المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإرشاد بإتاحة المعلومات للمسترشد: - العملية الإرشادية

[محمد محروس الشناوي]

فهرس الكتاب

- ‌ مقدمة

- ‌الفصل الأول: العملية الإرشادية والعلاجية

- ‌تعريف الإرشاد

- ‌علاقة الإرشاد بالمصطلحات الأخرى:

- ‌مراجع الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني: المرشد خصائصه ومهاراته

- ‌مدخل

- ‌خصائص المرشد

- ‌أولاً: العلم

- ‌ثانيا: الصفات والخصائص الشخصية

- ‌ثالثا: المهارات الأساسية للمرشد

- ‌مراجع الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث: العلاقة الإرشادية

- ‌تعريف العلاقة

- ‌أهمية العلاقة في الإرشاد:

- ‌خصائص العلاقة الإرشادية:

- ‌القيمة العلاجية للعلاقة الإرشادية:

- ‌الأبعاد الأساية للعلاقة الناجحة: "شروط العلاقة

- ‌مهارات الاتصال:

- ‌أولا: السلوك غير اللفظي:

- ‌ثانيًا: استجابات الإصفاء listening responses

- ‌الخلاصة:

- ‌مراجع الفصل الثالث:

- ‌الفصل الرابع: بدء العلاقة الإرشادية

- ‌المقابلة الأولى

- ‌مدخل

- ‌ موعد المقابلة:

- ‌ مكان المقابلة: "بيئة الإرشاد

- ‌مدة الجلسة:

- ‌التحضير للمقابلة:

- ‌أهداف المقابلة الأولى:

- ‌مراجع الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس: تصوير المشكلة:

- ‌التشخيص

- ‌معنى المشكلة:

- ‌مفهوم التشخيص:

- ‌أولًا: التشخيص كتصنيف:

- ‌ثانيا: التشخيص ودوره في فهم المسترشد ومشكلاته

- ‌النماذج المستخدمة في عملية التشخيص أو تصوير المشكلات

- ‌النموذج الطبي: the medical model

- ‌نموذج سييى لتصوير المشكلة

- ‌ نموذج لازاروس لتصوير المشكلة "1976

- ‌ نموذج كورميير وكورميير لتصوير المشكلات "1985

- ‌ملاحق

- ‌ملحق رقم 1: المجموعات الشخيصة للأمراض النفسية والعقلية حسب تصنيف dsmiii

- ‌ملحق رقم "5" نموذج لدراسة تاريخ حالة:

- ‌مراجع الفصل الخامس:

- ‌الفصل السادس: الاختبارات النفسية واستخدامها في مجال الإرشاد

- ‌مدخل

- ‌الدور الذي تعلبه الاختبارات في مجال الإرشاد

- ‌اختيار الاختبارات في مجال الإرشاد:

- ‌أنواع الاختبارات المستخدمة في مجال الإرشاد:

- ‌تطبيق الاختبارات، والعوامل التي تؤثر فيه:

- ‌تفسير نتائج الاختبارات

- ‌مدخل

- ‌العوامل التي تؤثر على درجة المسترشد "المفحوص" على اختبار:

- ‌علاقة التفسير بصدق الاختبار:

- ‌مصادر البيانات:

- ‌أساليب تفسير الاختبارات

- ‌مدخل

- ‌المقارنة بين الجسور الإحصائية والجسور الإكلينيكية

- ‌توصيل نتائج الاختبارات: "التقرير

- ‌بعض القضايا الخاصة باستخدام الاختبارات في الإرشاد:

- ‌بيان ببعض الاختبارات التي يمكن استخدامها في الإرشاد

- ‌أختبارات الاستعدادات

- ‌اختبارات الشخصية:

- ‌مراجع الفصل السادس:

- ‌الفصل السابع: الملاحظة واستخدامها في الإرشاد

- ‌مدخل

- ‌تسجيل وترميز الملاحظة:

- ‌مزايا وعيوب الملاحظة:

- ‌مراجع الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن: إعداد الأهداف في إطار عملية الإرشاد

- ‌مدخل

- ‌أهداف الإرشاد:

- ‌الأهداف العامة للإرشاد:

- ‌الأهداف الموجهة للمرشد:

- ‌اختيار وتحديد الأهداف

- ‌مدخل

- ‌مراجع الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع: اختيار طريقة للأرشاد

- ‌توقيت طرق الإرشاد

- ‌محكات اختيار رق "استراتيجيات الإرشاد

- ‌مراجع الفصل التاسع

- ‌الفصل العاشر: طرق الارشاد

- ‌مدخل

- ‌أولًا: القائمة على أساس من الإشراط الإجرائي

- ‌التعزيز "التدعيم" reinforcement

- ‌ثانيًا: الطرق القائمة على أساس الإشراط الكلاسيكي

- ‌مدخل

- ‌التخلص المنظم من الحساسية systematic desensitization

- ‌مدخل

- ‌وصف طريقة التخلص المنظم من الحساسية:

- ‌صور أخرى للتخلص المنظم من الحساسية:

- ‌التدريب على السلوك التوكيدي

- ‌مدخل

- ‌تطور أسلوب التدريب على السلوك التوكيدي:

- ‌فينات التدريب التوكيدي

- ‌رابعًا: الإرشاد باستخدام العلاقة الإرشادية

- ‌مدخل

- ‌إعادة الاندماج:

- ‌قانون أولي للعلاقة بين الأشخاص:

- ‌خصائص عملية الإرشاد:

- ‌النتائج الخاصة بالشخصية والسلوك:

- ‌خامسا: الطرق السلوكية المعرفية والطرق المعرفية

- ‌العلاج العقلاني الانفعالي rational emotive therapy

- ‌سادسًا: الطرق الواقعية

- ‌ الإرشاد باستخدام القراءة:

- ‌الإرشاد باسختدام الأنشطة

- ‌ الإرشاد بإتاحة المعلومات للمسترشد:

- ‌ نموذج إسلامي لمعالجة الغضب:

- ‌مراجع الفصل العاشر:

- ‌الفصل الحادي عشر: تقويم العملية الإرشادية والعلاجية

- ‌معنى التقويم

- ‌أهداف التقويم في الإرشاد:

- ‌إجراءات التقويم:

- ‌أولا: ماذا نقيس أبعاد الاستجابة:

- ‌ثانيا: كيف نقيس أساليب القياس

- ‌ثالثا: متى نقيس؟ وقت القياس

- ‌مراجع الفصل الحادي عشر:

- ‌الفصل الثاني عشر: إنهاء الإرشاد

- ‌أهمية إنهاء العلاقة الإرشادية termination of counseling

- ‌مراجع الفصل الثاني عشر:

- ‌الفصل الثالث عشر: القواعد الأخلاقية للأرشاد ethical standards

- ‌مدخل

- ‌أهمية الأخلاقيات في مجال الإرشاد

- ‌العلم

- ‌ الخبرة:

- ‌ رعاية مصلحة المسترشد:

- ‌ سرية المعلومات:

- ‌ العلاقة الإرشادية:

- ‌ كرامة المهنة:

- ‌جوانب عامة:

- ‌مراجع الصل الثالث عشر

- ‌أولا: العربية

- ‌ثانيا: الأجنبية

- ‌الفصل الرابع عشر: التسجيل،النماذج، التقارير

- ‌أولًا: التسجيل

- ‌ثالثا: التقارير

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ الإرشاد بإتاحة المعلومات للمسترشد:

22-

‌ الإرشاد بإتاحة المعلومات للمسترشد:

في بعض الأحيان تكون المشكلة الأساسية للمسترشد هي نقص أو عدم توافر المعلومات المناسبة التي يمكن أن يبني عليها اختيارا من الاختيارات المتاحة أمامه.

وفي مثل هذه المواقف، فإن المرشد يعتبر المحرك الأول لعملية الحصول على المعلومات. ومع أنه لا يمكن أن نطالب المرشد أن يكون مصدرا لكل المعلومات، إلا أننا نطالبه بأن يكون مديرا لعملية الحصول على معلومات، وأن يكون مصدرا مناسبا لمصادر المعلومات.

وفي عالم اليوم، فإن المعلومات أصبحت أكثر انتشارا وبكميات كبيرة وهي تلقى الاهتمام المناسب من كل الجهات، وفي بعض الأحيان فإن هذه المعلومات تكون مخزنة على حاسبات آلية تتبع جهات تقوم بإتاحتها لبعض الهيئات وأحيانا للأفراد.

والذي يهتم به المرشد في هذا المجال هو:

1-

تحديد مدى الحاجة للمعلومات.

2-

تحديد المعلومات اللازمة.

3-

اختيار المعلومات المناسبة، والتي تتوافر فيها شروط الدقة والحداثة.

4-

عرض المعلومات للمسترشد في صورة مناسبة.

5-

الاستفادة من المعلومات في تحقيق الأهداف الإرشادية.

ومن المعلومات التي يحتاجها المرشد ليوفرها للمسترشد، معلومات خاصة عن الفرص التعليمية والتدريبية المتاحة أمام مَنْ يتخرجون في المراحل التعليمية المختلفة، وكذلك معلومات متنوعة عن البيئة ومؤسساتها، ومعلومات عن المهن والأعمال المتنوعة وحاجات كل عمل وظروف العمل فيه، وشروط الالتحاق بالمستويات والمراحل التعليمية الأعلى. وقد تكون المعلومات المطلوبة معلومات معرفية لا يترتب عليها اتخاذ قرار، وإنما يحتاجها المسترشد في مواقف حياته أو في بعض جوانب مشكلته، مثل المعلومات الدينية الفقهية والمعلومات الصحية والمعلومات الاجتماعية وغيرها.

وتوفير المعلومات للمسترشد يمثل جانبا هاما من جوانب الإرشاد، وقد يحقق كل الهدف الإرشادي. ويدخل في هذا الجانب إتاحة المعلومات عن المسترشد نفسه وتفسيرها له؛ ليستفيد منها في تحقيق الأهداف الإرشادية.

ص: 400

سابعا: الطرق المعرفية Cognitive Methods

23-

اتخاذ القرارات Decision Making:

ذكرنا من قبل أن المسترشد قد يأتي بمشكلة تتعلق باختيار أو مشكلة تتعلق بتغيير في السلوك. وفيما يتعلق بمشكلات الاختيار، فإن ما يمرّ به الفرد هو حالة من التردد، أو لنقل: إنها حالة من الصراع الداخلي حول موضوعين أو أكثر بينهما تقارب كبير، وكل من هذه الموضوعات له قوة جذب خاصة به.

وللمرشد دور كبير في مساعدة الأفراد الذين يعانون من التأرجح بين عدد من البدائل دون قدرة على التحديد السريع، وهو في هذه الحالة يتدخل بطريقة تعليمية تساعد المسترشد على تعلم كيفية اتخاذ القرارات في مثل الموقف الذي جاء به إلى الإرشاد، وأن يستخدم ما تعلمه في مشكلته الراهنة وفي المشكلات التي قد تطرأ لحياته في المستقبل.

ومن أمثلة المواقف التي يحتاج فيها الطلاب أن يتخذوا قرارات، اختيار المقررات والشعب الدراسية، واختيار التخصصات في الجامعة، كما يدخل اتخاذ القرارات

ص: 401

كمرحلة ضمن مراحل حل المشكلات على اختلاف أنواعها، وفي مستقبل حياته فإن الفرد يحتاج إلى أن يتخذ قرارات حول وظيفة دائمة، وحول زوجة له، وحول مكان مناسب للإقامة، وحول كثير من الأنشطة.

ويعتبر اتخاذ القرارات مهارة Skill يمكن تعلمها "اكتسابها"، وكذلك يمكن تحسينها وتصحيحها. ونعيد التذكرة مرة أخرى بأن اتخاذ القرار أمر يقوم به المسترشد. فالمرشد لا يتخذ قرارات للمسترشد وإنما دوره هو أن يساعد المسترشد على اكتساب مهارة اتخاذ القرارات، وأن يعلمه كيف يبحث عن المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات من مصادرها الموثوقة.

ويمكن القول بأن القرارات التي يحتاج المسترشد أن يتخذها تقع في واحدة من ثلاث مجموعات هي: القرارات التعليمية، والقرارات المهنية، والقرارات الشخصية. ومع ذلك، ففي موقف الإرشاد قد يصبح من العسير أحيانا أن نفصل بين هذه المجموعات؛ نظرا لما بينها من تداخل.

ويمكن للمرشد أن يستفيد من أحد نماذج اتخاذ القرارات التالية في تدريب المسترشد:

1-

نموذج كرمبولتز، وثوريسون "1976" Krumboltz & Thoreson:

يتكون هذا النموذج من ثماني خطوات هي:

1-

تكوين قائمة لكل التصرفات الممكنة "البدائل".

2-

جمع المعلومات المناسبة عن كل بديل معقول من هذه التصرفات "البدائل".

3-

تقدير احتمال النجاح لكل بديل على أساس من خبرة الآخرين، وتوقعات المستقبل المستمدة من الواقع الحالي.

4-

الأخذ في الاعتبار بالقيم الشخصية التي يمكن أن تزداد، أو تقل في إطار إجراء من الإجراءات "بديل من البدائل".

5-

وزن الحقائق وتقديرها، والنتائج المتوقعة والقيم الخاصة بكل بديل.

ص: 402

6-

استبعاد أقل البدائل رغبة من الاعتبار.

7-

إعداد خطة مبدئية للتصرف خاضعة للتطويرات، والفرص الجديدة.

8-

تقييم عملية اتخاذ القرارات على المشكلات الأخرى في المستقبل.

يرى بتروفيسا وسيليت "1976" Pterofesa & Splete أن المسترشدين يدخلون إلى مرحلة اتخاذ القرارات بمجموعة متعددة من الخبرات والمعرفة تشتمل على:

1-

استعدادهم لاتخاذ القرارات، والتي تأخذ في الاعتبار الخبرة، ومعرفة الذات، والرغبة في اعتبار البدائل المتاحة.

2-

تطلعاتهم في الحياة، والتي تشتمل على جوانب مثل المحددات الاجتماعية، والاقتصادية، والذكاء، والثقة في النفس، ومفاهيم الذات، والقيم وموقف الحاجات.

3-

إدراكاتهم لعملية اتخاذ القرارات وقدرتهم على التأثير والسيطرة على شئون حياتهم.

كذلك فقد أعد إيفانز وكودي "1969" Evans & Cody صيغة لاتخاذ القرارات، كثيرا ما تؤخذ في الاعتبار عند إعداد نماذج لاتخاذ القرارات في مجال الإرشاد:

1-

الأخذ بعين الاعتبار بالبدائل المتاحة للتصرفات.

2-

الأخذ بعين الاعتبار بالنتائج المترتبة على هذه البدائل.

3-

الأخذ بعين الاعتبار بالخبرات السابقة المناسبة للمشكلة الراهنة.

4-

الأخذ بعين الاعتبار بمقبولية النتائج المترتبة على كل بديل.

5-

اختيار قرار قائم على الاعتبارات المذكورة.

أما جيلات وزملاؤه "1973" Gellat etal، فقد أعدوا نموذجا تتابعيا لاتخاذ القرارات وحددوا له ثلاثة متطلبات أساسية:

ص: 403

أ- تمحيص ومعرفة القيم الشخصية.

ب- معرفة واستخدام المعلومات المناسبة.

جـ- معرفة واستخدام إستراتيجية فعالة لتحويل هذه المعلومات إلى إجراءات.

ثم قسّم هؤلاء الباحثون المطلوب الثاني من هذه المتطلبات وهو الخاص بالمعلومات، إلى أربعة أقسام هي:

1-

التصرفات البديلة الممكنة.

2-

النتائج المتوقعة "نتائج التصرفات المختلفة".

3-

احتمالية حدوث النتائج "العلاقة بين التصرفات والنتائج".

4-

مقبولية النتائج "التفضيلات الشخصية".

ويفترض هؤلاء الباحثون أنه في الوقت الذي يزيد فيه المرء من البدائل التي يختار من بينها، فإنه يستطيع أن يحصل على اختيار أفضل، وكذلك فإن كمية ونوع المعلومات التي نحصل عليها ونأخذها في الاعتبار تؤثر في نوعية القرار. وبذلك فإن القرارات تعكس نوعية المعلومات التي نحصل عليها ومدى اتساع وشمول تحليلها ودراستها. وتشتمل إستراتيجية اتخاذ القرارات على حساب المخاطرات التي ترتبط بكل بديل من البدائل، وكذلك مسئولية انتقاء البديل الذي ينهض إلى أقصى درجة ممكنة برغبات المسترشد.

وقد اقترح جيلات "1962" Gellatt نموذجا لاتخاذ القرارات كما هو موضح في شكل "21". وقد عرض جيلات في هذا النموذج الدائري لنوعين من القرارات: نهائية، وبحثية؛ فالقرارات البحثية تستدعي دورة تشتمل على جمع المزيد من المعلومات وتكرار العملية حتى نصل إلى قرار نهائي، ومع ذلك فإنه يمكن الوصول إلى قرار نهائي خلال إعادة الدورة.

وقد اقترح توليير "1974" Tolbert مجموعة من الخطوات لاستكمال نموذج جيلات على النحو التالي:

ص: 404

1-

الغرض: هناك حاجة لاتخاذ القرار، ولدينا على الأقل بديلان.

2-

المعلومات: تحديد المعلومات الخاصة بالبدائل والحصول عليها.

3-

الإمكانيات: تحدد كل التصرفات الممكنة.

4-

النتائج الممكنة: تمحيص النتائج الممكنة لكل بديل من البدائل.

5-

النتائج المتوقعة: توقع احتمالات حدوث كل نتيجة من النتائج.

6-

القيم: تقدير مدى الرغبة "المقبولية" الشخصية لكل نتيجة من النتائج.

7-

القرار: يتم الاختيار، الذي قد يكون:

أ- نهائيا.

ب- بحثيا.

8-

التغذية الراجعة والتقويم:

أ- يقدر المرشد مدى ملاءمة القرار.

ب- يقدر المرشد فاعلية مساعدته للمسترشد.

إن اتخاذ القرارات -شأنه شأن باقي طرق وأساليب الإرشاد- يتطلب الاشتراك الفعال من جانب المسترشد، بل إن معظم المعلومات التي نستخدمها في عملية اتخاذ القرارات إنما يولدها المسترشدون؛ ولهذا يهمنا إلى درجة كبيرة أن يشترك المسترشدون في عملية اتخاذ القرارات اشتراكا فعالا ونشطا، ونؤكد من جديد على أن المرشد لا يتخذ القرار النهائي، وإنما هذا القرار متروك للمسترشد. ودور المرشد هو دور المعلم ودور المساعد الذي عليه أن يعلم الطالب كيف يتخذ القرار، وقبل ذلك كيف يتعرف على القرار المناسب، ثم أخيرا كيف يستخدم ما تعلمه في هذا الموقف في مواقف أخرى. ومن المهام الأساسية في عمل المرشد مع الطلاب في عملية اتخاذ القرارات، مساعدتهم على التعرف على الصعوبات المرتبطة باتخاذ القرارات، وكذلك مساعدتهم في عملية الاستكشاف التي تساعدهم على التفهم. فإذا أظهر الاستكشاف وجود نقص في

ص: 406

مهارات اتخاذ القرارات، فإن مهمة المرشد تصبح عملية تعليم المهارة للطالب في الوقت الذي تتم فيه عملية اتخاذ القرار. أما إذا كانت المشكلة غير تلك التي تعالج ببناء المهارات اللازمة لاتخاذ القرارات، فإنه يمكن استخدام أحد الأساليب المستخدمة في الإرشاد.

عملية اتخاذ القرارات:

في كثير من الأحيان يجد المرشد نفسه في موقف يدعو إلى مساعدة الطالب المسترشد في اتخاذ القرارات المناسبة، حيث تكون مشكلة المسترشد متصلة باختيار من بين مجموعة اختيارات، أو يكون اتخاذ القرار كجانب في إجراءات خاصة بحل مشكلة ما. ويهمنا أن نؤكد هنا أن مقدرة المرشد تقف عند حدود مهارته في إدارة عملية اتخاذ القرار، ولكنه لا يمكنه أن يتحكم في النتائج المترتبة على القرار. فالمرشد يواجه عادة بمسترشد يحاول أو يرغب في أن ينتقل من مرحلة التردد أو الحيرة في طريق يسلكه إلى مواصلة الاستقرار على طريق، وقد يكون هذا المسترشد في مكان ما على مدرج اتخاذ القرار، أو ربما يكون جاهلا تماما بعملية اتخاذ القرار، وفي هذه الحالات يكون عمل المرشد مزدوجا، فمن ناحية يعتبر المرشد معلما يعلم المسترشد مهارات اتخاذ القرارات، ومن الناحية الأخرى يساعد المرشد المسترشد على اتخاذ قرار فعلا نتيجة لما تعلمه.

يرى هانسن، وستيفيك، ووارنر "1977" Hansen، Stevic & Warner أن عملية اتخاذ القرارات تشتمل بجانب مرحلة تكوين العلاقة الإرشادية على الخطوات الآتية:

1-

تحديد المشكلة.

2-

توليد البدائل.

3-

الحصول على المعلومات.

4-

تحليل المعلومات والاستفادة منها.

5-

إعداد الخطط واختيار الهدف.

6-

تنفيذ الخطط وتنوعها.

ص: 407

1-

تحديد المشكلة:

تبدأ عملية اتخاذ القرار بتحديد المشكلة التي يواجهها المسترشد، فيعمل المرشد والمسترشد على تحديد واضح لحاجات المسترشد، ويعتبر ذلك خطوة هامة، ولكنها تكون أحيانا صعبة حيث قد تواجهها بعض العوائق.

وقد يكون المسترشد مترددا في مناقشة مشاغله، أو مشكلاته حتى يتأكد من العلاقة الإرشادية وينمي الثقة في المرشد. ويصادف المرشد في عمله بعض المسترشدين الذين لديهم صعوبات في تحديد المشكلة، ورغم أن لديهم مشاعر حول مشاغلهم، لكنهم لا يستطيعون وصف هذه المشاعر "التعبير عنها" أو يشعرون بعدم الارتياح في وصفها. ويجب على المرشد أن يكون منتبها لخصائص المسترشد الذي يعمل معه وأن يساعده في تحديد مشكلته ومشغولياته والتعبير عنها، وعلى المرشد أن ينصت إليه وأن يعمل على تفهمه وأن يستجلي ما يراه غامضا وأن يعطيه الوقت الكافي لذلك.

2-

توليد البدائل:

في هذه المرحلة يتم تحديد البدائل المتاحة والمقبولة للمسترشد. وعملية استنباط البدائل ينظر إليها على أنها مفتاح اتخاذ القرارات، وأنها تهيئ المسرح لباقي الخطوات في العملية. وتنحصر مهمة المرشد في أن يعلم المسترشد طرق التعرف على مجموعة كبيرة من الإمكانيات والفرص، وأخذها في الاعتبار. ويمكن أن يتم ذلك بأكثر من طريقة.

فعلى سبيل المثال يمكن أن يناقش المرشد مع المسترشد الإمكانيات المتاحة، وماذا أخذ المسترشد منها في اعتباره، وماذا يمكن أن يضيف إليها المرشد، كذلك يمكن للمرشد والمسترشد أن يجدا المجالات التي تبدو حرجة، ولكن لا توجد بيانات كافية عنها، وقد يستدعي ذلك الحصول على معلومات إضافية من المصادر المناسبة؛ وذلك لتوسيع المجالات المتاحة. ويفيدنا في ذلك الكتيبات والأدلة التي تصدرها الجامعات والكليات المختلفة عن برامجها "دليل الجامعة أو الكلية". وهناك نقطة يتوقف عندها البحث عن بدائل إضافية، وفي المعتاد فإن المسترشد يشير إلى ذلك بمحاولة التحرك خطوة أخرى للأمام.

ص: 408

3-

الحصول على المعلومات:

يحتاج المسترشد في هذه المرحلة أن يحصل على معلومات حول جانبين محددين "على الأقل"، وهما: البدائل المطروحة من قبل، ومعلومات عن نفسه.

والمعلومات في حد ذاتها لا تضمن الوصول إلى قرار جيد، ومع ذلك فبدون المعلومات نجد أن فرص الوصول إلى قرار جيد تتناقص إلى حد بعيد. ويقترح هير وكرامر Herr & Cramer أن هناك أربع مجموعات من العوامل تدخل في تحديد المعلومات، وهي:

1-

العوامل الداخلية المقيدة مثل القدرات والمهارات وغيرها.

2-

العوامل الداخلية الموجهة مثل القيم والميول وغيرها.

3-

العوامل الخارجية المقيدة مثل توافر الفرص التعليمية والمهنية.

4-

العوامل الخارجية الموجهة مثل توقعات الطبقة الاجتماعية والتطلعات الأسرية.

وفي حدود هذا الإطار، يمكن للمرشد والمسترشد أن يعملا معا لتحديد ما هو معلوم، ولإعداد السبل لجمع المعلومات اللازمة لتكملة ما هو مجهول. فقد تجرى اختبارات القدرات، والميول، والاستعدادات، أو تدرس السجلات والملفات القديمة للحصول على معلومات تتاح أمام المسترشد حول هذه الجوانب. كما قد يحصل المرشد "أو المسترشد" على المطبوعات المناسبة لتزويد الطالب بمعلومات عن الوظائف المتاحة والفرص التعليمية والتدريبية المتوافرة وشروط الالتحاق بالمؤسسات والمعاهد. ويفيدنا في هذا الصدد ما تصدره الهيئات المختصة من نشرات وأدلة خاصة بالفرص التعليمية والمهنية وتوصيف الوظائف وشروط الالتحاق وغيرها. كما قد يلجأ المرشد إلى اصطحاب المسترشدين إلى مواقع فعلية للأنشطة التي يدخل في إطارها القرارات المطلوبة "مثلا أنشطة مهنية للقرارات المهنية" حيث يستفيد المسترشدون من ملامسة الواقع والتحدث إلى المسئولين في هذه المواقع والحصول على إجابات مناسبة لتساؤلاتهم. كذلك تشتمل هذه المرحلة على الجوانب التقليدية في الإرشاد التي تقوم على أساس التحدث في

ص: 409

الجلسات الإرشادية، وتعتبر الأنشطة التي تعد خصيصا لتزويد المرشد بفهم عن نفسه بشكل أعمق جزءا من عملية جمع المعلومات.

4-

الاستفادة من المعلومات:

تعتبر هذه الخطوة ذات أهمية خاصة، وهي تمثل في بعض الأحيان صعوبة بالنسبة للمرشد والمسترشد أيضا، فالمسترشد عليه الآن أن يتعامل مع البدائل التي تم تكوينها والمعلومات التي جمعها، وعليه أن يضع هذه الأشياء مع بعضها البعض في تكوين اختيار.

وفي كثير من الأحيان يكون المسترشد بحاجة إلى مساعدة في تكوين طريقة فعالة لإكمال هذه الخطوة. فهو أولا: يحتاج إلى أن ينظم المعلومات بحيث يمكن تحديد قيمة أو وضع نسبي، ثم هو ثانيا: بحاجة إلى أن يفحص هذه المعلومات لإيجاد العلاقة بين خصائصه وتوقعاته.

وبالنسبة للجانب الأول فإن المرشد يبدأ في مساعدة المسترشد لتحديد العوامل المناسبة من هذه المعلومات لاتخاذ القرار، ويستخدم المرشد هذه المعلومات بطريقتين على الأقل؛ فأولا: يبدأ المرشد في تكوين توقعات عن احتمالات نجاح المسترشد في البدائل المختلفة للقرار، وثانيا: يساعد المسترشد في سبيل الوصول إلى تفهم أفضل لذاته وللاحتمالات القائمة. ولحسن الحظ فإن الطريقين متقاربان بحيث إن الاحتمالات التي تنشأ عن تمحيص المرشد للمعلومات تكون هي تقريبا التي يصل إليها المسترشد. أما إذا تباعدا فقد يكون من المناسب أن تتوقف عملية اتخاذ القرار لحين إيجاد التقارب.

وعندما نجمع البيانات ونفحصها لإيجاد العلاقة بين خصائص المسترشد وتوقعاته، فإن المرشد يبدأ في تقديم العون في الجانب التفسيري، وهو يساعد المسترشد في أن يفهم الجوانب المختلفة للقرار وللبيانات التي لم يفهمها بعد، وهو يبدأ في عملية مكاملة "إدماج" بين بيانات المسترشد مع البيانات الخارجية مع خصائص المسترشد.

5-

إعداد الخطط:

تعتبر هذه الخطوة ترجمة لما تَمّ في الخطوة السابقة من إدماج "مكاملة" للمعلومات، حيث تعد خطة مبدئية للعمل. ففي هذه الخطوة قد يكون من الممكن تقديم بعض الخبرة العملية للمسترشد. وقد يكون ذلك في شكل تمثيل للأدوار Role Playing أو خبرة واقعية، أو عن طريق محاكاة نماذج سلوكية، أو عن طريق ضبط بعض العوامل التي تم تحديدها، ويعتمد جانب من هذا القرار على النموذج الذي يتبعه المرشد.

6-

تنفيذ الخطة وتقويمها:

ينبغي أن تكون الخطط مرنة إلى الدرجة التي تسمح بإجراء بعض التعديلات عليها إذا لزم الأمر، ويجب أن تحدد الأهداف القريبة والأهداف البعيدة المدى، ثم يقوم المسترشد بترتيب هذه الأهداف في صورة أولويات يود أن تتحقق. أما الخطوة التالية فهي قيام المسترشد بتنفيذ القرار، وأن يعد أسلوبا للتقويم "أي: الحكم على ملاءمة القرار".

ونؤكد من جديد أن المسترشد هو الشخص الذي يشترك فعليا في تنفيذ الخطة وتقويمها، ومن ثم يكون عليه أن يتحمل مسئولية ما يترتب على القرار، مهما كان ذلك.

وتنتهي عملية اتخاذ القرار بالوصول إلى القرار، وقد يرغب المرشد في تقويم النتائج، فيقوم بذلك بعد مضي فترة زمنية ليست بعيدة، وقد تدعو الحاجة إلى تقديم بعض العون من جانب المرشد.

ص: 410

24-

العلاج المعرفي Cognitive Therapy:

العلاج المعرفي من الطرق الحديثة في الإرشاد، وهو يقوم على أساس من علم النفس المعرفي Cognitive Pschology الذي يهتم بالعمليات المعرفية "الإحساس، والإدراك، والذاكرة، واللغة، والتفكير".

ويركز العلاج المعرفي على دور التشغيل المعرفي Cognitive Processing "أي: العمليات العقلية" بالنسبة للانفعال والسلوك، حيث تتحدد الاستجابات الانفعالية والسلوكية الخاصة بشخص ما في موقف ما، عن طريق كيفية إدراكه، وتفسيره، والمعنى الذي يعطيه لهذا الحادث.

وينظر العلاج المعرفي إلى الشخصية على أنها تشكل بواسطة القيم المركزية، كما يرى أن الاضطراب النفسي ينتج عن مجموعة من العوامل.

ص: 411

وعلى سبيل المثال فإن الأفراد يعايشون المأساة النفسية "الحزن النفسي" عندما يدركون موقفا ما على أنه مهدد لمصالحهم الحيوية. وفي مثل هذه الحالات، فإن إدراكاتهم وتفسيراتهم للأحداث تعتبر ذات انتقائية عالية ومتمركزة حول الذات ومتشددة، ونتيجة لهذا ينتج قصور وظيفي في النشاط المعرفي المعتاد، وتكون هناك قدرة منخفضة على إغلاق أو وقف التفكير الخاص والتركيز أو الاسترجاع أو التعليل، كما أن الوظائف التصحيحية التي تسمح باختبار الواقع وتصحيح التصورات العامة يعتريها الوهن.

إن كل فرد لديه مجموعة من الاستهدافات والحساسيات الخاصة التي تهيئه للمحن النفسية، وهذه الاستهدافات يبدو أنها ترتبط ببنيته الشخصية، والشخصية تتكون من مخططات Schemas أي: من تركيبات "بنيات" معرفية تتكون من المعتقدات والافتراضات الأساسية للفرد والتي تنمو في مرحلة مبكرة من حياته من الخبرات الشخصية ومن تطابقه مع الآخرين ذوي الأهمية. ويصوغ الناس مفاهيم حول أنفسهم وعن الآخرين وعن كيف يعمل العالم، وهذه المفاهيم تعزز من خلال الخبرات التعليمية الإضافية؛ ومن ثم تؤثر على تكوين المعتقدات والقيم والاتجاهات الأخرى.

قد تكون هذه المخططات العقلية "البنيات" توافقية أو مختلة، وقد تكون عامة أو محددة في طبيعتها، وربما يكون لدى الفرد مخططات معرفية متنافسة، والمخططات هي بنيات معرفية دائمة، تكون كامنة خلال المراحل غير الضاغطة، وتصبح نشطة عندما تتداخل مع مثيرات أو ضغوط أو ظروف معينة.

وقد درس بيك، وإيبشتين، وهاريسون "1983" Beck، Epstein & Harrison الفكرة القائلة بأن هناك مجموعات معينة من الخصائص النفسية أو البنيات "المخططات" المعرفية ترتبط بأنواع معينة من الاستجابات الانفعالية، وتبين لهؤلاء الباحثين أن هناك بعدين رئيسيين في الشخصية يناسبان الاكتئاب وربما أيضا بعض الاضطرابات النفسية الأخرى، وهذان البعدان هما:

الاعتماد الاجتماعي Social dependence والتوجيه الذاتي Autonomy، وقد أظهرت الأبحاث التي قام بها بيك أن الأشخاص المعتمدين "الاتكاليين" قد أصابهم الاكتئاب عقب قطع العلاقات الاجتماعية، أما الأشخاص

ص: 412

المستقلون "ذوو التوجه الذاتي"، فقد أصابهم الاكتئاب عقب انهزام أو فشل في تحقيق هدف مرغوب. إن البعد الاعتمادي "الانحناء الاجتماعي" أي: المتمركز حول المجتمع Sociotropic ينتظم حول التقارب، والعطاء، والاعتمادية، أما بعد التوجه الذاتي فيتمركز حول الاستقلالية، وتحديد الهدف، والتحديد الذاتي، والالتزامات المفروضة من الذات.

وبذلك فإن العلاج المعرفي كما يقول بيك "1989، ص294" Beck ينظر إلى الشخصية على أنها تعكس التنظيم والبناء المعرفي للفرد، والذي يتأثر بالجوانب البيولوجية والجوانب الاجتماعية، وفي حدود التشريح العصبي، والكيمياء الحيوية للفرد، فإن الخبرات التعليمية تساعد على تحديد: كيف ينمو هذا الفرد وكيف يستجيب؟

وقد حدد بيك "1989" مجموعة من النماذج لتفسير حدوث بعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق والهوس والفوبيا والبارانويا والوساوس والأفعال القهرية وغيرها.

وعلى سبيل المثال، فقد حدد "Beck 1967" ثلاث خصائص للاكتئاب:

فالشخص المكتئب تكون لديه نظرة سالبة عن الذات، وعن العالم وعن المستقبل، وينظر إلى نفسه "يدرك ذاته" على أنه غير ملائم، ومهجور، ولا قيمة له، وتكون النظرة السالبة واضحة في اعتقاداته بأن العديد من المطالب قائمة، بينما توجد حواجز تعوقه عن الوصول للهدف، ويبدو العالم خاليا من السرور والإشباع وينظر المكتئب إلى المستقبل على أنه مليء بالتشاؤم مما يعكس اعتقاده بأن المشكلات القائمة لن تتحسن، وقد يؤدي به اليأس إلى الانتحار.

وتنشأ الأعراض الدافعية، السلوكية، البدنية للاكتئاب من هذه الأنماط المعرفية، ويكون هناك شلل في الإرادة يرجع إلى الاعتقاد بأنه تنقصه المقدرة على المواجهة أو على ضبط نتيجة الحادث، ومن ثم يكون هناك تراخٍ في أن يلزم الفرد نفسه بهدف، كما تعكس رغبات الانتحار رغبة في الهروب من مشكلات من غير الممكن تحملها.

ص: 413

وتعكس الاعتمادية الزائدة التي تلاحظ في مرض الاكتئاب نظرة الفرد المكتئب إلى نفسه على أنها عاجزة، والمبالغة في تقدير صعوبة المهامّ العادية للحياة، وتوقع الفشل، والرغبة في وجود شخص ما أكثر قدرة على القيام بالمهام. كما يعكس التردد أو عدم القدرة على اتخاذ قرار الاعتقاد بأن الفرد غير قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة.

أما الأغراض البدنية للاكتئاب؛ انخفاض الطاقة، والتعب، والتراجع، فكلها ترتبط بالتوقعات السالبة. ويشير العمل مع مرضى الاكتئاب أن بدء النشاط يخفض من التراجع "عزم القصور الذاتي" والتعب. كذلك فإن رفض التوقعات السالبة وإظهار القدرة الحركية تلعب أدوارا هامة في الشفاء.

إن أهداف العلاج المعرفي هي تصحيح المعالجة الخاطئة للمعلومات، ومساعدة المرضى على تعديل الفرضيات التي تبقي على السلوكيات والانفعالات غير التوافقية.

وتستخدم الأساليب المعرفية والسلوكية لتحدي الأفكار المعطلة ولتطوير تفكير تكيفي أكثر واقعية، ويهتم العلاج المعرفي أولا بالتخلص من الأعراض التي تشتمل على سلوكيات المشكلة واختلالات المنطق، ولكن هدفه النهائي هو إزالة التحيزات المنتظمة في التفكير.

وفي العلاج المعرفي، فإن العلاقة تقوم على التعاون حيث يقوم المعالج بعملية تقدير وتصوير المشكلة "التشخيص" ويحدد مع المسترشد الأهداف، وفي بعض الأحيان عندما تكون الحالة شديدة "مثلا في الاكتئاب"، فإن المعالج "المرشد" يأخذ دورا مباشرا.

والعلاج المعرفي يقوم على ثلاثة مفاهيم أساسية هي: التجريب المشترك، والحوار السقراطي، والاستكشاف الموجّه.

ففي التجريب المشترك "المتعاون" تكون العلاقة العلاجية أو الإرشادية تعاونية "متعاضدة"، وتتطلب تحديدا مشتركا لأهداف العلاج، ويصبح المعالج والمريض باحثين

ص: 414

مشتركين يمحصان الدليل الذي يؤيد أو يرفض الجوانب المعرفية للمريض. وكما في البحث العلمي، فإن التفسيرات أو الافتراضات تعامل على أنها فروض قابلة للاختبار.

ويستخدم الدليل الإمبيريقي لتحديد ما إذا كانت هناك عمليات معرفية معينة تخدم أي غرض مفيد، وتخضع الاستنتاجات الأولية للتحليل المنطقي، ويتعرى التحيز في التفكير "التفكير المنحاز" مع زيادة وعي المريض بالمصادر البديلة للمعلومات، وتدار هذه العملية كمشاركة بين المريض والمعالج مع زيادة دور أي منهما حسب الحاجة.

أما الحوار السقراطي فيقوم على التساؤل باعتباره أداة مفضلة في العلاج المعرفي، وتعتبر طريقة الحوار السقراطي Socratic Dialogue هي الطريقة المفضلة للتساؤل، ويعد المعالج بعناية مجموعة من الأسئلة المتتابعة لينهض بالتعليم الجديد للمريض. وهذه الأسئلة تهدف إلى:

1-

توضيح وتحديد المشكلات.

2-

المساعدة على التعرف على الأفكار، والتخيلات، والفروض.

3-

تمحيص معاني الأحداث بالنسبة للمريض.

4-

تقدير نتائج الإبقاء على الأفكار، والسلوكيات غير التكيفية.

ويتضمن الحوار السقراطي أن يصل المريض إلى خلاصات منطقية قائمة على أساس من الأسئلة التي وجّهها المعالج، ولا تستخدم الأسئلة كمصيدة للمرضى؛ وذلك لتوجيههم إلى استنتاجات حتمية أو لمهاجمتهم، وإنما تساعد الأسئلة المعالج على فهم وجهة نظر المريض، وتوضع بحساسية بحيث يمكن للمرضى أن ينظروا لافتراضاتهم بشكل موضوعي وبغير دفاعية.

وفي الاستكشاف الموجه، فإن المريض يعدل اعتقاداته أو أفكاره غير التكيفية، ويعمل المعالج هنا كدليل يعين السلوكيات المشكلة والخطأ في المنطق بإعداد خبرات جديدة "تجارب سلوكية" تؤدي إلى اكتساب مهارات ومنظورات جديدة. ومن خلال الطرق المعرفية والسلوكية فإن المريض يكتشف أساليب أكثر تكيفا للتفكير والسلوك.

ص: 415

ويتعلم المريض كيف يصلح عملية التشغيل المعرفي الخاطئ بحيث لا يحتاج بعد ذلك للاعتماد على معالج. وهذا الاكتشاف الموجه يتضمن ألا يقوم المعالج بدفع المريض على أن يستخدم المعلومات والحقائق والاحتمالات للوصول إلى منظور واقعي.

يبدأ العلاج بإعداد قائمة للمشكلات التي جاء بها المريض "الأعراض"، ثم يتدرج في المرحلة الوسطى والنهائية إلى أنماط التفكير لدى المريض. وتظهر الارتباطات بين الأفكار، والانفعالات، والسلوك، بشكل رئيسي خلال فحص الأفكار التلقائية، وهذه الأفكار تكون متاحة بشكل نسبي، وكذلك مستقرة، وتتيح فرصة لممارسة مزيد من التفكير المنطقي. وحالما يمكن للمريض أن يتحرى الأفكار التي تتداخل مع الأداء، فإنه يمكن أن يأخذ في الاعتبار الافتراضات الأساسية التي ولدت هذه الأفكار.

وفي الجلسات النهائية، يكون هناك تركيز على الأساليب المعرفية أكثر من الأساليب السلوكية، والتي تركز على المشكلات المعقدة التي تشتمل على عديد من الأفكار المعطلة، وتكون هذه الأفكار في الغالب أكثر عرضة للتحليل المنطقي عنها للتجريد السلوكي. فمثلا مقولة:"أنا لن أحصل إطلاقا على ما أريده في الحياة" لا يمكن اختبارها بسهولة، ومع ذلك فإنه يمكن التساؤل حول منطقية هذا التعميم، والنظر إلى مزايا وعيوب الإبقاء عليه كاعتقاد.

وفي الجلسات الأخيرة، فإن المريض يتحمل دورا أكبر في التعرف على المشكلات والحلول ولإعداد واجبات منزلية، ويعمل المرشد أو المعالج هنا دور الناصح Advisor فضلا عن دور المعلم، بينما يصبح المسترشد أكثر مقدرة على استخدام الأساليب المعرفية لحل المشكلات. ويتناقص تكرار الجلسات بينما يصبح المسترشد أكثر اكتفاء ذاتيا، وينهي الإرشاد عندما يتم الوصول للأهداف ويشعر المسترشد أنه قادر على ممارسة مهاراته الجديدة.

ويشتمل العلاج المعرفي على ثلاثة جوانب، هي:

1-

إطار مفهوم العمل.

ص: 416

2-

الانحراف العاطفي "الانفعالي" من جانب المسترشد في موقف المشكلة.

3-

اختبار الواقع في هذا الموقف.

ويرى أصحاب نظرية العلاج المعرفي أن تعديل الافتراضات المعطلة يؤدي إلى تغير معرفي، وانفعالي، وسلوكي فعال. ويحدث التغير لدى المسترشد من خلال التعرف على الأفكار التلقائية، والتساؤل عن الأدلة التي تساند هذه الافتراضات، وتعديل الجوانب المعرفية لتتناسب عن قرب مع البيانات المتاحة. وبعد ذلك، فإن المسترشد يسلك بطرق تقترب مع الأساليب الجديدة الأكثر تكيفا للتفكير، ومن ثَمَّ فإن المسترشد يخبر طريقة جديدة لمعالجة المعلومات والنتائج الناشئة عنها.

"ويمكن أن يحدث التغير فقط إذا خبر المسترشد الموقف الخاص بالمشكلة على أنه تهديد حقيقي. وفي رأي العلاج المعرفي، فإن الأفكار تقف وراء الانفعالات، ومع الاستثارة الوجدانية فإن الأفكار تصبح متاحة وقابلة للتغيير. وبلغة العلاج المعرفي، فإن هذه الأفكار هي "الأفكار الساخنة Hot thoughts" وإحدى آليات التغيير تركز حينئذ على الوصول إلى تلك التكوينات المعرفية التي أنتجت السلوك غير التكيفي أو مجموعة الأعراض. ويتماثل هذا الأسلوب مع ما يتحدث عنه المحللون النفسيون عن "استحضار اللاشعور إلى الشعور" "بيك 1989 ص306".

إن استثارة الانفعالات والأفكار المعرفية المصاحبة لا تكفي ببساطة لإحداث تغيير دائم، والناس يعبرون عن انفعال في بعض الأحيان بشكل متفجر عبر حياتهم وبدون فائدة، إلا أن البيئة العلاجية "الإرشادية" تسمح للمسترشد أن يخبر في وقت واحد الاستثارة الانفعالية واختبار الواقع. وفي رأي كثير من العلاجات النفسية فإن العلاج هو مقدرة المسترشد على أن يشترك في موقف المشكلة ويستجيب له بشكل موضوعي. وفي لغة العلاج المعرفي، فإن هذا يعني معايشة الجوانب المعرفية أو الأفكار الساخنة واختبارها في الإطار العملي العلاجي. وتتيح عملية فحص الدليل والمنطق الشخصي للمسترشد أن يدرك أن الموقف قد أوّله "فسره" بشكل خاطئ.

ص: 417

25-

الإرشاد بوقف الأفكار Thought Stopping:

اهتم الإسلام بشكل خاص بوقف الأفكار غير المناسبة، وخاصة تلك التي تشوش على المسلم دينه عقيدة وشريعة، والأسلوب الذي يأمرنا القرآن وتأمرنا السنة النبوية به هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] .

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 200، 201] .

وقد أوصى الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- الغاضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ليذهب عنه الغضب.

ولا شك أن المرشد يمكنه أن يستفيد من هذا الهدي الإسلامي العظيم في تدريب المسترشدين الذين يشكون من تداخل الأفكار في صور مختلفة، سواء كان تعبيرهم عنها في صورة "سَرَحَان" أو "تشتت ذهني" أو "أفكار سيئة مقحمة على الفرد" أو "وساوس" أو غير ذلك.

وفي مجال علم النفس، فإن التحكم في الأفكار أسلوب اقترحه بين Bain عام 1928، وقد طور تيلور "1963" أسلوب وقف الأفكار thought stopping كطريقة للتحكم في الأفكار "ضبط الأفكار"، كما وصف هذا الأسلوب كل من وولبيه "1982" Wolpe ولازاروس "1971" Lazarus، كما قدم ريم وماسترز "1979" Rimm & masters وصفا وتطويرا لهذا الأسلوب، وذلك في مؤلفهما عن العلاج السلوكي، وأضافا إليه التأكيد الضمني Covert Assertion.

ويستخدم أسلوب وقف الأفكار لمساعدة المسترشد على ضبط الأفكار والتخيلات غير المنتجة أو القاهرة للذات عن طريق منع، أو استبعاد هذه الأفكار السلبية. ويفيد

ص: 418

أسلوب وقف الأفكار بصفة خاصة مع المسترشد الذي يدور حول حادث في الماضي لا يمكن أن يغيره "البكاء على اللبن المسكوب"، وكذلك مع مسترشد يدور حول حادث ليس من المتوقع أن يحدث، أو ما يقول عنه لازاروس "1971": إنه الحادث "أو الكارثة""ذات الاحتمال الضئيل في حدوثها"، أو مع مسترشد ينخرط في تفكير متكرر، غير منتج، وسلبي، أو في تخيلات مولدة للقلق وقاهرة للذات. والجوانب المعرفية المضايقة قد تأتي في شكل أفكار أو في شكل تخيلات بصرية؛ فمثلا التاجر الذي ينشغل دائما بفكرة أن الموظف الذي عنده يخونه أو يغشه، فإنه ستتكرر عليه أفكار مثل: ماذا لو حدث هذا؟ أو: إن حظي هكذا أن يغشني فلان، وكذلك الطالب الذي تطرأ على خياله فكرة أنه قد يرسب وقد يفصل من المدرسة

إلخ.

ويرى أولين "1976" Olin أن وقف الأفكار قد لا يكون هو الأسلوب المناسب للعمل مع المسترشدين الذين تكون لديهم أفكار شديدة مزعجة "مركزة" بحيث لا يمكنهم ضبطها. ويرى كورمير "1985" Cormiers أن أسلوب وقف الأفكار قد أعطى نتائج طيبة مع الحالات التي لديها أفكار متقطعة، أي: تأتي على فترات، أكثر، مما ينجح مع الأفراد الذين لديهم أفكار قاهرة للذات بشكل مستمر. وبالطبع، فإن هذا الأسلوب يستخدم مع الأفراد الذين تكون أفكارهم معارضة للإنتاجية الفردية، بمعنى أن تكون هذه الأفكار مسببة للضيق. ويميز وولبيه "1971" بين الأفكار الخاصة بحل المشكلات التي تؤدي إلى أفكار إجرائية مرغوبة، وبين تلك الأفكار التي تؤدي إلى نهاية مسدودة أي: الأفكار السلبية.

وقد استخدم أسلوب وقف الأفكار "كورمير 1985 ص386" مع عدد من الحالات العيادية. فقد استخدم لتقليل تخيلات الهلاوس، وكذلك لتقليل التخيلات المضطربة، ولتقليل الأفكار الوسواسية، وكذلك لخفض الأفكار الناقدة للذات، ولإزالة التخيلات المتكررة للألوان، ولتقليل نوبات القلق حول حدوث نوبات صرعية، كما نجح هذا الأسلوب في خفض التدخين.

ص: 419

ويرى وايزوكي وروني "1974" Wisocki & Rooney أن أسلوب وقف الأفكار له عدد من المزايا: فهو سهل التنفيذ، كما أنه يكون مفهوما للمسترشد، كذلك فإن المسترشد كثيرا ما يستخدمه كأسلوب للتنظيم الذاتي.

ويشتمل أسلوب وقف الأفكار على ستة جوانب أساسية، هي:

منطق العلاج، وقف الأفكار الموجه من المرشد "المقاطعة الظاهرة"، وقف الأفكار الموجه بواسطة المسترشد "المقاطعة الظاهرة"، وقف الأفكار الموجه عن طريق المسترشد "المقاطعة الضمنية"، التغيير إلى أفكار مؤكدة، إيجابية أو محايدة، والواجبات المنزلية، والمتابعة.

1-

منطق العلاج:

في البداية يشرح المرشد المنطق الخاص بوقف الأفكار، وقبل استخدام الأسلوب فإن المسترشدين ينبغي أن يكونوا واعين بطبيعة أفكارهم وخيالاتهم القاهرة للذات. ويقترح وولبيه أن على المرشد أن يشير إلى: كيف أن أفكار المسترشد غير ذات جدوى "الأفكار التي نعمل على وقفها" وأن على المسترشد أن يتخلص منها؟

مثال لما يقوله المرشد:

إنك تقول: إنك منشغل بأفكار مستمرة، إنك قد تموت في حادث فظيع، وهذه الأفكار تستهلك منك وقتا وطاقة كبيرين، وهي في الواقع أفكار لا جدوى فيها، وسوف تشعر بالتحسن إذا لم تنشغل بمثل هذه الأفكار، أو تخيلات خاصة بالموت على هذه الصورة، وهذا الأسلوب "وقف الأفكار" يمكن أن يساعدك لتتعلم كيف تكسر هذه العادة في التفكير: ما رأيك؟

وإذا وافق المسترشد على استخدام أسلوب وقف الأفكار، فإن المرشد يقوم بوصف الطريقة:

يقول المرشد حينئذ:

سوف أطلب منك أن تجلس وظهرك مرتكن إلى ظهر المقعد، وأن تترك الأفكار تأتي إلى ذهنك، وعندما تخبرني أنك لديك فكرة أو تخيل يرتبط بمشهد الموت الشنيع

ص: 420

فسوف أقاطعك، ثم بعد ذلك سأقوم بتعليمك كيف تكسر هذه السلسلة من الأفكار بنفسك، بحيث يمكنك أن تقوم بذلك عندما تبزغ هذه الأفكار.

وقف الأفكار الموجَّه بواسطة المرشد: المقاطعة الظاهرة Overt Interruption

في هذه المرحلة الأولى من وقف التفكير، فإن المرشد يتولى مسئولية مقاطعة "تعطيل" الأفكار، وتكون عملية المقاطعة ظاهرة باستخدام كلمة "توقف"، يقولها المرشد بصوت مرتفع، ويمكن أن يقرن تلفظه بكلمة توقف بصوت مرتفع مثل ضرب الكفين بعضها ببعض "تصفيقة" أو الطرق بقلم أو مسطرة على المنضدة، أو صفارة. وفي هذا التتابع الموجه بواسطة المرشد يوجه المسترشد إلى التلفظ بكل أفكاره وبتخيلاته بصوت عالٍ، وهذا التلفظ يساعد المسترشد أن يحدد النقطة التي ينتقل عندها المسترشد من التفكير الإيجابي إلى التفكير السلبي بدقة، ويمضي تسلسل هذه الخطوة في الإرشاد على النحو التالي:

1-

يوجه المرشد المسترشد أن يجلس مسندا ظهره للمقعد، ويدع الأفكار تأتي إلى ذهنه: "اجلس، استرخ، ودع الأفكار والتخيلات تأت إلى ذهنك

".

2-

يوجه المرشد المسترشد أن يتحدث بصوت عالٍ عن هذه الأفكار والصور كما تحدث: "عندما تبدأ في التفكير حول أي شيء أو رؤية أي تخيلات، تحدث عنها معي".

3-

عند النقطة التي يتحدث فيها المسترشد عن فكرة أو صورة قاهرة للذات، فإن المرشد يقاطعه قائلا بصوت مرتفع:"توقف"، وقد يصفق بيديه أو يطرق بالمسطرة على المنضدة.

4-

يشير المرشد إلى ما إذا كانت المقاطعة غير المتوقعة فعالة في إنهاء الأفكار السلبية، أو التخيلات لدى المسترشد:

"ربما قد تحققت، إنني بمجرد أن قلت: توقف وقاطعتك، فإن أفكارك السيئة قد توقفت ولم تستمر كما يحدث معك عادة".

وعند هذه النقطة، فإنه يكون من المناسب جدا أن يشير المرشد إلى: كيف يمكن للمسترشد أن يتعلم ضبط أفكاره؟

ص: 421

وبعد هذا التتابع، فإن المرشد يوجه تتابعا آخر لوقف الأفكار، ولكن هذه المرة لا يقوم المسترشد بالتحدث بصوت مسموع عن أفكاره، وإنما يشير بيده أو بمؤشر ليعلم المرشد ببداية الأفكار أو التخيل، وهذا التتابع يشبه الأول ولكن فقط باستخدام إشارة اليد من جانب المسترشد بدلا من الكلام بصوت مسموع:

1-

يوجه المرشد المسترشد للجلوس، وأن يدع الأفكار تتداعى طبيعيا إلى ذهنه.

2-

يوجه المرشد المسترشد إلى الإشارة برفع يده، أو الإشارة بأصبعه عندما تبدأ الأفكار والتخيلات السيئة في الظهور.

3-

عندما يرفع المسترشد يده، فإن المرشد يقاطعه بقوله:"توقف"، وتتكرر هذه الخطوات الثلاث في نفس الجلسة تبعا للحاجة، وبشكل عام فإنها تتكرر حتى يصل المسترشد إلى نمط كابح للأفكار من خلال توجيه المرشد "قوله: توقف".

وقف الأفكار الموجه بواسطة المسترشد: المقاطعة الظاهرة

بعد أن تعلم المسترشد كيف يضبط أفكاره السلبية؛ استجابة لمقاطعة من المرشد، فإنه يتحمل مسئولية مقاطعة أفكاره بنفسه. وفي البداية، فإن المسترشد يوجه نفسه في تتابع وقف الأفكار بنفس طريقة المقاطعة الظاهرة التي استخدمها المرشد أي: بقوله: "توقف" بصوت عالٍ. وتشتمل هذه المرحلة على خطوتين في أولاهما يعمل المسترشد على استدعاء الأفكار التي يريد وقفها، وفي الثانية يقول:"توقف" بصوت عالٍ.

وقف الأفكار بواسطة المسترشد: المقاطعة الضمنية "الداخلية" Intrinsic:

في كثير من الأحيان قد يصبح من غير الحكمة، أو اللائق أن يعتمد المسترشد على المقاطعة الظاهرة كأسلوب لوقف الأفكار، فلو تخيلنا شخصا يجلس في طائرة أو حافلة ثم صاح فجأة بصوت مرتفع:"توقف" فإن الأمر سيبدو سخيفا. ومن هنا، فإن المرحلة التالية في وقف الأفكار تحل المقاطعة الداخلية "أي: الضمنية" بدلا من المقاطعة الظاهرة، وتتم هذه المرحلة على خطوتين كسابقتها.

1-

يدع المسترشد الأفكار أو التخيلات تأتي إلى ذهنه.

ص: 422

2-

عندما يصبح المسترشد واعيا بوجود فكرة قاهرة للذات، فإنه يوقفها بأن يقول لنفسه "سرا": توقف، ومعنى ذلك أن يقول هذه الكلمة دون أن يسمعها أحد.

وتتكرر هاتان الخطوتان حتى يصبح المسترشد قادرا على أن ينهي الأفكار القاهرة للذات، باستخدام المقاطعة الداخلية فقط.

التحويل إلى الأفكار المؤكدة، الإيجابية، أو المحايدة:

في بعض الأحيان، تسهم الأفكار السلبية لدى المسترشد في توليد درجة عالية من القلق، وفي أحيان أخرى فإن هذه الأفكار قد تأتي بإشارات من قلق أو توتر يسبقها، وفي كلتا الحالتين فإن القلق أو الاستثارة أنماط للتفكير الاجتراري.

وقد اقترح ريم وماسترز "1979" Rimm & Masters أنه لكي نقلل القلق، فإن المسترشد يحتاج أن يتعلم كيف يفكر في أفكار مؤكدة "حازمة" بعد مقاطعته للأفكار القاهرة للذات. ولما كان السلوك التوكيدي يكف القلق، فإنه من المفترض أن الأفكار المؤكدة تكف هي أيضا أي قلق أو استثارة قد تحدث حتى بعد أن يكون المسترشد قد تعلم كيف يقمع الأفكار غير المرغوبة. وبصفة أساسية، فإن المرشد يحاول أن يعلم المسترشد كيف يحول الأفكار إلى استجابات توكيدية بعد المقاطعة، وهذه الاستجابات قد تعارض محتوى الأفكار السلبية أو تكون غير مرتبطة بها. وقد قام الباحثان في علاجهما لشاب كانت تراوده أفكار عن حدوث انهيار عصبي له، فكانا يساعدانه على أن يفكر في:

"أنا بخير، أنا عادي، أنا سليم"، وهذا التفكير التوكيدي يعارض بوضوح طبيعة الأفكار القاهرة للذات لدى المسترشد. وكمثال على الأفكار التوكيدية غير المرتبطة بالتفكير غير المرغوب ما يقوله نفس الشاب من الأشياء الجديدة، التي سأقوم بعملها في العمل "الوظيفة" هذا الأسبوع.

ويشير ريم وماسترز إلى أن الأفكار المؤكدة "التوكيدية" ينبغي أن تكون واقعية وموجهة نحو خطر حقيقي في الموقف. ويرى كورمير Cormier "1985" أن ما يراه ريم وماسترز على أنه تدريب على التفكير التوكيدي فإنه شبيه بأسلوب إعادة البناء المعرفي "الذي سبقت الإشارة إليه".

ولا يستخدم كل المرشدين الذين يطبقون أسلوب وقف الأفكار، عملية التحويل الى الأفكار التوكيدية لتحل محل الأفكار القاهرة للذات، وإنما يستخدم الكثير منهم أسلوبا يعتمد على أن يطلب من المسترشد أن يركز على مشهد سارّ ومعزز، أو على مشهد محايد مثل موضوع في البيئة.

وبصفة عامة، فإن المرشد يجب أن يأخذ في اعتباره أن يساعد المسترشد بعد أن ينجح في وقف الأفكار غير المرغوبة، أن يحول تفكيره إلى شيء مرغوب ذي طبيعة سارّة.

الواجبات المنزلية والمتابعة:

عندما يتعلم المسترشد كيف يوقف أفكاره القاهرة لذاته، فإن الوقت يكون قد حان لكي يستخدم هذا الأسلوب خارج موقف الإرشاد. وفي البداية، فإن المرشد يوجه المسترشد لاستخدام وممارسة أسلوب وقف الأفكار عدة مرات كل يوم. وهذا الواجب المنزلي يقوي ضبط المسترشد على وقف سلسلة من الأفكار القاهرة للذات عندما تحدث. وقد يطلب من المسترشد أن يسجل ممارساته في سجل يومي، ويتابع المسترشد ذلك في جلسة تعقد للمتابعة.

ص: 423

26-

أساليب ضبط النفس Self Control:

عندما نسمع تعبير "ضبط النفس" فإنه يترك لدينا انطباعا بوجود نوع من تقييد الذات، وحين يطلب منا أن نصف الأفراد الذين نقول عنهم: إنهم لديهم ضبط للنفس، فقد يتبادر إلى أذهاننا أولئك الأشخاص الذين يؤجلون الإشباع الفوري لحاجاتهم في سبيل تحقيق أهداف بعيدة المدى. فالطلاب الذين ينشغلون بالدراسة في الوقت الذي يهتم فيه غيرهم بحضور حفل، أو يكون آخرون غارقين في النوم، إنما يمارسون في الواقع ضبطا للنفس، وكذلك الفرد الذي يضبط نفسه عند الغضب فلا يتصرف بحماقة نقول عنه: إنه قد مارس تقييدا أو ضبطا للنفس.

وهذه الأمثلة التي أوردناها تتمشى فعلا مع المعنى الذي ينطوي عليه مصطلح ضبط النفس، وهو معنى يتضمن الكبح والتقييد الذي يمارسه الفرد على نفسه. وكلما

ص: 424

ازداد نضال الفرد أو جهاده مع نفسه في سبيل ضبطها، ازداد انطباق تعبير ضبط النفس عليه.

وضبط النفس لا يمثل في الواقع مفهوما جديدا في معالجة السلوك، فقد عرفه علماء المسلمين وتحدثوا عنه وبتفصيلات كثيرة تحت مسميات كثيرة منها: ضبط النفس، وكظم الغيظ، وقوة الإرادة، وقوة الخُلُق، ومجاهدة النفس، ورياضة الأخلاق، وتهذيب الأخلاق، وغيرها.

وقد انتهى ويلسون، وأوليري "1980" Wilson & O'leary إلى التعريف التالي لضبط النفس:

"إن ضبط النفس عبارة عن أسلوب لتغيير السلوك، يبدؤه الفرد عادة بنفسه بغرض التأثير على سلوكه الشخصي".

وإذا تصورنا أن السلوك يتأثر بخليط من المتغيرات الداخلية والخارجية، يمكن أن ننظر للسلوك على أنه قد يكون محكوما بشكل تام من الخارج "مثل إغماض العين عند تعرضها لضوء شديد"، أو أنه قد يكون محكوما بشكل كبير من الداخل "مثلا ما يقوله الشخص لنفسه ليقوم بسلوك معين". وإذا كان بوسع الفرد أن يقوم ببعض الإجراءات لتعديل سلوكه دون الاعتماد على تعليمات "تلقين" أو معززات من خارجه، فإن مثل هذه الإجراءات تعرف بأسلوب "ضبط الذات""Wilson & O'leary 1980 P 216".

الأساس النظري:

يرى كانفر "1980" Kanfer أن الأساس النظري لضبط النفس يستند إلى المنطق التالي:

1-

إن كثيرا من السلوكيات لا يكون من السهل تعديلها من جانب أشخاص غير المسترشد نفسه، مثلا الغضب والعدوان. وبعض هذه السلوكيات تؤدي إلى شعور المريض بعدم الارتياح رغم أن بعضها لا يلاحظه الآخرون. وقد تتطلب الملاحظة المستمرة وتنظيم الظروف الخاصة بتغيير السلوك إلى إيداع الشخص في مكان خاص

ص: 425

لفترة طويلة، وهو أمر غير اقتصادي يحتاج إلى نفقات باهظة؛ ولهذا فإن اشتراك الفرد في عملية التغيير أمر هام.

2-

إن المواقف الخاصة بالمشكلات السلوكية ترتبط عادة بشكل وثيق مع ردود الفعل الذاتية، ومع بعض الأنشطة المعرفية "العقلية" مثل التفكير، والتخييلات Fantasies، أو التخيل أو التخطيط. وهذه السلوكيات لا يمكن التعرف عليها عن طريق الملاحظة المباشرة، فإذا كان لدى الفرد مخزون سلوكي للتصرف على أساس من أفكاره، فإن تغيير الاستجابات المعرفية يصبح المهمة الأولى في عملية المساعدة. ولكي نراقب هذه السلوكيات ونغيرها، فإن المرشد عليه أن ينقل المسئولية الأساسية للمسترشد.

3-

إن تغيير السلوك أمر صعب، وغالبا ما يكون غير سارّ، وكثير من المسترشدين يبحثون عن المساعدة، ولكنهم في الغالب لا تكون لديهم الدافعية الكافية لتغيير السلوك بقدر ما يكون دافعهم هو التخفف من التهديدات أو المضايقات الحالية "الإحساس بالخطر" دون تعديل نمط حياتهم؛ ولهذا فقد يكون الهدف الأول في برامج ضبط النفس هو مساعدة المسترشد على تكوين دافعية للإرشاد وتعديل السلوك.

4-

إن الفائدة من برنامج تغيير أو تعديل السلوك لا تكمن فقط في إزالة أعراض المشكلة، وإنما يجب أن يتعلم المسترشد في موقف الإرشاد مجموعة من المهارات التي يمكن أن يعمّمها، مثل استجابات التجاوب Coping "مواجهة المواقف الضاغطة والتعامل معها" وتقدير المواقف، وكذلك تقدير النتائج المرتبطة بالسلوك، وتنمية قواعد للسلوك تناسب مواقف المشكلات، وبحيث تساعد المسترشد على التعامل مع المشكلات في المستقبل بشكل أفضل مما اعتاد أن يتعامل به معها في الماضي.

ولكي نفهم الإطار العام الذي اشتُقت منه أساليب ضبط الذات، قد يكون من المفيد أن ننظر في بعض العمليات النفسية التي تحدث في التنظيم الذاتي self Regulation، فنجد أن نظرية التعلم الاجتماعي تفترض أن كثيرا من سلوكيات الحياة اليومية

ص: 426

تتكون من سلاسل من الاستجابات التي تم بناؤها، بحيث يتم التلميح للاستجابة بمجرد حدوث الاستجابة السابقة عليها مباشرة. ومن أمثلة ذلك: الطباعة على الآلة الكاتبة، قيادة السيارة، إعداد طعام الإفطار، وغيرها من الأنشطة كثير لا يتألف من أعمال "استجابات" منفصلة عن بعضها البعض، وتتطلب قرارات منفصلة نتيجة المقارنة بين استجاباب بديلة "بدائل" على أساس حكم الفرد على ملاءمة كل جزء منها، ومع ذلك فإنه عندما تتقطع هذه الأنشطة الهادئة أو تخفق في إحداث الآثار التي اعتاد عليها الفرد، فإن النشاط سوف يتوقف، وحينئذ تبدأ عملية التنظيم الذاتي، والتي -تأسيسا على ما أجري من تجارب مختبرية، وعلى بعض الكتابات النظرية- يمكن وصفها بأنها سلسلة أو تتابع يمكن التعرف فيه على ثلاث مراحل متميزة بداخله "كانفر 1970، 1971".

ولكي نوضح ذلك، نتصور أن شخصا ما يقود سيارته إلى مقر عمله، ولكنه عندما انحرف بسيارته وجد نفسه في شارع غير مألوف له، عندئذ يحدث تشوش في السلوك أو تقطع فيه. هنا يجب أن يوجه السائق انتباها أدق وأكبر إلى ما يفعله وقد يسأل نفسه: كيف حدث أن دخل إلى هذا الشاع؟ وهذه هي المرحلة الأولى وتعرف بمرحلة المراقبة الذاتية Self Monitoring أو الملاحظة الذاتية self observation.

وتوصف هذه المرحلة بأنها الانتباه الواعي والدقيق للسلوك الذاتي للشخص. فبناء على الخبرة السابقة في قيادة سيارته إلى مقر عمله، فإن هذا الشخص يكون قد كوّن توقعات عما سوف يحدث عندما يدخل إلى شوارع معينة ثم ينعطف إلى شارع معين، وهذه التوقعات يمكن أن نسميها معايير الأداء أو محكّات الأداء Performance Criteria or Standards، وهي عبارة عن توقعات ما يحدث عندما ينفذ سلوكا معينا معروفا "محفوظا".

أما المرحلة الثانية، فتتكون من مقارنة بين المعلومات المتحصل عليها من المراقبة الذاتية، ومعايير السلوك المحدد. ويمكن أن نسمي هذه المرحلة بمرحلة التقويم الذاتي self evaluation وهي عبارة عن استجابة تمييزية، ومضاهاة أو مقابلة، تظهر الفرق بين

ص: 427

ما يفعله الفرد وبين ما كان ينبغي عليه أن يعمله. وإذا كان هناك تقارب كبير بين معايير الأداء وبين المعلومات المتحصّل عليها من التغذية الراجعة Feed back، فإن النتيجة تكون هي الرضا عن الذات. وعلى سبيل المثال، فقد يكتشف قائد السيارة في مثالنا أن انعطافه قد حدث في مكان مألوف، ولكنه كان سريعا في اتجاهه إليه.

أما المرحلة الثالثة من عملية التنظيم الذاتي فهي مرحلة واقعية، وهي تتألف من إدارة رابطة للتعزيز الذاتي self Reinforcement ترتبط بمدى التباعد بين السلوك الذي تم ومعايير الأداء. وينتج عن التعزيز الإيجابي الذاتي الاستمرار في السلسلة المتقطعة للسلوك، فمثلا قد يلاحظ قائد السيادة أنه لم يدخل حقيقة إلى شارع آخر، وإنما الذي حدث أن لافتة خاصة بمحل معين قد أُزيلت من مكانها أو استُبدلت، وقد يصبح حينئذ سعيدا بأنه يسير فعلا في الطريق الصحيح، ومع ذلك فإنه إذا كانت توقعاته "المعايير" غير مستوفاة، فإنه قد يبدأ في سلسلة من السلوكيات تهدف إلى تصحيح الخطأ، وفي كل مرة تجرب فيها استجابة "سلوك" جديدة فإن العملية السابقة تتكرر "المراقبة الذاتية، المقارنة مع معيار، التقويم الذاتي" حتى نصل إلى تحقيق المعيار بالتقريب، أو يتوقف الشخص عن السلوك كله.

ومن هذا العرض يتضح أن نموذج التنظيم الذاتي يفترض أن الأشخاص يميلون إلى اليقظة عندما يترتب على سلوكهم نتائج غير متوقعة، أو عندما تكون هناك حاجة إلى اتخاذ قرار عن كيفية الاستمرار.

وتشتمل معظم برامج ضبط النفس "الضبط الذاتي" Self control على إعداد المعايير Standard setting، والمراقبة الذاتية Self monitoring، والتقويم الذاتي Self evaluation، والتعزيز الذاتي Self Reinforcement، وقد يركز البرنامج الفردي على أي من هذه المكونات تبعا لما لدى الفرد من مهارات، وتمشيا مع مشكلته الخاصة. ويوضح شكل "22" تخطيطا لهذا النموذج نقلا عن كانفر "1980" Kanfer.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض المسترشدين الذين يعوزهم ضبط النفس، يحضرون للإرشاد أو العلاج طواعية في إطار رغبتهم في التخلص من بعض العادات، مثل

ص: 428

التسرع بالعدوان أو سرقة المحلات أثناء تسوقهم فيها أو تعاطي المخدرات، فهؤلاء الأفراد يجدون نتائج بيئية مريحة لهم، أو يشعرون معها بنوع من الإشباع الفوري يجعلهم يعودون إليها "تعزيز إيجابي" في حين أن النتائج الاجتماعية السيئة "العقاب" لا يحدث إلا متأخرا مثل القبض عليهم، أو نظرة الاحتقار من جانب المجتمع.

وقد يكون أول ما يقوم به المعالج، أو المرشد في هذه الحالات هو أن يعمل على زيادة حدة الصراع بين الجوانب الطيبة "من وجهة نظر المسترشد" وبين الآثار السيئة "التي يلقاها من المجتمع"؛ وذلك لدفع المسترشد إلى الإسراع بالتغيير في سلوكه، ويتم ذلك عن طريق مناقشة الآثار المنفرة وعوامل التعزيز الذاتي، والمواجهة الواقعية، والتقويم الذاتي. وهذه كلها تساعد على أن يكرس المسترشد جهده، ويلتزم التزاما كاملا بعملية التغيير.

ويرى كانفر "1980" Kanfer أن احتمال أن يبدأ شخص ما برنامجا للضبط الذاتي يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، وعلى سبيل المثال فإن قرار الفرد أن يبدأ برنامجا للإقلاع عن التدخين يمكن أن يتأثر بعوامل مثل معلومات طبية بالأضرار التي يسببها التدخين، والآثار الصحية التي لاحظها الفرد على نفسه مثل السعال والنهجان

إلخ، وما يتخذه المجتمع من إجراءات، والفتاوى الشرعية حول التدخين، وما يبديه الآخرون الذين يعيشون معه من ضيق حول التدخين، ونقص الدخل وحاجته إلى ما ينفقه على التدخين لأغراض أكثر أهمية، وارتفاع أسعار السجائر.

ويمكن أن ننظر إلى ضبط النفس أو الضبط الذاتي على أساس من طول الفترة التي تتطلبها هذه العملية، فيقسم تبعا لذلك إلى نوعين:

ففي النوع الأول، وهو ضبط النفس المتصل باتخاذ القرار، نجد أن الشخص يواجه بالاختيار بين الهروب من موقف مضايق له وبين الإقدام على هذا الموقف والذي تكون له "أي: للإقدام" نتائج أفضل في المدى البعيد. ويختار الفرد أن يترك الهروب ويقدم على الموقف، وفي هذه الحالة فإن اتخاذ القرار ينهي التتابع السلوكي.

ص: 429

ومن الأمثلة على ذلك:

أن يعتذر الطالب عن حضور حفل لكي يستذكر دروسه، وأن يقدم الشخص على عمل إضافي ليحسن دخله، وأن يمتنع عن أكل الحلوى بعد وجبات الطعام لكي لا يزيد وزنه، وأن يسافر بالطائرة رغم أنه يخاف ركوب الطائرات.

وبمجرد أن يتخذ الفرد القرار فإنه لا يمكن تغييره، وبذلك فإن عنصر الصراع الذي يعتبر بالتعريف جزءا من ضبط النفس ينتهي ويستبعد كمحدد لمزيد من السلوك. وكلما قصر الوقت الذي يتخذ فيه القرار قل تأثير التغيرات التي تحدث في جاذبية الإثابة "التعزيز" المتاحة.

وفي النوع الثاني يكون هناك مقاومة للتردد، أو يكون هناك تحمل للألم لفترة طويلة يمكن خلالها إعادة تقويم الاستجابات المتصارعة بصفة مستمرة، ويعرف هذا النوع بضبط النفس الممتد1. فمثلا التركيز على استذكار الدرس في الوقت الذي تنبعث فيه الضوضاء من عند أحد الجيران، أو محاولة ضبط العدوان إزاء طالب مشاكس في الفصل، أو الاستمرار في السباق أو التدريب البدني رغم زيادة التعب تمثل حالات من ضبط النفس "الضبط الذاتي" المستمر لفترة ممتدة، حيث يجب أن تنفذ الاستجابة المطلوبة "المرغوبة" رغم وجود الترددات الوقتية في التفكير، وكذلك في الحالات الانفعالية والبدنية "الفيزيولوجية" والتي من شأنها أن تزيد التحريض على قطع الموقف في أي لحظة. وعملية ضبط النفس الممتد تتطلب سلسلة مستمرة من القرارات للمحافظة على سلوك غير مفضل أساسا لصالح تتابع سلوكي بعيد المدى

"ويمكن أن نرى في هذه الحالات ما يحدثنا عنه علماء المسلمين عن مجاهدة النفس، استنادا منهم إلى مصادر التشريع الإسلامي: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة".

ويتضح من المقارنة بين النوعين -النوع الخاص باتخاذ قرار مباشر، والنوع الخاص بمقاومة التردد وتحمل الألم لفترة طويلة "النوع الممتد"- أن كلا منهما يناسبه متغيرات وبرامج مختلفة. فمثلا نجد أن هناك برامج ضرورية لدفع الشخص لاتخاذ قرار بتجنب

1 Protracted.

ص: 431

المخدرات أو رفض دعوة إلى حفل يقيمه أصدقاؤه، وهذه تختلف عن تدريبه على الجلوس في حفل والامتناع عن تعاطي المخدر في هذا الحفل.

على أن البرنامج الشامل يجب أن يتضمن أساليب للتدريب على كلا النوعين من المواقف، ومع ذلك ففي بداية البرنامج يساعد المرشد "أو المعالج" الشخص المسترشد على أن يتمرس على ضبط الذات الخاص بالقرارات وأن يتجنب التعرض الطويل للإغواء. وعلى سبيل المثال، فإنه عندما نساعد شخصا ما "مدمنا" على الانسحاب من استخدام المخدر، نبذل جهدا كبيرا في تدريب هذا الشخص على اتخاذ قرار لتجنب المواقف الاجتماعية والبدنية والنفسية التي ترتبط بتعاطي المخدر، أكثر مما نساعده بالتدريب على تحمل مشاهدة المخدر أو موقف تعاطيه دون أن يشترك فيه من جديد.

وفي الواقع العملي، فإنه من المشاهد أن العقبة الأساسية في البداية، هي التغلب على جوانب الجذب الخاصة بالسلوك المشكل "سلوك المشكلة". فمثلا بالنسبة لمعتاد المخدرات، قد يجد موقفا مناسبا ليذهب إليه ويتعاطى المخدر مثل حفل خاص يقيمه أصدقاؤه، وعناصر الجذب هنا أنه لم يسبق أن قبض عليه، وأنه يشعر بالارتياح نتيجة لسلوكه "المنحرف" رغم أنه قد تنتابه بعض جوانب القلق من أن يقبض عليه ويدخل السجن ويفقد وظيفته، لكنها نتائج بعيدة وغير مؤكدة لديه. عند هذه النقطة، فإن التدريب على التنظيم الذاتي أو ضبط النفس قد يغير الميزان، حيث يجد المسترشد نفسه في موقف صراع، فيتوقف مؤقتا مقارنا بين الامتناع وبين الاستسلام للموقف. فإذا كان لا يميل إلى تصرفات تتعدى على المعيار الذي وضعه مسبقا لخلقه، فمن المحتمل أن ينتج عن ذلك عملية نقد أو قلق ذاتي أو أي نتيجة منفرة. وكنتيجة لذلك يصبح من المحتمل أن يهرب من موقف الإغراء على أن يستسلم له، وعلى سبيل المثال فقد يشغل نفسه ببعض الأعمال المحببة له أو يطلب صديقا له ويتحدث له هاتفيا.

وما نود توضيحه في هذه المناقشة هو أن التدريب على ضبط النفس، يتطلب مساندة مبكرة وقوية من المرشد مع تشجيع المسترشد على الاعتماد بالتدريج على مهاراته التي يكونها، والتي تشتمل على مهارات في:

ص: 432

1-

المراقبة الذاتية.

2-

تكوين قواعد محددة للخلق عن طريق التعاقد مع الذات، أو مع آخرين.

3-

البحث عن المساندة من البيئة.

4-

التقويم الذاتي.

5-

توليد نتائج معززة قوية للاشتراك في السلوكيات التي تحقق أهداف ضبط النفس.

ويشمل مفهوم ضبط النفس أنه يمكن تعليم الفرد أن يعيد تنظيم الارتباطات الفعالة التي تؤثر على السلوك بطريقة تجعله يعايش فوائد بعيدة المدى على الرغم من أنه قد يكون عليه أن يقلع عن بعض الإشباعات أو يتحمل بعض المتاعب في البداية. وتفترض هذه الطريقة أن ضبط النفس مفهوم متحرك، فإذا استمتع الفرد تماما بنشاطه رغم وجود نتائج سيئة بعيدة المدى فإنه في هذه الحالة لا ينشأ صراع؛ وبالتالي لا تنطبق مسألة ضبط النفس.

"وعلى سبيل المثال، فإن الشخص الذي يدخن بشراهة قبل معرفته بالآثار السيئة للتدخين، أو الذي يعرف تماما أخطار التدخين ولكنه لا يرغب في التضحية بالمتعة المباشرة مقابل حياة أطول، هؤلاء لا ينخرطون في سلوك يقع في إطار تحليل ضبط النفس، وهو كذلك لا يعتبر مخفقا في ممارسة ضبط النفس، وبالمثل فإن الشخص الذي وجد نفسه في مناسبة ما قد استغرق في الأكل بشراهة، ولكنه على مدى سنوات كثيرة قد اكتسب عادات جديدة في الأكل بحيث إنه نادرا ما يجد نفسه مترددا بين الأكل الشره واتباع نظام للغذاء، هذا الشخص لا يكون ممارسا للضبط النفسي عندما يأكل باعتدال. وبمعنى آخر، فنحن نتحدث عن ضبط النفس عندما يبدأ الشخص سلوكا ما يحاول به، بنجاح أو إخفاق، أن يغير احتمال حدوث تصرف يمثل مشكلة""كانفر 1980 ص345" بل إن موقف الإرشاد نفسه يكون موقفا لضبط النفس عندما يكون أحد المسترشدين في موقف صراع بين قبول المعاونة المتخصصة "من المرشد" وحل مشكلته الخاصة، أو عندما يهدد برنامج العلاج بإنهاء الجوانب السارّة التي يحصل عليها من سلوك المشكلة

ص: 433

"معززات سلوك المشكلة". وفي مثل هذه الحالات، فإنه ينبغي أن يساعد المرشد المسترشد على تطوير أساليب ضبط النفس؛ ليحافظ على برنامج التغيير "برنامج الإرشاد".

أساليب ضبط النفس "الضبط الذاتي":

تشتمل الأساليب العلاجية التي يضعها المرشدون تحت فنيات الضبط الذاتي على ما يأتي:

1-

ضبط المثير.

2-

اختيار المعايير الذاتية.

3-

التسجيل الذاتي.

4-

التحكم في النتائج.

1-

ضبط المثير stimulus Control:

يقصد بضبط المثير إعادة تنظيم وترتيب البيئة من جانب المسترشد لكي يحث أو يقلل بعضا من سلوكياته. وقد استخدم هذا الأسلوب بشكل واسع في البرامج التي تساعد المسترشدين في التقليل من الأكل أو التدخين، وكما هو معلوم لدى المدخنين فإن سلوك التدخين يمكن أن يستثار لرؤية المطفأة أو الجلوس على مقعد أو في مكان ارتبط بالتدخين، كذلك فإن شراء أطعمة معينة وتناولها يمكن أن يتأثر بالأحداث البيئية.

وقد قام ستيوارت "1967" Stewart بدراسة اشتملت على برنامج لتخفيض الوزن، وقد ركز بجانب متغيرات أخرى على إعادة ترتيب المثيرات، وتتلخص أساليب ضبط المثير التي اتبعها في الآتي:

1-

إبعاد الطعام من كل الأماكن في البيت "ما عدا المطبخ".

2-

محاولة حفظ الأطعمة التي تتطلب بعض الإعداد.

3-

جعل تناول الطعام خبرة خالصة لا ترتبط بأنشطة أخرى مثل القراءة أو الاستماع للراديو أو مشاهدة التليفزيون.

ص: 434

وقد اشترك في هذا البرنامج ثماني نساء من ثقيلات الوزن، وأمكن أن يفقدن 38 رطلا في المتوسط على مدى 12 شهرا، وتراوح خفض الوزن بين 26، و47 رطلا.

كما قام كوتس وثوريسون "1977" Coates & Thoreson باستخدام أسلوب ضبط المثير "التحكم في المثير" بنجاح في برنامج للتغلب على الأرق، وتكوين عادات حسنة للنوم ومقاومة الأرق، وفيما يلي النظام الذي أعده هذان الباحثان:

1-

اذهب للرقاد في السرير عندما تشعر بدخول النوم عليك.

2-

لا تستخدم السرير لأغراض غير النوم مثل: الجلوس أو تناول الطعام أو الاستذكار.

3-

إذا وجدت نفسك غير قادر على الدخول في نوم، فقم واذهب إلى غرفة أخرى وابق فيها لأي وقت ترغبه، ثم عد إلى غرفة النوم للنوم.

4-

إذا كنت لا تزال غير قادر على النوم، فكرر الخطوة 3.

5-

استيقظ في نفس الموعد كل يوم.

6-

لا تأخذ فترات نعاس في الظهيرة.

وهذه الخطة تعمل أساسا على الربط بين تنشيط استقبال الجسم للنوم في موعد النوم عن طريق عدم النوم في الأوقات الأخرى "خطوات 5، 6" مع إعداد السرير ليكون مثيرا للنوم.

2-

الاختيار الذاتي للمعايير "المستويات" Self selection of standards:

عندما نقرر أن نقوم ببعض المهام مثل التدريبات الرياضية أو الاستذكار، فإننا نقوم في الغالب بإعداد هدف أو معيار "مستوى أداء" لأنفسنا. فمثلا يقول المرء لنفسه: إنني سأجري اليوم لمسافة كيلو مترين أو: إنني سأقطع مسافة طولها كيلو متر في زمن قدره عشر دقائق، أو: إنني سأقرأ عشرين صفحة، أو: سأكتب صفحتين

إلى غير ذلك.

ص: 435

وقد أظهرت دراسات عديدة أن إعداد غاية، أو مستوى للأداء ربما يكون قليل القيمة أو ذا أثر انتقالي "باندورا وبيرلوف 1967، ساجوتسكي وباترسون وليبر 1978".

ويمكن استخدام أسلوب يختلف قليلا، يشتمل على إعداد الهدف واستخدام التعزيز.

وقد أوضحت دراسات متنوعة أن هذا الأسلوب الذي يعتمد على إعداد مستويات يحدث عندها التعزيز سواء بواسطة المرشد أو بواسطة المسترشد نفسه، يكون له أثر طيب على الأداء. وقد أوضحت الدراسات أيضا أنه إذا كانت المستويات أو المعايير المحددة لاستخدام التعزيز قد حددها المسترشد بنفسه، فإن نتائجها تكون أفضل من حيث إنها لا تنطفئ بسرعة.

3-

التعليمات الذاتية Self Instructions:

كثيرا ما نتحدث لأنفسنا وهذا الحديث يأخذ صورا عدة، وما نقصده بالتعليمات الذاتية هو ذلك النوع من حديث النفس Self Speech الذي يأخذ صورة الحث والتوجيهات والطلب "مثلا يقول الشخص لنفسه: أنا لن أسرق، لن أقبل رشوة لأقوم بهذا العمل، لن أستجيب لطلب هذا الصديق، إن عليَّ أن أجرب هذا الطريق مرة أخرى، وهكذا"، وقد استخدم أسلوب التدريب على التعليمات الذاتية لتغيير الأنواع الاندفاعية من العدوانية والنشاط الزائد لدى الأطفال، وكذلك الأداء العقلي لمرضى الفصام، وعيوب الكتابة لدى الأطفال الصغار، والغضب لدى الكبار "ميكنبوم 1977 Meichenbum".

من الأمثلة الجيدة في مجال التعليمات الذاتية ذلك البرنامج الذي أعده ميكنبوم وجودمان "1971" ليتعلم الأطفال المندفعون أن يعدلوا من سلوكهم غير اللفظي. وقد اشتمل البرنامج على ما يأتي:

1-

شخص راشد يقوم بنمذجة واجب "مهمة"، بينما يتحدث إلى نفسه بصوت مرتفع.

2-

يقوم الطفل بأداء نفس المهمة، أو السلوك تحت توجيه الأنموذج.

ص: 436

3-

يقوم الطفل بأداء الواجب، بينما يعطي تعليمات لنفسه بصوت عالٍ، ثم يكون ذلك فيما بعد ضمنيا "أي: سرا".

4-

التسجيل والتقويم الذاتي Self Recording & Self Evaluation:

يقصد بالتسجيل الذاتي عملية مراقبة السلوك الذي يتطلب أحكاما تقويمية بسيطة نسبيا "مثلا عدد الصفحات المقروءة، عدد الكيلو مترات التي سارها الشخص، عدد السجائر التي تم تدخينها". وعلى العكس من ذلك، فإن التقويم الذاتي يشير إلى أسلوب يتطلب من الفرد أن يقوم بالحكم على سلوكه بطريقة شخصية، "مثلا قدر سلوكك على مقياس من 1-10، قوم مقالك على أساس من الإبداع والتنظيم الذي يشتمل عليه".

ويرى باندورا وسيمون "1977" Bandura & Simon أن التسجيل الذاتي أو التقويم الذاتي إذا أجري بمفرده، فإنه لا يتوقع أن يكون له تأثير ذو قيمة على السلوك ما لم تدخل المتعلقات الموجبة أو السالبة في النشاط، وبذلك فإنه يفترض أن النتيجة المترتبة على النشاط "تعزيز أو عقاب" هي التي تحدث تغيير السلوك.

وقد أجرى إيوارت "1978" Ewart دراسة أعطى فيها تقديرات موجبة وسالبة ومحايدة عن الوعي بالوقت لدى أفراد عينة البحث، وقد حدد الباحث الوعي بالوقت Time awareness بعدد المرات التي ينظر فيها الفرد في الساعة لمعرفة الوقت، ويعتبر التعرف على الوقت سلوكا سهل الملاحظة ذاتيا. وقد تبين أنه قبل أن يعطي الباحث التقديرات المذكورة، فإن هذه العملية كانت تدرك بشكل محايد من جانب المفحوصين. وبعد أن طلب الباحث من المفحوصين تسجيل عدد المرات التي بحثوا فيها عن الوقت ثم أصدر تقديراته "الموجبة والسالبة والمحايدة"، فإن المفحوصين غيروا سلوك البحث عن الوقت تبعا للتقديرات التي قدّرها الباحث.

وقد بيّنت مجموعة من الدراسات أن الأفراد الذين سجلوا عدد السعرات الحرارية التي يحتوي عليها الطعام الذي يتناولونه، وحددوا أهدافا تقريبية، قد فقدوا كمية ذات دلالة من أوزانهم.

ص: 437

ويشير مصطلح التقويم الذاتي Self evaluation إلى الأحكام التي يصدرها الشخص عن سلوكه على أساس شخصي. وكما ناقشنا من قبل، فإن سلوكيات التقويم الذاتي قد تكون ذات تأثير في تغيير السلوكيات؛ لأن التقويم يخدم في سلوكيات التسجيل الذاتي عندما يجد الفرد مثلا تقديرات موجبة. وقد أوضحت بعض الدراسات أن أساليب التقويم الذاتي سواء أثارها آخرون، أو أُثيرت ذاتيا من الفرد نفسه تكون فعالة عندما يكون الفرد راغبا فعلا في تغيير السلوك المستهدف بالتقويم "مثلا طريقة كلامه مع الآخرين، أو الغضب". ومما هو جدير بالذكر أن التقويم الذاتي يمثل مرحلة هامة من مراحل العلاج بالواقع الذي اقترحه ويليام جلاسر1، إذ لو ساعدنا المسترشد على الحكم على سلوكه الشخصي فإنه لا شك باتباع خطة العلاج التي يعدها مع المعالج أو المرشد يمكن أن يحقق تغييرا في سلوكه، وقد انتهى كل من بولستاد وجونسون "1972" Bolstad & Johnson ودرابمان وزملائه "1973" Drabman et al إلى أن التقويم الذاتي عندما يقترن مع المكافآت عن السلوك الاجتماعي والتحصيلي قد أثبت فاعلية كبيرة. وعلى سبيل المثال فإنه عندما تم تعليم الأطفال الذين لديهم مشكلات انفعالية شديدة أن يقوموا بتقويم "تقدير" سلوكهم في الصف على مقياس من 1-10 درجات ثم زُودوا بتغذية راجعة وكُوفئوا على التقديرات والسلوك المناسب، فإنهم استطاعوا المحافظة على التغيير الذي حققوه في السلوك ضمن برنامج علاجي استُخدمت فيه طريقة فيشات التعزيز "البونات"، واستمر ذلك حتى بعد انتهاء برنامج العلاج.

التعزيز، والعقاب الذاتي "ضبط النتائج":

بنفس الطريقة التي يستجيب بها آخرون بطرق تؤثر علينا "إثابة أو عقابا"، فإنه بوسعنا أن نزود أنفسنا بنتائج يمكن أن تغير من سلوكنا الذاتي، وهذه النتائج المنفذة ذاتيا يمكن أن تكون ظاهرة أو ضمنية. مثلا عندما نشتري أو نستبعد شيئا ما، أو عندما نقول لأنفسنا شيئا ما، وهذه النتائج تكون متصلة عادة مع إعداد الهدف ومع التقويم الذاتي، رغم أنه قد يكون هناك أوقات نعد فيها نتائج السلوك بدون أن نحدد أهدافا، فمثلا عندما نرتكب خطأ معينا نبدأ في لوم أنفسنا.

1 انظر للمؤلف نظريات الإرشاد والعلاج النفسي، القاهرة، دار غريب للطباعة والنشر 1994.

ص: 438

الضبط الذاتي في ضوء المنهج الإسلامي:

لا شك أن المرشد المسلم يدرك حقيقة أساسية هي أن الإسلام يركز على عنصر المسئولية في حياة المسلم عقيدة وعبادة وحياة، وأن الإسلام يشجع الفرد المسلم على محاسبة نفسه، وهذه العملية تشتمل على مراقبة السلوك وتقدير هذا السلوك، وذلك في ضوء معايير ثابتة هي معايير الشرع التي كلف بها، وأنه يطالبه أيضا بالحكم على هذا السلوك وتصحيحه بصور مختلفة. والمسلم الذي يدرك أن أعماله تستوفي شروط المعايير الشرعية، يمضي قدما بتعزيز من داخله، قائما على حبه لله وعلى الإيمان بوعده الذي يدرك أنه سيتحقق في أخراه من الفوز العظيم، كما أنه عندما يدرك أن أعماله قد اختلفت في جانب منها عن معايير الشرع فإنه يحكم على نفسه بالخطأ ويلومها على ذلك ويلجأ إلى التوبة والإنابة إلى الله. وفي بعض الأحيان، فإنه ينفذ ما ألزمه به الشرع ثمنا لبعض الأخطاء في صورة كفارات ينفذها بنفسه على نفسه بموجب ما أمر الله به في هذه الأحوال. ولا تتوقف محاسبة المسلم لنفسه على ما يقع فيه من تصرفات خاطئة، وإنما يبدأ قبل ذلك منذ أن يكون ذلك خاطرا فيبدأ في قطعه من بدايته.

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 200، 201] .

ص: 439

27-

طريقة حل المشكلات Problem Solving:

يمكن النظر إلى إستراتيجية حل المشكلات من زاويتين:

الأولى: من حيث إنها تمثل نموذجا لعملية الإرشاد، حيث يمكن للمرشد اتباع خطوات حل المشكلات في عمله الإرشادي.

الثانية: من حيث إنها تمثل إستراتيجية لتدريب المسترشد على استخدامها فيما يواجهه من مشكلة الآن، وفيما يواجهه من مشكلات في الحياة خارج إطار الإرشاد.

وسوف نركز في حديثنا على الجانب الثاني، أي: باعتبار حل المشكلات طريقة إرشادية نسعى لتدريب المسترشد عليها؛ ليواجه مشكلته الراهنة وما قد يقابله من مشكلات فيما بعد.

معنى المشكلة:

عندما يقول شخص ما: إن لديه مشكلة، فإن هذا يعني وجود العناصر الآتية:

أولا: وجود حالة مبدئية يبدأ منها الفرد.

ثانيا: وجود وضع، أو حالة تمثل هدفا يريد هذا الفرد الوصول إليه، ويختلف عن الحالة المبدئية أو الوضع المبدئي الذي كان عنده.

ثالثا: إن التصرفات أو الخطوات اللازمة لتحويل الحالة المبدئية إلى حالة الهدف، ليست واضحة بشكل مباشر لهذا الشخص.

فإذا افترضنا أن أحد الطلاب قد حصل على تقدير ما في أحد الامتحانات، ويريد أن يرفع هذا التقدير في التخرج النهائي ولا يعرف الطريق لذلك، قلنا: إنه في موقف مشكلة.

ويفرق ويكيلجرين "1974" Wickelgren بين نوعين من المشكلات هما: المشكلات الواضحة المعالم "المعرفة بدقة Well defined" والمشكلات غير الواضحة المعالم "سيئة التعريف ill defined". وتقع المشكلات التي يأتي بها الطلاب في المجموعة الثانية حيث لا تكون طرق حل هذه المشكلات واضحة، بشكل مباشر في المشكلة، على عكس النوع الأول الذي يشتمل على حلول واضحة، بل وفي بعض الأحيان يكون هناك حل وحيد وصحيح للمشكلة.

حل المشكلات:

يمكن القول: إن حل المشكلات هو عملية يحاول بها الشخص أن يخرج من مأزق.

ويرى جاني "1977" Gagne أن حل المشكلات هو نوع من السلوك المحكوم بقواعد، فبالنسبة لجاني يكون حل المشكلات عملية يستحضر فيها الأشخاص مفاهيم

ص: 440

وقواعد من معرفتهم السابقة، ويستخرجون منها قواعد من مستوى أعلى تساعدهم على حل المشكلات، وتعتبر هذه العملية في رأي جاني أعلى صور التعلم دقة. كذلك فإن أوزوبيل "1963، 1966، 1978" Ausubel قد وصف عملية حل المشكلات كنوع دقيق من التعلم، حيث يرى أن التعلم قد يكون ذا معنى أو يكون استظهارا. والتعلم ذو المعنى يحدث عندما يربط الأشخاص مهام التعلم بشكل جوهري مع ما يعرفونه فعلا، ويميز كذلك بين التعلم الاستقبالي أو التعلم بالتلقي Receptive وبين التعلم بالاستكشاف Discovery، فالأول وهو التعلم بالتلقي يتسم بوجود مواقف يتاح فيها للمتعلمين كل ما يتعلمونه في صورته النهائية. أما التعلم بالاستكشاف فهو يتطلب من الأفراد أن يكتشفوا بأنفسهم ما يتعلمونه قبل أن يدخل إلى أذهانهم، وفي رأي أوزوبيل أن حل المشكلات يعتبر نوعا من التعلم بالاستكشاف.

يوضح المثال التالي أهمية هذا النوع من التعلم، كأسلوب لحل المشكلات في الإرشاد:

فقد تقدم أحد طابعي الآلة الكاتبة في مؤسسة إلى أحد المرشدين النفسيين يشكو إليه من قلق بدأ ينتابه، ولدى قيام المعالج بالتعرف على مشكلات المسترشد تبين له أن جانبا من هذه المشكلة يقع في زيادة الأعباء الوظيفية الملقاة عليه من جانب صاحب العمل، وأنه "أي: المسترشد" لا يناقش صاحب العمل في هذا الموضوع، وقد تضمن العلاج أن طلب المرشد من المسترشد أن يمسك مفكرة يسجل فيها عدد المرات التي يقول فيها "لا" عندما يحتاج لذلك، وكذلك عدد المرات التي لا يدافع فيها عن حقوقه، وبهذا الأسلوب بدأ المسترشد في التعرف على مشكلته من خلال استكشاف جوانبها.

ويرى هالي "1977" Haley أن حل المشكلات في الإرشاد والعلاج النفسي يعتبر نوعا من تحليل النظم System analysis. وفي تصوره أن عملية حل المشكلة ينبغي أن تأخذ في اعتبارها نظام التفاعل الاجتماعي للمسترشد بما في ذلك الأشخاص الآخرون المشتركون في هذا النظام مع المسترشد "مثل: الإخوة، والآباء، والزملاء، والمرشد نفسه" وبذلك فإن هالي يركز بشكل أكبر على الموقف الذي تحدث فيه المشكلة.

ص: 441

الأسس النظرية لحل المشكلات:

استمد أسلوب حل المشكلات أساسه النظري من مجموعة متنوعة من النظريات، منها نظرية ثورنديك، والتي من خلال تجاربه انتهى إلى تفسير عملية حل المشكلات على أنها عملية تعلم بالمحاولة والخطأ، وأنها عملية لا يتوسط التفكير فيها. وقد نقل ثورنديك مناقشته هذه فيما بعد إلى مجال التعلم "1911، 1912" Thorndike موضحا أن حل مشكلات البشر يماثل ذلك الذي حدث في تجاربه مع الحيوان من أنه محاولة وخطأ، وأنه يحدث تدريجيا، ويستمر بدون تفكير، وتعتبر فكرة ثورنديك في حل المشكلات مثالا لنموذج ترابطي أفسح المجال للأفكار السلوكية المعاصرة في حل المشكلات، غير أنه في الواقع فإن معظم البحوث في مجال حل المشكلات في ربع القرن الأخير كانت ذات طبيعة معرفية Cognitive أكثر من كونها ذات طبيعة سلوكية Behavioral، وهذا لا يعني التقليل من أهمية الطرق السلوكية للإرشاد والعلاج النفسي في حل المشكلات.

أما الطرق الجشطلية التي أسسها وفيرتمر وكوهلر وكوفكا، فقد كان التركيز فيها على فهم الإدراك وحل المشكلات، وقد اهتم أحد مؤسسيها وهو كوهلر Kohler اهتماما بالغا بحل المشكلات، حيث قام بإجراء سلسلة من التجارب بين عامي 1913، 1917 في جزيرة نيرينف بإفريقيا على الشمبانزي حيث استنتج أن عملية حل المشكلات تأتي فجأة وكاملة، وأنها قائمة على الاستبصار والمنطق. وافترض كوهلر بناء على تجاربه التي أعادها على الأطفال، أن حل المشكلات يشتمل على ثلاث خطوات عامة:

1-

أن القائم على حل المشكلة، ينبغي عليه أن يتعرف على المشكلة.

2-

في مرحلة ما قبل الحل، فإن القائم بحل المشكلة يحاول عقليا ابتكار مجموعة من الحلول الممكنة.

3-

أن القائم بحل المشكلة يحقق الاستبصار عندما يفكر في حل.

وفي رأي كوهلر أن الانتقال من مرحلة ما قبل الحل إلى الاستبصار، يكون فجائيا وكاملا. لقد كان لموقف الجشطلت من حل المشكلات تأثير كبير على وجهات النظر

ص: 442

الحديثة في حل المشكلات "هايز 1978 Hays"، وإلى مدرسة الجشطلت يعود كثير من الفضل في نشوء المدرسة المعرفية المعاصرة في علم النفس "هيلجارد وباور 1976 Hilgard & Bower".

ومن المنظرين الذين أثروا في طريقة حل المشكلات، أحد فلاسفة التربية الحديثة في أمريكا وهو جون ديوي Dewy الذي أسس فكرة الوظيفية عام 1896 في جامعة شيكاغو، وتقوم هذه الفكرة على ثلاثة جوانب رئيسية:

1-

إن علم النفس الوظيفي يهتم بالعمليات العقلية في إطارها "الموقف الذي تحدث فيه" أي: كيف، ولماذا، وماذا، المتصلة بالتفكير.

2-

تركز الوظيفية على توافق الكائنات في بيئتها.

3-

وتهتم الوظيفية بالتفاعلات بين الجسم والعقل.

ومن هذا المنطلق الأساسي طوّر ديوي عددا من الخطوات التي تلاحظ في عملية حل المشكلات، وهذه الخطوات هي:

1-

عرض المشكلة.

2-

تحديد المشكلة.

3-

توليد الفروض.

4-

تقويم الفروض.

5-

اختيار أنسب الفروض ملاءمة.

ورغم أن ديوي ترك مجال التجريب في علم النفس من عام 1904م، وأن الوظيفية لم تقم كمدرسة مستقلة في الفكر السيكولوجي، إلا أن تأثيرها قد بدا واضحا في الآونة الأخيرة على علم النفس المعرفي المعاصر.

أما نظرية معالجة المعلومات Information Processing Theory، فهي تمثل الاتجاه الخاص بعلم النفس المعرفي التجريبي المعاصر، وقد ساعد على تطوير هذه الطريقة

ص: 443

عاملان، أولهما: اختراع الحاسب الآلي وتطوره الذي زوّد الباحثين في مجال علم النفس بنموذج عملي للعقل البشري، وثانيهما: أن النظريات الأخرى التي تبحث في تفسير ظاهرة المعرفة الإنسانية لم تستطع أن تتعامل في بساطة مع تشابكات وتعقيدات عملية حل المشكلات "نيويل وسيمون 1972 Newel & Simon".

نماذج حل المشكلات:

1-

نموذج دي زوريلا وجولد فرايد "1971" D'zurrilla & Goldfried:

اقترح دي زوريلا، وجولد فرايد نموذجا من خمس مراحل لحل المشكلات؛ لاستخدامه في تعديل السلوك:

1-

توجيه عام.

2-

تحديد المشكلة وصياغتها.

3-

توليد البدائل.

4-

اتخاذ القرار.

5-

التحقق من الحل.

وتشير مرحلة التوجيه العام إلى تنمية ميل قوي لدى المسترشد أولا بقبول الواقع في أن مواقف المشكلات تمثل جزءا عاديا في الحياة، وأنه من الممكن مواجهة معظم هذه المواقف بفاعلية. وثانيا: التعرف على مواقف المشكلة عندما تحدث. وثالثا: كبح الميل للاستجابة سواء الاندفاع التلقائي أو التقاعس عن القيام بشيء، وبذلك فإن التوجه العام يرى المشكلات كحتمية وكمواقف تواجه مباشرة وبوضوح ونشاط.

أما مرحلة تحديد وصياغة المشكلة فإنها تتكون من "أ" تحديد كل جوانب الموقف في صورة إجرائية، "ب" صياغة وتصنيف عناصر الموقف بطريقة ملائمة لفصل المعلومات المناسبة عن غير المناسبة، وتحديد أهداف الفرد الأساسية وتحديد المشكلات العليا والقضايا والصراعات، وبذلك فإن تحديد المشكلة وصياغتها وتمحيصها وتحليلها إلى عناصر محدودة يؤدي إلى اختيار أهداف لحل موقف المشكلة.

ص: 444

أما مرحلة توليد البدائل، فتشير إلى مهمة إعداد قائمة بالحلول الممكنة المناسبة للمواقف الخاصة بالمشكلة.

وأما اتخاذ القرارات فهو يشير إلى اختيار طريق من بين عدة بدائل، وتركز هذه المرحلة على احتمال اختيار أكثر الاستجابات فاعلية من بين بدائل مختلفة، ويزداد الاحتمال خلال الأساليب المنتظمة "المتدرجة" مثل النظر إلى النتائج القريبة، والبعيدة المدى، والأخذ في الاعتبار النتائج الشخصية والاجتماعية وتقدير التوقع الشخصي لنجاح بديل من هذه البدائل.

أما المرحلة الأخيرة في هذا النموذج وهي مرحلة تحقق الحل، فتحدث بعد تطبيق أسلوب الحل، وتقارن النتائج الحقيقية بالنتيجة المتوقعة، وهذا يحدد الدرجة التي أمكن لها حل المشكلة بفاعلية بواسطة البديل الذي تم اختياره.

2-

نموذج كانفر وبوزيمير "1982" The Kanfer & Busemeyer Model:

يتكون هذا النموذج من ست خطوات لحل المشكلات، ويمكن استخدامه في مجال العلاج السلوكي:

1-

اكتشاف المشكلة.

2-

تحديد المشكلة.

3-

توليد البدائل.

4-

اتخاذ القرارات.

5-

التنفيذ.

6-

التحقق من الحل.

ويماثل هذا النموذج سابقه فيما عدا أنه أضاف مرحلة للتنفيذ. وهذه المرحلة هي مرحلة ضمنية غير ظاهرة عند دي زوريلا، وجولد فرايد.

غير أن كانفر وبوزيمير يريان أن أنموذجهما يشتمل على عمليات تنظيم ذاتي، وأن

ص: 445

الأهداف تكون دينامية بمعنى أنها لا تبقى ثابتة، وأنه يمكن أن تتغير عبر الوقت؛ وبالتالي فإن الفرد يستمر في البحث عن البدائل، وفي نفس الوقت في توقع النتائج المختلفة.

ويرى ديكسون وجلوفر "1984" Dixon & Glover أن الفرق بين النموذجين إنما يرجع إلى التقدم الذي حققه مجال الإرشاد النفسي بين عام 1971 عندما اقترح دي زوريلا وجولد فرايد أنموذجهما، وعام 1982 عندما اقترح كانفر وبوزيمير أنموذجهما.

3-

نموذج إيربان وفورد The Urban and Ford Model:

اقترح إيربان وفورد في عام 1971 نموذجا لحل المشكلات لاستخدامه في العلاج النفسي، يشتمل على خمس خطوات:

1-

تعريف المشكلة وتحديدها.

2-

تحليل المشكلة.

3-

اختيار أهداف وتقويم المحكّات.

4-

استخدام "تطبيق" حل المشكلة.

5-

التقويم.

ويعتبر التعرف على المشكلة، وتحديدها الخطوة الأولى في تتابع لخطوات هامة في عملية الإرشاد أو العلاج النفسي، وتشتمل هذه الخطوة على تخصيص السلوكيات التي تعتبر خاطئة. أما الخطوة الثانية وهي تحليل المشكلة، فتشتمل على الانتقال من السؤال حول ماهية المشكلة إلى فهم كيفية المشكلة، وبمعنى آخر: ما هي أبعاد هذه المشكلة والظروف المحددة لها "عصبية، فيزيولوجية، انفعالية، اجتماعية سلوكية أو موقفية"؛ وبالتالي تصبح الأساس الذي نبني عليه وسائل العلاج؟

والخطوة الثالثة وهي اختيار الأهداف، وفيها يكون التحديد الصريح للنتائج التي يبحث عنها الفرد، وينبغي أن يكون اختيار الأهداف مرتبطا بالنمو العادي أي: أن تكون الأهداف ممثلة لبدائل مرتبطة بالنمو للمسترشد. وينتج عن التحديد الواضح للأهداف أن يكون استخدام الجهد بكفاءة، واقتراح الوسائل الممكنة لإنجاز الهدف، ووجود محكّ لتقويم كفاءة طريقة العلاج المستخدمة.

ص: 446

وفي الخطوة الرابعة يستخدم حل المشكلة، وفي هذه الحالة فإن المرشد يكون له دور كمستشار لمساعدة المسترشد على إعداد الظروف التي تيسّر تحقيق الهدف. وينبغي أن ينظم الحل الخاص بالمشكلة، ويرتب في شكل منطقي على هيئة برنامج يتم تنفيذه.

أما الخطوة الخامسة والأخيرة وهي التقويم النهائي، فهي تساعد على تحديد الدرجة التي أمكن بها القضاء على المشكلة وتحقيق أهداف البرنامج العلاجي، وبناء على المعلومات التي تتوافر في هذه الخطوة، يمكن مراجعة إستراتيجيات العلاج وتقرير متى ينتهي.

نموذج ديكسون وجلوفر "1984" Dixon & Golover:

قدم ديكسون وجلوفر نموذجا لحل المشكلات "1976، 1979، 1984" يتكون من خمس مراحل، هي:

1-

تحديد المشكلة.

2-

اختيار الهدف.

3-

اختيار إستراتيجية.

4-

استخدام إستراتيجية.

5-

التقويم.

ويشتمل النموذج "شكل رقم 23" على عمليتين في كل خطوة؛ الأولى هي شحذ الذهن Brain Storming، والثانية هي الاختيار choice.

مثال على نموذج ديكسون وجلوفر:

"أحمد" طالب بكلية الهندسة في المستوى الثاني، التحق بهذه الكلية منذ أربع سنوات بتشجيع كبير من والده ووالدته ومجموعة من أقاربه وكذلك بعض أصدقائه، ولكنه بقي في المستوى الأول عامين وفي المستوى الثاني عامين أيضا، وكثير من درجاته في مقررات مختلفة هي مقبول "د"، وهو يحصل على درجات منخفضة في الرياضيات

ص: 447

والفيزياء، بينما يحصل على درجات مرتفعة في مقررات مثل الاقتصاد والإدارة، كما أنه يقضي أوقاتا قليلة في استذكار دروسه، فلا يعطي للاستذكار أكثر من ساعة في اليوم، وقرب الامتحان يزيد من معدلات استذكاره. هذا الطالب عرف عنه دماثة الخلق، وطيب المعشر، والعلاقة الطيبة مع زملائه، وهو يتمتع بظروف أسرية جيدة، كما أنه عضو نشط في عدة أنشطة رياضية واجتماعية بالجامعة.

أولا: تحديد المشكلة

يمكن تحديد مشكلة أحمد على النحو التالي "صور مختلفة للمشكلة":

1-

الاعتماد في رأيه على الآخرين "عدم استقلاله بالرأي".

2-

نقص الوقت الذي يخصص للاستذكار.

3-

الأنشطة الاجتماعية والرياضية تأخذ منه وقتا طويلا.

4-

عدم ملاءمة الأهداف المهنية والتعليمية التي حددها لنفسه.

5-

انخفاض درجاته في مقررات معينة.

وبعد مناقشة المسترشد "أحمد" في البدائل المختلفة مثل البقاء في هذه الكلية أو التحويل إلى كلية أخرى لا يدرس فيها الرياضيات والفيزياء، قرر أن يبقى في كلية الهندسة مع وجود رغبة لديه في أن يتعلم بشكل مناسب كيف يحسن درجاته. وبذلك بدأت المشكلة تتحدد الآن في: الدرجات المنخفضة "عنصر رقم 5"، ونقص الوقت المخصص لدراسته "عنصر رقم 2".

ثانيا: اختيار الهدف

يمكن تصور الأهداف التالية للمشكلة التي وقع الاختيار عليها:

1-

النجاح بتقدير جيد "جـ" في الفصل الدراسي الحالي في مقررات الرياضيات والفيزياء.

2-

رفع المعدل التراكمي العام.

ص: 448

3-

الاستذكار لمدة ثلاث ساعات على الأقل كل ليلة، بالإضافة إلى الجهد الزائد الخاص بأوقات الامتحانات.

4-

تحسين عادات الاستذكار سواء في التلخيص، أو القراءة السريعة.

5-

تقليل تغيبه عن المحاضرات بحيث لا يتجاوز ذلك محاضرة واحدة أسبوعيا.

وبعد استعراض هذه الأهداف، قرر أحمد أن الهدف الثالث وهو الاستذكار لمدة ثلاث ساعات على الأقل كل ليلة "الهدف رقم 3" يعتبر هدفا واقعيا ومعقولا، ويمكن أن يسهم كثيرا في حل المشكلة.

ثالثا: اختيار إستراتيجية

ناقش المرشد مع المسترشد عدة إستراتيجيات، اقترحها كل منهما:

1-

ضبط المثير: بالاستذكار في مكان هادئ، بعيدا عن المشتتات.

2-

التعزيز: بأن يعلق القيام بالأنشطة الاجتماعية على إكمال الأهداف اليومية والأسبوعية للاستذكار "قاعدة بريماك".

3-

التشكيل: عن طريق البدأ بالوقت الحالي "ساعة" ثم زيادة كمية الوقت بالتدريج، مع التعزيز من جانب المرشد لحين الوصول للهدف، وهو ثلاث ساعات كل ليلة.

4-

تنظيم الوقت: بإعداد خطة أسبوعية للوصول للهدف.

5-

الالتزام الاجتماعي: كأن يطلب من والده أن يساعده على تحقيق الهدف سواء بالتشجيع، أو بإتاحة الظروف المناسبة له.

6-

الاسترخاء: استخدام أسلوب الاسترخاء لإبعاد المشتتات، وتسهيل عملية التركيز على الاستذكار.

وقد يختار المسترشد أن يستخدم أكثر من طريقة من هذه الطرق للوصول إلى الهدف.

رابعا: استخدام إستراتيجية

احتفظ المسترشد بمفكرة سجّل فيها عدد الساعات التي يستذكرها ومشاعره حول ما أنجز، والمخالفات التي ارتكبها في النظام الذي وضعه والتزم به.

ص: 449