المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم فصل القول في الرّد على من زعم نسخ هذه - القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية

[محمد الحبش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌مقدمة بقلم فضيلة الشيخ صادق حبنكة رئيس مجلس قراء دمشق

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول علم القراءات

- ‌الفصل الأول معنى القراءات وغاياتها

- ‌المبحث الأول تمهيد في الحفظ الإلهي للنّص القرآني

- ‌المبحث الثاني الوحي هو المصدر الوحيد للقراءات المتواترة

- ‌المبحث الثالث حكمة القراءات

- ‌المبحث الرابع الأصل اللغوي لكلمة (قراءة)

- ‌المبحث الخامس الأصل الشّرعي لكلمة (قراءة)

- ‌المبحث السادس القراءات والأحرف السبعة

- ‌الفصل الثاني تاريخ القراءات

- ‌المبحث الأول القراءات في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني القرّاء من الصحابة الكرام

- ‌1 - أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه (51 ق. هـ- 13 ه

- ‌2 - عمر بن الخطاب رضي الله عنه (40 ق. هـ- 23 ه

- ‌3 - عثمان بن عفان رضي الله عنه (47 ق. هـ- 35 ه

- ‌4 - علي بن أبي طالب رضي الله عنه (23 ق. هـ- 40 ه

- ‌5 - طلحة بن عبيد الله (38 ق. هـ- 36 ه

- ‌6 - سعد بن أبي وقاص (23 ق. هـ- 55 ه

- ‌7 - عبد الله بن مسعود (ت 32 ه

- ‌8 - عمرو بن العاص (50 ق. هـ- 58 ه

- ‌9 - أبيّ بن كعب (ت 21 ه

- ‌10 - أبو هريرة (21 ق. 59 ه

- ‌11 - عبد الله بن عمر بن الخطاب (10 ق. هـ- 73 ه

- ‌12 - سالم مولى أبي حذيفة:

- ‌13 - زيد بن ثابت (11 ق. هـ- 45 ه

- ‌14 - معاذ بن جبل (20 ق. هـ- 18 ه

- ‌15 - عبد الله بن عباس (3 ق. هـ- 68 ه

- ‌16 - عبد الله بن عمرو بن العاص (7 ق. هـ- 65 ه

- ‌17 - عبد الله بن الزبير (1 هـ- 73 ه

- ‌18 - عبد الله بن السائب المخزوميّ، أبو السّائب (ت 70 ه

- ‌19 - أنس بن مالك بن النضر الأنصاريّ، أبو حمزة (ت 91 ه

- ‌20 - مجمّع بن جارية (ت 50 ه

- ‌21 - ثابت بن زيد (ت 12 ه

- ‌22 - سعد بن عبيد (ت 16 ه

- ‌23 - أبو الدرداء (ت 32 ه

- ‌24 - حذيفة بن اليمان العبسيّ (ت 36 ه

- ‌(فائدة) موقف مجتهدي الشيعة من مسألة سلامة النّص القرآني:

- ‌1 - العلامة أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القميّ، المشهور بالصدوق (ت 381 ه

- ‌2 - السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي (ت 436 ه

- ‌3 - الشيخ أبو علي الطبرسي، صاحب تفسير مجمع البيان

- ‌المبحث الثالث عصر أئمة القراءة

- ‌1 - قراءة نافع في المدينة:

- ‌2 - قراءة ابن كثير في مكة:

- ‌3 - قراءة أبي عمرو البصري في البصرة:

- ‌4 - قراءة ابن عامر الشامي:

- ‌5 - قراءة عاصم في الكوفة:

- ‌6 - قراءة حمزة في الكوفة:

- ‌7 - قراءة الكسائي في الكوفة:

- ‌8 - قراءة أبي جعفر:

- ‌9 - قراءة يعقوب الحضرمي:

- ‌10 - قراءة خلف:

- ‌11 - الحسن البصري (21 - 110 ه

- ‌12 - يحيى اليزيدي (138 - 202 ه

- ‌13 - ابن محيصن (…- 123 ه

- ‌14 - ابن شنبوذ (…- 338 ه

- ‌المبحث الرابع عصر ابن مجاهد وتدوين القراءات

- ‌أهمية الكتاب:

- ‌المبحث الخامس دور الشاطبي في تقرير تواتر القراءات السبعة

- ‌المبحث السادس ابن الجزري ودوره في نشر القراءات

- ‌الباب الثاني أثر القراءات المتواترة في الرسم القرآني

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول تاريخ الرسم القرآني

- ‌المبحث الأول الرسم في عهد النّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني رسم القرآن الكريم في عهد الصحابة

- ‌1 - الوثيقة الأولى:

- ‌2 - الوثيقة الثانية:

- ‌أول جمع للقرآن:

- ‌المبحث الثالث الرسم العثماني

- ‌خط المصاحف:

- ‌مصاحف الصحابة الخاصة:

- ‌المبحث الرابع أثر الرسم العثماني في ضبط القراءات

- ‌الفصل الثاني نقط القرآن الكريم وشكله

- ‌المبحث الأول مرحلة شكل القرآن وعلاقتها بضبط القراءات

- ‌المبحث الثاني نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن الرسم بسبب شكل القرآن

- ‌المبحث الثالث مرحلة نقط القرآن الكريم وعلاقتها بضبط القراءات

- ‌المبحث الرابع نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن الرسم بسبب تنقيط القرآن

- ‌الفصل الثالث تحسينات الرّسم القرآني وأثرها في القراءات

- ‌تمهيد:

- ‌فمن النوع الأول:

- ‌ومن النوع الثاني:

- ‌المبحث الأول: الألف الخنجرية

- ‌نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن المصاحف المطبوعة اليوم بسبب إثبات الألف الخنجرية

- ‌المبحث الثاني: إثبات الحروف المتروكة

- ‌المبحث الثالث: إثبات الهمزات

- ‌نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت بسبب إثبات الهمزات

- ‌المبحث الرابع: إثبات علامات المدّ

- ‌نماذج من أداء وجوه القراءات المتواترة التي غابت بسبب إثبات علامات المدّ

- ‌المبحث الخامس: إثبات علامات الصلة

- ‌نماذج من أداء وجوه القراءات المتواترة التي غابت بسبب إثبات علامات الصلة

- ‌المبحث السادس: علامات الإدغام والإخفاء والإظهار

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌نماذج من صيغ الأداء المتواترة التي يتعذر الإتيان بها على المصاحف الشائعة بسبب رسم قاعدة الإدغام والإخفاء والإظهار

- ‌المبحث السابع: وجوه أخرى

- ‌الباب الثالث أثر القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية

- ‌تمهيد في طبيعة اختلاف القراءات وجدواها:

- ‌تمهيد في تصنيف الأحكام الشرعية الناشئة من اختلاف القراءات المتواترة:

- ‌جدول إحصائي بالأحكام الشرعية ([الأحكام الاعتقادية])

- ‌[جدول إحصائي بالأحكام الشرعية] الأحكام الفقهية

- ‌الفصل الأول الأحكام الاعتقادية

- ‌تمهيد في طبيعة الخلافات في الأحكام الاعتقادية:

- ‌تمهيد في علاقة القراءات بالمحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الأول الإلهيّات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثاني النّبوات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌المسألة الرابعة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة عشر:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثالث الغيبيّات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة عشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الرابع في العمل والجزاء

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌فائدة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌الفصل الثاني الأحكام الفقهية

- ‌المبحث الأول العبادات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشر:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثاني في المعاملات

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌فائدة:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الثالث في النّكاح

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الرابع في الحدود

- ‌المسألة الأولى:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث الخامس في الجهاد

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الرابعة

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌فائدة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌فائدة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الحادية عشرة:

- ‌المبحث السادس في الأيمان

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌وثمرة الخلاف:

- ‌المبحث السابع في الأقضية

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌الباب الرابع الخاتمة

- ‌خاتمة:

- ‌اقتراحات:

- ‌أولا- الجمع الصوتي للقرآن الكريم:

- ‌ثانيا- مشروع إصدار مصحف القراءات:

- ‌ثالثا- مشروع كتابة مصحف عثمان:

- ‌رابعا- مشروع إحياء الرّوم في النّطق العربي:

الفصل: ثم فصل القول في الرّد على من زعم نسخ هذه

ثم فصل القول في الرّد على من زعم نسخ هذه الآية، وتوجيه تعليل القتال بالحرابة، وجملة ردّه في ثلاثة اعتراضات:

الأول: إن النّسخ لا بدّ له من دليل، ولا دليل يدلّ على النّسخ أو التّخصيص.

الثاني: إن ما تضمنته الآية معاني لا تقبل النّسخ، فقد تضمنت النّهي عن الاعتداء، والاعتداء ظلم، والظلم من المعاني المحرمة في كل الشرائع وفي أحكام العقول، والله لا يبيح الظلم قط.

الثالث: لو كان القتل للكفر جائزا، وأن آية منع الاعتداء منسوخة لكان الإكراه على الدين جائزا، لقوله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [البقرة: 2/ 256].

وكذلك فإن النّبي صلى الله عليه وسلم أسر من المشركين أسرى، فمنهم من قتله، ومنهم من فداه، ومنهم من أطلق سراحه، ولم يكره أحدا منهم على الإسلام، ولو كان القتال لأجل الكفر ما كان لهؤلاء إلا السيف (1).

‌فائدة:

اختلف الفقهاء في تحرير طبيعة الجهاد في الإسلام، أهو حرب دفاعية أم حرب هجومية، وقد أكثروا من الاستدلال لما ذهبوا إليه، وأورد كل منهم رأيه، منتصرا له بالأدلة، وسأورد في هذا المقام نقلا لما قدمه كل فريق من الاستدلال ثم أعطف بتحرير ما أعتقده الحق في هذه المسألة والله أعلم.

قال ابن قدامة في المغني: «قال أحمد: إن الدعوة قد بلغت وانتشرت، ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك على هذه الصفة؛ لم يجز قتالهم قبل الدعوة، وذلك لما روى بريدة قال: كان النّبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أمره بتقوى الله في خاصته، وبمن معه من المسلمين، وقال: «إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك إليها، فاقبل منهم وكفّ عنهم، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا، فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن أبوا،

(1) انظر: آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي 111 وما بعدها.

ص: 329

فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» (1)، وهذا يحتمل أنه كان في بدء الأمر قبل انتشار الدعوة وظهور الإسلام، فأما اليوم فقد انتشرت الدعوة، فاستغنى بذلك عن الدعاء عند القتال، قال أحمد: كان النّبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الإسلام، ولا أعرف اليوم أحدا يدعى، قد بلغت الدعوة كل الناس، فالروم قد بلغتهم الدعوة، وعلموا ما يراد منهم، وإنما كانت الدعوة في أول الإسلام، وإن دعا فلا بأس، وقد روى ابن عمر رضي الله عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون آمنون، وإبلهم تسقى على الماء، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية (2). وعن الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الديار من ديار المشركين يبيتون، فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال:«هم منهم» (3). وقال سلمة بن الأكوع:

«أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فغزونا ناسا من المشركين، فبيّتناهم» (4)، ويحتمل أن يحمل الأمر بالدعوة في حديث بريدة على الاستحباب، فإنها مستحبة في كل حال، وقد روي أن النّبي صلى الله عليه وسلم أمّر عليّا حين أعطاه الراية يوم خيبر، وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم، وهم ممن بلغتهم الدعوة (5).

ودعا خالد بن الوليد طليحة الأسدي حين تنبأ، فلم يرجع، فأظهر الله عليه، ودعا سلمان أهل فارس.

فإذا ثبت هذا فإن كان المدعو من أهل الكتاب أو مجوسا دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا دعاهم إلى إعطاء الجزية، فإن أبوا قاتلهم، وإن كانوا من غيرهم دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا قاتلهم، ومن قتل منهم قبل الدعاء لم يضمن، لأنه لا إيمان له ولا أمان، فلم يضمن كنساء من بلغته الدعوة وصبيانهم.

ثم استأنف ابن قدامة فقال: «ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون، ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا» ، وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام:

(1) رواه مسلم وأبو داود.

(2)

متفق عليه.

(3)

متفق عليه.

(4)

رواه أبو داود.

(5)

رواه البخاري.

ص: 330

قسم أهل كتاب: وهم اليهود، والنصارى، ومن اتّخذ التّوراة، والإنجيل كتابا، كالسامرة، والفرنج، ونحوهم، فهؤلاء تقبل منهم الجزية، ويقرّون على دينهم إذا بذلوها،

لقول الله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التّوبة: 9/ 29].

وقسم لهم شبهة كتاب: وهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم، وإقرارهم بها، لقول النّبي صلى الله عليه وسلم:«سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» ، ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذين القسمين.

وقسم لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب: وهو من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان، ومن عبد ما استحسن، وسائر الكفار، فلا تقبل منهم الجزية ولا يقبل منهم سوى الإسلام.

هذا ظاهر المذهب، وهو مذهب الشافعي، وروي عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب. وهو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق فيقرّون ببذل الجزية كالمجوس، وحكي عن مالك أنها تقبل من جميع الكفار إلا كفار قريش لحديث بريدة الذي في المسألة قبل هذه وهو عام، ولأنهم كفار، فأشبهوا المجوس. ولنا عموم قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وقول النّبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا الله» ) (1).

وفي هذا المعنى يعرف الحنفية الجهاد بقولهم: هو الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله (2). وقال الغنيمي الحنفي في اللباب: قتال الكفار واجب وإن لم يبدءونا (3).

وهذا الرأي لا شك يندرج في الآراء التي تجعل الحرب في الإسلام هجومية، بمعنى أن المبادرة فيها بيد الجماعة المسلمة؛ إذ هي التي تعلن الحرب لا بقصد ردّ العدوان، بل بقصد تحقيق استعلاء دين الحق في الأرض.

(1) المغني لابن قدامة 8/ 362.

(2)

ردّ المختار على الدّر المختار 4/ 120، وقال في الحاشية- الصفحة نفسها-: الحدود إخلاء عن الفسق، والجهاد إخلاء عن الكفر.

(3)

اللباب في شرح الكتاب 4/ 115، وقال في الحاشية بعد ذلك: للنصوص العامة.

ص: 331

وفي مقابل ذلك فقد اختار بعض الفقهاء أن الحرب في الإسلام دفاعية؛ بمعنى أن الحاكم المسلم لا يخول بإعلان حالة الحرب إلا حين وجود الحرابة من المشركين، أو التمهيد للعدوان والأذية.

وقد نقل القرطبي هذا القول عن محمد بن عبد العزيز، وابن عباس، ومجاهد، وذلك في معرض تصريحهم بأن آية وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ غير منسوخة (1).

ويدلّ على ذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسّنة التي دلّت على استبقاء كثير من المشركين من أهل الكتاب وغيرهم (2)(3)، فمن الكتاب قوله سبحانه: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: 60/ 8 - 9]. وقوله سبحانه وهو آخر ما نزل في أمر الجهاد: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ

[التوبة: 9/ 6].

وقد روى الإمام أحمد بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة، فأتيت النّبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنّ أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال:

«نعم صلي أمك» (4).

وروي من حديث عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزّى على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا، وثياب، وسمن، وأقط، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت عائشة لها النّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فتلا عليها قول الله عز وجل: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 60/ 8].

(1) تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4/ 348.

(2)

انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/ 77.

(3)

رواه أحمد في مسنده عن أسماء بنت أبي بكر 6/ 344، وسائر رواته ثقات، على شرط البخاري.

(4)

والحديث برواية الحاكم في المستدرك كتاب التفسير، سورة الممتحنة.

ص: 332

وأظهر الأدلة على ذلك ما أخرجه الإمام البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي بصاع من شعير (1).

وقد نهج صاحب كتاب آثار الحرب في الفقه الإسلامي منهجا متفردا في تحرير هذه المسألة، فبعد أن فصل القول في اختيار القائلين بالدفاع والقائلين بالهجوم، انتهى إلى تقرير تفرد المنهج الإسلامي في تحرير طبيعة الجهاد وذلك بقوله:

«أما أن الجهاد: هل هو عمل دفاعي أو هجومي؟ فهذا تقسيم لا ينطبق على نظام الجهاد الإسلامي، لأن الإسلام لا يؤمن بالحروب الحديثة، حروب المطامع البشرية، التي أملت هذا التقسيم، ولا يصح أن يوصف الجهاد بأنه هجومي لأن الهجوم يعني الظلم، والجهاد عدل في الواقع، وقد يكون الجهاد مطلوبا إذا استبدّ الحكام بمصالح رعاياهم، وهنا يظهر المسلمون بأنهم دعاة إصلاح عام، وجند رسالة يبلغونها للناس على بيّنة وهدى، رغم معاندة بعض الظالمين، وقد يلتزم المسلمون جانب الدفاع فقط دون التقيّد بحدود جغرافية مصطنعة، فالإسلام لا تحدّه حدود

» (2).

ثم خلص إلى القول: «إن الجهاد الإسلامي من نوع خاص، ليس هجوميا ظالما للعالم، وليس مجرد دفاع عن حدود الوطن والمصالح، فهو بكلمة موجزة: وسيلة في يد ولي الأمر لحماية نشر الدعوة، أو للدفاع عن المسلمين» (3).

والذي أراه والله أعلم أن منشأ الخلاف هو عدم اتّفاقهم على تحديد معنى الدفاع والهجوم، فالهجوم بمعنى البغي والعدوان لم يقره أحد، قال الله عز وجل: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 2/ 191].

والدفاع بمعنى الانتظار المحض حتى ينال العدو منا، لم يقل به أحد أيضا؛ قال الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النّساء: 4/ 71].

فليس معنى الدفاع أن تقاتل بترس دون سيف، أو تنتظر غارة العدو حتى يجتاح أرض الوطن، ويهلك الحرث والنّسل، ونحن غارون غافلون، نحسن الظن بالعدو، ونلتمس له المعاذير!

(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 89، انظر فتح الباري 1/ 99. ورقم الحديث في البخاري 2916.

(2)

آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي 124.

(3)

المصدر نفسه والصفحة نفسها.

ص: 333

بل مقتضى الدفاع أن تقدم ساعة الإقدام، وتحجم ساعة الإحجام، وتدرس نوايا عدوك، وتكشف طواياه وتدبيره، ففي عمل الدفاع كر وفر، ومصاولة ومنازلة، وإقحام وإحجام، ودرع وسيف، وحراب ورماح، وكل ذلك مقرر لدى الأمم كلها في نشاطها العسكري الدفاعي.

ففي كل وزارة دفاع في العالم دائرة عمليات، واستطلاع، وتجسس، ومداهمة، واقتحام، وكل ذلك يسمى نشاطا دفاعيا.

وإذا تقرر ذلك فإني أعتقد أن سائر صنوف الجهاد في الإسلام، تندرج تحت إطار العمل الدفاعي بعد تحرير مناطه، وتقرير مناشطه.

ففي بدر خرج النّبي صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، وهو منطق دفاعي مبرر؛ إذ الأموال التي نتجتها القافلة هي متاع المسلمين المهاجرين في مكة، ومن حقهم أن يحصلوا عليها بأي ثمن، ولما فرّت القافلة حضرت قريش في جيش قوامه ثلاثة أضعاف جيش النّبي صلى الله عليه وسلم، وألجأته إلى حرب لم يكن قد قصدها، ولا سعى إليها، ونذكر بهذه المناسبة أن بدرا تبعد عن المدينة نحو (180) كم فيما تبعد عن مكة (260) كم، وذلك كله يكشف لك من هو الطرف الغازي في هاتين الجهتين.

وفي أحد اعتصم رسول الله بمدينته، ثم خرج إلى جبل أحد على بعد نحو أربعة أميال من المدينة يدفع عنها غارة قريش والأحابيش.

وفي الخندق اعتصم النّبي صلى الله عليه وسلم في مدينته، وخندق على نفسه، ولم يلق أذنا لاستفزاز قريش، ولا لحماسة الشباب من أصحابه في عمل دفاعي صريح استمرّ نحو أربعين يوما، حتى ردّ الله الذين كفروا بغيظهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويّا عزيزا.

ولعل ما يشكل في هذا الباب هو خروجه صلى الله عليه وسلم إلى حنين، والطائف لملاقاة ثقيف وهوازن، ولكن قراءة سريعة لهاتين الغزوتين تظهر أن ثقيف وهوازن كانت قد جمعت حشودا هائلة بغرض غزو مكة، وإخراج النّبي صلى الله عليه وسلم، حتى أصبح في وادي حنين ثلاثون ألفا من الحلفاء، كلهم مستعدّ للإغارة على مكة، فكان مقتضى الدفاع حينئذ أن يخرج إليهم النّبي صلى الله عليه وسلم بغارة الله فيصبحهم بعذاب وساء صباح المنذرين (1).

(1) انظر سيرة ابن هشام، وبحاشيتها الروض الأنف 3/ 29.

ص: 334