الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هدية ليكافئه المهدى إليه بأضعافه، لا لأنه يهدي ابتغاء وجه الله، فهذا حلال علينا، وحرام على النّبي صلى الله عليه وسلم، وأما الحرام فهو أن يعطي الرجل دينارا على أن يأخذ أزيد منه (1).
وثمرة الخلاف:
أن قراءة الجمهور جاءت بالنّص على ذمّ إيتاء الرّبا، وبيان أنه كاسد عند الله، فكان أخذ الرّبا بمنزلة المسكوت عنه، فجاءت قراءة ابن كثير بذم إتيان الرّبا كله، أخذا وعطاء، وكما ترى فإن المعاني تتكامل بالقراءات، وتبقى قراءة الجمهور كالنّص على تغليظ الزجر على المرابي، وقراءة ابن كثير على تغليظ الزجر على عموم الرّبا كله.
ولم تستقل هذه الآية بهذا البيان؛ إذ جاءت نصوص القرآن والسّنة متضافرة على توكيد هذا المعنى.
وفي الحديث: «لعن الله الرّبا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده» (2).
وفي الحديث أيضا: «ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الرّبا، فإن لم يأكله أصابه من غباره» (3).
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ [الرّوم: 30/ 39].
قرأ نافع، وأبو جعفر، ويعقوب:(لتربو في أموال الناس). وقرأ الباقون: لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ (4).
فيكون الفاعل في قراءة أهل المدينة، وحضرموت هو آكل الرّبا والمتّجر فيه، فيما يكون الفاعل في قراءة الجمهور هو الرّبا نفسه.
(1) حجة القراءات 558.
(2)
رواه الطبراني عن ابن مسعود.
(3)
رواه أبو داود، وابن ماجة، والطبراني في الكبير، والبيهقي عن أبي هريرة.
(4)
تقريب النشر لابن الجزري 159:
…
...
…
...
…
... تربو ظما
وقد لخص ابن العربي مذاهب السلف في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه الرجل يهب هبة يطلب أفضل منها؛ قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الرجل في السفر يصحبه رجل يخدمه ويعينه، فيجعل المخدوم له بعض الربح جزاء خدمته، لا لوجه الله، قاله الشعبي.
الثالث: الرجل يصل قرابته، يطلب بذلك كونه غنيّا لا صلة لوجه الله؛ قاله إبراهيم النخعي.
وبالجملة فإن الآية متجهة إلى التّحذير من الرّبا بالقصد الظاهر أو بغير القصد الظاهر.
وهذه الآية حلقة من أربع حلقات تمّ فيها تحريم الرّبا، إذ تدرّج حكم الرّبا في التّحريم على أربع مراحل:
الأولى: نزل قول الله عز وجل: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الرّوم: 30/ 39].
فأخبر سبحانه أن مصير الرّبا إلى تلف، وأن المرابي يهدم ما يبنيه من حيث يريد أو لا يريد.
الثانية: قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 2/ 273].
وفي هذه الآية تنفير شديد من الربا، ومقارنة للمرابي بفاقد العقل الذي ركبه الصرع فأتلفه.
الثالثة: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 3/ 130].
وهي صريحة في تحريم أنواع مخصوصة من الرّبا تمهيدا للتحريم النهائي.
الرابعة: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 2/ 287].