الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الْبيُوع)
(بَاب خِيَار الْمجْلس بعد عقد البيع غير ثَابت)
(لقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} ، فأباح الْأكل بِوُجُود التَّرَاضِي عَن التِّجَارَة، وَالْبيع (تِجَارَة) ، فَدلَّ على نفي الْخِيَار، وَصِحَّة وُقُوع البيع للْمُشْتَرِي بِنَفس العقد، وَجَوَاز تصرفه فِيهِ. وَقَالَ تَعَالَى:{أَوْفوا بِالْعُقُودِ} وَهَذَا عقد (فَلَزِمَ) الْوَفَاء بِظَاهِر الْآيَة. وَفِي إِثْبَات الْخِيَار نفي لُزُوم الْوَفَاء بِهِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} فندب تَعَالَى / إِلَى الْإِشْهَاد على العقد توثقة لَهما، وَوُجُوب الْخِيَار لكل وَاحِد مِنْهُمَا يَنْفِي معنى التوثقة بِالْإِشْهَادِ، إِذْ لَا يلْزم أَحدهمَا لصَاحبه بِهِ حق. فَلَمَّا كَانَ فِي إِثْبَات الْخِيَار إبِْطَال معنى الْآيَة، كَانَ القَوْل بِإِيجَاب الْخِيَار سَاقِطا وَحكم الْآيَة ثَابتا) .
مَالك: عَن نَافِع، عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] قَالَ:" من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه ". مد رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] الْمَنْع من (البيع) إِلَى وجود الْقَبْض، فَإِذا وجد الْقَبْض (جَازَ البيع، سَوَاء وجد الْقَبْض) فِي الْمجْلس أَو بعده، وَالْبيع لَا يجوز إِلَّا بعد ثُبُوت الْملك، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى:{لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} .
فَإِن قيل: فقد روى مَالك: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رضي الله عنه أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] قَالَ:" الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ على صَاحبه مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار ".
وروى البُخَارِيّ: عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر رضي الله عنهما، عَن
النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قَالَ: " كل بيعين) لَا بيع بَينهمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار ".
قيل لَهُ: لَيْسَ المُرَاد بالتفرق هُنَا (التَّفَرُّق) بالأبدان بل بالأقوال: فَإِن لفظ الْكتاب وَالسّنة ورد بِلَفْظ التَّفَرُّق وَأُرِيد بِهِ التَّفَرُّق بِغَيْر الْأَبدَان.
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يغن الله كلا من سعته} ، {وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَيِّنَة} .
وَأما السّنة: فَقَوله [صلى الله عليه وسلم] : " افْتَرَقت الْيَهُود وَالنَّصَارَى على (ثِنْتَيْنِ) وَسبعين فرقة " الحَدِيث. وَيجوز أَن نحملها على (الْفرْقَة بالأبدان)، وَذَلِكَ أَن الرجل إِذا قَالَ لغيره:" بِعْتُك عَبدِي هَذَا بِأَلف "، فللمخاطب بِهَذَا القَوْل أَن يقبل مَا لم يُفَارق صَاحبه، فَإِن فَارقه بِبدنِهِ قبل ذَلِك لم يكن لَهُ أَن يقبل، وَلَوْلَا هَذَا الحَدِيث لم نعلم هَذَا الحكم.
قَالَ عِيسَى بن أبان: " وَهَذَا أولى (مَا حمل عَلَيْهِ) هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ تَفْسِير أبي يُوسُف رحمه الله. لِأَن الْفرْقَة الَّتِي اتَّفقُوا على كَونهَا بالأبدان - وَهِي الْفرْقَة فِي الصّرْف - يجب بهَا فَسَاد عقد (قد) تقدم، وَلَا يجب بهَا صَلَاحه. فَإِن جعلنَا
هَذِه الْفرْقَة المروية عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي خِيَار الْمُتَبَايعين على مَا ذكرنَا (فسد)(بهَا) مَا كَانَ تقدم / من قَول الْمُخَاطب، وَكَانَ لَهَا أصل فِيمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ، (وَإِن جعلناها على مَا قَالَ غَيرنَا تمّ بهَا البيع وَلم يكن لَهَا (أصل) فِيمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ) ".
وسميا متبايعين لقربهما من البيع، وَلِهَذَا سمي إِسْمَاعِيل ذبيحا. وَقَالَ [صلى الله عليه وسلم] :" لَا يسوم الرجل على سوم أَخِيه، وَلَا يَبِيع على بيع أَخِيه ".
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: " قَالَ مَالك: لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث عندنَا حد مَعْرُوف، وَلَا أَمر مَعْمُول بِهِ (فِيهِ) ". وَمعنى هَذَا القَوْل أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] لما قَالَ: " الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا "، وَلم يكن لتفرقهما وانفصال أَحدهمَا عَن الآخر وَقت مَعْلُوم، وَلَا غَايَة مَعْرُوفَة، إِلَّا أَن (يقوما أَو يقوم) أَحدهمَا على مَا ذهب إِلَيْهِ الْمُخَالف، وَهَذِه جَهَالَة يقف عَلَيْهَا انْعِقَاد البيع، فَيصير من بَاب بيع الْمُنَابذَة وَالْمُلَامَسَة، بِأَن يَقُول: إِذا لمسته فقد وَجب البيع وَإِذا نَبَذته أَو نبذت الْحَصَاة وَجب البيع. وَهَذِه الصَّفْقَة مَقْطُوع بفسادها فِي العقد، فَلَا يتْرك بِحَدِيث لم (يتَحَصَّل) المُرَاد مِنْهُ مفهوما ".
فَإِن قيل: " إِن ابْن عمر رضي الله عنه كَانَ إِذا بَايع رجلا شَيْئا فَأَرَادَ أَن لَا يقيله قَامَ يمشي ثمَّ رَجَعَ ".
قيل لَهُ: يجوز أَن يكون ابْن عمر أشكلت عَلَيْهِ الْفرْقَة الَّتِي سَمعهَا من رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] مَا هِيَ، واحتملت عِنْده الْفرْقَة بالأبدان كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى، واحتملت الْفرْقَة بالأبدان كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف رحمه الله، واحتملت الْفرْقَة بالأقوال كَمَا ذهب إِلَيْهِ مُحَمَّد بن الْحسن رحمه الله، فَفَارَقَ بَائِعه بِبدنِهِ احْتِيَاطًا.
وَقَالَ البُخَارِيّ: " (وَقَالَ) ابْن عمر: مَا أدْركْت الصَّفْقَة حَيا مجموعا فَهُوَ من الْمُبْتَاع ". وَفِي هَذَا دَلِيل على أَنه كَانَ يرى أَن البيع يتم بالأقوال وَأَن الْمَبِيع ينْتَقل بهَا.
فَإِن قيل: فقد روى التِّرْمِذِيّ: عَن أبي الزبير، عَن جَابر رضي الله عنه:" أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] خير أَعْرَابِيًا بعد البيع ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث (حسن) غَرِيب.
قيل لَهُ: يحْتَمل أَن يكون وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا فخيره بَين الرَّد والإمساك، وَمِمَّا يُؤَيّد