الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة:
قوله تعالى: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف: 18/ 51].
قرأ سائر العشرة إلا أبا جعفر: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً.
وقرأ أبو جعفر: (وما كنت متّخذ المضلّين عضدا)(1).
وظاهر أن الضمير بالضم للمتكلم يعود إلى المولى سبحانه وتعالى إذ لم يتّخذ سبحانه عضدا من المضلّين، وفي قراءة أبي جعفر، فإن الضمير بالفتح للمخاطب، وهو النّبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد الألوسي في روح المعاني أن الحسن وشيبة قرآ بمثل ما قرأ يعقوب (2)، والمعنى أنه لا يصح لك الاعتضاد بهم إذ مرادهم تنضر الناس من الدخول في الإسلام،
وأشار إلى أن ذلك نزل حين طلب المشركون من النّبي صلى الله عليه وسلم أن يخصهم بمجلسه، ويطرد عنهم فقراء المسلمين (3).
وثمرة الخلاف في هذا الباب جليلة وعظيمة، فقد دلّت قراءة الجمهور أن الله لا يتّخذ عضدا من المضلّين، وهذا متّفق عليه بين سائر أهل الملة، ولكن أضافت قراءة أبي جعفر معنى آخر جليلا، وهو أن النّبي صلى الله عليه وسلم لا يتّخذ عضدا من المضلّين، وهو أمر تكويني وتكليفي، ولا يجوز أن يقال بأن النّبي صلى الله عليه وسلم اتّخذ أحدا من المضلّين عضدا له وعونا، بعد أن دلّت لهذا القراءة المتواترة، وقد بيّنت لك جزم ابن الجزري بتواترها (4).
ومن هذه المقدمة يظهر لنا أن السؤال الذي يوجه هنا لعامة الشيعة كيف يمكن أن يكون
(1) تقريب النّشر لابن الجزرى 137.
وعبارة طيبة النّشر:
…
...
…
أشهدت أشهدنا، وكنت التاء ضم سواه
…
...
…
ولم يأت الشاطبي على ذكر هذه القراءة لأنه اقتصر على السبع.
(2)
روح المعاني للآلوسي 15/ 296.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
انظر هامش الصفحة السابقة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أبي بكر وعمر وعثمان بجليل الأعمال، وأخطر المسئوليات مما لا ينكره القوم، ثم هم بعد ذلك من المضلّين؟! أليس ذلك طعنا في أمانة النّبي صلى الله عليه وسلم، واتّهاما له بالإعراض عن أمر ربّه بعد أن نهاه عن اتّخاذ المضلّين عضدا وعونا؟! وهكذا فإن اتّهام كبار الصحابة بالفسق والخيانة ما هو في الحقيقة إلا اتّهام مبطن لمقام النّبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي نهاه الله عز وجل أن يتّخذ أعوانا من المضلّين.
ومع أني لم أعثر على استدلال بهذه القراءة لأحد من المفسّرين، ولكن القراءة كما ترى من أظهر الأدلة على عدالة الصحابة، واستقامتهم، وتزكيتهم، إذ لا ينازع الشيعة في أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أصهر إلى الشيخين، ودفع ابنتيه إلى عثمان، وعهد إلى الصّدّيق بمعاضدته في الهجرة، واستشار عمر في أمر الأسرى وأمور أخرى، وعهد إلى عثمان بمفاوضة قريش يوم الحديبية، فكيف يسند إليهم هذه الأعمال الجليلة، وهي من أبرز أشكال المعاضدة والمناصرة، ثم يقولون بعد ذلك: إن هؤلاء الصحابة كانوا من المضلّين! وأين يمضون بمذهبهم في وجه هذه الآية المتواترة: (وما كنت متخذ المضلّين عضدا)، والحق أن عدالة الصحابة من المسائل التي تضافرت عليها الأدلة من القرآن والسّنة الصحيحة، وحظيت بإجماع السّلف من أهل السّنة والجماعة، وقد لخّص الإمام أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي مذهب الأمة الإسلامية في عدالة الصحابة ومبررات هذا المذهب بقوله:
(1) العواصم من القواصم لابن العربي المالكي، ط المكتبة العلمية بلبنان 34.
ويجب الإشارة هنا إلى أنّ ما ذهب إليه أبو زرعة من الجزم بزندقة من يطعن في الصحابة الكرام ليس محل اتّفاق بإطلاق، وإلا للزم من ذلك زندقة الصحابة أنفسهم، إذ إنه استفاض طعن علي في معاوية، وطلحة والزبير، وطعن سعد بن عبادة في خيرة المهاجرين، ومثل ذلك في كتب السّير كثير، وليس هذا محل إحصائه.
وإنما مراد أبي زرعة رحمه الله تجريح من طعن في صدقهم في الرواية عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، فذلك لم ينقل عن أحد من السّلف الصالح، وعلى الرغم مما وقع بين الصحابة من حروب؛ غير أنه لم ينقل عن أحد منهم اتّهام آخر في كذب بالرواية عن النّبي صلى الله عليه وسلم.