الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التخلص المنظم من الحساسية systematic desensitization
مدخل
…
9-
التخلص المنظم من الحساسية Systematic Desensitization:
التخلص المنظم من الحساسية أسلوب من أساليب العلاج السلوكي، يستخدم في علاج حالات القلق والخوف، ويقوم على أساس من قاعدة الإشراط المضاد Counter conditioning، ويرجع تطوير هذا الأسلوب واستخدامه في مجال العلاج النفسي إلى الأبحاث التي قام بها جوزيف وولبيه Wolpe في جنوب إفريقيا، والتي ظهرت تحت عنوان العلاج بالكف بالنقيض Reciprocal inhibition.
ومما هو جدير بالذكر أن علماء المسلمين كان لهم السبق في الكتابة عن استخدام هذا الأسلوب في العلاج. على سبيل المثال نجد الغزالي يتحدث عن العلاج بالضد بشكل
مسهب عند حديثه عن تهذيب الأخلاق في مؤلفه الشهير "إحياء علوم الدين"، كذلك فإن الإمام العلامة ابن قيم الجوزية يشير إلى طريقة لعلاج الخوف الذي يصيب الطفل الرضيع تعتمد أيضا على الإشراط المضاد، فيقول رحمه الله:
"فصل: وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة والمناظر الفظيعة، والحركات المزعجة، فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته العاقلة لضعفها، فلا ينتفع بها بعد كبره، فإذا عرض له عارض من ذلك، فينبغي المبادرة إلى تلافيه بضده، وإيناسه بما ينسيه إياه، وأن يلقم ثديه في الحال، ويسارع إلى رضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له، ولا يرتسم في قوته الحافظة فيعسر زواله، ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة إلى أن ينام، فينسى ذلك، ولا يهمل هذا الأمر، فإن في إهماله إسكان الفزع والروع في قلبه، فينشأ على ذلك ويعسر زواله ويتعذر".
"تحفة المودود بأحكام المولود 1971، ص233".
ومن التجارب الرائدة في مجال علاج الخوف في علم النفس الحديث، والتي سبقت تجارب وولبيه تلك التجربة الشهيرة التي قامت بها ماري كوفر جونز "1924" Jones لعلاج طفل عمره ثلاث سنوات من الخوف حيث كانت تجلس الطفل في حجر أمه وتعطيه الحلوى التي يحبها، ثم تقرب له مصدر الخوف "فأرا أبيض" يوما بعد يوم حتى أصبح الطفل بعده عدة أيام يلامس هذا الفأر ويلعب معه.
وتقوم فكرة التخلص التدريجي "أو المنظم" من الحساسية على أساس أنه لو أمكن أن نكون استجابة مضادة للخوف أو القلق لدى الشخص، فإنه يمكننا بتقريب مثير الخوف "مصدر الخوف أو موقف الخوف" بالتدريج أن تنطفئ استجابة الخوف أو القلق لدى الفرد.
وبذلك فإن مكونات هذا النوع من العلاج تنحصر في ثلاثة جوانب:
1-
الوصول إلى استجابة مضادة لاستجابة القلق أو الخوف، والتدريب عليها.
2-
تدريج مثير الخوف.
3-
تنفيذ العلاج.
وبالنسبة للاستجابة المضادة للخوف، فهناك عديد من الاستجابات تضاد القلق أو الخوف، ومنها تناول الطعام، والانشراح، والغضب، والاسترخاء، كما أن من الأساليب الإسلامية في هذا الجانب الصلاة، والدعاء، والذكر، والتهليل والتكبير، وقراءة القرآن.
ومع أن وولبيه كان في تجاربه مع القطط يعتمد على أن تناول الطعام هو الاستجابة المضادة لاستجابة الخوف، فإنه لم يعتمد على هذه الاستجابة في علاجاته، وإنما كان معظمها يعتمد على استخدام أسلوب الاسترخاء Relaxation كاستجابة مضادة للخوف.
وتشير الكتابات والدراسات في مجالات علم النفس والطب النفسي إلى أن أسلوب التخلص المنظم من الحساسية يستخدم على نطاق واسع، وبنجاح كبير في علاج المخاوف المرضية "الفوبيا Phobia" ومن بين المخاوف التي استخدم معها هذا الأسلوب بنجاح: الخوف من المرتفعات، الخوف من قيادة السيارات، الخوف من حيوانات أو حشرات أو هوام، الخوف من الامتحانات، الخوف من الطيران ومن الماء ومن المدرسة ومن الرؤساء ومن الزحام، بل وحتى الخوف من الموت.
كذلك فقد استخدم هذا الأسلوب مع مجموعة أخرى من الاضطرابات التي ليس لها طبيعة الخوف مثل اضطرابات الكلام، وأزمات التنفس، والأرق، وتعاطي الخمور، والغضب، والتجوال السباتي، والكوابيس الليلية
…
إلخ "ريم وماسترز 1980 Rim & Masters"، والأساس الذي تقوم عليه فكرة استخدام أسلوب التخلص المنظم من الحساسية في مثل هذه الحالات هو افتراض أنها تنشأ عن خوف يرتبط بأحداث خارجية معينة، وبذلك فهي تشبه استجابات الخوف. وعلى سبيل المثال فإن بعض الأفراد الذين لديهم أفكار وسواسية "وساوس" قد يعايشون هذه الأفكار فقط عندما يواجهون موقفا مثيرا للقلق.
ويحتاج العلاج بأسلوب التخلص المنظم من الحساسية لعدد قليل نسبيا من الجلسات العلاجية، حيث يقدر متوسط عدد الجلسات في هذا النوع من العلاج بين 16، 23 جلسة.
وقد تطور أسلوب التخلص المنظم من الحساسية في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا، وأصبح أيضا ضمن الأساليب التي يستخدمها المعالجون في مدرسة العلاج السلوكي المعرفي Cognitive Behavior Therapy.