الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: التشخيص ودوره في فهم المسترشد ومشكلاته
إن الممارس للإرشاد يمكن أن يلمس مدى ضعف أنظمة تصنيف المشكلات، ومن ثم استخدام التشخيص في تحديد المشكلة، فالنتيجة التي يصل إليها المرشد بعد جهده التشخيصي هي أن يضع مشكلة المسترشد تحت فئة واحدة بينما في الواقع قد تكون المشكلة موزعة على عدد من الفئات، بل إن هناك صعوبة أخرى يقابلها المرشد من اعتماده على التشخيص بقصد تحديد المشكلة، وهي أن مثل هذا التشخيص من النادر أن يرتبط بالأساليب الإرشادية.
وعلى مر السنين، فإن المعارضين لاستخدام التشخيص "على النحو الذي كان يسعى إليه دائما، وهو تحديد فئة تشخيصية لمشكلة المسترشد"، وبصفة خاصة أتباع نظرية
العلاج المتمركز حول الشخص لم يهتموا بتكوين تنظيم، أو بنية للإرشاد من أي نوع بما في ذلك التشخيص والتقدير، فهم يعتبرون التشخيص مسكنا وسطحيا، وفي بعض الأحيان، يكون مقيدا وسلبيا للعلاقة الإرشادية، والسبب الرئيسي لرفض الاعتماد على التشخيص أن يفهم ديناميات سلوكه الخاص، وأن التغير في السلوك يأتي فقط عندما يحدث تغير في إدارك الذات، وفي رأي روجرز أن المسترشد سوف يتعامل مع أو يستكشف مشكلاته حالما يستطيع أن يتحمل الألم، وأنه سيعايش تغيرًا في الإدراك بالسرعة التي يمكن بها للذات أن تطيق الخبرة "1951، ص222"، ويضع التشخيص قوانين التقويم في أيدي "خبير" مما قد يؤدي إلى احتضان مشاعر الاعتمادية، ويتداخل مع العلاقة الجيدة "يشوش عليها"، وكذلك فإن باترسون Patterson يرى أن التشخيص ليس ضروريا؛ لأن كل سوء التوافق متشابه في مصدره، وأن أسلوب الإرشاد لا يعتمد على طبيعة، أو محتوى الصراع.
وقد تحدث نظرية العلاج المتمركز حول الشخص مفهوم التشخيص، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالتصنيف، ومع ذلك فإنه يمكن النظر للتشخيص في الإرشاد على اعتبار أنه عملية للفهم Understandintg، وبذلك يمكن إدخال فكرة التشخيص في نظرية روجرز، والإطار المرجعي بطريقة تختلف كثيرا عن استخدامه "أي التشخيص" في تحديد الفئات التشخيصية، وقد وافق روجرز على استخدام التشخيص بالمفهوم التالي:
"إن العلاج بصورة دالة ودقيقة هو في الواقع تشخيص، والتشخيص هو عملية تجري في خبرات المسترشد أكثر من كونها في ذهن المرشد".
ويعلق هانسن 1977 على ذلك بقوله: "إن التشخيص هو عملية تجري في خبرات المرشد كما تجري في خبرات المسترشد، ويشتمل التشخيص، باعتباره تفهما، إعداد فروض عملية، تتغير وتراجع مع أي عوامل معرفية، ووجدانية جديدة يظهرها المسترشد في المقابلة، أو من خارج المسترشد نفسه، وبمعنى آخر فإننا ننظر للمرشد على أنه يبني فروضا حول المسترشد، ويعد نموذجا لهذا المسترشد، أو نظرية مصغرة حول هذا المسترشد.
ولكي يستخدم المرشد التشخيص بفاعلية على اعتبار أنه فهم المسترشد، فإنه "أي المرشد" يبقى منفتحا على ذاته، وعلى المعلومات الجديدة المقدمة، وعملية التشخيص عملية مركبة تستدعي أن يفهم المرشد كل ما يستطيعه من جوانب المسترشد.
يقترح روبينسون "1967" Robinson أن هناك أربعة جوانب على الأقل نحتاجها في تحليل المسترشد للوصول إلى تشخيص يكون أساسا لاختيار الطرق المناسبة للإرشاد.
الجانب الأول: هو المفهوم التقليدي للنظر في أسباب المشكلة ليمكن تحديد محتوى المعالجة، ويكون من الضروري إجراء دراسة حالة لفهم النمط المعقد للعوامل المسببة، وكذلك الديناميات السابقة للمسترشد في التوافق مع موقفه، ويمكن جمع معظم هذه المعلومات في المقابلة الإرشادية كما أن إسهامات الاختبارات لها قيمة هامة في تزويدنا بمعلومات قيمة.
الجانب الثاني: يمضي وراء البحث عن مجالات العلاج، ويبحث عن الإيجابيات ويركز على وصف الأهداف التي تدخل في بناء جوانب القوة للمسترشد، وبذلك نعطي للإرشاد وجهة، ويركز التشخيص هنا على التعرف على المجالات الإيجابية في حياة المسترشد، والتي يرغب "المسترشد" في تقويتها.
الجانب الثالث: يتضمن اكتشاف المرشد للأسلوب الذي يستجيب به المسترشد للمنبهات بحيث يمكنه اختيار طرق الإرشاد المناسبة -وينظر المرشد لأساليب التوافق لدى المسترشد ليعمل على تعزيزها.
الجانب الرابع: يشتمل على الاستجابة، الصادرة عن المرشد من لحظة لأخرى، لمساعدة المسترشد على تعلم المزيد من السلوكيات المناسبة.
ومع تصوير المسترشد، ومجال المشكلة، وديناميات المسترشد في التوافق، وأهداف الإرشاد، فإن المرشد يتعلم أي الأساليب الفنية يكون أكثر ملاءمة للفرض الذي يعمل من أجله في وقت معين.
يرى هانسن وزملاؤه "1977" أن استخدام التشخيص في صورة فرض عملي يبدو ذا قيمة، ويورد النص التالي المأخوذ عن كيل وميولر "1966" Kell & Mueller الذي يصف كيفية الاستفادة لأقصى ما يمكن من التشخيص.
"التشخيص.. هو عملية علاقات شخصية فيها الغرض الوحيد من التشخيص هو فهم العلاقة بدرجة جيدة تكفي للمرشد ليساعد المسترشد على التغيير. والتشخيص المبدئي هو واحد من الوسائل التي لدى المرشد لتحريك العلاقة الإرشادية.. ومع مضي العملية الإرشادية في التقدم المناسب، فإن عملية التشخيص تصبح أكثر ودا وخصوصية
…
وسواء تغير تشخيص المرشد أم لم يتغير فإن هذا يتوقف على ما إذا كانت العلاقة الإرشادية قد صارت أقرب؛ -لأنه فقط في العلاقة الإرشادية الودودة "الحميمة" يكون المسترشد آمنا ليتحدث عن المعنى الذي يحمله سلوكه الشخصي بالنسبة له.. ومع تطور العلاقة إلى الأقوى، فإن التشخيص يصبح بالضرورة أكثر تحديدًا، ويترك المرشد الأفكار العامة بشكل أكبر، وأكبر وراءه كلما دخل هو، والمسترشد بشكل أعمق في معاني خبراته "أي خبرات المسترشد".
ومن بين الأساليب المتنوعة التي يقيم المرشد عليها تشخيصه لفهم المسترشد، فإن الأسلوب التالي، والذي أطلق عليه هانسين وزملاؤه "1977" الطريقة المرنة الطيعة يعتبر مناسبا لهذا الغرض، وفيه لا تكون لدى المرشد أفكار مسبقة حول الترتيب الذي تطلب فيه المعلومات، ولكنه يمضي إلى حيث تقوده المعلومات، ويستخدم المرشد البيانات التي يحصل عليها في تعديل تفكيره، ويحدد التفكير الراهن للمرشد، والمشتق من تأثير كل المعلومات المجمعة مع بعضها البعض، استجاباته التالية مع المسترشد، كذلك فإن هناك أسلوبا هاما يمكن للمرشد أن يستخدمه في التشخيص، وهو أسلوب التشخيص عن طريق الحذف Diagnosis by exclusion حيث يعد المرشد قائمة من الإمكانيات التشخيصية، ثم يمضي ليجمع المعلومات، وحذف الإمكانيات التشخيصية غير المناسبة حتى يصل في النهاية إلى التشخيص الذي له أكبر دلالة، وهي طريقة تقوم على الاستدلال عن طريق جمع وحذف في المعلومات.