المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ظاهر الآية أنه تكويني، ولكن لما لم يرد عليه حظر - القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية

[محمد الحبش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌مقدمة بقلم فضيلة الشيخ صادق حبنكة رئيس مجلس قراء دمشق

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول علم القراءات

- ‌الفصل الأول معنى القراءات وغاياتها

- ‌المبحث الأول تمهيد في الحفظ الإلهي للنّص القرآني

- ‌المبحث الثاني الوحي هو المصدر الوحيد للقراءات المتواترة

- ‌المبحث الثالث حكمة القراءات

- ‌المبحث الرابع الأصل اللغوي لكلمة (قراءة)

- ‌المبحث الخامس الأصل الشّرعي لكلمة (قراءة)

- ‌المبحث السادس القراءات والأحرف السبعة

- ‌الفصل الثاني تاريخ القراءات

- ‌المبحث الأول القراءات في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني القرّاء من الصحابة الكرام

- ‌1 - أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه (51 ق. هـ- 13 ه

- ‌2 - عمر بن الخطاب رضي الله عنه (40 ق. هـ- 23 ه

- ‌3 - عثمان بن عفان رضي الله عنه (47 ق. هـ- 35 ه

- ‌4 - علي بن أبي طالب رضي الله عنه (23 ق. هـ- 40 ه

- ‌5 - طلحة بن عبيد الله (38 ق. هـ- 36 ه

- ‌6 - سعد بن أبي وقاص (23 ق. هـ- 55 ه

- ‌7 - عبد الله بن مسعود (ت 32 ه

- ‌8 - عمرو بن العاص (50 ق. هـ- 58 ه

- ‌9 - أبيّ بن كعب (ت 21 ه

- ‌10 - أبو هريرة (21 ق. 59 ه

- ‌11 - عبد الله بن عمر بن الخطاب (10 ق. هـ- 73 ه

- ‌12 - سالم مولى أبي حذيفة:

- ‌13 - زيد بن ثابت (11 ق. هـ- 45 ه

- ‌14 - معاذ بن جبل (20 ق. هـ- 18 ه

- ‌15 - عبد الله بن عباس (3 ق. هـ- 68 ه

- ‌16 - عبد الله بن عمرو بن العاص (7 ق. هـ- 65 ه

- ‌17 - عبد الله بن الزبير (1 هـ- 73 ه

- ‌18 - عبد الله بن السائب المخزوميّ، أبو السّائب (ت 70 ه

- ‌19 - أنس بن مالك بن النضر الأنصاريّ، أبو حمزة (ت 91 ه

- ‌20 - مجمّع بن جارية (ت 50 ه

- ‌21 - ثابت بن زيد (ت 12 ه

- ‌22 - سعد بن عبيد (ت 16 ه

- ‌23 - أبو الدرداء (ت 32 ه

- ‌24 - حذيفة بن اليمان العبسيّ (ت 36 ه

- ‌(فائدة) موقف مجتهدي الشيعة من مسألة سلامة النّص القرآني:

- ‌1 - العلامة أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القميّ، المشهور بالصدوق (ت 381 ه

- ‌2 - السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي (ت 436 ه

- ‌3 - الشيخ أبو علي الطبرسي، صاحب تفسير مجمع البيان

- ‌المبحث الثالث عصر أئمة القراءة

- ‌1 - قراءة نافع في المدينة:

- ‌2 - قراءة ابن كثير في مكة:

- ‌3 - قراءة أبي عمرو البصري في البصرة:

- ‌4 - قراءة ابن عامر الشامي:

- ‌5 - قراءة عاصم في الكوفة:

- ‌6 - قراءة حمزة في الكوفة:

- ‌7 - قراءة الكسائي في الكوفة:

- ‌8 - قراءة أبي جعفر:

- ‌9 - قراءة يعقوب الحضرمي:

- ‌10 - قراءة خلف:

- ‌11 - الحسن البصري (21 - 110 ه

- ‌12 - يحيى اليزيدي (138 - 202 ه

- ‌13 - ابن محيصن (…- 123 ه

- ‌14 - ابن شنبوذ (…- 338 ه

- ‌المبحث الرابع عصر ابن مجاهد وتدوين القراءات

- ‌أهمية الكتاب:

- ‌المبحث الخامس دور الشاطبي في تقرير تواتر القراءات السبعة

- ‌المبحث السادس ابن الجزري ودوره في نشر القراءات

- ‌الباب الثاني أثر القراءات المتواترة في الرسم القرآني

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول تاريخ الرسم القرآني

- ‌المبحث الأول الرسم في عهد النّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني رسم القرآن الكريم في عهد الصحابة

- ‌1 - الوثيقة الأولى:

- ‌2 - الوثيقة الثانية:

- ‌أول جمع للقرآن:

- ‌المبحث الثالث الرسم العثماني

- ‌خط المصاحف:

- ‌مصاحف الصحابة الخاصة:

- ‌المبحث الرابع أثر الرسم العثماني في ضبط القراءات

- ‌الفصل الثاني نقط القرآن الكريم وشكله

- ‌المبحث الأول مرحلة شكل القرآن وعلاقتها بضبط القراءات

- ‌المبحث الثاني نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن الرسم بسبب شكل القرآن

- ‌المبحث الثالث مرحلة نقط القرآن الكريم وعلاقتها بضبط القراءات

- ‌المبحث الرابع نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن الرسم بسبب تنقيط القرآن

- ‌الفصل الثالث تحسينات الرّسم القرآني وأثرها في القراءات

- ‌تمهيد:

- ‌فمن النوع الأول:

- ‌ومن النوع الثاني:

- ‌المبحث الأول: الألف الخنجرية

- ‌نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن المصاحف المطبوعة اليوم بسبب إثبات الألف الخنجرية

- ‌المبحث الثاني: إثبات الحروف المتروكة

- ‌المبحث الثالث: إثبات الهمزات

- ‌نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت بسبب إثبات الهمزات

- ‌المبحث الرابع: إثبات علامات المدّ

- ‌نماذج من أداء وجوه القراءات المتواترة التي غابت بسبب إثبات علامات المدّ

- ‌المبحث الخامس: إثبات علامات الصلة

- ‌نماذج من أداء وجوه القراءات المتواترة التي غابت بسبب إثبات علامات الصلة

- ‌المبحث السادس: علامات الإدغام والإخفاء والإظهار

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌نماذج من صيغ الأداء المتواترة التي يتعذر الإتيان بها على المصاحف الشائعة بسبب رسم قاعدة الإدغام والإخفاء والإظهار

- ‌المبحث السابع: وجوه أخرى

- ‌الباب الثالث أثر القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية

- ‌تمهيد في طبيعة اختلاف القراءات وجدواها:

- ‌تمهيد في تصنيف الأحكام الشرعية الناشئة من اختلاف القراءات المتواترة:

- ‌جدول إحصائي بالأحكام الشرعية ([الأحكام الاعتقادية])

- ‌[جدول إحصائي بالأحكام الشرعية] الأحكام الفقهية

- ‌الفصل الأول الأحكام الاعتقادية

- ‌تمهيد في طبيعة الخلافات في الأحكام الاعتقادية:

- ‌تمهيد في علاقة القراءات بالمحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الأول الإلهيّات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثاني النّبوات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌المسألة الرابعة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة عشر:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثالث الغيبيّات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الرابع في العمل والجزاء

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌فائدة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌الفصل الثاني الأحكام الفقهية

- ‌المبحث الأول العبادات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشر:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثاني في المعاملات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌فائدة:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثالث في النّكاح

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الرابع في الحدود

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الخامس في الجهاد

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌فائدة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌فائدة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌المبحث السادس في الأيمان

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث السابع في الأقضية

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌الباب الرابع الخاتمة

- ‌خاتمة:

- ‌اقتراحات:

- ‌أولا- الجمع الصوتي للقرآن الكريم:

- ‌ثانيا- مشروع إصدار مصحف القراءات:

- ‌ثالثا- مشروع كتابة مصحف عثمان:

- ‌رابعا- مشروع إحياء الرّوم في النّطق العربي:

الفصل: ظاهر الآية أنه تكويني، ولكن لما لم يرد عليه حظر

ظاهر الآية أنه تكويني، ولكن لما لم يرد عليه حظر دلّ على أنه من باب ما أقرّه الشارع؛ إذ الدواعي متوافرة لإنكاره لو كان يستوجب الإنكار.

ولم يتعرض الإمامان الجليلان الرازي الجصاص، وابن العربي إلى اختلاف القراءة في هذه الآية، وقد أوردا أحكامها وفق قراءة النصب لا غير (1).

‌المسألة الثانية:

قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [المائدة: 5/ 89].

قرئت على ثلاثة أوجه: عقّدتم، وعقدتم، وعاقدتم.

قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وشعبة:(عقدتم الأيمان). وقرأ ابن ذكوان: (عاقدتم الأيمان). وقرأ الباقون: عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ (2).

والقراءات الثلاثة تتجه إلى تقرير عدم المؤاخذة بيمين اللغو، وقصر المؤاخذة على اليمين المعقودة، وهي المعبّر عنها بالصّيغ الثلاث الآنفة. فتكون رواية ابن ذكوان عن ابن عامر على جهة أن اليمين المنعقدة هي التي تكون من اثنين، دلّت ذلك ألف المفاعلة في قراءتهم (عاقدتم الأيمان)، ولا خلاف بين الأئمة في قبول مدلول هذه القراءة،

ولكن يلزم ابن عامر أن يقبل مدلول قراءة الآخرين لثبوت التواتر.

وتكون قراءة أهل الكوفة بالتخفيف دالّة على أن الكفارة تلزم الحانث إذا عقد يمينا بحلف مرة واحدة، وهذا الحكم محل إجماع من الأمة بلا خلاف، إلا قولا روي عن ابن عمر، وتسابق النّقاد إلى إنكار نسبته إليه (3).

(1) انظر أحكام القرآن للرازي الجصاص 1/ 307. أحكام القرآن للقاضي ابن العربي المالكي 2/ 46.

(2)

تقريب النّشر في القراءات العشر لابن الجزري 108، وفيه أن الذي قرأ بألف المفاعلة ابن ذكوان وحده عن ابن عامر، وهو المحفوظ الذي دلّت عليه الطّيبة، ولكن في حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة أن ابن عامر قرأ بذلك، ومنه يفهم أن راويي ابن عامر على ذلك. وعبارة الطيبة:

عقدتم المد منا وخففا

من صحبة جزاء تنوين كفا

(3)

انظر فقرة ثمرة الخلاف صفحة 358.

ص: 354

وأما قراءة أهل الكوفة بالتشديد فلا ينبغي أن تتجه إلى تكرار اليمين كما نقله أبو زرعة (1)، فهذا خلاف المجمع عليه من الفقهاء أن اليمين تنعقد بمرة واحدة كما في قراءة عقدتم بالتخفيف، ولا حاجة لترديدها المرة بعد المرة.

فينبغي إذن أن يكون معنى التشديد في هذا المقام هو التوكيد، وهذا التوكيد يكون بجزم القلب كما يعرف من أمارات ذلك، قال الله عز وجل: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النّحل: 16/ 91].

ولو سلّمنا بأن التّشديد هنا يفيد تكرار اليمين المرة بعد المرة، فإن ذلك لا يسقط وجوب الكفارة في اليمين المنعقدة إذا لم تكرر؛ إذ إن ذلك دلّت له القراءة المتواترة بالتخفيف التي يلزم قبولها عند سائر الأئمة.

كما يمكن أن يكون التشديد في هذا المقام زيادة مبنى، وهو إشارة إلى زيادة المعنى، على وفق قاعدة الأصوليين: زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، فمقتضى قراءة التخفيف عقد اليمين الذي هو قصد القلب، وتحقق النّية، وتكون دلالة قراءة التشديد في التوكيد على حصول هذا القصد جزما، وتحققه يقينا.

واختار الرازي الجصاص كذلك إعمال القراءات جميعا فنصّ على أن قراءة التخفيف (عقدتم) محمولة على إقرار اللسان بما عقده القلب، ثم أشار أن الإعمال للظاهر، وهو لفظ اللسان لا قصد القلب، وأما قراءة عَقَّدْتُمُ بالتشديد فقد أشار أنها أفادت حكما جديدا؛ وهو أنه متى أعاد اليمين على وجه التكرار لا تلزمه إلا كفارة واحدة، وأما قراءة (عاقدتم) فقد أشار إليها ولم يعلق عليها، وفيما يلي عبارة الرازي رحمه الله:

«وقد قرئ قوله تعالى: بِما عَقَّدْتُمُ على ثلاثة أوجه:

عَقَّدْتُمُ بالتشديد قد رآه جماعة، و (عقدتم) خفيفة، و (عاقدتم). فقوله تعالى:

عَقَّدْتُمُ بالتشديد كان أبو الحسن يقول: لا يحتمل إلّا عقد قول (وعقدتم) بالتخفيف يحتمل عقد القلب، وهو العزيمة والقصد إلى القول، ويحتمل عقد اليمين قولا، ومتى احتمل إحدى القراءتين

(1) انظر حجة القراءات لأبي زرعة 234.

ص: 355

القول، واعتقاد القلب، ولم يحتمل الأخرى إلا عقد اليمين قولا وجب حمل ما يحتمل وجهين على ما لا يحتمل إلا وجها واحدا، فيحصل المعنى من القراءتين عقد اليمين قولا، ويكون حكم إيجاب الكفارة مقصورا على هذا الضرب من الأيمان، وهو أن تكون مقصودة، ولا تجب في اليمين على الماضي لأنها غير مقصودة، وإنما هو خبر عن ماض، والخبر عن الماضي ليس بعقد سواء كان صدقا أو كذبا، فإن قائل قائل: إذا كان قوله تعالى: (عقدتم) بالتخفيف يحتمل اعتقاد القلب، ويحتمل عقد اليمين، فهلا حملته على المعنيين إذ ليسا متنافيين، وكذلك قوله تعالى: بِما عَقَّدْتُمُ بالتشديد محمول على عقد اليمين، فلا ينفي ذلك استعمال اللفظ في القصد إلى اليمين، فيكون عموما في سائر الأيمان، قيل له: لو سلم لك ما ادّعيت من الاحتمال لما جاز استعماله فيما ذكرت، ولكانت دلالة الإجماع مانعة من حمله على ما وصفت، وذلك أنّه لا خلاف أن القصد إلى اليمين لا يتعلق به وجوب الكفارة، وإن حكم بإيجابها متعلق باللفظ دون القصد في الأيمان التي يتعلق بها وجوب الكفارة، فبطل بذلك تأويل من تأوّل اللفظ على قصد القلب في حكم الكفارة، وثبت أن المراد بالقراءتين جميعا في إيجاب الكفارة هو اليمين المعقودة على المستقبل، فإن قال قائل: قوله:

عَقَّدْتُمُ بالتشديد يقتضي التكرار، والمؤاخذة تلزم من غير تكرار فما وجه اللفظ المقتضي للتكرار مع وجوب الكفارة في وجودها على غير وجه التكرار؟ قيل له: قد يكون تعقيد اليمين بأن يعقدها في قلبه ولفظه، ولو عقد عليها في أحدهما دون الآخر لم يكن تعقيدا؛ إذ هو كالتعظيم الذي يكون تارة بتكرير الفعل والتضعيف، وتارة بعظم المنزلة، وأيضا فإن في قراءة التشديد إفادة حكم ليس في غيره، وهو أنه متى أعاد اليمين على وجه التكرار أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة، وكذلك قال أصحابنا فيمن حلف على شيء ثم حلف عليه في ذلك المجلس أو غيره، وأراد به التكرار لا يلزمه إلّا كفارة واحدة. فإن قيل: قوله: (بما عقدتم) بالتخفيف يفيد أيضا إيجاب الكفارة باليمين الواحدة. قيل له: القراءتان والتكرار جميعا مستعملتان على وصفنا، ولكل واحدة منهما فائدة محددة» (1).

وكذلك فإن العلامة ابن العربي المالكي أورد القراءات الثلاث محتجّا بها جميعا، وأشار إلى ضعف قراءة التخفيف على عادته في توهين ما انفرد بروايته الكوفيّون، ثم اتّخذ من التأويل سبيلا لإعمال سائر المروي في ذلك وعبارته: قوله تعالى: عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فيه ثلاث قراءات: عقّدتم

(1) أحكام القرآن- الجصاص 2/ 455.

ص: 356

بتشديد القاف، وعقدتم بتخفيف القاف، وعاقدتم بالألف، فأما التخفيف فهو أضعفها رواية وأقواها معنى، لأنه فعلتم من العقد وهو المطلوب، وإذا قرئ عاقدتم فهو فاعلتم، وذلك يكون من اثنين، وقد يكون الثاني من حلف لأجله في كلام وقع معه، وقد يعود ذلك إلى المحلوف عليه فإنه ربط به اليمين، وقد يكون فاعل بمعنى فعل كقولك: طارق النمل، وعاقب اللص في أحد الوجهين في اللص خاصته.

وإذا قرئ عقّدتم بتشديد القاف فقد اختلف العلماء في تأويله على أربعة أقوال:

الأول: قال مجاهد: تعمّدتم.

الثاني: قال الحسن: معناه ما تعمّدت به المأثم فعليك فيه الكفارة.

الثالث: قال ابن عمر: التشديد يقتضي التكرار، فلا تجب عليه الكفارة إلا إذا كرر اليمين.

الرابع: قال مجاهد: التشديد للتأكيد، وهو قوله: والله الذي لا إله إلا هو.

قال ابن العربي: أما قول مجاهد: ما تعمدتم فهو صحيح، يعني ما قصدتم إليه احترازا من اللّغو. وأما قول الحسن: ما تعمّدتم فيه المأثم فيعني به مخالفة اليمين (الحنث)، فحينئذ تكون الكفارة، وهذان القولان حسنان يفتقران إلى تحقيق. وهو بيان وجه التشديد، فإن ابن عمر حمله على التكرار. وهو قول لم يصح عنه عندي لضعفه. فقد قال النّبي صلى الله عليه وسلم: وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرا منها إلّا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني (1).

فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر.

وأما قول مجاهد: إن التشديد في التأكيد محمول على تكرار الصفات؛ فإن قولنا: (والله) يقتضي جميع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فإذا ذكر شيئا من ذلك؛ فقد تضمنه قوله (والله).

فإن قيل: فما فائدة التغليظ بالألفاظ؟ قلنا: لا تغليظ عندنا بالألفاظ، وقد تقدم بيانه، وإن غلظنا فليس على معنى أنّ ما ليس بمغلظ ليس بيمين، ولكن على معنى الإرهاب على الحالف.

فإنه كلما ذكر بلسانه الله تعالى حدث له غلبة حال من الخوف. وربما اقتضت له رعدة، وقد

(1) رواه البخاري في كتاب الأيمان باب قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، ورواه مسلم رقم 1649 في الأيمان باب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها، ورواه كذلك أبو داود، والنّسائي.

ص: 357