الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
نموذج كورميير وكورميير لتصوير المشكلات "1985
":
Cormier & Cormier's Model of Problem Conceptualization
استفاد كورميير وكورميير في أعداد نموذجهما لتصوير المشكلات من النموذج الذي وضعه كانفو وساسلو "1969"، وكذلك من نماذج سوينسن، وسيي ولازاروس التي سبق عرضها، ويتبنى الباحثان وجهة نظر سلوكية معرفية Cognitive Behavioral، وسوف نناقش هذا النموذج بشيء من التفصيل:
أولًا: الافتراضات التي يضعها الباحثان للتقدير "التقويم"، وللعلاج السلوكي المعرفي:
1-
أن معظم السلوك متعلم "مكتسب".
2-
أسباب المشكلات، وبالتالي أساليب علاجها متعددة الأبعاد.
3-
يجب النظر إلى المشكلات نظرة إجرائية.
4-
معظم المشكلات تقع في محيط اجتماعي، وترتبط وظيفيا بالأحداث "الوقائع التي تسبقها، والنتائج التي تعقبها سواء كانت داخلية، أو خارجية.
ثانيا: مكونات النموذج:
وقد رمز الباحثان للنموذج الذي عرضاه لتقويم، وتصوير المشكلات بالأحرف الثلاثة A-B-C حيث يرمز الحرف A إلى الوقائع التي تسبق السلوك، Antecedents، ويرمز الحرف B إلى السلوك Behavior، أما الحرف C فهو يرمز للنتائج، أو الأحداث التي تعقب السلوك Consequences، وفيما يلي عرض لهذه المكونات الثلاثة للنموذج.
"1" السلوك Behavior:
يشتمل السلوك على الأشياء التي يقوم بها المسترشد، وكذلك الأشياء التي يفكر فيها، فالسلوك الظاهر Overt هو السلوك المرئي، أو الذي يمكن اكتشافه من جانب المشاهد مثل الكلام، والتخاطب غير اللفظي "مثل الإيماء، الابتسام إلخ"، والسلوك الحركي "مثلا المشي وتناول الطعام إلخ"، أما السلوك غير الظاهر Covert، فيشتمل على الأحداث التي تقع داخل الفرد، ولا تلاحظ من خارجه، ونحتاج إلى التعرف عليها من المسترشد، أو نستنتجها في بعض الأحيان من سلوكه غير اللفظي، ومن الأمثلة على هذا الجانب غير الظاهر من السلوك، والأفكار والمعتقدات، والتخيلات، والمشاعر والأمزجة، والإحساسات البدنية.
وفي الواقع فإن سلوك المشكلة لا يقع في فراغ، وإنما الملاحظ أن معظم المشكلات التي يبديها المسترشدون في موقف الإرشاد "أو العلاج" إنما تمثل حلقة في سلسلة أكبر من السلوكيات، وبالإضافة إلى ذلك فإن سلوك المشكلة يشتمل عادة على أكثر من
مكون، فالمسترشد الذي يشكو من قلق، أو اكتئاب إنما يستخدم هذا المسمى، أو ذاك للتعبير عن خبرة تشتمل على جانب وجداني "مشاعر وحالات مزاجية"، وجانب بدني "إحساسات فيسيولوجية"، وجانب سلوكي "ما يعمله الفرد وما لا يعمله"، وجانب معرفي "أفكار، معتقدات، تخيلات، حديث ذاتي"، وبالإضافة إلى ذلك فإن خبرة القلق، أو الاكتئاب تختلف بالنسبة للمسترشد تبعا للجوانب الموقفية "الوقت -المكان- الأحداث الجارية"، والجوانب المتصلة بالعلاقات مثل وجود، أو عدم وجود أناس آخرين، وكل هذه المكونات قد ترتبط، أو لا ترتبط بمشكلة معينة -لنفترض أن المسترشد الذي عبر عن "القلق" يخاف من الوجود بمفرده في الأماكن العامة فيما عدا البيت والعمل، وذلك لوجود نوبات عالية من القلق تنتابه في هذه الأماكن، وهنا يبدو أن قلقه أو انشغاله على هذا القلق إنما هو جزء من سلسلة تبدأ بجانب معرفي "عقلي"، وفيه يفكر الفرد في أفكار شاغلة، ويتخيل نفسه وحيدا وغير قادر على المواجهة، أو الحصول على مساعدة من الآخرين إذا دعت الضرورة لذلك، وهذا الجانب العقلي يؤدي إلى ضيق، أو تعب بدني وتوتر، وإلى مشاعر الكدر والفزع، وهذه المكونات الثلاثة "العقلية، البدنية، الانفعالية" تعمل معا لتؤثر على السلوك الظاهر، فمثلًا كان هذا المسترشد في السنوات الأخيرة يتجنب كل الأماكن العامة مثل الأسواق، والمسارح بينما يكون على ما يرام فقط عندما يكون في البيت، هنا يكون من الضروري أن تحدد الأهمية النسبية لكل جانب من هذه الجوانب المتصلة بالمشكلة التي يعرضها المسترشد حتى نستطيع أن نحدد طرق الإرشاد، والعلاج المناسبة.
"ب" المقدمات: الوقائع التي تسبق السلوك Antecedents:
يرى ميسكيل "1968" Mischel أن السلوك يتحدد موقفيا، بمعنى أن سلوكيات معينة تميل للحدوث في مواقف معينة، وعلى سبيل المثال، فإن معظم الناس يغسلون أيديهم في الأماكن المخصصة لذلك "الحمامات"، ولا يفعلون ذلك في الأماكن العامة، ويعض الأحداث "المقدمات" تولد ردود فعل انفعالية أو فسيولوجية مثل الغضب، أو الخوف، أو الفرح، أو الصداع، أو ارتفاع في ضغط الدم، وتؤثر المقدمات على السلوك إما بزيادة، أو نقصان احتمال حدوثه، وعلى سبيل المثال فإن الطفل يسلك في المدرسة سلوكا غير الذي يسكله في البيت.
إن الأحداث التي تسبق السلوك مباشرة يكون لها تأثير على السلوك المشاهد، أو سلوك المشكلة، وربما يكون مثل هذا التأثير أيضا للأحداث التي لا تكون قريبة الوقوع من المشكلة، والأحداث التي تقع قبل سلوك المشكلة مباشرة تعرف باسم المثيرات، أو المنبهات أو أحداث المنبه Stimulus events، وتشتمل على أي حالة خارجية، أو داخلية تجعل السلوك يظهر، أو لا يظهر أما الأحداث التي تكون بعيدة زمنيا عن سلوك المشكلة، فإنها تعرف بالأحداث المهيئة Setting events، وتشتمل على ظروف السلوك التي مر بها الفرد حديثا أو في الماضي، وقد تنتهي الأحداث المهيئة قبل وقوع سلوك المشكلة، ولكنها مثل الأحداث المثيرة قد تسهل، أو تكبح حدوث المشكلة: ومن الأحداث المهيئة التي نأخذها في اعتبارنا عند تقدير المشكلات: العمر، ومرحلة النمو، والحالات الفسيولوجية للفرد، وخصائص العمل الذي يعمل فيه، وبيئة المنزل والمدرسة، ويجب أن نقوم تقدير الأحداث المنبهة، والأحداث المهيئة لكل مسترشد على حدة.
وتشتمل المقدمات أيضا على أكثر من نوع من الوقائع، فقد تكون مصادرها وجدانية "مشاعر وحالات مزاجية"، أو بدنية "إحساسات فيزيولوجية وبدنية"، أو سلوكية "لفظية، غير لفظية، حركية"، أو معرفية "أفكار، معتقدات، تخيلات، حديث ذاتي"، أو موقفية "الزمن، المكان، الأحداث المصاحبة"، أو علاقات "وجود، أو عدم وجود أناس آخرين".
وعلى سبيل المثال لوعدنا للمسترشد الذي كان يشكو من القلق، فقد تكون هناك مجموعة من مصادر الأحداث، والوقائع القبلية "المقدمات"، والتي تحرك كل جانب من جوانب سلوك المشكلة، مثلا الخوف من فقدان السيطرة "معرفي -وجداني"، تقريرات سلبية عن الذات، أو خطأ في إدراك الذات والآخرين "معرفية"، والوعي بإحساسات البدن المرتبطة بالكدر، والتعب "بدنية"، والبقاء إلى وقت متأخر وعدم تناول بعض الوجبات "سلوكية"، ووجود أماكن عامة، أو الحاجة لحضور مناسبات عامة "موقفية"، وغياب الآخرين ذوي الأهمية مثل الأصدقاء، وأفراد الأسرة "علاقات"، كما أن هناك مجموعة من المصادر الخاصة بالأحداث القبلية تجعل مكونات قلق المسترشد أقل احتمالات في الحدوث، فمثلا الشعور بالاسترخاء "وجداني"، والراحة "بدنية"، وتناول الطعام بانتظام "سلوكية"، وتقليل الاعتماد على الآخرين مثل الأصدقاء، وأفراد الأسرة
"سلوكية"، ونقص الخوف من الانفصال عن الأسرة "وجدانية"، والتقدير الإيجابي للذات والآخرين "معرفية"، وتوقع القدرة على التعامل مع المواقف "معرفية"، وغياب الحاجة للذهاب للأماكن العامة "موقفية"، واصطحاب شخص في الذهاب للأماكن العامة "علاقات".
ومن المهم خلال هذه المرحلة من الإرشاد، مرحلة تقدير المشكلة وتصويرها، أن نتعرف على مصادر الأحداث، أو الوقائع التي تسبق السلوك، ويمكن أن تسهل السلوك المرغوب فيه، وتلك التي لها صلة بالاستجابات غير المناسبة، إذ إنه من المهم أن نختار طرقا للإرشاد من شأنها أن تسهل حدوث الاستجابات المرغوبة، وتقلل وجود السلوك غير المرغوب.
النتائج: الوقائع أو الأحداث التالية للسلوك Consequences "c":
إن نتائج السلوك هي أحداث أو وقائع تعقب السلوك، ويكون لها تأثير على هذا السلوك أو ترتبط به وظيفيا، ويمكن تقسيم النتائج إلى إيجابية وسلبية، فالنتائج الإيجابية يمكن الإشارة إليها على أنها مكافآت، أو معززات على حين أن النتائج السلبية يمكن أن نطلق عليها عقوبات، والنتائج الإيجابية "الأحداث المعززة" ستبقى على السلوك أو تزيده، وهي عادة تقوي السلوك أو تبقى عليه عن طريق "التعزيز الإيجابي"، والذي يشتمل على تقديم حادث، أو واقعة ظاهرة أو غير ظاهرة عقب السلوك مما يزيد احتمال حدوث السلوك مرة أخرى في المستقبل، وبصفة عامة فإن الناس يميلون إلى تكرار السلوكيات التي ينتج عنها آثار أو نتائج سارة.
كذلك يمكن للنتائج الإيجابية أن تبقى على السلوك عن طريق التعزيز السلبي Negative reinforcement، وذلك باستبعاد حادث غير سار بعد السلو مما يزيد من احتمال أن يحدث السلوك ثانية، ويميل الناس إلى تكرار السلوكيات التي تخلصهم من الأحداث المضايقة أو المؤلمة، كما أنهم يستخدمون التعزيز السلبي أيضا لتكوين سلوك التجنب والهروب، ويبقى سلوك التجنب عندما يؤدي إلى زوال حادث متوقع غير سار، فمثلًا
البقاء في المنزل يوقف المخاوف في الأماكن العامة، وبذلك فإن تجنب الأماكن العامة يستبقى "يستمر" بإزالة، أو استبعاد هذه المخاوف المتوقعة، كذلك فإن سلوك الهروب يستبقى عندما نستبعد حادثا "غير سار" يحدث فعلا، فمثلا عندما يعاقب الأب ابنه، فإنه يوقف السلوك المزعج، وإنهاء هذه السلوكيات من جانب الطفل يعزز سلوك الأب.
أما النتائج السلبية فإنها تضعف أو تزيل السلوك، فالسلوك ينقص أو يضعف "ولو مؤقتا" إذا أعقبه حادث غير سار "عقاب"، أو إذا استبعدنا، أو أوقفنا شيئا إيجابيا، أو معززا "ثمن الخطأ"، أو إذا لم يعقب السلوك أحداث معززة "الانطفاء الإجرائي".
ورغم أن استخدام الجوانب السلبية لتعديل السلوك له مساوئ عديدة في الحياة الواقعية، مثل المنزل والعمل والمدرسة، فإن العقاب له استخدامات واسعة للتأثير على سلوك الآخرين، ويجب أن يتنبه المرشدون، والمعالجون إلى تجنب استخدام أي سلوك لفظي، أو غير لفظي يكون له طبيعة عقابية للمسترشد؛ لأن مثل هذا السلوك يؤدي إلى مشكلات لا داعي لها في العلاقات الإرشادية، وقد يؤدي إلى إنهاء الحالة بهروب المسترشد من موقف العلاج.
وتشتمل النتائج أيضًا على أكثر من مصدر أو نوع من الأحداث، وكما قلنا عند الكلام عن المقدمات، فإن مصادر النتائج "الأحداث اللاحقة" قد تكون وجدانية أو بدنية، أو سلوكية أو معرفية أو موقفية، أو خاصة بالعلاقات، ففي حالة المسترشد الذي يشكو من القلق، فإن تجنبه للأماكن العامة، وما يرتبط بها من مهام يبقى "يستمر"؛ لأنه ينتج عنده خفض مشاعر القلق "وجدانية"، والتوتر البدني "بدنية"، والانشغال "معرفية"، وقد ينتج أيضا زيادة اهتمام الأسرة "علاقات"، ونقص التعرض لتصرفات مضايقة "سلوك".
ويجب ألا ننظر إلى كل ما يعقب السلوك على أنه نتائج، أو أحداث لاحقة بدون أن نحدد تأثيرها على السلوك.