الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار» (1).
ولا شك أن مزايا الأنصار كثيرة، وفضلهم عظيم، وقد زادتهم هذه الآية شرفا ومكانة.
ولا تنافر بين القراءتين، بل قراءة يعقوب في فضلهم عامة، وقراءة الجمهور في تخصيص السابقين منهم بمنزلة أعلى من القرب والرضوان، والله أعلم.
المسألة التاسعة:
قوله تعالى: قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [هود: 11/ 46].
قرأ الكسائي ويعقوب: (إنّه عمل غير صالح) بنصب اللام والراء. وحجّته حديث أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله كيف أقرأ: عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ أو عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ؟
فقال: عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ بالنصب (2).
فالهاء في هذه القراءة عائدة على ابن نوح لأنه جرى ذكره قبل ذلك فكني عنه.
وكان بعض أهل البصرة ينكر هذه القراءة، واحتجّ لذلك بأن العرب لا تقول:(عمل غير حسن) حتى تقول: (عمل عملا غير حسن). وقد ذهب عن وجه الصواب فيما حكاه؛ لأن القرآن نزل بخلاف قوله، قال الله تعالى: وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً [الفرقان: 25/ 71]. معناه: ومن تاب، وعمل عملا صالحا.
وقال: وَاعْمَلُوا صالِحاً [سبأ: 34/ 11]، ولم يقل:(عملا).
وقال في موضع آخر: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً [الفرقان: 25/ 70].
وقال: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النّساء: 4/ 114]، ولم يقل:(سبيلا غير سبيل المؤمنين)، فكذلك قوله:(إنّه عمل غير صالح) معناه: (إنه عمل عملا غير صالح).
(1) المصدر نفسه 113.
(2)
أورد هذا النّص السيوطي في الدّر المنثور عن أم سلمة، وعن أسماء بنت يزيد أيضا معزوّا إلى أحمد، وأبي داود، والترمذي، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم. انظر الدّر، ط دار المعرفة 3/ 336.
وقرأ الباقون: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ بفتح الميم، وضم اللام والراء.
وحجتهم ما روي في التفسير، جاء في قوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ أي: (إن سؤالك إياي أن أنجي كافرا عمل غير صالح)؛ لأن نوحا قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود: 11/ 45]، فقال الله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الذين وعدتك أن أنجيهم، إن سؤالك إياي عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، وقيل: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي: من أهل دينك.
فالهاء في قراءتهم كناية عن السؤال، ولم يجر له ذكر ظاهر، وذلك جائز فيما قد عرف موضعه أن يكنى عنه، أو جرى ما يدلّ عليه كقوله عز وجل: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً [آل عمران: 3/ 180]، فكنّى عن البخل لأنه ذكر الذين يبخلون اكتفاء به عن ذكر البخل، وكنّى به، وقال: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: 38/ 33]، يعني الشمس. وهذه أعلام لا يجهل موضعها؛ قال الشاعر:
إذا نهى السّفيه جرى إليه
…
وخالف، والسّفيه إلى خلاف
فقال: (جرى إليه)، ولم يجر ذكر السّفه، ولكن لما ذكر السّفيه دلّ على السّفه.
والسؤال في قصة نوح لم يجر له ذكر، ولكنه لما ذكر إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي دلّ على السؤال.
وقال آخرون منهم الزجاج: (الهاء كناية عن ابن نوح)، أي إنه ذو عمل غير صالح كما قال الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت
…
فإنما هي إقبال وإدبار (1)
أي: ذات إقبال وإدبار.
(1) حجة القراءات 341 - 342. وانظر سراج القاري 249. وعبارة الشاطبي:
وفي عمل فتح ورفع ونونوا
…
وغير رفعوا إلا الكسائي ذا الملا
والبيت الذي أورده أبو زرعة آخرا للخنساء تماضر بنت عمرو ترثي أخاها صخرا. وأما قراءة يعقوب فقد أشار إليها ابن الجزري في تقريب النشر 124.