الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِن قيل: وروى مُسلم: عَن جَابر: " أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] نهى يَوْم خَيْبَر عَن (أكل) لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَأذن فِي لُحُوم الْخَيل ". وَفِي رِوَايَة: " أكلنَا يَوْم خَيْبَر لُحُوم الْخَيل وحمر الْوَحْش، ونهانا رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة ".
قيل لَهُ: وَقد روى الطَّحَاوِيّ: عَن خَالِد بن الْوَلِيد رضي الله عنه: " أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عَن لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير ". وَقد أجَاب بعض أَصْحَابنَا عَن الْأَحَادِيث الأول فَقَالَ: هِيَ مَحْمُولَة على حَالَة المخامص، وَهِي كَانَت أغلب حالات الصَّحَابَة رضي الله عنهم. وَفِي الصَّحِيح:" أَنهم مَا دخلُوا خَيْبَر إِلَّا وهم جِيَاع ". فَلَا حجَّة بِتِلْكَ الْحَال على الْإِطْلَاق، وَفِيه نظر: فَإِن الْإِبَاحَة لَو كَانَت لأجل الْجُوع أَو المخمصة لما اخْتصّت الْإِبَاحَة بِالْخَيْلِ. /
(بَاب من نحر نَاقَة أَو ذبح شَاة فَوجدَ فِي بَطنهَا جَنِينا مَيتا لم يُؤْكَل أشعر أَو لم يشْعر)
لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} .
فَإِن قيل: روى التِّرْمِذِيّ: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه، عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] أَنه قَالَ: ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه ".
قيل لَهُ ذَكَاة الْجَنِين مُبْتَدأ، وذكاة أمه خَبره، لَكِن فِيهِ حذف مُضَاف (وَهُوَ: مثل) ، كَأَنَّهُ قَالَ: ذَكَاة الْجَنِين مثل ذَكَاة أمه. كَمَا تَقول: زيد الْبَدْر، وَعَمْرو الشَّمْس، وَأَبُو يُوسُف أَبُو حنيفَة، وَابْن الْقَاسِم مَالك. أَي هَذَا مثل هَذَا، ومنزلته مَنْزِلَته. فَحذف الْمثل وأقيم الثَّانِي مقَامه اتساعا كَمَا تَقول: اللَّيْلَة الْهلَال. وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا: أَن زيدا والبدر غيران، فَإِذا جعلته هُوَ فَلَا بُد من أَمر يَشْتَرِكَانِ فِيهِ يحل مَحَله فَيكون فِيهِ كَأَنَّهُ هُوَ، فَقَوله: ذَكَاة الْجَنِين، (وذكاة أم الْجَنِين) غير ذَكَاة الْجَنِين، فهما غيران. فَهَذِهِ حَقِيقَة الْكَلَام. فَالَّذِي يَدعِي أَن ذَكَاة الْأُم تغني عَن ذَكَاة الْجَنِين، فَإِن دَعْوَاهُ لَا تشهد لَهَا الْعَرَبيَّة.
وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة رضي الله عنه مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: " بعث رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يزِيد بن وَرْقَاء على جمل أَوْرَق ليصيح فِي فجاج منى: أَلا إِن الذَّكَاة فِي الْحلق واللبة ". بَين النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] أَن جنس الذَّكَاة منحصر فِي الْحلق واللبة، لِأَنَّهُ ذكرهَا بلام التَّعْرِيف وَلَا مَعْهُود هُنَا، فَكَانَ لتعريف
الْجِنْس بِالضَّرُورَةِ. فَلَو حل الْجَنِين مَعَ أَن ذَكَاته لَيست فِي الْحلق واللبة لَا يكون جِنْسا منحصرا فِيهِ، فيتطرق الْخلف إِلَى كَلَام رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَإنَّهُ محَال.
فَإِن قيل: إِن التَّرْكِيب فِي قَوْله عليه السلام: " ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه "، إِمَّا لبَيَان أَن الأول يعْمل عمل الثَّانِي وَيقوم مقَامه، كَمَا فِي الحَدِيث: " علم الرجل خَلِيله، وعقله وزيره، أَي أَن علمه يعْمل عمل خَلِيله، وَيقوم مقَامه، وعقله يعْمل عمل وزيره، وَيقوم مقَامه.
وَإِمَّا لبَيَان أَن الثَّانِي يعْمل عمل الأول، وَيقوم مقَامه. كَقَوْل الْقَائِل فِي وصف قلم الممدوح:
(لعاب الأفاعي القاتلات لعابه
…
وأري الجنى اشتارته أيد عواسل)
أَي أَن لعاب قلمه يعْمل عمل لعاب الأفاعي فِي إِلْحَاق المكاره والمضار بأعدائه / وَيعْمل عمل الْعَسَل الصافي فِي إِلْحَاق الملاذ والمسار بأوليائه. وَالْأول غير مُرَاد هُنَا، لِأَن ذَكَاة الْجَنِين لَا تعْمل عمل ذَكَاة الْأُم وَلَا تقوم مقَامهَا بِالْإِجْمَاع. فَتعين الثَّانِي مرَادا بِالضَّرُورَةِ. وَهُوَ أَن تعْمل ذَكَاة الْأُم عمل ذَكَاة الْجَنِين فِي إِفَادَة الْحل وَتقوم مقَامهَا، وَلِأَنَّهُ جُزْء مِنْهَا مُتَّصِل بهَا فيذكى بذكاتها كَسَائِر أَجْزَائِهَا الْمُتَّصِلَة بهَا.
قيل لَهُ: يجوز أَن يكون لبَيَان معنى ثَالِث وَهُوَ تَشْبِيه الأول بِالثَّانِي، كَقَوْلِهِم:
(فعيناك عَيناهَا وجيدك جيدها
…
سوى أَن عظم السَّاق مِنْك دَقِيق)
أَي عَيْنَاك يَا ظَبْيَة شبيهتان بعيني الحبيبة، يَعْنِي كَمَا أَن عينيها حَسَنَتَانِ، دعجاوان، حوراوان، نجلاوان، فَكَذَلِك عَيْنَاك وعَلى هَذَا يحْتَمل أَن يكون المُرَاد:(ذَكَاة الْجَنِين) شَبيهَة بِذَكَاة الْأُم، أَي كَمَا أَن أمه لَا تحل إِلَّا بِوُقُوع ذكاتها فِي الْحلق واللبة، فَكَذَلِك الْجَنِين لَا يحل (إِلَّا) بِوُقُوع ذَكَاته فِي حلقه ولبته. فَكَانَ ذَلِك