الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الثلث، أو زد على الثلث، ولم يأمرهم بأن ينقصوا من الثلث شيئا. وأما قوله:
عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أي: لن تطيقوه كما قال صلى الله عليه وسلم: «استقيموا، ولن تحصوا» (1)، أي: ولن تطيقوا، والله أعلم (2).
وثمرة الخلاف:
أن منطوق الآية نصّ في أن النّبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام كانوا يقومون أجزاء مختلفة من الليل، فمرة يقوم أدنى من الثلثين، ومرة يقوم نصف الليل، ومرة ثلث الليل، ومرة أدنى من نصف الليل، ومرة أدنى من ثلثه، وهذا ما دلّت له القراءتان، فدلّت قراءة نافع، وابن عامر، وأبي عمرو على قيامه صلى الله عليه وسلم أقل من النصف وأقل من الثلث، فيما دلّت قراءة الباقين على قيامه النصف والثلث، وذلك بمجموعه تيسير الأمة، وتخفيف عليها، إذ النّبي صلى الله عليه وسلم في مقام الأسوة، وإذا صحّ عنه قيام ذلك من الليل كان ذلك إذنا لأمته، في تخيّر ما يقدر العبد عليه من أحوال القيام.
وهل القيام في حقّ النّبي صلى الله عليه وسلم فريضة كما اختاره الغزالي، أم هو وأمته سواء (3)؟ وهذا الذي اختاره الغزالي من أن القيام فريضة في حقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو ما دلّ له حديث:«ثلاثة عليّ فريضة ولأمّتي تطوّع: قيام الليل، والوتر، والسواك» (4)، وهذا الحديث لو صحّ لقطع كل نزاع في أن القيام تعين فريضة في حقّ النّبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معالجة إسناد الحديث- كما يظهر لك- تكشف أنه لا ينهض مستقلّا في إثبات ذلك.
(1) اخرجه أحمد في مسنده 5/ 277، وكذلك الحاكم في المستدرك، والبيهقي عن ثوبان وثمامة:«استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» .
(2)
حجة القراءات 731.
(3)
أخرج أحمد في مسنده والحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هنّ عليّ فريضة، وهنّ لكم تطوّع:
الوتر، وركعتا الضحى، والنّحر».
(4)
هذا الحديث أورده القرطبي في الجامع 10/ 308، ولم يشر إلى من خرّجه وهذه أولى أمارات التضعيف. وأورده الهندي المباركفوري في كنز العمال 7/ 19853، وعزاه إلى البخاري، ومسلم ثم قال: وضعّفه عن عائشة؟ وهذه أعجب وأعجب، فليس في البخاري ولا مسلم من ذلك شيء، وغالب الظّن أن الحديث من رواية البيهقي في شعب الإيمان، فذهل المباركفوري أو الطابع فكتب رمز الشيخين مكان رمز البيهقي، إذ رمزهما عنده ق، ورمز البيهقي هق، والرمزان متشابهان، وليس من عادة المباركفوري أن يضعف ما نسب إلى البخاري ومسلم في مقام.
وقد اختار الآلوسي أن القيام فرض على النّبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، فنسخ ذلك في حقّ أمته صلى الله عليه وسلم، وبقي في حقّه صلى الله عليه وسلم بناء على ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الضّحاك قال: نسخ قيام الليل إلا عن النّبي صلى الله عليه وسلم (1).
وقد تأوّل القائلون بافتراضه عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: نافِلَةً لَكَ، أي: كرامة لك، وهو قول مقاتل (2).
لكن ردّ القرطبي على ذلك فقال: وفي هذا التأويل بعد لوجهين: أحدهما: تسمية الفرض بالنفل، وذلك مجاز لا حقيقة (3)، وليس ثمة مساغ يبرر العدول عن الحقيقة إلى المجاز.
ثم قال: الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات افترضهن الله على العباد» (4)، وقوله تعالى:
«وهي خمس وهنّ خمسون لا يبدّل القول لدي» (5)، وهذا نصّ، فكيف يقال: افترض عليه صلاة زائدة على الخمس؛ هذا ما لا يصح (6).
ثم جزم القرطبي في اختياره أن التّهجد نافلة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حق أمته فقال:
وعلى هذا يكون الأمر بالتّنفّل على جهة النّدب، ويكون الخطاب للنّبي صلى الله عليه وسلم لأنه مغفور له، فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك زيادة في الدرجات، وغيره من الأمة تطوعهم كفارات وتدارك لخلل يقع في الفرض (7).
(1) روح المعاني للآلوسي 15/ 139.
(2)
الدّر المنثور للسيوطي 4/ 200.
(3)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10/ 308.
(4)
حديث مشهور، أخرجه أحمد بن حنبل عن عبادة بن الصامت، ورواته ثقات إلا الحسين بن محمد المروزي فهو مجهول، ولكنه وصل من طريق أخرى عن أبي عبد الله الصنابحي.
(5)
رواه مسلم في كتاب الإيمان، رقم الحديث (12)، باب السؤال عن أركان الإسلام. ورواه أيضا الترمذي والنّسائي.
(6)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10/ 308.
(7)
المصدر نفسه.