الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يروى في التفسير (1) أنهم اقترحوا الآيات، وقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء: 17/ 93] .. إلى قوله: حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ فأنزل الله:
قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (2)، أي لعلها إذا جاءت لا يؤمنون على رجاء المؤمنين.
وقال آخرون: بل المعنى: (وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون) فتكون (لا) مؤكدة للجحد كما قال: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ بمعنى: (وحرام عليهم أن يرجعوا). قال الفرّاء: «سأل الكفّار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالآية التي نزلت في الشعراء إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ» .
وقال المؤمنون: يا رسول الله سل ربّك أن ينزلها حتى يؤمنوا، فأنزل الله: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ أي (إذا جاءت يؤمنون) و (لا) صلة كقوله: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ أي أن تسجد.
وقراءة حمزة، وابن عامر:(إذا جاءت لا تؤمنون) بالتاء. وحجتهما قوله:
وَما يُشْعِرُكُمْ. قال مجاهد: قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ خطاب للمشركين الذين أقسموا، فقال جلّ وعزّ: وما يدريكم أنكم تؤمنون.
وقرأ الباقون: بالياء، إخبار عنهم. وحجتهم قوله: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ ولم يقل: (أفئدتكم)(3).
وثمرة الخلاف:
أن القراءتين غير متعارضتين في المعنى؛ وإن أوهم السياق التّعارض، وهي على تقدير التقرير، أو المفعولية، تفيد أن المشركين لن يؤمنوا ولو جاءتهم الآيات، وهذا قررته آيات كثيرة:
(1) الكلام هنا نقل عن أبي زرعة في الحجة كما سيأتي.
(2)
انظر أسباب النزول للجلال السيوطي، سورة الإسراء: 17/ 93.
(3)
حجة القراءات 265. وانظر سراج القاري 213. وعبارة الشاطبي:
وحرّك وسكّن كافيا .. واكسر إنها
…
حمى صوبه بالخلف درّا وأوبلا
وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام: 6/ 6].
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [الحجر: 15/ 14 - 15].
وفي توكيد المعنى جاءت الآية التالية: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الأنعام: 6/ 109].
وهذا السياق يدفع توهّم أن تكون الآية عتابا للمؤمنين كما يشعر به قوله سبحانه:
وَما يُشْعِرُكُمْ، على قراءة الفتح.
وهكذا فإن جماهير المفسرين متّفقون على معنى أن الآيات لن تكون سببا لإسلامهم، فلا تنتظروا دخولهم في الإسلام بها إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون.
وللقرطبي في هذه الآية تعليل لطيف أنقله لك بنصّه:
قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ أي قل يا محمّد: الله القادر على الإتيان بها، وإنما يأتي بها إذا شاء. وَما يُشْعِرُكُمْ أي: وما يدريكم إيمانهم، فحذف المفعول، ثم استأنف فقال:
(إنها إذا جاءت لا يؤمنون) بكسر إن، وهي قراءة مجاهد، وأبي عمرو، وابن كثير. ويشهد لهذا قراءة ابن مسعود (وما يشعركم إذا جاءت لا يؤمنون).
وقال مجاهد، وابن زيد: المخاطب بها المشركون، وتمّ الكلام. حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون، وقد أعلمنا في الآية بعد هذه أنهم لا يؤمنون، وهذا التأويل يشبه قراءة من قرأ (تؤمنون) بالتاء.
وقال الفرّاء وغيره: الخطاب للمؤمنين، لأن المؤمنين قالوا للنّبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون، فقال الله تعالى: وَما يُشْعِرُكُمْ أي: يعلمكم ويدريكم أيها المؤمنون.
أَنَّها بالفتح، وهي قراءة أهل المدينة، والأعمش، وحمزة، أي: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. قال الخليل: أَنَّها بمعنى لعلها، حكاه عن سيبويه، وفي التّنزيل:
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي أنه يزّكّى. وحكي عن العرب: ايت السوق أنّك تشتري لنا شيئا، أي: لعلك، وهو اختيار إمام اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقال أبو النّجم:
قالت لشيبان ادن من لقائه
…
لأن تغدي القوم من شوائه
وقال عدي بن زيد:
أعازل ما يدريك أنّ منيّتي
…
إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
أي: لعلني. وقال دريد بن الصّمة:
أريني جوادا مات هزلا لأنني
…
أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
أي: لعلني. وهو في كلام العرب كثير (أنّ) بمعنى لعلّ.
وحكى الكسائي أنه كذلك في مصحف أبي بن كعب: (وما أدراكم لعلها).
وقال الكسائي، والفرّاء: أن (لا) زائدة، والمعنى: وما يشعركم أنها- أي الآيات- إذا جاءت المشركين يؤمنون، زيدت (لا) كما زيدت (لا) في قوله تعالى:
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ لأن المعنى: وحرام على قرية مهلكة رجوعهم.
وفي قوله: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ والمعنى: ما منعك أن تسجد.
وضعّف الزّجاج، والنّحاس، وغيرهما زيادة (لا) وقالوا: هو غلط وخطأ؛ لأنها إنما تزاد فيما لا يشكل. وقيل: في الكلام حذف، والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، أو يؤمنون، ثم حذف هذا لعلم السامع، ذكروا النحاس وغيره (1).
ونقل أبو الشيخ (2) عن ابن عباس قال: أنزلت في قريش ومعناها: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، قل إنما الآيات عند الله، وما يشعركم يا معشر المسلمين أنها إذا جاءت لا يؤمنون إلا أن يشاء الله فيجبرهم على الإسلام (3).
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ط دار الكاتب العربي 7/ 64.
(2)
هو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني 274 - 369 هـ، أبو محمد، من حفّاظ الحديث العلماء برجاله، يقال له أبو الشيخ، نسبته إلى جدّه حبّان، فيقال له: أبو الشيخ الحباني، له تصانيف منها: طبقات المحدّثين بأصبهان، كتاب السّنة، كتاب العظمة.
(3)
الدّر المنثورة في التفسير بالمأثور للسيوطي، 3/ 39.