الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني الوحي هو المصدر الوحيد للقراءات المتواترة
ينبغي أن ننبّه هنا على أن أي جهد نبذله في خدمة القراءات هو في الحقيقة؛ جهد في خدمة الوحي الأمين الذي جاءت عبره القراءات المتواترة؛ ذلك أن القراءات القرآنية المتواترة جميعا، قرأ بها النّبي صلى الله عليه وسلم أصولا وفرشا، وقد تلقّاها عنه صلى الله عليه وسلم خيار أصحابه من بعده وأقرءوا بها الناس، وبذلك فإن سائر القراءات المتواترة توقيفية، لا مجال فيها لأدنى اجتهاد.
فالنّبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أقرأ أصحابه بتحقيق الهمزات وبتسهيلها، وكذلك بالفتح وبالإمالة، وبالإدغام وبالإظهار، وغير ذلك من أبواب القراءة المأذون بها والمروية بالتواتر، وهو الذي أذن بإقراء هذه الكلمة بوجه، وتلك بوجهين، وتلك بثلاث، وغيرها بأربع
…
إلخ.
وجرى كل وجه جاء به النّبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على أنه وحي معصوم، له ما لأخيه من منزلة في الحجة والدلالة وجواز التّعبّد به. وفي ذلك شاعت القاعدة المشهورة لعلماء القراءة: تعدد القراءات ينزل منزلة تعدد الآيات (1).
وهكذا فإن القراءات المتواترة جميعا هي قراءة النّبي صلى الله عليه وسلم، ولا قيمة لأي قراءة لم تحظ بالإسناد المتواتر، المتصل إلى النّبي صلى الله عليه وسلم، وليس للأئمة القرّاء أدنى اجتهاد أو تحكم في نص القراءة المقبولة؛ بل إن مهمتهم تنحصر في ضبط الرواية وتوثيق النقل، وكان غاية ما فعله هؤلاء الأئمة أن تخصّص كل واحد منهم بنوع من أنواع القراءة التي سمعها عن أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم كما نقلوها عنه صلى الله عليه وسلم، وخدمها، وتفرغ لإقرائها وتلقينها، فنسبت إليه لا على سبيل أنه أنشأها وابتكرها؛ بل على سبيل أنه قرأ بها وأقرأ عليها، وإلا فالمنشأ واحد وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الروح الأمين عن ربّ العالمين.
وهذه الحقيقة هي محلّ اتفاق بين علماء هذه الأمة، لم يقل بخلافها أحد، وسائر ما نقل عن المتقدمين محمول على أمر واحد لا غير؛ هو عدم ثبوت التواتر لديهم، كما سنأتي على تفصيله فيما بعد.
(1) انظر الإتقان للسيوطي 1/ 82.