الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فينات التدريب التوكيدي
…
فنيات التدريب التوكيدي:
تستخدم في التدريب التوكيدي مجموعة من الفنيات، نعرضها فيما يلي:
1-
فنية تكرار السلوك:
وهذه الفنية هي أكثر أساليب التدريب التوكيدي شيوعا، وتتطلب في تنفيذها أن تكون العلاقة الإرشادية بين المرشد والمسترشد قد تقدمت. وفي جانب من الجلسة الإرشادية يقوم المسترشد بالدور المطلوب "الذي ينقص فيه السلوك التوكيدي" على حين يقوم المرشد بدور الشخص الهام في حياة المسترشد أي: الذي يظهر في حضرته نقص السلوك التوكيدي، مثلا دور المدير أو صاحب العمل أو أحد الزملاء. ويحصل المرشد على المعلومات الهامة حول هذا الشخص من المسترشد نفسه، ويبدأ العمل بأن يقوم المسترشد بالسلوك الذي اعتاد أن يقوم به في مواقفه مع هذا الشخص، ويستجيب المرشد بما يناسب الدور المفترض أن يؤديه "المدير أو صاحب العمل
…
إلخ" ثم يستجيب المسترشد
…
وهكذا. وفي المعتاد، فإن تبادل العلاقة على هذا النحو تستمر لوقت قصير، وعلى سبيل المثال قد يرغب المسترشد في أن يتدرب على كيفية التعامل مع زميل يلح عليه في استعارة مذكراته الدراسية.
ويتولى المرشد تصحيح السلوك الذي أداه المسترشد، وقد يحتاج إلى أن يقوم هو بسلوك المسترشد بأن يعرض النموذج الذي يودّ أن يقلّده المسترشد، ثم يُتيح للمسترشد الفرصة لمحاكاة هذا السلوك.
ويمكن أن يدخل في فنية تكرار السلوك فنيات أخرى مثل: استخدام التعزيز واستخدام أسلوب التشكيل، كما قد يستخدم المرشد أسلوب تبادل الأدوار حيث يقوم المرشد بدور المسترشد، وفي هذه الحالة يقوم المسترشد بدور الشخص الآخر "المدير أو الزميل
…
إلخ"، وتتميز هذه الطريقة بأنها تتيح الفرصة للمسترشد ليشاهد الانفعالات المصاحبة للقيام بالدور التوكيدي، وقد يدهش المسترشد أن مثل هذا السلوك لم يولد لديه أي مشاعر سلبية "لاحظ أنه يقوم بدور الشخص الآخر، ويراقب المرشد الذي يؤدي عنه دوره".
2-
فنية الاستجابة البسيطة الفعالة:
قلنا من قبل: إن السلوك التوكيدي يشتمل على التعبير المناسب عن المشاعر، وعملية الحكم على مدى ملاءمة التعبير إنما هي عملية اجتماعية يقوم بها المسترشد بالاشتراك مع المرشد. وفي التعبير عن مشاعر مثل الضيق أو الغضب فإنه يمكن أن نستخدم فنية الاستجابة البسيطة الفعالة، ويقصد بالاستجابة البسيطة الفعالة السلوك الذي يحقق هدف المسترشد بأقل جهد، وأقل درجة من الانفعالات السالبة. على سبيل المثال قد يكون الفرد في موقف يود أن يستمع إلى شيء، ولكن الآخرين يحدثون ضجيجا مثلا عند عرض أحد الأفلام الثقافية أو أثناء إجراء حوار في ندوة
…
يمكن هنا أن يلتفت هذا الشخص إلى الجلوس الحاضرين قائلا في صوت هادئ: يا إخواني، ألا يمكن أن نكون أكثر هدوءا؟
في بعض الأحيان، فإن مثل هذا الضجيج أو هذه الضوضاء قد تثير أحد الحضور، فيقف صائحا في غضب شديد: ما هذه الفوضى؟ ما هذا الضجيج؟ لو كان هذا المكان منضبطا ما حدث هذا. أنا أحمل المسئولين عن دعوتنا ما يحدث الآن
…
إلخ. بالطبع مثل هذا الانفعال الشديد قد يترك آثاره السلبية على الشخص نفسه، وكذلك على جمهور الحاضرين أيضا.
وهناك مواقف كثيرة يجد المرء نفسه فيها بحاجة إلى مثل هذه الاستجابة البسيطة والفعالة في نفس الوقت. خذ على سبيل المثال النماذج التالية:
1-
عندما تجد نفسك بعد تناولك العشاء في أحد المطاعم، وقد قدمت لك فاتورة حساب تشتمل على أشياء لم تطلبها:
ربما يكفي في مثل هذه الحالات أن تقول:
أظن أن هناك خطأ ما في هذه الفاتورة.
هل يمكن أن تعيد حسابها مرة أخرى؟
2-
عندما يتبين لك أن أحد الركاب في الطائرة قد أخذ مكانك:
قد يكون من المناسب أن تقول له:
أظن يا أخي أنه قد حدث خطأ في رقم المقعد، هل يمكن أن تراجع تذكرة الإقلاع معك؟
3-
طالب يجد نفسه ليلة الامتحان وجها لوجه مع صديق أو قريب له جاء يزوره ليمضي معه بعض الوقت في أحاديث عابرة، يمكن أن يقول له على سبيل المثال:
صديقي، أنت تعلم أن لدي في الغد امتحانا، وأنا بحاجة إلى مراجعة بعض الموضوعات قبل أن أنام في وقت مبكر هذه الليلة، وأرجو أن نلتقي في وقت آخر بعد انتهاء الامتحانات.
3-
أسلوب التصعيد:
في كثير من الأحيان نجد أن الاستجابة البسيطة الفعالة التي تحدثنا عنها تحقق نتائج طيبة، ولكن قد يحدث أحيانا أن مثل هذه الاستجابات لا تحقق النتيجة المرجوة منها، وفي هذه الحالة يجب أن يكون المسترشد مهيئا لأن يقوم بتصعيد هذه الاستجابة الهادئة، وفي هذه الحالات فإن المرشد يحتاج أن يقوم بنَمْذجة استجابات أكثر قوة.
إن أسلوب التدريب على التصعيد Escalation قد اقترحه ماكفول ومارستون "1970" Mcfall & Marston وهو يساعد المسترشد على زيادة الثقة في نفسه
ويؤدي إلى تعميم السلوك التوكيدي، غير أنه ينبغي على المعالج أن ينبّه المسترشد بأن يؤخر هذه الاستجابات الشديدة إلى المواقف التي تدعو لاستخدامها.
مثلا في حالة وجود شخص قد أخذ مكانك في الطائرة يكون التصعيد على النحو التالي: أخي ها هي تذكرتي تشير إلى رقم المقعد الذي تجلس عليه، وأنا متمسك بأن أجلس في مقعدي.
4-
استخدام مدرجات السلوك:
في هذه الحالة يقوم المرشد مع المسترشد بإعداد مدرجات للسلوك الذي يمارسه المسترشد في مواقف، ويتدرج مع المسترشد إلى مواقف أصعب وهكذا. ويعين المسترشد لكل موقف درجة من صفر - 100 تدل على ما يعتريه من غضب، أو ضيق فيه.
مثال:
- رئيسك المباشر يجلس إلى مكتبه وقد كنت طوال الأيام الثلاثة السابقة في عمل إضافي، وتود أن تنصرف اليوم من عملك مبكرا عن الموعد المحدد بنصف ساعة؛ لتحضر حفلا تقيمه المدرسة التي يدرس فيها ابنك، وقد توجهت إليه لتطلب منه أن يأذن لك في الانصراف المبكر.
- رئيسك المباشر يمر عليك في صبيحة أحد الأيام، وأنت تقوم بعملك، وعلى الرغم من أنك ملتزم ودقيق في مواعيدك، فإنه يقول في لهجة شديدة: هل تأخرت اليوم في الحضور؟
- يبدي رئيسك المباشر ملاحظة مؤداها أنك ومجموعة من زملائك تأخذون فترات راحة لتناول القهوة بصورة أكثر تكرارا عن المفروض، وأنت تعرف أن هذه الملاحظة غير دقيقة.
- رئيسك يوجه الاتهام "ظلما" إلى زميل لك بعدم الأمانة.
- بعد أن عملت فترة إضافية لمدة أسبوع، يطلب منك رئيسك أن تقوم بذلك مرة أخرى وأنت لا تطيق ذلك، وتريد أن ترفض.
- تتقدم إلى رئيسك تطلب منه ترقية مستحقة لك.
- تريد أن تخبر رئيسك أنك إذا لم تحصل على الترقية، فإنك ستترك المؤسسة.
ويستفيد المرشد من هذه المدرجات بأن يحدد نقاط البداية في العلاج أو التدريب التوكيدي حيث يبدأ في تدريب المسترشد على المواقف التي تحدث أقل إثارة للقلق والتوتر لدى المسترشد، ثم ينتقل إلى المواقف الأشد وهكذا.
5-
التدريب التوكيدي الجمعي:
يمكن القول بأن التدريب التوكيدي قد يحقق نتائج أفضل إذا استخدمناه في إطار جماعات إرشادية أو علاجية عما لو تم على أساس فردي. وفي المعتاد، فإن جماعات التدريب التوكيدي التي تعد لهذا الغرض تضم بين 5-10 أفراد "مسترشدين" في الجلسة. ويعتمد التدريب في هذه الحالة على أسلوب تكرار السلوك الذي سبقت الإشارة إليه، ويبدأ العمل بأن يطلب المرشد من أحد المسترشدين أعضاء الجماعة أن يعرض المشكلة أمام الجماعة، ثم يطلب منه المرشد أن يؤدي أمامهم الاستجابة التي اعتاد أن يستجيب بها في مثل هذا الموقف، حيث يتم تقويمها بطريقة غير منحازة، وفي عبارات ودية عن طريق باقي أعضاء الجماعة.
بعد ذلك يبدأ المرشد بقوله: هيا بنا نبحث معا كيف تكون الاستجابة التوكيدية المناسبة لهذا الموقف؟
ويمكن للمرشد أن يطرح اقتراحا بالاستجابة المناسبة "السلوك المناسب"، كما يمكن للأعضاء "ما عدا العضو الذي عرض المشكلة" أن يقترحوا أيضا الاستجابات التي يرونها مناسبة لهذا الموقف. وإذا اتفق الأعضاء على الاستجابة المناسبة فإنه يبدأ في إجراءات نمذجتها Modeling بواسطة عضو من الجماعة يتطوع للقيام بهذا الدور، أو قد يقوم المرشد بنفسه بأداء الدور المطلوب إذا لم يتقدم أحد الأعضاء للتطوع بأداء هذا الدور. غير أنه من المفضل أن يقوم أحد أعضاء الجماعة بذلك؛ لأن عملية النمذجة تمثل خبرة تعليمية، كما أنها تكون عالية الفعالية عندما يكون النموذج مشابها للمسترشد
وعندما يكون هناك مشاركة من جانب المسترشد في أداء السلوك المنمذج، ويقوم المرشد بتعزيز النموذج في أدائه للدور المنمذج.
إن نقص السلوك التوكيدي من العيوب السلوكية التي يعاني منها بعض الطلاب والتي تدفعهم في كثير من الحالات إلى التقدم للإرشاد. وترتبط هذه المشكلة بمشكلات أخرى مثل انخفاض تقدير الفرد لنفسه وكذلك الخجل والقلق، وقد يترتب على نتائجها اغتمام الفرد وربما الوصول إلى أعراض الاكتئاب. وأسلوب أو طريقة التدريب على السلوك التوكيدي سواء بشكل فردي، أو بشكل جمعي من الأمور التي يجب أن يهتم المرشد الطلابي باستخدامها.
11-
الإشراط التنفيري Aversive Conditioning:
ينصرف اصطلاح الإشراط التنفيري إلى مجموعة من الأساليب التي تستخدم بقصد إنقاص أو إنهاء سلوك غير مرغوب لدى المسترشد، وينتمي أحد هذه الأساليب أو الفنيات للإشراط الكلاسيكي، بينما تنتمي باقي الفنيات للإشراط الإجرائي، وقد سبق أن تناولناها عند الحديث عن العقاب.
وبالنسبة للإشراط التنفيري الكلاسيكي والذي يستخدم عادة مع مدمني الخمور، فإن الفكرة تقوم على إيجاد مثير طبيعي يحدث استجابة الألم "استجابة طبيعية"، وفي المعتاد أن تستخدم حبوب الأميتين emitine أو أبومورفين حيث يتناولها المتعاطي قبل احتسائه للخمر. وعن طريق الإشراط فإن الخمر تصبح مثيرا مشروطا يمكن فيما بعد عند تناوله بدون الحبوب أن يولد الاستجابة، أي استجابة الألم نفسها "استجابة مشروطة في هذه الحالة".
وتتلخص الطريقة في إعطاء المدمن حبوبا مقيئة، ثم يتناول بعدها ما اعتاد تناوله من الخمر ويبدأ تأثير هذه الحبوب بتوليد آلام في البطن وقيء، وهكذا مع استمرار الاقتران بين تناول الحبوب "مثير طبيعي" وتعاطي الخمر "مثير محايد" وحدوث الآلام والقيء "استجابة طبيعية لتناول الحبوب" فإن يمكن بعد فترة أن نتوقف عن إعطاء
الحبوب ويصبح تعاطي الخمر في هذه الحالة مثيرا مشروطا يولِّد نفس الاستجابة؛ استجابة الألم والقيء، "وقد أصبحت استجابة مشروطة"، ويؤكد المعالجون الذين يستخدمون هذه الطريقة أنها تحقق نجاحا بنسبة 50%.
وللإشراط التنفيري الكلاسيكي استخدامات كثيرة في الحياة، وتلجأ إليها الأمهات والآباء بأساليب مختلفة وإن كان يشوبها عدم الدراسة وتقدير النتائج الجانبية، مثل استخدام القطرة في العين للتخلص من سلوك العصيان عند الأطفال، إلا أن نتيجته هي النظر للقطرة على أنها وسيلة للعقاب وليست وسيلة للعلاج، كما تتّبع الأمهات أسلوبا مماثلا عند فطام الطفل، وذلك باستخدام مواد حارة مثل الشطة أو مواد مرة مثل الصبار؛ مما يؤدي إلى نفور الطفل من الرضاعة، إلا أن ذلك يمثل له نوعا من الصدمة نتيجة الحرمان المفاجئ.
وبصفة عامة، فإن الإشراط التنفيري الكلاسيكي لا يعتبر أسلوبا أو طريقة من الطرق الإرشادية التي يمكن للمرشد الطلابي أن يستخدمها في التعامل مع مشكلات الطلاب.
12-
الغمر Flooding:
على عكس طريقة التخلص المنظم من الحساسية التي تعتمد على تعريض الفرد الذي لديه قلق أو خوف للمثير الذي يحدث له القلق أو الخوف بشكل متدرج، فإن طريقة الغمر تعتمد على تعريض الشخص الذي يعاني من القلق أو الخوف بشكل مباشر، وكامل للمثير الذي يبعث فيه القلق أو الخوف.
وتقوم هذه الطريقة على تعريض المسترشد بسرعة للمثير الشرطي "مثير الخوف أو القلق" في الوقت الذي نقلل فيه هروبه من هذا المثير المشروط، وتسمى هذه الطريقة في بعض الأحيان بطريقة منع الاستجابة "استجابة القلق أو الخوف" Response Prevention.
يعرض لنا نيسبيت "1973" Nesbitt حالة سيدة عمرها 24 سنة كانت تعاني من خوف شديد ونفور من المصاعد الكهربية استمر معها لمدة سبع سنوات، وقد اشتمل العلاج على اصطحابها في المصعد لمرة واحدة مع المرشد، ثم تركها بعد ذلك بمفردها وبعد نصف ساعة من هذه المعالجة تناقصت مخاوفها بشكل كبير.
والفكرة الرئيسية التي يرتكز عليها العلاج بالغمر هي التعريض السريع للمسترشد لذلك المثير المشروط "الذي يخاف منه" بدلا من تعريضه على فترات أو بالتدريج. وفي المثال السابق فإن تكرار استخدام هذه السيدة للمصعد مرات عديدة متتالية في فترة قصيرة "نصف ساعة" يؤدي إلى انطفاء استجابة الخوف، وقد يرجع هذا الانطفاء إلى أن الشخص يصبح منهكا من الناحية البدنية بما لا يسمح للاستجابة المشروطة "استجابة الخوف" أن تظهر. وربما يرجع ذلك إلى أن منع استجابة الخوف يساعد على كسر استجابات الهروب التي لا تجد وقتا لتظهر.
وفي الوقت الحاضر، فإن الغمر يستخدم مع المواقف المثيرة للقلق "أو الخوف"، وأحد مميزات هذه الطريقة هي أنها أسرع في تأثيرها من الطرق التدريجية مثل التخلص التدريجي من الحساسية، أما العيب الأساسي فيها فهو أنها في بعض الأحيان قد تكون نتيجتها عكسية فتزيد من الاستجابة المشروطة "القلق أو الخوف" بدلا من أن تطفئها. فإذا كان الطفل يخاف من الكلاب، فإن إجباره على أن يواجه عدة كلاب قد يزيد من خوفه من الكلاب بدلا من انطفائه. وليس من السهل أن نتوقع ما إذا كانت نتيجة الإرشاد بهذه الطريقة ستكون انطفاء الاستجابة غير المرغوبة أو زيادتها، ومن ثم فإن كثيرا من المرشدين والمعالجين يفضلون استخدام طريقة التخلص التدريجي من الحساسية عن طريقة الغمر.
ثالثا: الطرق القائمة على التعلم الاجتماعي Social Learning
من الأمور المشاهدة في الحياة أن الإنسان يتعلم مجموعة كبيرة من السلوكيات وخاصة الاجتماعية عن طريق ملاحظة آخرين يقومون بها. وقد ظهرت مجموعة من النظريات التي تفسر التعلم بهذه الطريقة، إلا أن أوسعها انتشارا وارتباطا بالإرشاد والعلاج النفسي كانت تلك النظرية التي وضعها عالم النفس الأمريكي ألبرت باندورا "1977" Albert Bandura.
والتعلم الاجتماعي أو التعلم بالملاحظة "التعلم من نموذج" أسلوب عرفته البشرية منذ القدم، ويشير القرآن الكريم في قصة ابني آدم كيف تعلم الإنسان من الغراب الذي جاء يبحث في الأرض.
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ
…
} [المائدة: 31] .
ويرشدنا الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الاقتداء بأفعاله في الجوانب العملية الأدائية للعبادات، فيقول صلى الله عليه وسلم:
"صلوا كما رأيتموني أصلي".
ويقول في حجة الوداع:
"أيها الناس، خذوا عني مناسككم".
وسوف نتناول مجموعة من الطرق التي تقوم على أساس من نظرية التعلم الاجتماعي، ومنها:
1-
أسلوب النماذج السلوكية "النمذجة" modeling.
2-
أسلوب أداء الأدوار Role Playing.
14-
استخدام النماذج السلوكية "النمذجة" في الإرشاد Modeling:
تقوم طريقة استخدام النماذج السلوكية أو النمذجة، على أساس إتاحة نموذج سلوكي مباشر "حي" أو ضمني "تخيلي" للمسترشد، حيث يكون الهدف هو توصيل معلومات حول النموذج السلوكي المعروض للمسترشد بقصد إحداث تغيير ما في سلوكه "إكسابه سلوكا جديدا، أو زيادة، أو إنقاص سلوك موجود لديه". وقد ظهرت في السنوات الأخيرة دراسات عديدة تظهر إمكانية استخدام هذه الطريقة الإرشادية والعلاجية مع كثير من المشكلات والاضطرابات، مثل التدريب على السلوك التوكيدي، وحالات القلق وحالات العدوان، وعيوب النطق وفي إكساب الأطفال المهارات الاجتماعية، وفي بعض حالات الوساوس والسلوك القهري وحالات المخاوف المرضية وغيرها.
الوظائف الأساسية للنمذجة:
للنمذجة أربع وظائف رئيسية: فعن طريق ملاحظة نموذج يمكن للمسترشد أن يتعلم سلوكا جديدا مناسبا، كذلك فإن ملاحظة سلوك النموذج يكون له أثر اجتماعي تسهيلي "أو إنمائي" Facilitative عن طريق دفع المسترشد إلى أداء تلك السلوكيات التي كان بوسعه أن يقوم بها فيما مضى، وذلك في أوقات أكثر ملاءمة وبأساليب أكثر ملاءمة أو تجاه أشخاص أكثر ملاءمة. كذلك فإن النمذجة قد تؤدي إلى إنهاء كف سلوكيات كان المسترشد يتحاشاها بسبب الخوف أو القلق، وبينما ترفع الكف عن السلوكيات فإن النمذجة قد تزيد الانطفاء المباشر والانطفاء بالإنابة للمخاوف المرتبطة بالشخص أو الحيوان أو الشيء الذي كان السلوك موجها نحوه
العوامل التي تؤثر في النمذجة:
يمكن تصنيف العوامل التي تؤثر في فاعلية استخدام النمذجة تحت ثلاث مجموعات، هي:
1-
خصائص النموذج.
2-
خصائص المراقب "المسترشد أو المتعلم".
3-
خصائص مرتبطة بالإجراءات المستخدمة في النمذجة.
أولا: خصائص النموذج:
مما لا شك فيه أن الانتباه لنموذج يقوم بسلوك معين، يزداد كلما كان النموذج محببا ومشوقا للمسترشد، فالنموذج الذي يلقى ترحيبا أو الذي يحظى باهتمام اجتماعي يكون له آثار أكبر في النمذجة. كذلك يفضل أن يكون النموذج مناسبا في السن والنوع والأصول للمسترشد، حيث إن ذلك يزيد قابلية المسترشد لتقليد السلوك المنمذج عما لو كانت النماذج بعيدة الشبه منه في هذا الجانب.
ثانيا: خصائص المراقب "المسترشد أو المتعلم":
يحدد باندورا "1977" Bandura الجوانب الأربعة التالية كعوامل هامة تؤثر على نتائج النمذجة كعوامل، أو جوانب يحتاج المسترشد أن تتوافر لديه وهي:
أ- عمليات الانتباه.
ب- عمليات الحفظ.
جـ- عمليات الاسترجاع "إعادة التوليد الحركي للسلوك".
د- عمليات الدافعية.
أ- عمليات الانتباه Attentional Processes:
لا يكفي أن يوجد المسترشد في موقف يتم فيه نمذجة السلوك؛ لكي يتم تعلم هذا السلوك فعلا من النموذج، وإنما ينبغي أن ينتبه المسترشد للموقف وأن يستوعب المعلومات التي يعرضها النموذج.
وتتوقف عمليات الانتباه على بعض الجوانب الخاصة بالمثيرات الداخلة في النمذجة كوجود تنافر في الإضاءة وفي الصوت وتكرار في المقاطع الرئيسية، والتلخيص الواضح، وكذلك على بعض الجوانب لدى المسترشد مثل سلامة الحواس لديه "السمع والبصر والشم والتذوق واللمس"، ومستوى الاستثارة لديه، وكذلك الجوانب الإدراكية.
ب- عمليات الحفظ Retention Processes:
بمجرد أن ينتبه المشاهد "المسترشد" للمعلومات الأساسية الخاصة بالسلوك الذي ننمذجه ويصبح قادرا على أن يفهم جوانب هذه المعلومات، فإنه ينبغي أن يكون حينئذ قادرا على تذكر المادة التي استقبلتها حواسه "في عمليات الانتباه"، ويتم ذلك عن طريق حفظ "تخزين" هذه المادة في صورة مرمزة Coded في شكل سمعي وبصري، ويساعد اقتران الجوانب البصرية مع الجوانب السمعية وتكرار المعلومات على تذكر المادة المنمذجة.
جـ- استرجاع "إعادة توليد" السلوك Motoric Reproduction:
في هذه العمليات يتم استرجاع السلوك المحفوظ "في الذاكرة"، غير أنه ينبغي أن نلاحظ أنه في بعض السلوكيات الحركية المعقدة مثل ركوب الدراجات، فإن السوك لا يكفي لأدائه تقليد النماذج المعروضة، بل يجب أن تكون لدى الفرد المهارات الحركية
المناسبة والقدرة على حفظ التوازن المطلوبان لأداء هذا السلوك "ركوب الدراجات". وفي هذه الحالات، فإن مشاهدة السلوك وحفظه في الذاكرة لا تكونان كافيتين لإعادة توليد السلوك، وإنما متى توافرت المهارات المناسبة فإن هذه المشاهدة تساعد كثيرا على اكتساب السلوك المطلوب.
وفي الواقع، فإن الإنسان قد يختزل معلومات حول نموذج معين لسنوات طويلة، ثم يعيد هذه السلوكيات عندما يحين وقتها أو تدعو الحاجة إليها. فالطفل الصغير يكتسب سلوكيات كثيرة خاصة بالتعامل في إطار الأسرة من معايشته لأسرته، وقد يحتفظ بجانب كبير من هذه السلوكيات ليؤديها عندما يكبر ويكوّن أسرة لنفسه.
د- عمليات الدافعية Motivational Processes:
إذا توافرت عمليات انتباه المسترشد للنموذج وفهمه للمعلومات المراد توصيلها له من خلال العرض، وحفظ هذه المعلومات وتوافرت المهارات الحركية اللازمة لتنفيذ النشاط المنمذج، فإن هذا المسترشد قد لا يؤدي السلوك المنمذج؛ لأنه قد توقع نتائج منفّرة من أداء السلوك "عقابا"، ومن ناحية أخرى، فإنه عندما يتوقع نتائج إيجابية من أداء السلوك المنمذج فإننا نتوقع أن يقوم بأداء هذا السلوك.
ثالثا: خصائص مرتبطة بالإجراءات
إن موقف النمذجة والأسلوب الذي تتم به قد يتضمن بعض الجوانب التي تؤثر على نتائجها. فعلى سبيل المثال لُوحظ أن النتائج التي يحصل عليها النموذج "القائم بالعرض" تؤثر على فاعلية النمذجة، فالنموذج الذي يكافأ على تصرف ما يكون أكثر قابلية أن يقلده المسترشدون عما لو كان النموذج يتلقى عقابا. كذلك فإن أداء النماذج للسلوكيات المنمذجة في مواقف مختلفة يزيد من آثار النمذجة، كذلك فإنه عند وجود نماذج متعددة تكون النتائج أفضل مما لو اقتصر الأمر على نموذج واحد. وإذا اشتملت النمذجة على قاعدة أو خطة يمكن أن يكتشفها المسترشد من واقع السلوك المنمذج، فإن آثار النمذجة على المسترشد تزداد إلى حد كبير.
أنواع النمذجة:
يمكن التعرف على ثلاثة أنواع من النمذجة هي: النمذجة المباشرة أو الصريحة، والنمذجة الضمنية "المعرفية"، والنمذجة بالمشاركة.
أ- النمذجة المباشرة أو الصريحة Overt Modeling:
في هذه الطريقة يتم عرض نماذج حية تؤدي السلوك المطلوب عرضه، حيث يقوم بذلك أشخاص واقعيون، أو عن طريق أشخاص ومواقف معروضة بالصوت والصورة.
ب- النمذجة الضمنية Covert Modeling:
في كثير من الأحيان قد يصبح من الصعب إعداد نماذج حية أو محسوسة بشكل مباشر لعرضها على المسترشدين أو المرضى في مكاتب الإرشاد أو العيادات النفسية؛ ولهذا فقد اقترح كوتيلا "1971" Cautela استخدام النماذج الضمنية. ويعتمد هذا الأسلوب على أن يتخيل المسترشد نماذج تقوم بالسلوكيات التي يرغب المرشد أن يقوم المسترشد بها. ولأن النمذجة -كما أشرنا من قبل- تركز أساسا على عرض معلومات نود أن نوصلها للمسترشد، فإن دفع المسترشد إلى تصور تتابع أو سلسلة من الأحداث يمكن أن يؤدي نفس الآثار التي تؤديها النمذجة الصريحة. ويؤيد هذا الرأي ويلسون وأولاري "1980" Wilson & O'lary اللذان يريان أن استخدام النماذج الضمنية يعطي نتائج مساوية للنتائج التي تنتج من استخدام النماذج الحية "الصريحة".
وقد استخدم كازدين "1974" Kazdin أسلوب النمذجة الضمنية في خفض الخوف لدى طلاب الجامعة، كما استخدم نفس الباحث هذا الأسلوب في تدريب الطلاب على السلوك التوكيدي، وذلك بأن يطلب منهم أن يتخيلوا نموذجا مشابها لهم يقوم بالسلوك التوكيدي، كما أوضحت الدراسات التي قام بها كوتيلا وفلانادي وهانلي "1974" Cautela & Flannery & Hanley عدم وجود فروق بين نتائج استخدام أسلوب النمذجة الصريحة وأسلوب النمذجة الضمنية.
جـ- النمذجة بالمشاركة Participant Modeling:
تشتمل عملية النمذجة بالمشاركة على عملية نشطة مصحوبة بتوجيهات للمسترشد إلى جانب النمذجة المباشرة للسلوكيات موضوع العلاج. ويرى باندورا "1977" Bandura أن هذه الطريقة في العلاج ذات فاعلية أكبر من مجرد أن نجعل المسترشد يراقب النموذج، وهو يؤدي السلوكيات المطلوبة، وبذلك فإن النمذجة بالمشاركة تشتمل على عرض للسلوك بواسطة نموذج Model، وكذلك أداء هذا السلوك من جانب المسترشد مع توجيهات تقويمية من جانب المرشد موجهة للمسترشد. وبذلك يكون هذا الأسلوب أكثر فاعلية من استخدام النمذجة "بدون مشاركة" وحدها. وعلى سبيل المثال، فإن استخدام هذا الأسلوب لتعليم المسترشد كيفية التغلب على المخاوف، وفي وجود المرشد وما يعطيه من توجيهات يحدث أثرا مريحا للمسترشد وهو يتغلب على مخاوفه، والمرشد الواعي يستطيع أن يساعد المسترشد، أثناء هذا الموقف، على عقد مقارنة لما أحرزه من تقدم.
استخدامات النمذجة:
تستخدم النمذجة في الإرشاد والعلاج النفسي لغرضين أساسيين:
أ- زيادة سلوك.
ب- إنقاص سلوك.
أولا: زيادة السلوك عن طريق النمذجة
يمكن أن ننظر إلى ما يحدث من زيادات في السلوك نتيجة للنمذجة على أنه يشتمل على ثلاثة أنواع من الآثار:
1-
آثار الاكتساب.
2-
آثار ناتجة عن إزالة الكف.
3-
آثار خاصة بتسهيل حدوث السلوك.
1-
الآثار الخاصة باكتساب السلوك:
أوضحت مجموعة من التجارب أنه يمكن إكساب الأطفال والكبار سلوكيات جديدة من خلال عرض نماذج يقومون بتقليدها بعد ملاحظتها، مع تعزيز أدائهم للسلوك.
وقد قام كاي "1971" Kaye بتجربة لإظهار كيفية اكتساب الأطفال لتتابع جديد من السلوك حيث عرض للأطفال "مجموعة من الأطفال في سن ستة أشهر" لعبة يفصل بينها وبين الطفل شاشة زجاجية تمكن الطفل من مشاهدة اللعبة والتحرك نحوها، ولكنه لا يستطيع أن يصل إليها بسبب وجود الساتر الزجاجي، ثم قام الباحث بنمذجة سلوك الدوران حول الساتر الزجاجي والوصول إلى اللعبة، وأعقب ذلك أن قام الأطفال بتقليد سلوك الباحث وبمحاولات بسيطة أمكنهم جميعا أن يحصلوا على اللعبة بسهولة.
كما قام لوفاس وزملاؤه "1976" Lovas et al بإعداد برنامج للأطفال الذين لديهم اجترارية Autism لإكسابهم المهارات اللغوية.
كما وجد هيكس "1965، 1968" Hicks أن الأطفال قاموا بالسلوك الجديد الذي شاهدوه في فيلم عرض عليهم، واستمر قيامهم بهذا السلوك لفترة طويلة بعد ذلك.
وبذلك، فإن المرشد يمكنه الاستفادة من فنية استخدام النماذج السلوكية "الصريحة أو الضمنية" وخاصة إذا كان هناك مشاركة من جانب المسترشدين؛ وذلك لإكسابهم سلوكيات جديدة، مثل سلوك ريادة الجماعات، والإعداد للمقابلة الخاصة بالتوظيف، وسلوكيات الاستذكار والتعاون والإيثار والشجاعة والسلوك الصحي، وغيرها كثير من السلوكيات التي قد لا تكون موجودة لدى المسترشد ويحتاج لاكتسابها.
ب- الآثار المحررة من الكف:
يمكن أن نلاحظ مثل هذه الآثار عندما يصبح السلوك المكفوف لدى المسترشد أكثر حدوثا بعد مشاهدة نموذج يقوم بالسلوك موضع الكف، بدون أن يعاني من آثار عكسية.
ومن أمثلة هذا النوع ما نشاهده في المناسبات الاجتماعية والندوات والمؤتمرات حين يبدأ أحد الأشخاص بالكلام أو المناقشة أو توجيه أسئلة، بعدها يبدأ آخرون في تقليد هذا السلوك.
ويمكن أن نشاهد هذه الآثار "التحرر من الكف" في علاج المخاوف لدى الأطفال، حيث يبدءون في الاقتراب من الأشياء التي تُخيفهم، والدخول إلى تفاعلات اجتماعية نتيجة لمشاهدتهم لنماذج سلوكية.
وقد قام أوكونور "1969" O'cconor بتجربة على الأطفال شديدي الانسحاب الذين كانوا في سن ما قبل المدرسة، وكانت مشكلاتهم السلوكية في جانب منها بسبب الخوف من التفاعلات الاجتماعية. وقد قسّم مجموعة البحث إلى قسمين حيث عرض على النصف الأول فيلما يحتوي على موقف يحاول فيه طفل خائف أن يقترب من المواقف التي يخاف منها عن طريق ملاحظة غيره من الأطفال وهم يتفاعلون، فيبدأ الطفل الخائف في الاشتراك في بعض الأنشطة مثل تبادل الكتب ثم الأنشطة حيث ينتهي به الأمر إلى الاشتراك في أنشطة كثيرة والعامل مع عدد أكبر من زملائه. أما النصف الثاني من المجموعة، فقد شاهدوا فيلما محايدا "خاليا من النمذجة" وبعد مشاهدة الأفلام لُوحظت تفاعلات الأطفال في حجرات الدراسة، فتبين للباحث أن الذين شاهدوا الفيلم الذي يشتمل على نموذج يتعلم كيف يتفاعل مع آخرين، قد ازدادت تفاعلاتهم الاجتماعية كثيرا، على عكس الأطفال الذين شاهدوا الفيلم المحايد حيث لم يتغير سلوكهم. وقد أعيدت هذه الدراسة بواسطة آخرين حيث تبين أن سلوك التفاعل الاجتماعي المكتسب بهذه الطريقة يستمر لفترات طويلة.
وقد قام هيرسن وأيزلر وميلر "1974" Hersen، Eisler & Miller بتجربة استخدموا فيها أسلوب النمذجة لإكساب السلوك التوكيدي للمرضى في مستشفيات الصحة النفسية، حيث قسموا المرضى إلى خمس مجموعات علاجية على النحو التالي:
- النمذجة مع إرشادات لمحاكاة النموذج.
- النمذجة مع إرشادات وإرشادات للتعليم "أي: استخدام ما تعلم في مواقف أخرى".
- أداء الأدوار بدون الحصول على توجيهات من المرشد.
- أداء الأدوار مع وجود توجيهات من المرشد بالتعميم.
- مجموعة ضابطة.
وقام الباحثون بتقدير سلوك المرضى في مواقف فيها علاقات شخصية تستدعي وجود السلوك التوكيدي، وكانت النتيجة أن المرضى الذين شاهدوا النموذج مع وجود توجيهات، أو توجيهات بالتعميم قد أظهروا أكبر زيادة في السلوك التوكيدي.
جـ- الآثار التسهيلية:
يشير الأثر التسهيلي أو الإنمائي إلى ملاحظة سلوك يقوم به نموذج، ويكون نتيجة ذلك زيادة في سلوك مقبول اجتماعيا، أي: إنه في هذه الحالة لا يوجد سلوك جديد نود أن نكسبه "نعلمه" للمسترشد، ولا يوجد سلوك مكفوف نحاول تحريره من الكف، وإنما يكون هناك سلوك مقبول اجتماعيا نود أن نزيده.
ومن الأمثلة المشاهدة في الحياة على هذا النوع ما تلجأ إليه بعض الفرق المسرحية، وبعض الأندية والفنانين من اصطحاب بعض المشجعين الذين يجلسون بين المتفرجين ليقوموا بالتصفيق لأدائهم؛ أملا في حثّ الجمهور على التصفيق والتشجيع.
ويمكن استخدام هذه الطريقة في تعليم المسترشدين سلوكيات موجودة لديهم بدرجة ضعيفة، ونود زيادتها مثل سلوك التعاون والإيثار والمسارعة إلى التبرع وغير ذلك، حيث يبدأ النموذج بأداء السلوك، وقد يحدث أن يبدأ المرشد أو المدير بنفسه مثل هذا العمل كما يحدث في أسبوع النظافة، وأسبوع المساجد، وغيرهما.
ثانيا: استخدام النمذجة في إنقاص سلوك
يمكن أن ننظر لما يحدث من إنقاص في السلوك "غير المرغوب" نتيجة للنمذجة على أنه يقع في مجموعتين:
أ- الآثار الكافة.
ب- آثار ناتجة عن عدم الملاءمة.
أ- الأثر الكاف "أو المانع" Inhibitory Effect:
في هذه الحالات يعرض المسترشد لمشاهدة نموذج يتلقى عقابا عن سلوك "غير مرغوب"؛ ومن ثم فإن المسترشد يصبح أقل ميلا للاشتراك في هذا السلوك.
ومن مثل ما يطبق فيه هذا الأسلوب ما تعرضه الهيئات المسئولة عن الصحة وعن المرور وعن الأمن؛ وذلك للتقليل من السلوكيات الضارّة مثل التدخين والقيادة الرعناء وتعاطي المخدرات وغيرها، وذلك من خلال عرض أفلام أو برامج في وسائل الإعلام
تظهر الآثار السيئة والضارة لهذه السلوكيات. كذلك قد يحدث الأثر الكاف عن طريق الانطفاء بالإنابة "بالاعتبار" عندما يشاهد الفرد نموذجا يقوم بسلوك معين، ولكن هذا السلوك لا يلقى تعزيزا، فمثلا التلميذ الذي يجد أن زميله أجاب على سؤال بشكل خاطئ أو قام بحل مسألة ولم يصل بطريقته للحل الصحيح، فإنه لن يجيب بمثل هذه الإجابة، ولن يتبع مثل هذه الطريقة لحل المسألة.
وقد استخدم شيبارد "1977" Sheppard هذا الأسلوب في تجربة له مع الأحداث المنحرفين حيث خصصت لهم ساعات معينة يجلسون فيها مع مجموعة من المسجونين "الكبار" المحكوم عليهم بالسجن لمدد طويلة يحدثونهم عن المعاناة التي يلقونها في السجن ومعنى أن يسجن المرء، وبعد الجلسة يرافق أحد الموظفين في السجن هؤلاء الأحداث إلى أسوأ الأماكن في السجن وبصفة خاصة الزنزانات. وقد اتضح للباحث من تقارير الآباء والشرطة ومجموعة البحث نفسها نجاح هذا البرنامج.
ب- الأثر الخاص بالسلوك غير المتناسب:
أمكن لكثير من الباحثين أن يخفضوا الخوف لدى المسترشدين عن طريق عرض نماذج تقوم بأداء سلوكيات لا تتناسب مع ما هو موجود لدى المسترشد من مخاوف.
وقد قام ميلاميد وسايجل "1975" Melamed & Siegel بتجربة، عرضوا فيها فيلما لطفل يتقدم نحو إجراء جراحة على مجموعة من الأطفال الذين كانوا على وشك إجراء عمليات مثل استئصال اللوزتين، وقد أوضحت النتائج انخفاض القلق قبل الجراحة وبعد الجراحة لدى هذه المجموعة عنه لدى مجموعة ضابطة من الأطفال الذين شاهدوا فيلما محايدا "يحكي رحلة إلى الريف".
عرض النماذج من خلال وسائل الإعلام:
تعتبر فنية استخدام النماذج السلوكية لإكساب سلوكيات مطلوبة أو لإبطال وإنقاص سلوكيات غير مرغوبة، أو ضارة من الأساليب الفنية العامة التي تستخدمها الهيئات العامة التي تهتم بصحة المواطنين وسلامتهم، وذلك من خلال مجموعة من الأفلام أو البرامج الدرامية التي تعرض في التليفزيون وفي الإذاعة، وتكون موجّهة إلى قطاعات متنوعة من المواطنين، وهذه الوسيلة تخدم في مجال الإرشاد الإنمائي وكذلك الإرشاد الوقائي بشكل عام. ويمكن للمرشدين الطلابيين الاستفادة من مثل هذه المواد التعليمية، والتي تضم أيضا الملصقات المصورة وغيرها في برامجهم لإرشاد الطلاب.
الإسلام يهتم بالتعليم عن طريق النماذج:
الإسلام الدين الخاتم الذي جعله الخالق جل وعلا هدى ونورا للبشرية جمعاء، يهتم بجانب إرسائه لعقيدة التوحيد بتقويم سلوك البشر وهدايتهم إلى السلوك الصحيح:{صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 1.
وقد استخدم الإسلام في تصويره للسلوك مجموعة من الأساليب التي تعرض نماذج للسلوك وتعرض نتيجة هذا السلوك، فنجد أسلوب القصص القرآني، وكذلك القصص النبوي، والأمثال القرآنية والأمثال النبوية، وأسلوب عرض المشاهد "المواقف"، وكذلك عرض نماذج قياسية للسلوك المرغوب "سلوك المؤمنين"، ونماذج قياسية للسلوك المرذول "سلوك الكفر والنفاق"، كذلك نجد في السنة النبوية بأقسامها القولية والفعلية والتقريرية نماذج توجه المسلم في سلوكه على مدار اليوم وعلى مدار الزمن وفي كل مكان وموقف يقف فيه. ثم نجد في سيرة السلف الصالح الكثير من النماذج التي تعلم مكارم الأخلاق من صدق وإخلاص وأمانة وتعفف ووفاء بالعهد وإيثار وتعاون وإحسان ومجاهدة وبرّ بالوالدين وغيرها كثير. وهذه النماذج أكبر من أن تحصى، ويا حبذا لو أعد المرشد لنفسه برنامجا يعتمد على استخدام هذه النماذج وعرضها عرضا مناسبا، سواء مسموعة أو مكتوبة وتوجيه المسترشدين إلى الاستفادة بها2.
1 سورة الشورى آية: 53.
2 انظر حول استخدام النماذج كأسلوب إسلامي لتعديل السلوك:
الشناوي، محمد محروس التصوير الإسلامي لنماذج السلوك البشري: دراسة نفسية إسلامية، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثامن 1413هـ/ 1993م ص352-410.