الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة بقلم فضيلة الشيخ صادق حبنكة رئيس مجلس قراء دمشق
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر باسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا. والصلاة والسلام على من أنزل عليه يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً، وعلى آله وصحبه الذين هم: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا وعلى أتباعهم ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين.
وبعد فقد ترك عندي الأخ الكريم. الصالح المستقيم. رسالته التي قدمها لحيازة الشهادة العالمية العالية التي تسمى (الدكتوراة) لأطلع عليها، فأنا شاكر له على حسن ظنه بي وحسن اختياره لموضوع الرسالة، فإنه موضوع جدير بأن ينشر بيد أمينة تقية نقية. تخشى الله، ولا يستهويها ما سواه، لأن النشر الإعلامي والكتابي أصبح في متناول الأيدي المختلفة: ومن الناس من يدس الدسائس، ويتلقط الشبه فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، ومنهم من يتحامل على حملة القرآن. وهم أهل الله وأشراف أهل رسوله، فينكر عليهم التزامهم بما أخذوه بالسند الصحيح المتصل، وتقيدهم بما تلقوه من الشيوخ الثقات، ويعد ذلك من إضاعة الوقت، والتفريط بالجهود والملكات، ذاهلا عن أن الله شرفهم بخدمة كتابه المجيد، تحقيقا لقوله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ زاعما أن هذه الخدمة من الأشياء التقليدية الموروثة. وليس لها أصل ثابت، ناسيا قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، وقوله سبحانه: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ
تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
، وقوله جل جلاله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ* وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً، ويرى هذا القائل أن الاشتغال بغير ما أقامهم الله به واختاره لهم أجدى وأولى جهلا منه بالحقيقة. ومن جهل شيئا عاداه كما أن من لم يدرس الفقه الإسلامي ويطلع على تمحيص مسائله، ودعم أحكامه بالأدلة الصحيحة، يعيب على الفقهاء دراستهم للفقه، وعنايتهم بفهم الأحكام الثابتة، متناسيا حاجة بل اضطرار المجتمع الإسلامي بل
الإنساني إلى الأحكام الفقهية المدروسة، ولو درس المعرضون عن دراسة الأحكام الشرعية، فقه الفقهاء لقدروا الجهود، واعترفوا بقيمة الإنتاج أي إني لا أتهم المنكر على أهل القرآن بضعف الإيمان ولا بالشك في رواية القرآن فقد يكون حديثه المشبوه. واتجاهه الخاطئ بسبب التحرر الفكري فهو في حاجة إلى الإيضاح، وحسن البيان.
وإن في هذا الكتاب القيم الذي أصدره الأستاذ الفاضل الشيخ محمد الحبش، ما ينبه الغافلين، ويرشد المسترشدين.
هذا، وقد تميز التشريع الإسلامي بحفظ قرآنه من التبديل والتحريف وأحكامه من الابتداع والتحريف، كما تميز بصحة الأسانيد وضبط الروايات فليس لأحد أن يبدل حرفا من كتاب الله.
حتى ولا رسول الله. وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي* وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا* ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ* قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ. إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، وقال سبحانه: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، وقال تعالت قدرته وتقدست أسماؤه: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فالقرآن الكريم، ألفاظه توقيفية، ورسمه توقيفي، وتأويله توقيفي، فقد ورد:«من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب» ، وورد أيضا:«من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» .
أما إخواننا بل أشرافنا الذين حفظوا كتاب الله، وجمعوا القراءات حسب الأصول فهم على قسمين:
القسم الأعلى هم العلماء الذين درسوا وحققوا، وعرفوا ودققوا، ولهم باللغة العربية معرفة دقيقة، وبعلوم الشريعة صلة وثيقة، وقد أخذوا القراءات وبحثوا عن توجيهها، وتدبروا الآيات واطلعوا على ما يستنبط منها من الحكم والأحكام، والعبر والمواعظ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
والقسم الثاني من الحفظة لم يحيطوا بما أحاط به الأولون السابقون، ولكنهم أتقنوا الأداء بالتلقي، فإذا تعرض لهم مشكك بما أخذوا أو مضلل عما سلكوا، تحيروا في الصواب، ولم يحوروا
بجواب. لهذا كله كان لموضوع هذا الكتاب الصادر الأهمية الضرورية، ليكون تبصرة للمستبصرين، وهداية للمنصفين التائهين، ومسرة للمؤمنين، وقرة عين للعلماء المخلصين.
ولئن قال قائل إن التآليف المستحدثة الصحيحة، لم تأت بجديد، فذلك من المدح الذي يشبه الذم، فإن التقيد بصحيح النقول، من أمانة العلم وترك الفضول، وهو أرجح من الاعتماد على وحي الأفكار المتحررة، التي لم تتقيد بالأصول، ولا بما جاء عن الرسول، ويكفي لنتاج المستمسكين جدة وضاءة، وعملا صالحا متقبلا، حسن العرض وإحكام الترتيب والتنسيق، ومخاطبة العصر بأساليبه، وإن كسوة العروس وحليتها حين تجلى تميزها عن بقية المتجمعين والمتفرجين، والطعام الطيب يزيد طيبا ويشتهى بحسن اختيار أوانيه وترتيبه على الخوان.
وليس في الخدمات الدينية أشرف من خدمة كتاب الله الكريم.
على أني لم اقرأ الكتاب المعروض بحليته الجديدة إلّا تصفحا لبعض أقسامه واطلاعا على فهارسه، ولكن ثقتي الوثيقة بمخرجه ومنتجه الأستاذ الفاضل محمد الحبش، الذي عرفته من خلال استماعي لكلماته في المناسبات وسلوكه الديني واستقامته وانضباطه على قواعد الشرع: أولا، وشهادة العالم الجليل فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي .. الذي أحصى ما فيه واطلع على مبانيه ومعانيه ثانيا، جعلني هذا وذاك أشهد بصحة ما يحتوي، وأكبر هذا الإنتاج المفيد.
ولا أخفي بهذه المناسبة أن الشيخ وهبة الزحيلي حفظه الله، وزاده بالشكر من خير ما أعطاه، له في قلبي مكانة مكينة، ملكه إياها وهو أحق بها تواضعه بلا مذلة، واستقامته بغير انحراف، ودأبه على العلم الناصح والعمل الصالح، وما عملت يداه من الكتب المجيدة، في المواضيع المفيدة، فشهادته لكتاب الأستاذ الفاضل الشيخ محمد الحبش سندى، وهي حسبي على أنني لو أردت أن أباشر التمحيص قبل الحكم لم أصل إلى ما يصل إليه الأستاذ الزحيلي من النتيجة، ولست من أهل الاختصاص، وبضاعتي مزجاة، فأرجو الله لهذا الكتاب الخير واليمن وأن يجعل هذه الباكورة فاتحة لأمثالها وأحسن منها كما أسأله تعالى أن ينفعنا جميعا بالعلم، ويزيننا بالحلم، ويكرمنا بالتقوى، ويمنحنا صفاء المعرفة، وصدق التوكل ويرزقنا حفظ كتابه الكريم وفهم معانيه، والعمل بما فيه، والإخلاص بالأعمال، وأن يمن علينا بحسن الختام، والتلاقي بالجنان، إنه كريم منان.
طالب العلم صادق حبنكة الميداني