الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة:
قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التّوبة: 9/ 102].
قرأ يعقوب: (والأنصار الذين اتّبعوهم بإحسان). وقرأ الباقون: وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ (1).
فتكون قراءة يعقوب بالرفع عطفا على السابقين الأولين، وتكون قراءة الجمهور بالخفض عطفا على المهاجرين.
وثمرة الخلاف:
أن قراءة الجمهور نصت على مزية فضل للسابقين من الأنصار، وهم الذين آووا ونصروا، من الذين شهدوا بيعة العقبة، أما قراءة يعقوب فقد جعلت فضل الأنصار عامّا إذا لم تدخل عليهم (من) التبعيض، فجعلت لسائر الأنصار مزية رضوان الله، من شهد منهم العقبة ومن لم يشهدها.
فتكون حصيلة قراءة الجمهور أن رضوان الله مكتوب لثلاثة أصناف:
الأول: السابقون الأولون من المهاجرين.
الثاني: السابقون الأولون من الأنصار.
الثالث: الذين اتّبعوهم بإحسان.
وتكون حصيلة قراءة يعقوب أن رضوان الله مكتوب لثلاثة أصناف:
الأول: السابقون الأولون من المهاجرين.
الثاني: الأنصار (بعموم سابقهم ولاحقهم).
الثالث: الذين اتّبعوهم بإحسان.
(1) تقريب النّشر في القراءات العشر 120.
فيكون في قراءة يعقوب زيادة مزية للأنصار، وهي أن سائر الأنصار مشمولون بالرضوان والجنة.
وقد رويت قراءة يعقوب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقرأ (والأنصار) عطفا على (والسّابقون)(1).
وعلى قراءة الخفض فإن السابقين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلّوا إلى القبلتين كما اختاره سعيد بن المسيب، أو الذين شهدوا بيعة الرضوان عام الحديبية في قول الشعبي، أو أهل بدر في قول محمد بن كعب، وعطاء بن يسار (2).
على أن شمول الأنصار بالرضوان والجنة كما دلّت عليه قراءة الرفع لا يعني استواءهم في المنزلة والقرب، فقد صرح القرآن بأنهم ليسوا سواء، كذلك يقتضي العدل، ويشهد العقل؛ قال الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا، وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: 57/ 10].
ومعلوم أن الأنصار ركن الإسلام، وهم الذين آووا ونصروا، وهم الذين شملتهم دعوة النّبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«اللهم ارحم الأمصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» .
وقد أفاضت كتب الحديث في استقصاء الروايات الكثيرة التي ورد فيها فضل الأنصار ومنزلتهم، ومما أخرجه إمام المحدثين البخاري من ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنّ الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما ظلم- بأبي وأمي- آووه ونصروه (3).
وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (4).
(1) فتح القدير للشوكاني 2/ 398.
(2)
المصدر نفسه 398.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 7/ 112.
(4)
المصدر نفسه 113.