الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرة الخلاف:
أفادت قراءة العامة أن الحافظ الحق هو الله عز وجل، وأن المرأة الصالحة مأمورة أن تبذل الجهد في حفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله. وأفادت القراءة الثانية بالنصب، أن المرأة الصالحة مأمورة أن تحافظ على مرضاة الله، وتحقق أمره ونهيه في القيام بما يأمرها به زوجها في غيبته.
وهكذا فإن دلالة القراءتين متشابهة، وقد ألقت القراءات المتعددة معاني من هيبة الله وجلاله على المرأة المسلمة في حفظها لغيب زوجها، لم نكن نعرفها لولا ورود القراءة المتواترة.
المسألة السابعة:
قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ
…
أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ [النّور: 24/ 31].
قرأ ابن عامر، وشعبة عن عاصم، وأبو جعفر:(غير أولي الإربة) نصبا. وقرأ الباقون:
غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ بالخفض (1).
وتوجيه قراءة ابن عامر وشعبة على وجهين:
الأول: الاستثناء، فيكون معنى الآية:(ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا أولي الإربة فلا يبدين زينتهن لهم)، وهكذا فبتكرر الاستثناء عاد الحكم إلى الأول، ولما فتح تكرير الاستثناء ب (إلا) ورد الاستثناء ب (غير).
الثاني: الحال، فيكون المعنى:(ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين حال كونهم غير أصحاب أرب في النساء).
وتوجيه قراءة الباقين أن غَيْرِ: صفة، والمعنى: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين الذين لا إرب لهم في النساء. ويشكل في توجيه هذه القراءة أن غَيْرِ إنما توصف بها النكرات، كما في قوله تعالى: بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ [إبراهيم: 14/ 37].
(1) تقريب النّشر في القراءات العشر 149. وعبارة طيبة النّشر:
…
وغير انصب صبا
…
كم ثاب
…
...
وكذلك قوله تعالى: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد: 47/ 15]، وقوله: بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [النّور: 24/ 29]. فكيف ساغ أن تأتي في هذا المقام وصفا لمعرفة؟
وقد أجاب الزجاج عن ذلك بقوله: وجاز وصف التابعين ب (غير) وإن كانت (غير) يوصف بها النكرة، فإن التابعين هاهنا ليس بمقصود به إلى قوم بأعيانهم، إنما معناه لكل تابع غير ذي إربة (1).
وفي سياق ما أورده الزجاج نورد قول الله عز وجل: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النّساء: 4/ 95]، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب، فقد جاءت وصفا لمرفوع وهو الْقاعِدُونَ فرفعت مثله. وذلك لأنهم غير مقصودين بأعيانهم فكانوا بمنزلة النكرة في هذا المقام.
واختلف الناس في معنى قوله تعالى: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فقيل: هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء. وقيل: الأبله. وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم، وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن. وقيل: العنين. وقيل: المخنث. وقيل: الشيخ الكبير، والصبي الذي لم يدرك. وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى، ويجتمع فيمن لا فهم له، ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء (2).
قال الشوكاني: لا وجه لتخصيص بعينه، بل المراد بالآية ظاهرها، وهم من يتبع أهل البيت، ولا حاجة لهم في النساء (3).
وأكثر المفسّرين على أن هذه الآية جاءت تقريرا لواقعة هيت المخنث، وهي التي أخرجها مسلم، وأبو داود، وغيرهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رجل يدخل على أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم مخنث، وكانوا يعدّونه من غير أولي الإربة، فدخل النّبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة يقول: إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا لا أرى هذا يعلم ما هاهنا، لا يدخلن عليكن» ، فأخرجه من المنزل.
(1) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة 496.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/ 234.
(3)
فتح القدير للشوكاني 4/ 24.