الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه شيء آخر.
إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو عليه في ذلك الزمان حتى عيّن النّبي صلى الله عليه وسلم على جماعة من الصحابة حفظهم له، وكان يعرض على النّبي صلى الله عليه وسلم ويتلى عليه، وإن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وغيرهما ختموا القرآن على النّبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات، وكل ذلك يدلّ بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث
…
وإن من خالف من الإمامية والحشوية لا يعتقد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته) (1).
3 - الشيخ أبو علي الطبرسي، صاحب تفسير مجمع البيان
(2):
(الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فأما الزيادة فمجمع على بطلانها، وأما النقصان منه، فقد روى جماعة من أصحابنا، وقوم من الحشوية العامة أن في القرآن تغييرا أو نقصانا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه)(3).
ولنترك الكلمة في الفصل في هذه المسألة لشيخ الطائفة أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة (461 هـ)(4)، إذ يلخص اعتقاد الشيعة في سلامة النّص القرآني، وأسباب هذه الشائعة عنهم بقوله:
(1) مجمع البيان للطبرسي 1/ 15.
(2)
الطبرسي (
…
- 548 هـ): هو الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، أمين الدين، أبو علي، مفسر، محقّق، لغوي، من أجلاء الإمامية، نسبته إلى طبرستان له:(مجمع البيان في تفسير القرآن)، و (الفرقان) مجلدان، و (جوامع الجوامع) في التفسير أيضا، و (تاج المواليد)، و (غنية العابد)، و (مختصر الكشاف)، و (إعلام الورى بأعلام الهدى)، وغيرها كثير. انظر الأعلام 5/ 148.
(3)
تفسير مجمع البيان للطبرسي 1/ 15.
(4)
أبو جعفر الطوسي، شيخ الطائفة (385 - 460 هـ): هو محمد بن الحسن بن علي الطوسي، مفسّر من فقهاء الشيعة ومصنّفيهم، استقرّ بالنّجف إلى أن توفي فيها، وأحرقت كتبه عدة مرات، من تصانيفه الإيجاز في الفرائض، الجمل والعقود في العبادات، الغيبة، التبيان الجامع لعلوم القرآن، تفسير كبير، الاقتصاد في العقائد، وغيرها كثير.
«وأما الكلام في زيادته ونقصانه؛ فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها. وأما النقصان منه فالظاهر أيضا من مذاهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى رضي الله عنه، وهو الظاهر من الروايات، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد ولا يستوجب علما، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها، لأنه لا يمكنه تأويلها، ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدّفتين، فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه، وروايتنا متناصرة على قراءته، والتمسك بما فيه، وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه، وعرضها عليه، فما وافقه عوّل عليه، وما خالفه يجتنب ولم يلتفت إليه، وقد ورد عن النّبي صلى الله عليه وسلم رواية لا يدفعها أحد أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إني مخلف فيكم الثّقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» . وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر؛ لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك به، كما أن أهل البيت عليهم السلام، ومن يجب اتّباع قوله حاصل في كل وقت، وإذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته؛ فينبغي أن يتشاغل بتفسيره، وبيان معانيه، وترك ما سواه» (1).
هذا وقد قام صاحب كشف الارتياب في ردّ فصل الخطاب بنقل مجموعة من توكيدات أئمة الطائفة الإمامية بشأن سلامة النّص القرآني، فعدّ منهم:
1 -
أبو جعفر ابن بابويه القمي (ت 381 هـ).
2 -
السيد المرتضى علي الموسوي (ت 436 هـ).
3 -
شيخ الطائفة الطوسي (ت 461 هـ).
4 -
أبو علي الطبرسي (ت 548 هـ).
5 -
السيد ابن طاوس (ت 644 هـ).
6 -
ملا محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 هـ).
7 -
محمد بهاء الدين العاملي البهائي (ت 1030 هـ).
8 -
محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 هـ).
(1) تفسير الصافي 1/ 55 عن الشيخ الطوسي.
9 -
المحقق زين الدين البياضي.
10 -
القاضي سيد نور الله التستري (1).
إضافة إلى عدد من علماء الشيعة ومراجعهم المعاصرين كالسيد كاشف الغطاء، ومحمد جواد البلاغي، ومهدي الطباطبائي، والسيد محسن الأمين العاملي، ومحمد مهدي الشيرازي، وشهاب الدين النجفي مرعشي، والسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي، والسيد محمد رضا الكلبايكاني، والسيد آية الله الخميني، وغيرهم كثير (2).
ويجب القول هنا بأن كثيرا من الروايات التي حملها المتجادلون محمل التحريف، إنما هي أوهام رجال توهموها، ثم فاءو إلى رشدهم فيها، وهي موجودة في كتب السّنة كما في كتب الشيعة، ولا مسوغ لاتّهام إحدى الطائفتين الأخرى؛ بأنها تعتقد شيئا من ذلك بعد أن ثبت سلامة مراجع اعتقاد الطائفتين جميعا بسلامة النّص القرآني.
وهكذا فإنه لا مسوّغ لاتّهام طائفة عظيمة من المسلمين بالقول بتحريف القرآن، بسبب هذه المرويات التي يجب حملها على واحد من أربعة محامل:
1 -
الطعن في إسنادها ورواتها.
2 -
حملها على أنها أوهام رواة، وجلّ الذي لم يعصم غير نبيّه صلى الله عليه وسلم.
3 -
حملها على أنها من باب المنسوخ.
4 -
حملها على أنها مما كتبه الصحابة في مصاحفهم على سبيل التفسير.
ومن أراد تفصيل القول في هذه الوجوه فليرجع إلى الإتقان للسيوطي (3)، أو مناهل العرفان للزرقاني (4).
بقي أن نقول: إن الشيعة اليوم تلتزم القراءة برواية حفص عن عاصم، وهي القراءة السائدة في العالم الإسلامي، لا تخالف جمهور الأمة في شيء منها، لا في رسم، ولا شكل، ولا ضبط،
(1) كشف الارتياب في ردّ فصل الخطاب ص 57.
(2)
انظر: أكذوبة تحريف القرآن، تأليف رسول جعفريان، ص 60.
(3)
الإتقان للسيوطي 1/ 76 وما بعدها.
(4)
مناهل العرفان للزرقاني 1/ 441 وما بعدها.
ولا علامة وقف، ولا علامة ابتداء، ولا رقم آية، ولا رقم سورة، ولا إثبات علامة صلة، ولا حذفها، ولا إثبات ألف خنجرية، ولا حذفها.
وسيأتي في هذه الدراسة أنهم يقولون بمسح الأرجل في الوضوء، ولكن مع ذلك يقرءون قراءة الجمهور، الآمرة بالغسل، وذلك موافقة لرواية حفص التي يلتزمونها: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 5/ 6].
وهو وجه ظاهر في التزامهم ما التزمه المسلمون من القراءة على رغم مخالفتهم في بعض الفروع الفقهية.
ويتّضح مما سبق أن الأمة الإسلامية على اختلاف طوائفها تتفق في التسليم بأن القرآن الكريم مسطور بين الدّفتين هو عين ما تلقاه النّبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الأمين، وأن القراءات المتواترة لا تخرج في حرف من حروفها عن الرسم الذي كتبه عثمان رضي الله عنه في المصاحف، والذي يتفق المسلمون اليوم على أدقّ تفصيلاته، (فقد تكفّل الله تعالى بحفظ القرآن أبد الدهر إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 15/ 9]. والمعنى إنا للقرآن حافظون من أن يزاد فيه ما ليس منه، أو ينتقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه) (1).
وهذا الحفظ أكّد وثاقة النّص القرآني مكتوبا ومقروءا، سليما من التغيير والتبديل منذ نزوله وحفظه بالاستظهار في الصدور والتدوين في الصحف، وبقي المصحف كذلك لم يتغير فيه شيء غير تطور رسمه عبر العصور، ولم يكن الاعتماد على مجرد حفظ الصدور وقراءة المصحف وفقه العمل والحكمة التي طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقد حفظ القرآن بظهر الغيب رجال مؤمنون، ونساء مؤمنات من لدن عصر الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، وظلّ العدد يتنامى ويزيد على توالي القرون، ورغم كل الظروف بما حقق تواتر نقله في الأجيال اللاحقة.
ويأتي دور الأجيال اللاحقة في فهم المعاني، واستخراج الحكم، واستخلاص الحلول، والمعالجات لمشكلات الحياة المتجددة مع تقديرنا لجهود السّلف الصالح.
(1) انظر الطبري، جامع البيان عن تأويل أي القرآن 6/ 14.