشخاص آخرون، ثم فيما بعد فإنهم يكتسبون القدرة على ضبط سلوكهم الشخصي من خلال تعليمات صريحة يقولونها لأنفسهم، وتتحول فيما بعد إلى تعليمات داخلية ضمنية.
ويشتمل التدريب على التعليمات الذاتية "النصح الذاتي"، على الخطوات التالية:
أ- تدريب المسترشد على التعرف على الأفكار غير التوافقية "المقولات الذاتية" والوعي بها.
ب- يقوم المرشد بنمذجة السلوك المناسب، بينما يشرح بالكلام الطرق الفعالة. وتشتمل هذه الأقوال على شرح متطلبات الواجب، والتعليمات الذاتية التي تقود الأداء المتدرج، والأقوال الذاتية التي تؤكد كفاءة الشخص وتعارض الانشغال بالفشل، والتعزيز الذاتي الضمني للأداء الناجح.
جـ- يقوم المسترشد بعد ذلك بأداء السلوك المستهدف، وفي البداية يتم ذلك بينما يعطي المسترشد لنفسه التعليمات المناسبة بصوت عالٍ، ثم بعد ذلك يكون ذلك بترديد هذه التعليمات في سره، أي: بينه وبين نفسه. وتساعد توجيهات المرشد في هذه المرحلة على تأكيد أن ما يقوله المسترشد لنفسه في سبيل حل المشكلة، قد حل محل الأفكار التي كانت تسبب القلق فيما مضى.
وتشير الأبحاث إلى أن التدريب على التعليمات الذاتية يمكن أن يساعد بشكل كبير على تعديل مجموعة كبيرة من السلوكيات عند الأطفال والكبار على السواء، وقد أمكن استخدام هذا الأسلوب بنجاح كبير في تخفيض المشكلات المرتبطة بالقلق مثل قلق الاختبارات والقلق الاجتماعي وقلق الكلام، وكذلك في زيادة الضبط الذاتي لدى الأطفال المندفعين.
19-
التدريب على التحصين ضد الضغط Stress Inoculation Training:
تشبه هذه الطريقة عملية التحصين ضد الأمراض العامة. وهي تبنى على مقاومة الضغوط عن طريق برنامج يعلم المسترشد كيف يتعامل Cope "يتجاوب" مع مواقف متدرجة للانضغاط. وأسلوب التدريب ذو طبيعة متعددة الأوجه؛ نظرا لما يحتاجه من مرونة في مواجهة المواقف المتنوعة للضغوط، ووجود الفروق الفردية والحضارية، وكذلك لأن أساليب التجاوب نفسها متنوعة.
إجراءات التدريب على التحصين ضد الضغوط:
يشتمل أسلوب التحصين من الضغوط على ثلاث مراحل:
1-
مرحلة التعليم:
وفي هذه المرحلة يزوّد المسترشد بإطار تصوري لفهم طبيعة ردود فعله تجاه الضغط، ويكون ذلك في أسلوب عامي مبسط. ويكون الهدف من تحديد الإطار هو مساعدة المسترشد على أن ينظر للمشكلة بشكل منطقي "عقلاني"، وأن يوافق ويتعاون في الإرشاد المناسب.
وفي دراسة لحالات الفوبيا المتعددة وبعد مقابلة تقويمية، تم عرض القلق لدى المسترشد على أن يشتمل على عنصرين أساسيين:
1-
استثارة فيزيولوجية عالية "مثلا: زيادة ضربات القلب، سرعة التنفس، عرق اليدين، وغيرها من الأعراض التي يخبرنا بها المسترشد".
2-
مجموعة من الأفكار الهروبية المولدة للقلق كما يدل عليها استياء المسترشد، والإحساس بانعدام الحيلة، وأفكار الألم، ورغبة في الهرب
…
إلخ.
ثم أخبر المسترشد حينئذٍ أن العبارات التي يقولها لنفسه أثناء استثارة القلق، قد أدت إلى سلوك التجنب الانفعالي، وأن العلاج سيتجه نحو:
أ- مساعدة المسترشد على ضبط الاستثارة الفيزيولوجية.
ب- تغيير العبارات الذاتية التي تمت تحت ظروف الانضغاط.
ثم شجع المسترشد بعد ذلك على أن ينظر إلى خوفه أو ردود فعل الانضغاط لديه على أنها تتكون من أربع مراحل، بدلا من كونها رد فعل غير متمايز:
1-
الإعداد للضاغط "مصدر الضغط".
2-
مواجهة الضاغط أو التعامل معه.
3-
احتمال أن يكون الضغط شديدا عليه.
4-
تعزيز نفسه على أنه قد واجه الضغط.
2-
مرحلة التكرار:
في المرحلة الثانية قام المرشد بتزويد المسترشد بأساليب التعامل "التجاوب" Coping techniques، والتي تشتمل على إجراءات مباشرة ووسائل مواجهة معرفية، يستخدمها في كل مرحلة من المراحل الأربع. وتشتمل الإجراءات المباشرة على الحصول على معلومات حول الأشياء المخيفة: الإعداد لطرق الهروب، والتدريب على الاسترخاء. أما المواجهة المعرفية فتشتمل على مساعدة المسترشد أن يصبح واعيا بالعبارات السلبية القاهرة للذات واستخدامها كإشارات على تكوين عبارات ذاتية غير مناسبة للمواجهة. وكأمثلة لكل مرحلة من المراحل الأربع:
1-
تستطيع أن تعد خطة للتعامل مع الضغط "أو الخوف".
2-
استرخ
…
خذ نَفَسا عميقا.
3-
عندما يأتي الخوف، توقف.
4-
لقد نجحت.
3-
التدريب التطبيقي:
عندما أصبح المسترشد ماهرا في أساليب المواجهة، فإنه كان يعرض في المختبر لسلسلة من الضغوط المهددة للأنا والمهددة بالألم، بما في ذلك صدمات كهربية غير متوقعة كما قام المرشد بنمذجة استخدام مهارات التجاوب.
وقد كان التدريب متعدد الأوجه حيث اشتمل على مجموعة من الأساليب العلاجية، والتي تشتمل على تدريب على الكلام، والمناقشة، والنمذجة، وتعليمات للذات، والتكرار السلوكي، والتعزيز.