الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل لَهُ: (هُوَ) إِسْنَاد ضَعِيف، وَجَائِز أَن يكون قد (كَانَ) شَرط عَلَيْهِم أَن لَا يظهروا شتم النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] .
(بَاب سلب الْقَتِيل من الْغَنِيمَة إِلَّا أَن يَقُول الإِمَام: " من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه
")
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه} يَقْتَضِي وجوب الْغَنِيمَة لجَماعَة الْمُسلمين. فَغير جَائِز لأحد مِنْهُم الِاخْتِصَاص بِشَيْء (مِنْهَا) دون غَيره وَالسَّلب غنيمَة، لِأَن الْغَنِيمَة هِيَ الَّتِي حازوها بجماعتهم وتآزرهم على الْقِتَال. فَلَمَّا كَانَ قَتله لهَذَا الْقَتِيل وَأخذ سلبه (بتضافر الْجَمَاعَة وَجب أَن يكون غنيمَة.
وَيدل عَلَيْهِ (أَنه) لَو أَخذ سلبه) من غير قتل كَانَ غنيمَة إِذْ لم يصل إِلَى أَخذه إِلَّا بقوتهم. وَكَذَلِكَ من لم يُقَاتل وَكَانَ فِي الصَّفّ ردْءًا لَهُم يصير غانما، لِأَن بمظاهرته ومعاضدته حصلت، فَوَجَبَ أَن يكون السَّلب غنيمَة كَسَائِر الْغَنَائِم. وَقَالَ تَعَالَى:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم} وَالسَّلب مِمَّا غنمه الْجَمَاعَة.
البُخَارِيّ: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رضي الله عنه قَالَ: " بَينا أَنا وَاقِف فِي الصَّفّ يَوْم بدر نظرت عَن يَمِيني وَعَن شمَالي فَإِذا أَنا بغلامين من الْأَنْصَار، حَدِيثَة أسنانهما، تمنيت أَن أكون (بَين) أضلع مِنْهُمَا. فغمزني أَحدهمَا فَقَالَ: يَا عَم هَل تعرف أَبَا جهل؟ فَقلت: نعم، مَا حَاجَتك إِلَيْهِ يَا ابْن أخي؟ قَالَ: أخْبرت أَنه يسب رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن رَأَيْته لَا يُفَارق سوَادِي سوَاده حَتَّى يَمُوت الأعجل منا. فعجبت لذَلِك. فغمزني الآخر فَقَالَ لي مثلهَا. فَلم أنشب أَن نظرت إِلَى أبي جهل يجول فِي النَّاس، فَقلت: أَلا تريان، هَذَا صاحبكما الَّذِي / سألتماني عَنهُ. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حَتَّى قتلاه. ثمَّ انصرفا إِلَى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أيكما قَتله؟ فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا: أَنا قتلته، فَقَالَ: هَل مسحتما سيفيكما؟ قَالَا: لَا، فَنظر فِي السيفين فَقَالَ: كِلَاهُمَا قَتله. وَأعْطى سلبه لِمعَاذ بن عَمْرو بن الجموح. وَكَانَا معَاذ بن عفراء (ومعاذ) بن عَمْرو بن الجموح ". أَفلا ترى أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] قد قَالَ لَهما: إنَّكُمَا قتلتماه. ثمَّ قضى بسلبه لأَحَدهمَا دون الآخر.
فَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن السَّلب لَو كَانَ وَاجِبا للْقَاتِل بقتْله إِيَّاه لَكَانَ وَجب سلبه لَهما، وَلم يكن للنَّبِي [صلى الله عليه وسلم] أَن يَنْزعهُ من أَحدهمَا فيدفعه إِلَى الآخر. أَلا ترى أَن الإِمَام لَو قَالَ:" من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه "، فَقتل رجلَانِ (قَتِيلا) أَن سلبه لَهما نِصْفَانِ، وَأَنه لَيْسَ للْإِمَام أَن يحرمه أَحدهمَا ويدفعه إِلَى الآخر. لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَهُ فِيهِ حق مثل (حق) صَاحبه وهما أولى بِهِ من الإِمَام. فَلَمَّا كَانَ للنَّبِي [صلى الله عليه وسلم] فِي سلب أبي جهل أَن يَجعله لأحد قاتليه دون الآخر، دلّ ذَلِك أَنه كَانَ أولى بِهِ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ لم يكن قَالَ يَوْمئِذٍ:" من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه ".
الطَّحَاوِيّ: عَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه، قَالَ:" خرج رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] إِلَى بدر، فلقي الْعَدو، فَلَمَّا هَزَمَهُمْ الله اتبعهم طَائِفَة من الْمُسلمين يَقْتُلُونَهُمْ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَة برَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ، واستولت طَائِفَة بالعسكر والنهب، فَلَمَّا نفى الله عز وجل الْعَدو وَرجع الَّذين طلبوهم، قَالُوا: لنا النَّفْل، نَحن طلبنا الْعَدو وبنا نفاهم الله تَعَالَى وَهَزَمَهُمْ. وَقَالَ الَّذين أَحدقُوا برَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : مَا أَنْتُم بِأَحَق منا، هُوَ لنا، نَحن أَحدقنَا برَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] لَا ينَال الْعَدو مِنْهُ غرَّة. وَقَالَ الَّذين استولوا على الْعَسْكَر والنهب: وَالله مَا أَنْتُم بِأَحَق منا، نَحن حويناه واستوليناه. فَأنْزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول} . إِلَى قَوْله: {إِن كُنْتُم مُؤمنين} . فقسم رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] بَينهم على سَوَاء ".
أَفلا ترى أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يفضل فِي ذَلِك الَّذين توَلّوا الْقَتْل على الآخرين، فَثَبت بذلك أَن سلب الْمَقْتُول لَا يجب للْقَاتِل بقتْله لصَاحبه إِلَّا بِجعْل الإِمَام إِيَّاه لَهُ، على مَا فِيهِ من صَلَاح الْمُسلمين من التحريض على قتال / عدوهم.
فَإِن قيل: إِن الَّذِي ذكرتموه من سلب أبي جهل، وَمَا ذكرتموه فِي حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت، إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي يَوْم بدر قبل أَن تجْعَل الأسلاب للقاتلين. ثمَّ جعل رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يَوْم خَيْبَر الأسلاب للقاتلين فَقَالَ:" من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه " فنسخ ذَلِك مَا تقدم.
قيل لَهُ: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون أَرَادَ بِهِ من قتل قَتِيلا فِي تِلْكَ الْحَرْب
لَا غير. كَمَا قَالَ يَوْم فتح مَكَّة: " من ألْقى سلاحه فَهُوَ آمن ". فَلم يكن ذَلِك على كل من ألْقى السِّلَاح فِي غير تِلْكَ الْحَرْب. وَلما ثَبت أَن الحكم كَانَ قبل يَوْم حنين أَن الأسلاب لَا تجب للقاتلين ثمَّ حدث يَوْم خَيْبَر هَذَا القَوْل من رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] احْتمل أَن يكون نَاسِخا لما تقدم، وَاحْتمل أَن لَا يكون نَاسِخا، لم نجعله نَاسِخا حَتَّى نعلم ذَلِك يَقِينا.
وَيُؤَيّد ذَلِك مَا روى الطَّحَاوِيّ: عَن أنس بن مَالك: " أَن الْبَراء بن مَالك أَخا أنس بن مَالك بارز (مرزبان الدارة) فطعنه طعنة فَكسر القربوس وخلصت إِلَيْهِ فَقتلته، فقوم سلبه بِثَلَاثِينَ ألفا. فَلَمَّا صلينَا الصُّبْح غَدا علينا عمر فَقَالَ لأبي طَلْحَة: إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الأسلاب، وَإِن سلب الْبَراء قد بلغ مَالا وَلَا أرانا إِلَّا خامسيه. فقومناه بِثَلَاثِينَ ألفا. فدفعنا إِلَى عمر سِتَّة آلَاف ".
فَهَذَا عمر رضي الله عنه يَقُول هَذَا. وَفِيه دَلِيل على أَنهم (كَانُوا) لَا يخمسون الأسلاب وَلَهُم أَن يخمسوا. وَأَن الأسلاب لَا تجب للقاتلين دون أهل الْعَسْكَر. وَقد حضر عمر مَا كَانَ من قَول رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يَوْم خَيْبَر: " من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه " فَدلَّ أَن ذَلِك عِنْده (على كل) من قتل قَتِيلا فِي تِلْكَ الْحَرْب خَاصَّة. وَقد كَانَ أَبُو طَلْحَة (أَيْضا) حضر ذَلِك بِخَيْبَر، وَقضى لَهُ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم](بأسلاب الْقَتْلَى الَّذين) قَتلهمْ فَلم يكن ذَلِك مُوجبا بِخِلَاف مَا أَرَادَ عمر فِي سلب الْمَرْزُبَان. وَقد كَانَ