الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
العلاقة الإرشادية:
العلاقة الإرشادية جانب هام من جوانب العملية الإرشادية، وفي إطار هذه العلاقة يحدث الانفتاح المطلوب من المسترشد، حيث ينمي ثقته في المرشد ويبدأ في التحدث عن مشكلاته وظروفه وعن خصوصياته بشكل من الصراحة. والعلاقة الإرشادية هي صرح الإرشاد الذي ينبغي على المرشد أن يبذل كل جهده لحمايته.
والعلاقة الإرشادية علاقة مهنية شخصية، فهي علاقة مهنية لأنها محددة بهدف أو أهداف واضحة تنتهي بنهايتها، ولأنها كذلك محددة بقواعد أخلاقية تحدد ما يجوز وما لا يجوز بالنسبة لكل من المرشد والمسترشد في حدودها. وهي أيضا علاقة فيها جانب شخصي أو ذاتي حيث يضع كل من المرشد والمسترشد جوانب شخصية داخل هذه العلاقة، فالمرشد يشارك بعلمه ومهاراته وصفاته الشخصية واتجاهاته وقِيَمه أيضا، والمسترشد يأتي بكليات شخصيته بصفاته واتجاهاته وأفكاره وتصرفاته ومشاعره وما يعتورها من مشكلة أو مشكلات.
ولأهمية هذه العلاقة في سير عملية الإرشاد، وفي الحصول على المعلومات التي تساعد المرشد والمسترشد على فهم هذا المسترشد وظروفه وواقعه والمتغيرات من حوله، فإن هذه العلاقة يجب أن تصان عن كل ما يؤدي إلى نقص الثقة في العمل الإرشادي، ومن
هنا تهتم الهيئات التي تنظم عمل المرشدين بأن تحدد هذه العلاقة بحدود أخلاقية، أو قواعد قيمية تحكم السلوك المتوقع في إطار هذه العلاقة.
ولكي تبدأ العلاقة بداية سليمة، فإن على المرشد أن يدرك دوره ومسئوليته بالنسبة للمسترشد وبالنسبة للمهنة التي ينتسب إليها، وهو يدرك أنه يعمل مع إنسان، وهذا الإنسان قد كرّمه خالقه جل وعلا، وعليه أن يتقبل هذا الإنسان الذي جاء يطلب مساعدته، والتقبل الذي لا توضع عليه شروط مسبقة من العوامل الأساسية التي تساعد على استبصار المسترشد بمشكلته واكتساب الأمن الذي قد يكون كافيا ليعدل هو نفسه من أفكاره أو سلوكه. ولا يعني التقبل للمسترشد الموافقة أو القبول لسلوكه، وإنما يعني رفع القيود والحرج عنه ليتسنى له أن يتعرف على حقيقة سلوكه، وليتسنى له أن يقبل ما يعرض عليه من خطط لتعديل السلوك. وبذلك فإن المرشد يمتنع منذ البداية عن الاتجاه السلبي نحو المسترشد بسبب جنسه أو لونه أو غير ذلك من المتغيرات كأن تكون لديه إعاقة بدنية، ويجب على المرشد أن يقاوم في نفسه أي نزوع نحو وضع المسترشد في قالب معين يتعامل معه من منطلقه.
كذلك فإن المرشد في إطار العلاقة الإرشادية يحاول أن يوفر كل ما يجعل هذه العلاقة آمنة، بدءا من المعلومات التي يدلي بها المسترشد على النحو الذي ورد في موضوع السرية إلى الجانب الشخصي من الأمن، فلا يكون المسترشد موضوعا للهجوم أو النقد الشديد أو السخرية، وخاصة في المراحل الأولى من العلاقة التي يبقى المرشد فيها بعيدا عن النقد أو إصدار الأحكام، أما السخرية والعقاب فهي أمور لا نتصور أن تدخل كعناصر في أية علاقة إرشادية؛ لأنها لن تشوه العلاقة الفردية بين المرشد والمسترشد المعين فقط، وإنما ستضر إضرارا كبيرا بمهنة الإرشاد كلها.
وفي إطار العلاقة الإرشادية، فإن المرشد يمتنع عن الاستفادة من المعلومات التي حصل عليها من المسترشد لأغراض شخصية، كما يمتنع عن أن يدخل في علاقات لا تتصف بالموضوعية كمحاولة الحصول على معلومات لن يستفيد منها المسترشد في موقف الإرشاد من حيث توظيف المرشد لها في العملية الإرشادية، أو تكوين علاقة
شخصية مثل الصداقة أو الزيارات الودية للأسرة أو البيع والشراء وتبادل المنافع وغيرها.
كما يجب على المرشد وخاصة المرشد الطلابي الذي يجد نفسه وجها لوجه أمام المسترشد بين الجلسات مرات عديدة، ألا يتصرف بطريقة يتضح معها للآخرين أن هذا الطالب "المسترشد" في علاقة إرشادية مع المرشد في الوقت الحاضر، كأن يسأله مثلا أمام زملائه عما فعل إزاء موقف معين، وإنما عليه أن يقصر مثل هذه الأسئلة على الجلسات وداخل حجرة الإرشاد.
وإذا اتضح للمرشد أن العلاقة بينه وبين المسترشد تسير في طريق غير صحيح كأن يكون هناك مقاومة شديدة من جانب المسترشد للاستجابة للعملية الإرشادية، أو أن يكون هناك اعتماد غير سوي من جانب المسترشد على المرشد، أو العكس كأن يلمس المرشد في نفسه رغبة شديدة في استمرار العلاقة أكثر من اللازم أو عندما تسير العلاقة في طريق مسدود من حيث تحقيق الأهداف الإرشادية، فإن على المرشد أن يعمل على إنهاء العلاقة الإرشادية، وإذا كان المسترشد لا يزال دون تحقيق أهداف الإرشاد فإن المرشد يلتزم بمعاونته على استكمال الإرشاد لدى مرشد أو متخصص آخر ويتخذ الإجراءات المناسبة لإحالته إلى المتخصص المناسب. ونفس الشيء يلتزم به إذا وجد أنه غير قادر على تحقيق الأهداف من خلال الطريقة أو الطرق التي استخدمها أو إذا كانت هناك نتائج عكسية كأن ازدادت المشكلة سوءا.
كما يمتنع المرشد عن الدخول في علاقة إرشادية إذا كانت هناك رابطة مع هذا المسترشد من نوع العلاقة بين الزوجين والإخوة والأصدقاء، وكذلك المرءوس والرئيس والمدرس والطالب إلا إذا تحقق عدم وجود مرشد آخر يقوم بهذا العمل.
والمرشد لا يتخذ قرارات خاصة للمسترشد وهو يقصر دوره على مساعدة المسترشد على تعلم مهارات اتخاذ القرارات، وإرشاده إلى أفضل المصادر وأدقها بالنسبة للمعلومات التي تساعد على اتخاذ القرارات.
ويجب على المرشد أن يتحقق عند دخوله في علاقة إرشادية مع المسترشد أن هذا المسترشد ليس فعلا في إطار علاقة إرشادية مع مرشد آخر. وإذا كان هذا المسترشد فعلا
في علاقة إرشادية مع مرشد آخر، فيجب على المرشد أن يحصل على إذن من ذلك المرشد، أو ينهي العلاقة مع المسترشد إلا إذا اختار المسترشد أن ينهي هو علاقته مع المرشد السابق.
ويجب على المرشد أن يحترم حرية الاختيار للمسترشد، إلا إذا وجد ما يمنع ذلك "مثلا نظام المؤسسة"، وفي هذه الحالة يكون على المرشد أن يعلم المسترشد بهذه الحدود. وبالنسبة للمذكرات والمدونات والتسجيلات الخاصة بالمقابلات الإرشادية، فإنها تعتبر معلومات مهنية لا تعامل معاملة الوثائق التي تخص المؤسسة التي يعمل بها المرشد، وعليه أن يتخذ كل الاحتياطات التي تكفل عدم وصولها للغير. أما السجلات الرسمية للإرشاد، فإنها تسلم فقط للمتخصص الذي يدرك ويحترم الأخلاقيات والمبادئ التي تحكم العمل الإرشادي. وإذا كان المرشد يعمل مع جماعات إرشادية "الإرشاد الجمعي"، فإن عليه أن يبني بين أفراد الجماعة الإرشادية مبدأ السرية بالنسبة للمعلومات التي تعرض في مقابلات الجماعة الإرشادية.
كذلك، فإن على المرشد أن يمتنع عن قبول الدخول في علاقة إرشادية يدرك مسبقا أنه لن يكون مفيدا للمسترشد في التعامل مع مشكلته في إطارها.
ويجب على المرشد أن يستشير زملاءه في المهنة فيما يقابله من صعوبات، أو مواقف يشعر فيها أن العلاقة تسير سيرا غير طبيعي، أو أن المعلومات التي حصل عليها من المسترشد قد تحتاج لعرض على السلطات المختصة؛ لوجود خطر قد يلحق بالفرد أو بآخرين أو بالمجتمع بشكل عام.
إن على المرشد وهو يدرك دور العلاقة الإرشادية، أن يحافظ عليها في صورة ناصعة آمنة ودودة، يشع فيها الرفق والإخلاص ومساعدة المسترشد على النمو الصحيح.