الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القيمة العلاجية للعلاقة الإرشادية:
إن فاعلية العلاقة الإرشادية في معالجة، ومواجهة المشكلات النفسية والانفعالية، وفي نمو ونضج، وتحقيق الذات للمسترشدين، يمكن أن تعزى إلى عدة عوامل.
فمن بين العوامل الهامة أن العلاقة التي تنشأ بين المرشد، والمسترشد يمكن أن ننظر إليها على أنها صورة مصغرة للعالم الخاص بالمسترشد، فهي تعكس الأنماط الخاصة بعلاقة المسترشد بالآخرين، وتساعد العلاقة الإرشادية المرشد على ملاحظة نمط العلاقة الشخصية للمسترشد، كما أنها توفر بيئة لتغيير أنماط الاتصال غير الفعال، ومن هذا المنظور تكون العلاقة نفسها علاجية، حيث يواجه المرشد، والمسترشد كل منهما الآخر كفردين يعملان على حل تعقدات العلاقة الودية.
ثمة عامل آخر في فاعلية العلاقة الإرشادية هو تأسيس المناخ العلاجي القائم على الثقة والتقبل، بالإضافة إلى الشروط الجوهرية وهي التطابق، والتفهم القائم على المشاركة، والتقدير الإيجابي، وتحديد التعبير.
المناخ العلاجي للمقابلة:
يقوم المناخ العلاجي للمقابلة على ركنين أساسين هما الثقة، والتقبل:
1-
الثقة: Trust:
الثقة مطلب أساسي لإعداد المناخ العلاجي، وفي المعتاد أن يأتي المسترشد إلى الإرشاد، ويدخل إلى العلاقة الإرشادية، وهو قلق وخائف، كما أن توقعاته عن الإرشاد تكون غير واضحة، وعادة فإن المسترشدين يبحثون عن المساعدة في مشكلاتهم الشخصية، ويأمون أن يستجيب المرشدون لهم بتفهم، فإذا خرجوا من اللقاء الأول مع المرشد بانطباع مملوء بالثقة فيه، فإنهم سيستمرون في هذه المخاطرة الانفعالية، ويشتركون بمشاعرهم وأفكارهم، وجوانب القلب والخوف لديهم، والتي كان من الصعب مناقشتها من قبل، بل كانوا يلجأون أحيانا إلى إنكارها، وعندما يتحقق المسترشدون أن المرشدين لا يبحثون عن أخطاء في تلك الجوانب التي يعرضونها من حياتهم، وهم كارهون لها، فإن تقبلهم لأنفسهم سوف يزداد، ومع زيادة الثقة في المرشد، فإن إمكانية النمو والتغيير تزداد أيضا، وبهذا فإننا نقول: إن المرشد يحتاج ويستطيع منذ اللحظة الأولى للاتصال مع المسترشد أن يبني هذه الثقة، أي أنه يصبح موضع ثقة المسترشد، إن الشروط الأساسية، المتمثلة في التطابق، التفهم القائم على المشاركة، والتقبل غير المشروط، والتعبير الدقيق، كلها عوامل تسهم في تنمية الثقة، وسوف نناقشها من موضع آخر.
2-
التقبل Acceptance:
إن المناخ الإرشادي الجيد يجب أن يسوده اتجاه قائم على التقبل من جانب المرشد، ويعني هذا أن يكون المرشد قادرًا على الإصغاء لمشكلات، ومشغوليات المسترشد دون أن يصدر أحكاما تقويمية عليها، وأنه بوسعه أن ينظر للمسترشد باعتباره
إنسانا له كرامة بمنأى عن محتوى سلوك أو أفكار هذا المسترشد، إن اتجاه التقبل من جانب المرشد يوصل إلى المسترشد الاحترام باعتباره شخصا له كرامة وقيمة، وبذلك فإن المسترشد يشعر بأن هناك من يفهمه، ويعطيه قيمة بشكل حقيقي.
لقد رأينا من قبل في حديث الشاب الذي جاء يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في الزنا، كيف عالج الرسول المعلم هذا الموقف في رفق، وكيف قرب الشاب من مجلسه ثم بدأ يناقشه مناقشة عقلية تصويرية، وانتهى من هذا الموقف إلى أن يمسح على صدره بيده الشريفة، وأن يدعو له.
وفي موقف آخر حين جاء رجل، وتبول في جانب من المسجد، وهم الناس أن يؤذوه فقال صلى الله عليه وسلم:"دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"1.
إن التقبل قاعدة أساسية من شأنها أن تولد الثقة من جانب المسترشد في المرشد حين يلمس أنه لم يعاقبه ولم يؤنبه، وإنما أصغى إليه ثم بدأ في مناقشته في رفق وهدوء، وكلا الجانبين من شأنهما أن يهيئا مناخا لعلاقة إرشادية ذات قيمة في معالجة السلوك؛ لأنها ستجعل المسترشد يستجيب لمبادرات، وينهض بإجراءات تساعد على مواجهة المشكلات.
ويجب أنننبه إلى أن التقبل لا يعني الموافقة، والإقرار بسلوك المسترشد، وإنما التقبل يعني تقبل الإنسان باعتباره إنسانا عرضة للصواب وعرضة للخطأ، وأنه جاء إلى موقف الإرشاد بحثا عن الصواب، وأنه يعاني من الرفض بشكل ما، سواء كان هذا الرفض من داخله أو من خارجه، فإذا ما واجهه المرشد بالرفض أيضا، فليس هناك مجال للإرشاد، إن تقبل المرشد للمسترشد هو الذي يضفي صفة الأمن على العلاقة الإرشادية، وهي صفة يحتاجها المسترشد ليدرك أين هو انفعاليا وعقليا وسلوكيا، وماذا ينبغي أن يكون عليه، وكيف السبيل إلى ذلك.
1 حديث شريف رواه البخاري.