الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج: 85/ 21 - 22].
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [البروج: 85/ 15 - 16].
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [الجاثية: 45/ 11].
وكلها قراءات متواترة لا تنكرها عامة الشيعة، ولا يصح حملها إلا على العطف اللفظي دون المعنوي.
وجملة القول أن القوم لا يختلفون في صحة القراءة، ولكن يختلفون في توجيهها، ويمكن القول: إن الغسل في المسح، ومتضمن لمعناه، فيكون الخروج من الخلاف بالغسل، أولى من الانفراد بالقول بالمسح، ولو تواردت عليه الأقيسة.
وأيضا فإنه لما حدد غاية المطلب إلى الكعبين، دلّ على أنه غسل لا مسح، إذ هو الذي تتبدى آثار غمره بالماء، نظير ما أمر في الأيدي بقوله: إِلَى الْمَرافِقِ.
وأما الحكمة من تخلف التعاقب بين المغسولات، فهي ظاهرة في إفادة الترتيب في الوضوء، فقد أتى سبحانه على ذكر سائر المغسولات والممسوحات في الوجه واليدين والرأس، ثم ببيان الواجب تجاه الرجلين، ومن المعلوم أن عامة الفقهاء جعلوا الترتيب مطلوبا في الوضوء، فاعتبره الشافعية والحنابلة فرضا، واعتبره الحنفية والمالكية سنّة مؤكدة (1).
ولا مناص قبل ذلك كله من قبول القراءتين جميعا لدى ثبوت تواترهما، وقد يجد القائلون بالمسح وجها في قراءة الجرّ، ولكن لا يمكن أن يجدوا وجها في قراءة النصب إلا مع التّعسف، والله أعلم.
وثمرة الخلاف:
أن غسل الرجلين ركن في الوضوء، عملا بالقراءة المتواترة، وأرجلكم، ولما ورد في ذلك من النصوص القاطعة الصحيحة.
ثم توسع الأفغاني في الرّد على قاعدة الرّد بالجوار عموما، وأنه لا يجوز إلا في الضرورة الشعرية؛ وهي نادرة، ولكن أوردت لك طرفا من ورود ذلك يقينا في القرآن الكريم. انظر حجة القراءات لأبي زرعة 224.
(1)
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 1/ 238.
أخرج أحمد والشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «تخلف عنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ، ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثا» (1) وفي معناه حديث مسلم عن أبي هريرة: «
…
ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ» (2).
وأخرج الدارقطني عن جابر رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا» (3).
وعلى هذا أطبق أهل السّنة والجماعة، فليس في مذاهبهم من أمر الرجلين إلا الغسل، والله أعلم.
وأما القراءة المتواترة بالخفض وأرجلكم، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وحمزة، وشعبة، فهي محمولة على المسح على الخفين المأذون به شرعا، والمروي عن نحو سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فقد نقل عن بعض المفسرين أن الجرّ هنا محض مجاورة، وهو محمول على العامل الأقرب للجوار، وقد أوردت لك قبل قليل نقل أبي زرعة لهذا القول غير معزو لأحد، واحتجاجه بقول أعرابي: هذا جحر ضبّ خرب.
(1) انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ط دار المعرفة 1/ 294.
(2)
انظر صحيح مسلم، ط دار المعرفة ج 1، باب الوضوء- غسل الرجلين.
(3)
وفي الدّر المنثور: أخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه.