المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الصفات والخصائص الشخصية - العملية الإرشادية

[محمد محروس الشناوي]

فهرس الكتاب

- ‌ مقدمة

- ‌الفصل الأول: العملية الإرشادية والعلاجية

- ‌تعريف الإرشاد

- ‌علاقة الإرشاد بالمصطلحات الأخرى:

- ‌مراجع الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني: المرشد خصائصه ومهاراته

- ‌مدخل

- ‌خصائص المرشد

- ‌أولاً: العلم

- ‌ثانيا: الصفات والخصائص الشخصية

- ‌ثالثا: المهارات الأساسية للمرشد

- ‌مراجع الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث: العلاقة الإرشادية

- ‌تعريف العلاقة

- ‌أهمية العلاقة في الإرشاد:

- ‌خصائص العلاقة الإرشادية:

- ‌القيمة العلاجية للعلاقة الإرشادية:

- ‌الأبعاد الأساية للعلاقة الناجحة: "شروط العلاقة

- ‌مهارات الاتصال:

- ‌أولا: السلوك غير اللفظي:

- ‌ثانيًا: استجابات الإصفاء listening responses

- ‌الخلاصة:

- ‌مراجع الفصل الثالث:

- ‌الفصل الرابع: بدء العلاقة الإرشادية

- ‌المقابلة الأولى

- ‌مدخل

- ‌ موعد المقابلة:

- ‌ مكان المقابلة: "بيئة الإرشاد

- ‌مدة الجلسة:

- ‌التحضير للمقابلة:

- ‌أهداف المقابلة الأولى:

- ‌مراجع الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس: تصوير المشكلة:

- ‌التشخيص

- ‌معنى المشكلة:

- ‌مفهوم التشخيص:

- ‌أولًا: التشخيص كتصنيف:

- ‌ثانيا: التشخيص ودوره في فهم المسترشد ومشكلاته

- ‌النماذج المستخدمة في عملية التشخيص أو تصوير المشكلات

- ‌النموذج الطبي: the medical model

- ‌نموذج سييى لتصوير المشكلة

- ‌ نموذج لازاروس لتصوير المشكلة "1976

- ‌ نموذج كورميير وكورميير لتصوير المشكلات "1985

- ‌ملاحق

- ‌ملحق رقم 1: المجموعات الشخيصة للأمراض النفسية والعقلية حسب تصنيف dsmiii

- ‌ملحق رقم "5" نموذج لدراسة تاريخ حالة:

- ‌مراجع الفصل الخامس:

- ‌الفصل السادس: الاختبارات النفسية واستخدامها في مجال الإرشاد

- ‌مدخل

- ‌الدور الذي تعلبه الاختبارات في مجال الإرشاد

- ‌اختيار الاختبارات في مجال الإرشاد:

- ‌أنواع الاختبارات المستخدمة في مجال الإرشاد:

- ‌تطبيق الاختبارات، والعوامل التي تؤثر فيه:

- ‌تفسير نتائج الاختبارات

- ‌مدخل

- ‌العوامل التي تؤثر على درجة المسترشد "المفحوص" على اختبار:

- ‌علاقة التفسير بصدق الاختبار:

- ‌مصادر البيانات:

- ‌أساليب تفسير الاختبارات

- ‌مدخل

- ‌المقارنة بين الجسور الإحصائية والجسور الإكلينيكية

- ‌توصيل نتائج الاختبارات: "التقرير

- ‌بعض القضايا الخاصة باستخدام الاختبارات في الإرشاد:

- ‌بيان ببعض الاختبارات التي يمكن استخدامها في الإرشاد

- ‌أختبارات الاستعدادات

- ‌اختبارات الشخصية:

- ‌مراجع الفصل السادس:

- ‌الفصل السابع: الملاحظة واستخدامها في الإرشاد

- ‌مدخل

- ‌تسجيل وترميز الملاحظة:

- ‌مزايا وعيوب الملاحظة:

- ‌مراجع الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن: إعداد الأهداف في إطار عملية الإرشاد

- ‌مدخل

- ‌أهداف الإرشاد:

- ‌الأهداف العامة للإرشاد:

- ‌الأهداف الموجهة للمرشد:

- ‌اختيار وتحديد الأهداف

- ‌مدخل

- ‌مراجع الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع: اختيار طريقة للأرشاد

- ‌توقيت طرق الإرشاد

- ‌محكات اختيار رق "استراتيجيات الإرشاد

- ‌مراجع الفصل التاسع

- ‌الفصل العاشر: طرق الارشاد

- ‌مدخل

- ‌أولًا: القائمة على أساس من الإشراط الإجرائي

- ‌التعزيز "التدعيم" reinforcement

- ‌ثانيًا: الطرق القائمة على أساس الإشراط الكلاسيكي

- ‌مدخل

- ‌التخلص المنظم من الحساسية systematic desensitization

- ‌مدخل

- ‌وصف طريقة التخلص المنظم من الحساسية:

- ‌صور أخرى للتخلص المنظم من الحساسية:

- ‌التدريب على السلوك التوكيدي

- ‌مدخل

- ‌تطور أسلوب التدريب على السلوك التوكيدي:

- ‌فينات التدريب التوكيدي

- ‌رابعًا: الإرشاد باستخدام العلاقة الإرشادية

- ‌مدخل

- ‌إعادة الاندماج:

- ‌قانون أولي للعلاقة بين الأشخاص:

- ‌خصائص عملية الإرشاد:

- ‌النتائج الخاصة بالشخصية والسلوك:

- ‌خامسا: الطرق السلوكية المعرفية والطرق المعرفية

- ‌العلاج العقلاني الانفعالي rational emotive therapy

- ‌سادسًا: الطرق الواقعية

- ‌ الإرشاد باستخدام القراءة:

- ‌الإرشاد باسختدام الأنشطة

- ‌ الإرشاد بإتاحة المعلومات للمسترشد:

- ‌ نموذج إسلامي لمعالجة الغضب:

- ‌مراجع الفصل العاشر:

- ‌الفصل الحادي عشر: تقويم العملية الإرشادية والعلاجية

- ‌معنى التقويم

- ‌أهداف التقويم في الإرشاد:

- ‌إجراءات التقويم:

- ‌أولا: ماذا نقيس أبعاد الاستجابة:

- ‌ثانيا: كيف نقيس أساليب القياس

- ‌ثالثا: متى نقيس؟ وقت القياس

- ‌مراجع الفصل الحادي عشر:

- ‌الفصل الثاني عشر: إنهاء الإرشاد

- ‌أهمية إنهاء العلاقة الإرشادية termination of counseling

- ‌مراجع الفصل الثاني عشر:

- ‌الفصل الثالث عشر: القواعد الأخلاقية للأرشاد ethical standards

- ‌مدخل

- ‌أهمية الأخلاقيات في مجال الإرشاد

- ‌العلم

- ‌ الخبرة:

- ‌ رعاية مصلحة المسترشد:

- ‌ سرية المعلومات:

- ‌ العلاقة الإرشادية:

- ‌ كرامة المهنة:

- ‌جوانب عامة:

- ‌مراجع الصل الثالث عشر

- ‌أولا: العربية

- ‌ثانيا: الأجنبية

- ‌الفصل الرابع عشر: التسجيل،النماذج، التقارير

- ‌أولًا: التسجيل

- ‌ثالثا: التقارير

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ثانيا: الصفات والخصائص الشخصية

‌ثانيا: الصفات والخصائص الشخصية

العمل الإرشادي ينتمي كما سبق القول إلى مجموعة تخصصات، أو مهن تعرف بمهن المساعدة "المعاونة" Helpin Professions، وهذه المهن تتطلب من القائم بها أن يضع شخصه داخل هذا العمل، وأن يكون مستعدا للعطاء دون ملل، وتحمل العمل دون ضجر، ودون يأس -وهو لذلك يحتاج أن تتوفر فيه مجموعة صفات، أو خصائص شخصية تجعل من عمله بجانب اصطباغة بالأسس العلمية ذا طبيعة فنية خاصة يشعر بها المرشد، وهو يؤديها ويشعر بها المسترشد الذي يقدم العمل من أجله، وفيما يلي بعض الخصائص التي يرى المؤلف ضرورة توفرها في المرشد.

1-

الأمانة:

والأمانة كلمة بسيطة ولكنها ذات معنى واسع، والأمانة مشتقة من الأمن، ومادة الأمن تعبر عن الطمأنينة، والأمانة صفة هامة أساسية ينبغي أن تتوافر في المرشد.

إن المسترشد حين يأتي إلى موقف الإرشاد فإنه يأتي ومعه مشكلة، وهذه المشكلة جاءت من مسببات، ومن ظروف أكثرها يكون في عائلة المسترشد أو أسرته، وقليل منها يكون في البيئة التي يتحرك فيها، وفي جميع هذه الأحوال، فإن هناك معلومات سيحتاجها المرشد حول المشكلة، والظروف التي أنشأتها أو التي تساعد على استمرارها، وهذه المعلومات بعضها قد يمثل جانبا حساسا من حياة الناس لا يحبون أن يطلع عليه أحد، ومن هنا نجد المسترشد في الجلسات الأولى من الإرشاد، وقد حجب كثيرًا من المعلومات العامة خوفا من أن يعرفها آخرون، أو أن تصبح موطن حرج له، فإذا ما عرف ما يشترط في الإرشاد من أمانة تقتضي صون المسترشد، وصون أسراره فإن الثقة في المرشد تنمو لدى المسترشد، ويبدأ في تقديم المعلومات التي يحتاجها المرشد ليساعده.

إن الأمانة تقتضي من المرشد أن يحافظ على المسترشد، وأن يصونه بكل ما يستطيع، ومعنى هذا أن يصون دينه وعقله، وسلامته "نفسه" وماله وعرضه، وهي الضرورات التي تحددها الشريعة الإسلامية.

والأمانة تقتضي من المرشد أن يصون الجماعة المسلمة، والمجتمع المسلم بكل ما أوتي من قوة، وهو بذلك يلتزم بوقاية مسترشديه بكل ما يمكنه، ووقاية المجتمع من أي داء يتسلل إليه.

والأمانة تقتضي من المرشد أن يصون أسرار المسترشد إلا عندما يتحقق أن الاستمرار في ذلك تنشأ عنه مضرة، أو مفسدة للمسترشد نفسه أو لآخرين، أو للمجتمع ككل.

والأمانة تقتضي أن نقدم للمسترشد المعلومات الدقيقة الصادقة لكل المواقف التي يحتاج فيها إلى هذه المعلومات لتصحيح موقف، أو تخطي عقبة أو حل مشكلة، وأن نسعى للحصول على هذه المعلومات من مصادرها الصحيحة.

ص: 32

والأمانة تقتضي أن يبتعد المرشد عن مجاملة الآخرين على حساب المسترشد، وأن يتدخل لحمايته بكل ما يستطيع من أي استغلال، أو ضرر يلحق به عن طريق اللجوء إلى جهات الاختصاص.

إن الأمانة صفة أخلاقية أساسية يحتاج إليها المرشد في كل حياته، ويحتاج أن يستفيد منها في عمله الإرشادي، وهي صفة يمتدحها القرآن الكريم:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 1-8] .

كذلك فإن الأمانة تقتضي من المرشد أن يخلص في عمله، وأن يسعى إلى إتقانه بكل ما يستطيع، ويعني هذا أن المرشد لا يدخر جهدا في مساعدة مجموعة المسترشدين "مثل الطلاب" الذي يعمل معهم بدءا بالمستوى الإنمائي، ثم المستوى الوقائي فالمستوى العلاجي، والإخلاص وإتقان العمل سمات أساسية من سمات المؤمنين، ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:

"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".

والإتقان يعني الجودة، ويعني التمام، ويعني عدم التكاسل أو اتباع الطرق السهلة دون النظر إلى مصلحة المسترشد. إن الإتقان يأتي عندما يشعر المرشد أنه قد بذل كل ما في وسعه على أحسن وجه، أو بمعنى آخر يشعر أنه يؤدي الأمانة التي اؤتمن عليها، وهي مصلحة المسترشد.

2-

التطابق "الأصالة":

التطابق يعني أن يكون الإنسان أمينًا مع نفسه ظاهره كباطنه، وسره كعلانيته، وأن يكون عمله مصدقا لقوله

والتطابق صفة لازمة للصحة النفسية، وهي أيضا صفة لازمة للمرشد في عمله، فالمرشد كما قلنا من قبل يدير موقفا تعليميا فيه المسترشد، ومجموعة المسترشدين وهم

ص: 33

طلاب المدرسة يتعلمون منه وعنه، وهم ينظرون إلى عمله بقدر ما يصغون إلى كلامه. إنهم يرونه وهو يتحرك في المدرسة، ويضاهئون بين ما يقوله وما يفعله، فإذا كان المرشد أصيلا صادقا أمينا فإنه سيكون متطابقا، وهنا تزداد ثقة المسترشدين فيه، بل ويكون هو نفسه كشخص متحرك في المدرسة نموذجا يحتذي به الطلاب، أما إذا كانت أقواله في واد، وأعماله في واد آخر، فإنه سيكون في نظر المسترشدين شخصا زائفا يقول ما لا يفعل، ويفعل غير ما يقول، وتلك خصلة ذمها القرآن الكريم:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] .

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] .

وقديما قال الشاعر العربي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

ولقد نرى بعض المرشدين يتبنى في عمله إعداد برنامج إرشادي ضد التدخين، أو ضد عادات أخرى، ثم يفاجأ طلابه برؤيته، وهو يدخن. إن هذا الموقف سيؤدي بغير شك إلى صراع لديهم، وفقدان للثقة في هذا المرشد.

3-

الكفاءة الذهنية:

يتطلب الإرشاد من المرشد أن تكون لديه قاعدة معرفية مناسبة، وواسعة في مجالات متنوعة، فالمرشد بحاجة إلى أن يكون لديه معلومات غزيرة، وإلى أن يكون أيضا راغبا في التعلم، وأن يكون لديه من التطلع ما يدفعه إلى تمحيص الأشياء، وإلى معرفة ماذا يجري للمسترشد، وتشتمل المقدرة الذهنية أيضا على القدرة على البحث عن المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات المناسبة حول اختيار الطرق المناسبة للعلاج.

والمرشد بحاجة إلى أن تكون لديه معلومات عن الإنسان، وعن نموه وعن تطور شخصيته، وعن الاضطرابات النفسية، والصحة النفسية وعن أساسيات الإرشاد، وأساليبه كما

ص: 34

يحتاج أن تكون لديه معلومات مناسبة عن التعليم ونظامه، وإدارته وعن التدريس وطرقه وعن التربية الإسلامية، وأصولها وعن التقويم والقياس، وكيفية التعرف على الاستعدادات والقدرات، والميول والاتجاهات والشخصية، وهو كذلك بحاجة لمعلومات غزيرة حول أساسيات الدين الإسلامي من ثقافة إسلامية وتوحيد وفقه، وهو بالإضافة إلى ذلك بحاجة إلى معلومات عن المجتمع، وعن البيئة المحيطة بالمدرسة، وعن السياسة التعليمية والفرص التعليمية، والمهنية المتاحة للطلاب، هذا كله بجانب المعلومات العامة عن الصحة، والتغذية والعادات السليمة وغيرها.

4-

الطاقة:

قد ينظر البعض إلى الإرشاد على أنه عمل محدود بمكتب المرشد، وبالجلوس مع المسترشد وجها لوجه، ومن ثم فهو يحتاج إلى قدر بسيط من الطاقة، ولكن الواقع على العكس من ذلك، فالمرشد ينبغي أن تكون لديه طاقة عالية في الجوانب البدنية، والجوانب الانفعالية أيضا، والمرشد الطلابي الناجح لا يقبع وراء مكتبه انتظارًا لمن يحال إليه من طلاب يحيلهم المدرسون، أو مدير المدرسة وإنما هو يدرك تماما أن له دورين أساسين يسبقان هذا الدور العلاجي الذي يقوم به في المكتب، وهذان الدوران هما الجانب الإنمائي، والجانب الوقائي، وكل منهما "بالإضافة إلى الدور العلاجي" بحاجة إلى طاقة عالية تجعله يتحرك وينظر، ويسمع ويدقق ويحلل ويجمع المعلومات، وينظمها وينفذها، وهو يبذل طاقة في عمله مع المسترشد طالما أنه يسعى إلى أن يكون عمله متسما بالدينامية، فهو يصغي ويتكلم، ويجمع المعلومات ويحللها، ويتصل بالمدرسين وبالمدير وبالأسرة إن أمكن، وبكل المصادر الموجودةة في البيئة، ولا شك أن المرشد الناجح سيشعر مع نهاية يومه أنه بذل جهدا كبيرا، بل إن هذا الشعور قد يواتيه قبل أن يختم يومه الوظيفي، ومن هنا نقول: إن المرشد ينبغي أن تكون لديه طاقة عالية ليعمل بكفاءة، وليجعل المسترشدين نشطين خلال الجلسات الإرشادية.

5-

المرونة:

المرشد الكفء هو المرشد الذي يتمتع أيضا بالمرونة، فلا يكون جامدا في عمله، إن المرشد يتعامل مع أفراد بينهم عديد من الفروق ومع مشكلات متنوعة، ولن ينجح

ص: 35

المرشد إذا قصر عمله على أسلوب واحد، أو طريقة واحد يطبقها مع جميع المسترشدين ومع كافة المشكلات؛ لأنه في هذه الحالة سيحاول دفع المسترشدين ليتلاءموا مع النموذج "الوحيد" الذي يسير عليه، أو يختار الحالات التي تناسب هذا النموذج ويدع ما سواها، أما إذا تمتع المرشد بالمرونة، فإنه سيحاول البحث عن الأساليب، والطرق التي تناسب المسترشدين، ومشكلاتهم كل واحد منهم على حدة.

6-

المساندة والتراحم:

يجب أن يكون المرشد الناجح قادرا على مساندة المسترشدين، والمساندة لها عدد من الوظائف في العلاقة الإرشادية، فهي تشتمل على زرع الأمل، وتقليل قلق المسترشد، وتزويده بالأمن الانفعالي "برامر وشوستروم 1982 Brammer & Shontrom".

ولا تعني مساندة المرشد للمسترشد أن يدفعه إلى الاعتماد عليه، أو أن يعني ذلك سحب المسئولية من المسترشد، وفي رأي رجوز "1951" Rogers أن المسترشد يعيش العلاقة الإرشادية على أنها مساندة، ولكنه في نفس الوقت لا يشعر أن هذه العلاقة معاضدة بمعنى أنها تؤيده في سلوكه، وإنما يشعر أن هناك شخصا "المرشد" يفهمه، ويحترمه ويتطلع إلى أن يراه يتخذ وجهة مناسبة في الحياة.

ويعني هذا أن المرشد بقدر ما يزرع من المسترشد في أمل، وما يساعده على تحقيق الطمأنينة الانفعالية ويقلل قلقه، فإنه لا يمضي في تأييده إلى الحد الذي يجعل المسترشد يشعر أن هذا المرشد يؤيده.

وهناك من المواقف التي يعمل فيها المرشد من منطلق المساندة أساسا، وهي المواقف التي تعرف بمواقف الأزمات Crises مثل الكوارث، والصدمات والأحداث الشديدة، والمفاجئة بصفة خاصة، فهذه المواقف تشهد انهيارا كبيرا في طاقة المسترشد، وفي قدرته على مواجهة الضغوط، ومن هنا نحتاج إلى تقديم المساندة للمسترشد من كل مصدر نستطيعه ليتمكن من النهوض من جديد، ولكن أيضا في هذه الحالة تكون المساندة لفترة محدودة حتى لا يصبح سلوك التواكل سلوكا معززا في المسترشد.

ص: 36

إن مساندة المرشد للمسترشد واجب أساسي ينبع من مبادئ الدين الإسلامية، فالمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، "متفق عليه".

7-

القدرة على التأثير:

إن المرشد بالنسبة للمسترشد هو بمثابة المعلم، وهدفه الأساسي في العملية الإرشادية "التعليمية" مساعدة هذا المسترشد على التغيير، والوصول إلى مستوى أفضل في حياته، ولهذا فإن المرشد ينبغي أن تتوافر فيه المقدرة على التأثير، وعلى توجيه العمل الإرشادي داخل جلسات الإرشاد وخارجها، بمعنى آخر أن يكون لديه القدرة على توجيه مسار العملية الإرشادية في الاتجاه الصحيح الذي به يتحقق هدف، أو أهداف الإرشاد.

ورغم أن الإرشاد قائم على مبدأ الاختيار، والحرية للمسترشد في اتخاذ قراراته، إلا أن المرشد لكي يساعد المسترشد على تحقيق هذه الحرية، واستخدامها الاستخدام الصحيح يحتاج إلى أن يكون قويا في عمله الإرشادية، والمعنى الذي نقصده بالقوة هنا هو عدم التردد أو السلبية، أو التشكك في القدرة الذاتية على مساعدة المسترشد، وفي نفس الوقت فإن الخوف من فقدان التأثير، والضبط بالنسبة للمسترشد قد يدفع المرشد إلى أن أن يتخذ أساليب دفاعية، كأن يكون مقاوما لآراء المسترشد، أو أن يستخدم الغضب كوسيلة أساسية لضمان سيطرته على موقف الإرشاد، أو أن يكون جامدا يلغي المرونة حتى لا يهتم بالتردد.

إن المرشد الناجح هو الذي يستطيع أن يضبط موقف المقابلة، ويسيرها في الوجهة الصحيحة، وألا ينشئ أي صراعات بينه، وبين المسترشد وألا يستخدم أساليب لا تتفق مع مبادئ الإرشاد مثل فرض الرأي، أو التشبث به أو الغضب.

10-

الرفق:

الرفق من الخصائص الهامة التي يتصف بها المرشد الناجح، والرفق صفة يحض

ص: 37

عليها الإسلام كل مسلم، وهي ألزم حين يكون المرء في موقع يعمل فيه مع آخرين ليساعدهم على تغيير بعض جوانب حياتهم -والرفق يعني عدم، الغلظة وعدم العنف مع المسترشد، وليس معنى هذا الموافقة على سلوك المسترشد، أو الخضوع لأفكاره وتصرفاته، وإنما معناه أن يقود المرشد العملية الإرشادية في سلاسة، وتراحم يمكنان المسترشد من أن يدرك أن هذا المرشد يسعى لمصلحته ويود له الخير، وليس مجرد شخص متسلط نقاد ينظر في عيوب المسترشد، إن الرفق يعني التقبل، ويعني تكريم الإنسان، ويعني تفهم ظروف هذا الإنسان، ويعني أيضا السعي لتحقيق مصالحه.

لقد امتدح المولى سبحانه وتعالى سمة الرفق في رسوله الكريم.

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] .

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] .

وفي امتداح الرفق يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، فيما روته عنه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:"ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه".

"إن الله يحب الرفق، وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه".

والرفق يساعد المرشد على تقبل المسترشد، وأن يستقبله في بشاشة وأن يقربه منه، كما يساعده على أن يستمع إلى مشكلته، وأن يتفهم هذه المشكلة من حيث موقع المسترشد نفسه في مرحلة نموه، وبيئته وما يحيط به من ظروف اجتماعية واقتصادية، والرفق يجعل المسترشد يدرك أن هذا المرشد يسعى لمصلحته، ويعمل من أجله ويشعر بمشاعره، الرفق إذن يزيل حواجز التواصل الجيد بين المرشد، والمسترشد مما يقوي العلاقة الإرشادية -ونعرض فيما يلي موقفا إرشاديا عظيما مما ورد في السنة النبوية المطهرة.

روى أبو أمامة: "إن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله -تأذن لي في الزنا، فصاح الناس به، فقال النبي -صلى الله

ص: 38

عليه وسلم: "أدن"، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال صلى الله عليه وسلم:"أتحبه لأمك"؟ فقال: لا جعلني الله فداك، قال عليه الصلاة والسلام:"كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك"؟ قال: لا جعلني الله فداك، قال:"كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم أتحبه لأختك"؟ قال: لا جعلني الله فداك. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، وقال:"اللهم طهر قلبه: واغفر ذنبه وحصن فرجه"، فلم يكن شيء أبغض إليه منه "يعني الزنا"". رواه أحمد.

هكذا نرى المعلم الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رفق بهذا الشاب في القول وأدناه منه، وخاطبه موضحا له الصورة التي يمكن أن يكون عليها، فيما رغب في فعله من محرم، ثم وضع يده الشريفة على صدره ودعا له، وهذا يمثل أسمى صور الرفق فعلًا وقولًا.

8-

الإخلاص:

يجب أن يتصف المرشد بالإخلاص في العمل، ومن يتأمل العمل الإرشادي يجد أنه عمل دءوس، وشاق في بعض جوانبه يحتاج إلى صبر طويل، وعندما نصل إلى نهايته العمل مع المسترشد نحس براحة عميقة وارتياح، ولكن عندما يأتي غيرنا ليقيس مقدار ما بذلناه من جهد، فقد يصبح ذلك صعبا، فنحن لا نصنع بعض المنتجات لنعدها، ونحن لا نجري اختبارات في نهاية العام لنستخرج عدد الناجحين ونسبة النجاح، ومن هنا فإن المرشد الذي لا يتصف بالإخلاص قد ينتابه الفتور، ويحاول أن يقوم بالمهام الظاهرة القريبة من نظر رؤسائه، أو يختار أن يعمل مع الحالات ذات المشكلات البسيطة مبتعدا عن الحالات الصعبة.

والإخلاص في عمل المرشد يقتضي منه أن يقبل على عمله برغبة، ورضا وحب في أن يساعد الآخرين، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يراقب عمله، وأنه كلما ساعد إنسانا، وخفف عنه ما يعاني منه من آلام نفسية، أو ما يواجهه من مشكلات أيا كان نوعها، فإنه إنما يعمل ذلك برضا، وعن طيب نفس متخليا عن رغباته، وطموحاته الشخصية دون أن

ص: 39

ينتظر الجزاء من الموقف الذي يعمل فيه سوى أجره الذي يأخذه عن العمل، وإنما ما وراء ذلك من جزاء إنما ينتظره من الله سبحانه وتعالى.

وقد ضرب القرآن لنا أمثلة كثيرة في العمل المخلص، فيقول:{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 18-21] .

ويقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه في حديث له: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كان هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، "رواه البخاري ومسلم".

إن الإخلاص يدفع المرء إلى بذل أقصى ما فى وسعه من جهد وطاقة، والسعي إلى كل ما يمكن أن يصل إليه من معرفة، أو مهارة ليحقق الهدف الذي يسعى إليه في عمله.

والمرشد المخلص، هو المرشد الذي أخلص النية في مساعدة المسترشد بكل ما أوتى من علم، وخبرة ليتحرر من مشكلاته، وليختار المسارات المناسبة له، وهو لا يألو جهدا في أن يحصل على المعلومات الدقيقة والمناسبة، وأن يزود المسترشد بكل ما هو مناسب من المعلومات والدقيق منها، وهو لا ينتظر أن تبرز المشكلات إلى ساحة المدرسة، وأن تصيب في شراسة عددا من الطلاب ليبدأ الحركة ويبرز الهمة، وإنما هو سباق دون ظهور، ودون غرور إلى ترقب المشكلات، ووقفها قبل وصولها إلى ساحة عمله، وهو يعد العدد المناسبة لها من وقاية أولية وثانوية، وهو في سبيل تحقيق أهداف هذا العمل الذي يقوم به لا يهمه الظهور بنفسه ولا وجوده في المقدمة، ولا نسبة النجاح إليه، ولا الجزاء المعجل له، ولا أن يوضع اسمه في لوحة الشرف، وإنما هو في عمله يبتغي وجه الله، وتحقيق صالح المسترشدين ودفع المفاسد، ودرئها قبل وقوعها.

والمرشد المخلص يسعى إلى زيادة معرفته وإلى صقل مهارته، إنه دءوب على الاطلاع على كل جديد في المصادر العلمية المتصلة بعمله، ومنها الاطلاع على المجلات

ص: 40

العلمية التي تنشر البحوث وعلى المؤلفات الجديدة، وهو حريص على حضور المؤتمرات واللقاءات، والندوات العلمية التي تتصل بمجال عمله، وهو عندما يقف به علمه، أو خبرته يستشير أهل العلم والخبرة، أو يحيل إليهم من يحتاج إلى خبرتهم من مسترشديه دون إحساس بالحرج ودون مكابرة.

والمرشد المخلص يجعل من بين أهدافه أن يرفع مستوى المهنة التي ينتمي إليها، وأن يعمل ما وسعه الجهد أن تظل هذه المهنة نظيفة طاهرة، وأن يشارك في تقويم من يخرج فيها على الخلق القويم.

إن الإخلاص في العمل يزود المرشد بطاقة لا حدود لها، تهون معها كل الخطوب، وتتهاوى معها كل العقبات، وتقوى معها الإرادة، ويشعر المرء أنه في ساخن نضال من أجل قيمة عالية يسعى لتثبيتها، وما أجلها من قيمة بالنسبة للمرشد أن يعاون إنسانا في تخطي عقبة، أو زوال خوف أو اختيار طريق كريم في الحياة.

9-

الوعي بالذات:

إن المرشد في عمله الإرشادي يدخل في علاقة تفاعلية مع شخص آخر هو المسترشد؛ ولأن كل من المرشد والمسترشد تربطهما علاقة أساسية هي كونهما بشرا، فإن لكل واحد منهما حاجاته؛ ولأن المرشد يقف في موقف العطاء، وهو يمد يد العون ليساعد المسترشد الذي يقف موقف الأخذ، وموقف الحاجة إلى خبرة المرشد وجهوده، فإن المرشد يجب أن يكون واعيا بذاته، وبأفكاره وبقيمه وبمشاعره، وباتجاهاته وبحاجاته الشخصية، حتى لا يسير بالموقف الإرشادي والعملية الإرشادية في طريق يشبع فيها حاجاته الشخصية، والتي قد تتعارض مع حاجات المسترشد، ومن هنا يجب أن يكون المرشد قادرًا على التعرف على نفسه، والاتصال بها ومراجعة أفكاره ومشاعره، وسلوكياته الشخصية ليعمل على تصحيحها أولا بأول.

قد يكون المرشد مر بخبرة سابقة، فيتراءى له في الموقف الإرشادي ذلك الموقف، ويحاول أن يسير بالعملية الإرشادية بما يوافق انطباعاته عن تلك الخبرة. والمرشد في موقف الإرشاد يجب ألا يسارع إلى إصدار الأحكام التقويمية حتى لا يؤدي إلى نفور

ص: 41

المسترشد، بل يمكن للمرشد الماهر أن يجعل المسترشد يصل إلى الحكم الصحيح على سلوكه، ومتى أصبح المسترشد واعيا بهذا السلوك، وبمواطن الضعف أو الانحراف فيه، فإنه يكون بذلك قد وضع قدميه على أولى خطوات المسئولية.

إن المرشد الواعي بذاته يستطيع أن يتعرف على مواطن السلبية في أفكاره، وفي مشاعره وفي اتجاهاته، وأن يدرك في الموقف الإرشادي ما إذا كانت تصرفاته قد صبغت بهذه الجوانب السلبية.

وقد يكون لدى المرشد صورة سالبة عن ذاته، وقد يدفعه ذلك إلى أن يتجنب تلك التفاعلات التي تؤكد هذه الصورة السالبة، وبذلك يكون المرشد قد فقد الثقة في نفسه، وقد تصل هذه الصورة إلى المسترشد، فيفقد ثقته في المرشد، وهي نتيجة لا يحبها المرشد لنفسه، ولا يحبها أحد له.

كذلك فإن المرشد الواعي بذاته يعرف جيدًا مواطن القوة، ومواطن القصور "أو النقط العمياء" لديه، وهو يهتم بنموه الشخصي بنفس القدر الذي يهتم به بمعرفة أي الطرق الإرشادية تناسب هذا المسترشد أو ذاك.

10-

صفات أخرى:

بجانب الصفات التي ذكرناها آنفًا، فإن المرشد بحاجة إلى أن يتصف بمجموعة أخرى من الصفات منها:

الصبر -الحلم وضبط النفس- الرحمة -الجرأة- الحياء -معرفة قيمة الوقت والقدرة على التنظيم، وتحمل المسئولية.

والصبر فضيلة يتحلى بها المسلم بصفة عامة، وقد امتدحها القرآن الكريم في عدة مواضع؛ ولأن الصبر كأسلوب في الحياة قد يصبح طريقة إرشادية لبعض الحالات، فإن المرشد نفسه يحتاج إلى أن يكون متمتعا بهذه الفضيلة ليمكنه أن يغرسها في المسترشدين عندما تدعو الحاجة لذلك.

أما الحلم وضبط النفس فهما سلاحان مضادان للغضب يلتزمهما الإنسان ليتجنب الآثار السيئة المترتبة على الغضب، ويرتبط بهاتين الخصلتين خصلة ثالثة هي العفو

ص: 42

والتسامح، وهذه جميعا صفات لازمة للمرشد، فالمرشد يتعامل مع بشر تختلف طباعهم، ومنهم من يسارع في الانفعال؛ ولأن كثيرًا من مشكلات المراهقين تنتج عن تصرفات من الكبار بدءًا من الآباء -أو عن اعتقادهم "في بعض الأحيان عن خطأ" أن آباءهم، أو معلميهم هم مصدر متاعبهم، فإن هذا الاعتقاد قد ينعكس على المرشد في موقف الإرشاد حيث يثور المسترشد، وينفعل أو حين يقاوم المرشد ويعانده، وهنا لا بد للمرشد من الصبر والحلم، وضبط النفس والتسامح حتى لا يفقد المسترشد ثقته فيه، وحتى يدرك عن قناعة أن هذا المرشد شخص يختلف عن الآخرين الذين فقد ثقته فيهم، وأنه يعمل لمصلحته فتوقى الألفة بينهما، وتزداد ثقة المسترشد في المرشد، وليتذكر المرشد قول الله تعالى:

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] .

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي، فقال له: يا رسول الله عظني، فقال له صلى الله عليه وسلم:"لا تغضب" فكرر مرارا قال: "لا تغضب"، "رواه البخاري".

أما الرحمة فهي فضيلة خلقية وهي دأب كل مرشد، والرحمة تجعل الإنسان يشعر بما يشعر به الآخرون، وأن يشعر من ليس لديه هم، ولا ضرر بأولئك الذين تعتريهم الهموم أو يمسهم الضر، والمرشد الذي يقف في موقف فيه إنسان مرتبك، أو خائف أو متألم، أو مكلوم إنما يحتاج إلى الرحمة تسبق طريقه لتجعل جزءًا من مشاعره على الأقل يتحرر، فيشعر بهذا الإنسان: حيرته، وخوفه، وألمه، ومصيبته، وهنا يبدأ الإنسان في التعامل مع الإنسان، وليذكر المرشد دائما أن "الراحمون يرحمهم الرحمن".

{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 17] .

وأما الجرأة فيقصد بها الإقدام والشجاعة، وهذه صفات مطلوبة للمرشد الذي يتناول مشكلات البشر، ويبحث في حلولها فهو بحاجة للجرأة في عمله داخل الجلسة الإرشادية ليواجه المسترشد في بعض الأحيان بعيوبه، وما صدر عنه من أخطاء، والجرأة مع

ص: 43

نفسه حين يحاسبها ويلامس ذاته، ويعرف حقيقة دوافعه، فيمكنه أن يصحح ما وقع فيه من أخطاء، وقد يقتضيه ذلك في بعض الأحيان أن يعتذر عن إتمام العمل الإرشادي، ويحيل المسترشد إلى مرشد آخر، ولسنا نتصور أن يتصدى للعمل الإرشادي شخص خجول يتوارى عن التعامل مع الناس، فصفة الخجل صفة لا تتسق على الإطلاق مع العمل الإرشادي، غير أنه من الضروري أن ننبه أنه في بداية عمل المرشد قد يستشعر الرهبة في موقف الإرشاد، وقد يرتبك بعض الشيء، وخاصة في مرحلة التدريب، إلا أنه مع مرور الوقت ومع معايشة النجاح جلسة وراء الأخرى، تزول هذه الرهبة ويكتسب المرشد ثقة كبيرة في نفسه وفي أدائه، أما إذا كان الخجل صفة لازمة للمرشد، فإنه قد يتعرض لمواقف صعبة كثيرة، وسيكون من الصعب عليه إدارة عملية الإرشاد على النحو السليم، أو مواجهة المسترشد حين تدعو الحاجة لذلك.

وبالنسبة للحياء فهو صفة إيجابية تحتاج إليها في العمل الإرشادي، فالحياء هو ذلك الميزان الحساس الذي يستخدمه المرشد ليعرف ما يتمشى مع الشرع، وما يتمشى مع الأخلاق، وما يتمشى مع الذوق ومع الفطرة السليمة، الحياء يختلف عن الخجل، فالخجل تعتري المرء فيه مشاعر بالدونية، وخوف من النقد دون أساس واقعي أما الحياء، فإن المرء يعرض فيه عمله على مستوى رفيع مستقر من شريعة وأخلاق، وميل فطري ليعرف فيه السليم من المعيب، فينحو نحو السليم، وفي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام.

"والحياء شعبة من شعب الإيمان".

عن ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء"، قلنا: إنا نستحيي من الله يا رسول الله -والحمد لله- قال: "ليس ذلك، الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، وآثر الأخرى على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء"، "رواه الترمذي".

يقول الشيخ محمد الغزالي في تعليقه على خلق الحياء:

أما إذا سقطت صبغة الحياء عن الوجه، كما تسقط القشرة الخضراء عن العود

ص: 44

الغض، فقد أذنت الحياة الفاضلة بالضمور، وتهيأ الحطام الباقي أن يكون حطبا للنار

وذلك الذي يقال له: إذا لم تستح فاصنع ما شئت. "خلق المسلم ص163".

والمرشد يحتاج أن يكون لديه القدرة على معرفة قيمة الوقت، والاستفادة به فيما يعود على أمته بالنفع؛ ولأنه يعرف قيمة الوقت فسوف يسعى لتنظيمه وتقسيم المهام عليه، والمرشد بحاجة إلى أن يضبط مواعيده؛ لأن ذلك يؤثر على علاقته بالمسترشدين، وبغيره من العاملين من زملائه، كيف بالمرشد إذا لم يحدد لكل مسترشد موعدا خاصا به، ويلتزم هو أولا بهذا الموعد؟ أليست أولى النتائج أن يسقط المسترشد، والذي قد يكون طالبا عنصر الوقت، وتنظيمه من حسابه في حين أن كثيرا من مشكلات الطلاب المتصلة بالدراسة، والتحصيل بل وكثيرا من صور السلوك، يكون محورها أو مصدرها هو عدم تنظيم الوقت، وعدم معرفة قيمته على النحو الصحيح.

إن المرشد الناجح هو الذي ينظم وقته، ويوازن في توزيعه بين الأنشطة المختلفة حسب أهميته، ولا يدع الوقت يمر هباء، أو يحاول تضييعه في أنشطة غير إرشادية كاستضافة زملائه، وقراءة الصحف والتحدث في الهاتف وغيرها، فهذه العادات إذا تمكنت منه فسوف تطغى على عمله، ويصبح من الصعب عليه أن يتخلص منها.

إن عملية تنظيم الوقت تتطلب من المرشد أن تكون لديه مفكرة بالمواعيد حتى لا تتداخل مع بعضها البعض، وعليه أن يراعي مواعيده مع المسترشدين أولا؛ لأن إلغاء موعد مع المسترشد يجعله يعايش القلق إلى حين أن يأتي الموعد الجديد، وقد ينتهي الحال إذا تكرر بتغيير المواعيد إلى أن يفقد المسترشد الثقة في المرشد، وتنظيم الوقت والاستفادة به مبدأ إسلامي أصيل، أليست العبادات كلها مرتبطة بالوقت؟

والمرشد الناجح هو الذي يتحمل المسئولية، ويعرف ما له وما عليه، ويعرف الحدود بين حقوقه وحقوق الآخرين، ويعرف حدود عمله، ويتحمل المسئولية عما أوكل إليه من عمل، وهو أيضًا ينقل هذا المبدأ، مبدأ المسئولية إلى المسترشدين كعملية أساسية في تغيير السلوك.

إن الصفات والخصائص التي عرضناها هي الخصائص الأساسية التي يستلزم العمل الإرشادي وجودها في المرشد، وبعض هذه الخصائص يمكن أن يعزز من خلال التدريب.

ص: 45

وقد قام المؤلف بدراسة ميدانية بهدف إجراء تحليل لعمل المرشد الطلابي، وذلك في بعض مدارس منطقة الرياض التعليمية بالمملكة العربية السعودية، وكان من بين الأسئلة المطروحة أسئلة تدور حول الصفات الواجب توافرها في المرشد الطلابي، حيث يختار أفراد البحث "عددهم 50" واحد من أربع إجابات هي:

الصفة مطلوبة بدرجة قليلة.

الصفة مطلوبة بدرجة متوسطة.

الصفة مطلوبة بدرجة كبيرة.

الصفة مطلوبة بدرجة كبيرة جدا.

وقد عرض الباحث 46 صفة، ويوضح جدول رقم "1" تكرارات الإجابات، والنسب المئوية لإجابات أفراد البحث لكل صفة من الصفات1.

1 محمد محروس الشناوي: تحليل مهني لعمل المرشد الطلابي: دراسة في منطقة الرياض.

ألقى في: اللقاء الثاني للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية: الرياض 16-18 شعبان 1410هـ. وموضوعها "التوجيه والإرشاد الطلابي".

ص: 46