الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية:
قوله تعالى: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [البقرة: 2/ 51].
قرأ أبو عمرو يعقوب، وأبو جعفر:(وإذ وعدنا موسى) بغير ألف، وقرأ الباقون:
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى (1).
وكذلك في سورة الأعراف: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف: 7/ 151]، وفي سورة طه: وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ [طه: 20/ 82].
وقد احتجّ قارئا البصرة أبو عمرو، ويعقوب لقراءتها بأن المواعدة إنما تكون بين الآدميين، وأما الله عز وجل فإنه المنفرد بالوعد والوعيد، واستدلّ أبو عمرو بقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ [إبراهيم: 14/ 23].
وحجة الجمهور أن المواعدة كانت من الله ومن موسى، فكانت من الله أن واعد موسى لقاءه على الطّور ليكلّمه ويكرمه بمناجاته، وواعد موسى ربّه المصير إلى الطّور لما أمره به (2).
وثمرة الخلاف:
من الجانب الاعتقادي أن قراءة الجمهور دليل على جواز نسبة بعض الأفعال إلى العبد على سبيل المجاز، وإن كانت قد صدرت من الله وحده على سبيل الحقيقة.
ومع أن اعتقاد أهل الحق أن الله خالق أفعال العباد، ولكنه أذن هنا سبحانه بنسبة بعض الأفعال إلى العباد، وليس هذا المعنى مستقلّا في هذه الآية بل له نظائر كثيرة في القرآن الكريم.
(1) سراج القاري لابن القاصح، ص 150.
عبارة الشاطبي في حرز الأماني:
وعدنا جميعا دون ما ألف حلا وعبارة ابن الجزري في الدّرة:
وعدنا اتل بارئ يأب يأمر أتم حم
(2)
حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، 96.
وقد اجتمع الحقيقة والمجاز في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [الصّافّات: 37/ 96].
فنسب العمل إليهم بقوله: تعملون، ولكنه أخبر أنه سبحانه خلقهم وخلق أعمالهم.
والتّقدير: والله خلقكم، وخلق أعمالكم، وهذا مذهب أهل السّنة أن الأفعال خلق لله عز وجل، واكتساب للعباد، وفي هذا إبطال مذهب القدرية والجبرية (1).
وفي الجوهرة (2):
فخالق لعبده وما عمل
…
موفّق لمن أراد أن يصل
وخاذل لمن أراد بعده
…
ومنجز لمن أراد وعده
وقد نهج بعض من انتصر لقراءة الجمهور بأن الألف هنا ليست للمفاعلة، بل الوعد من الله لا غير، نظير ما تقول:(طارقت نعلي وسافرت)، والفعل من واحد على ما تكلمت به العرب (3)، كذلك تقول: خاطبت القوم، فتورد الألف هنا، ولا تريد بها المفاعلة، إذ المخاطبة منك وحدك، ومنهم الاستماع ليس إلا.
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 15/ 96.
(2)
جوهرة التوحيد للّقاني بيت رقم (45).
(3)
حجة القراءات لأبي زرعة، 96.