الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب لَا يجوز بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة)
(التِّرْمِذِيّ) : عَن الْحسن، عَن سَمُرَة رضي الله عنه:" أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] نهى عَن بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة ". حَدِيث حسن صَحِيح. وَسَمَاع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح. هَكَذَا قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ رحمه الله.
قلت: " وَفِي هَذَا الحَدِيث دلَالَة على أَن الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ يحرم النسأ ".
(بَاب لَا يجوز شِرَاء مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن)
الدَّارَقُطْنِيّ: عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أمه الْعَالِيَة بنت أَنْفَع قَالَت:" حججْت أَنا و (أم محبَّة) فَدَخَلْنَا على عَائِشَة رضي الله عنها، فَقَالَت لَهَا (أم محبَّة) : يَا أم الْمُؤمنِينَ كَانَت (لي) جَارِيَة، وَإِنِّي بعتها من زيد بن أَرقم بثمانمائة دِرْهَم إِلَى عطائه، (وَأَنه أَرَادَ) بيعهَا، فابتعتها (مِنْهُ) بستمائة (دِرْهَم) نَقْدا، فَقَالَت: بئس مَا شريت وَمَا اشْتريت، فأبلغي زيد بن أَرقم أَنه قد أبطل جهاده مَعَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] إِلَّا أَن يَتُوب ".
والعالية: امْرَأَة جليلة الْقدر، قَالَ فِي طَبَقَات ابْن سعد:" الْعَالِيَة بنت أَنْفَع بن شرَاحِيل، امْرَأَة أبي إِسْحَاق السبيعِي، سَمِعت عَائِشَة رضي الله عنها ".
فَإِن قيل: هَذَا مَذْهَب الصَّحَابِيّ فِي مَحل الْقيَاس فَلَا يُقَلّد. ثمَّ إِنَّهَا عابت عَلَيْهِ الْعقْدَيْنِ وَأَنْتُم مُسلمُونَ صِحَة العقد الأول، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم لكم التَّمَسُّك بالأثر إِذا صرتم إِلَى فَسَاد الْعقْدَيْنِ.
قيل لَهُ: أما تَقْلِيد الصَّحَابِيّ رضي الله عنه، فقد قَالَ بعض أَصْحَابنَا: إِن تَقْلِيد الصَّحَابِيّ وَاجِب، وَافق الْقيَاس أَو خَالفه. وَهُوَ قَول (أبي سعيد البرذعي) وَمن تَابعه من أَصْحَابنَا. وَاحْتج بقوله عليه السلام:" اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر " رضي الله عنهما. وَقَالَ عليه السلام: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ ". جعل الِاقْتِدَاء / سَبَب الاهتداء فَوَجَبَ أَن يجب الِاقْتِدَاء لكَي يحصل الاهتداء. وَمُطلق الِاقْتِدَاء يكون بِالْفِعْلِ تَارَة، وبالقول أُخْرَى، وَقَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا رحمهم الله: " تَقْلِيد قَول الْفُقَهَاء من الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَاجِب، سَوَاء وَافق الْقيَاس أَو خَالفه. لِأَن الظَّاهِر من حَال الْفَقِيه أَنه كَمَا لَا يعْمل إِلَّا عَن علم وَدَلِيل، فَكَذَلِك (لَا يَقُول) مَا يَقُول إِلَّا عَن معرفَة وَدَلِيل، فترجع جِهَة الصَّوَاب فِي مقَالَته على جِهَة الْخَطَأ، فَانْدفع احْتِمَال الْخَطَأ ظَاهرا، خُصُوصا إِذا تَأَكد ذَلِك بِشَهَادَة رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ، حَيْثُ شهد لَهُم بِالْحَقِّ وَالْهدى حَتَّى صَار الِاقْتِدَاء بهم سَببا للاهتداء، والتقليد من بَاب الِاقْتِدَاء، فَوَجَبَ أَن يكون ذَلِك وَاجِبا ليَكُون ذَلِك طَرِيقا إِلَى
الاهتداء. وَعَائِشَة رضي الله عنها من فُقَهَاء الصَّحَابَة رضي الله عنهم، وَقد أمرنَا النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] بِالْأَخْذِ مِنْهَا بقوله عليه السلام:" خُذُوا شطر دينكُمْ من الْحُمَيْرَاء ".
وَأما قَوْله: " إِنَّمَا يَسْتَقِيم لكم (التَّمَسُّك) بالأثر إِذا صرتم إِلَى فَسَاد الْعقْدَيْنِ "، فَنَقُول: الْحِكْمَة فِي فَسَاد العقد الثَّانِي أَن الثّمن الأول لم يدْخل فِي ضَمَان البَائِع، فَإِذا وصل الْمَبِيع إِلَيْهِ، وَوَقعت الْمُقَاصَّة بَقِي لَهُ فضل مِائَتَيْنِ بِلَا عوض، وَلَا كَذَلِك العقد الأول. وَيصِح لنا التَّمَسُّك بالأثر من غير أَن نصير إِلَى فَسَاد الْعقْدَيْنِ، فَإِن عَائِشَة رضي الله عنها إِنَّمَا عابت عَلَيْهَا العقد الثَّانِي لحُصُول الرِّبَا فِيهِ.
فَإِن قيل: إِنَّمَا قَالَت: " بئس مَا شريت "، أَي بِعْت " وَبئسَ مَا اشْتريت "، وَقد باعت الْجَارِيَة أَولا ثمَّ اشترتها، وَالْعقد الأول كَانَ إِلَى أجل وَهُوَ الْعَطاء، وَيحْتَمل أَنه كَانَ مَجْهُولا ففسد العقد الأول بِجَهَالَة الْأَجَل، وَفَسَد الثَّانِي لكَونه بِنَاء عَلَيْهِ.
قيل لَهُ: لَو كَانَ كَمَا ذكرت، لم تكن فِي الثَّانِي مشترية، لِأَن العقد الأول إِذا كَانَ فَاسِدا كَمَا ذكرت فالجارية وَالدَّرَاهِم الَّتِي دفعتها إِلَيْهِ ملكا لَهَا، فَلم تكن مشترية لَا حَقِيقَة وَلَا شرعا، وَقد جَعلتهَا مشترية، فَدلَّ أَن كَلَامهَا كُله مَصْرُوف إِلَى العقد الثَّانِي. وَمعنى قَوْلهَا:" بئس مَا شريت وَمَا اشْتريت "، أَي بئس مَا أبدلت وَهُوَ الستمائة دِرْهَم، وَبئسَ مَا استبدلت وَهِي الْجَارِيَة. / وَهِي تسمى فِي (هَذَا) العقد الثَّانِي بائعة ومشترية، لِأَنَّهَا بائعة للدراهم ومشترية لِلْجَارِيَةِ، وَالْمُشْتَرِي يُسمى بَائِعا، قَالَ عليه السلام:" البيعان بِالْخِيَارِ ".