الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّرِيعَة، وَفرق فِيهَا بَين حكم الْمُحصن وَغَيره. واليهودي وَالنَّصْرَانِيّ ليسَا بمحصنين.
(بَاب لَا يقبل فِي حق من الْحُقُوق إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ)
/ التِّرْمِذِيّ: عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ:" جَاءَ رجل من حَضرمَوْت وَرجل من كِنْدَة إِلَى النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ: يَا رَسُول الله إِن هَذَا غلبني على أَرض لي، فَقَالَ الْكِنْدِيّ: هِيَ أرضي وَفِي يَدي لَيْسَ لَهُ فِيهَا حق، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] (للحضرمي) : أَلَك بَيِّنَة؟ قَالَ: لَا، قَالَ فلك يَمِينه، قَالَ: يَا رَسُول الله إِن الرجل فَاجر لَا يُبَالِي على مَا حلف عَلَيْهِ وَلَيْسَ يتورع من شَيْء، قَالَ: لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَّا ذَلِك. قَالَ: فَانْطَلق الرجل ليحلف لَهُ فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] لما أدبر: لَئِن حلف على (مَالك) ليأكله ظلما ليلقين الله وَهُوَ عَنهُ معرض ". هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَهَذَا دَلِيل على أَنه لَا يسْتَحق شَيْء إِلَّا بِبَيِّنَة.
فَإِن قيل: قد قضى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد.
قيل لَهُ: هَذَا حَدِيث دخله الضعْف من وُجُوه.
أما حَدِيث ربيعَة عَن سُهَيْل، فقد سَأَلَ الدَّرَاورْدِي سهيلا عَنهُ فَلم يعرفهُ،
وَلَو كَانَ ذَلِك من السّنَن الْمَشْهُورَة والأمور الْمَعْرُوفَة إِذا لما ذهل عَنهُ.
وَأما حَدِيث عُثْمَان بن الحكم، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل، عَن أبي صَالح، عَن زيد بن ثَابت. فمنكر أَيْضا لِأَن أَبَا صَالح لَا تعرف لَهُ رِوَايَة عَن (زيد) ، وَلَو كَانَ عِنْد سُهَيْل من هَذَا شَيْء مَا أنكر على الدَّرَاورْدِي مَا ذكره لَهُ عَن ربيعَة وَيَقُول لَهُ (لم) يحدثني أبي عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَكِن حَدثنِي بِهِ عَن زيد بن ثَابت، مَعَ أَن عُثْمَان لَيْسَ بِالَّذِي يثبت هَذَا بروايته.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فمنكر، لِأَن قيس بن سعد لَا نعلمهُ يحدث عَن عَمْرو بن دِينَار بِشَيْء. فَكيف يحْتَج (بِهِ فِي) مثل هَذَا.
وَأما حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، (عَن أَبِيه) ، عَن جَابر، فَإِن عبد الْوَهَّاب رَوَاهُ كَمَا ذكرْتُمْ، وَأما الْحفاظ مثل مَالك وسُفْيَان وأمثالهما فَرَوَوْه عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه،
عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ، وَلم يذكرُوا فِيهِ عَن جَابر، وَأَنْتُم لَا تحتجون بِعَبْد الْوَهَّاب فِيمَا يُخَالف فِيهِ الثَّوْريّ ومالكا. ثمَّ لَو لم يتنازع فِي طرق هَذَا الحَدِيث، وسلمت على هَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِي قد رويت عَلَيْهَا، لكَانَتْ مُحْتَملَة للتأويل الَّذِي لَا يقوم لكم حجَّة مَعَه.
وَذَلِكَ أَنكُمْ إِنَّمَا رويتم أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد، وَلم يبين فِي الحَدِيث كَيفَ كَانَ (ذَلِك) السَّبَب، وَلَا المستحلف من هُوَ، فقد يجوز أَن يكون ذَلِك على مَا ذكرتكم، وَيجوز أَن يكون (أُرِيد) يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا ادّعى الْمُدَّعِي وَلم يقم على دَعْوَاهُ إِلَّا شَاهدا وَاحِدًا فاستحلف لَهُ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] الْمُدعى عَلَيْهِ (فَنقل النَّاس ذَلِك ليعلم النَّاس أَن الْمُدَّعِي تجب لَهُ الْيَمين / على الْمُدعى عَلَيْهِ) ، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة أَنه قد كَانَ بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ خلْطَة (وَلبس، وينفي) قَول من ذهب إِلَى ذَلِك وَيثبت الْيَمين مَعَ الدَّعْوَى، وَإِن لم يكن مَعَ الْمُدَّعِي غَيرهَا. وَقد يجوز أَن يكون أَرَادَ بذلك يَمِين الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد، لِأَن شَهَادَة الْوَاحِد كَانَ مِمَّن يحكم بِشَهَادَتِهِ وَحده وَهُوَ خُزَيْمَة بن ثَابت، فَإِن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] كَانَ قد عدل شَهَادَته بِشَهَادَة رجلَيْنِ وَادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الخروح من ذَلِك الْحق إِلَى الْمُدَّعِي فاستحلفه النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] على ذَلِك، وَأُرِيد بِنَقْل هَذَا الحَدِيث ليعلم أَن الْمُدَّعِي إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ، وَادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الْخُرُوج من ذَلِك الْحق إِلَيْهِ أَن عَلَيْهِ الْيَمين مَعَ بَينته، فَهَذَا وَجه يحْتَملهُ. فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَأْتِي إِلَى خبر قد احْتمل هَذِه التأويلات فيعطفه على أَحدهَا بِلَا دَلِيل من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع، وَيَزْعُم أَن من خَالف ذَلِك مُخَالف لرَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وَكَيف يكون مُخَالفا وَقد تَأَول ذَلِك على معنى يحْتَمل مَا قَالَ، بل مَا خَالف إِلَّا تَأْوِيل مخالفه وَلم يُخَالف شَيْئا من حَدِيث رَسُول الله.
الطَّحَاوِيّ: عَن (أبي) عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ:" إِذا بَلغَكُمْ عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] حَدِيث فظنوا بِهِ الَّذِي هُوَ أهنى، وَالَّذِي هُوَ أهْدى، وَالَّذِي هُوَ أبقى، وَالَّذِي هُوَ خير "
وَهَكَذَا يَنْبَغِي للنَّاس أَن يَفْعَلُوا وَأَن يحسنوا تَحْقِيق ظنونهم، وَلَا يَقُولُوا على رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] إِلَّا بِمَا (قد) علمُوا، فَإِنَّهُم مسؤولون عَن ذَلِك معاقبون عَلَيْهِ. وَكَيف يجوز لأحد أَن يحمل حَدِيث رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] على مَا حمله عَلَيْهِ مخالفنا. وَقد وجدنَا كتاب الله تَعَالَى يَدْفَعهُ وَالسّنة الْمجمع عَلَيْهَا.
أما كتاب الله تَعَالَى فَقَوله تَعَالَى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ} . وَقَالَ: {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} ، وَقد كَانَ قبل نزُول هَاتين الْآيَتَيْنِ لَا يَنْبَغِي لَهُم أَن يقضوا بِشَهَادَة ألف رجل، وَلَا أَكثر مِنْهُم، وَلَا أقل، لِأَنَّهُ لَا يُوصل بِشَهَادَتِهِم إِلَى حَقِيقَة صدقهم. فَلَمَّا أنزل الله عز وجل مَا ذكرنَا قطع بذلك الْعذر وَحكم على مَا أَمر بِهِ (على) مَا تعبد بِهِ خلقه وَلم يحكم بِمَا هُوَ / أقل من ذَلِك لِأَنَّهُ لم يدْخل فِيمَا تعبدوا بِهِ.
وَأما السّنة الْمُتَّفق عَلَيْهَا فَهُوَ أَنه لَا يحكم بِشَهَادَة جَار إِلَى نَفسه مغنما وَلَا دَافع عَنْهَا مغرما. وَالْحكم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد - على مَا حمل عَلَيْهِ هَذَا الْمُخَالف (لنا) حَدِيث رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم]- فِيهِ حكم للْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ، فَذَلِك حكم جَار إِلَى نَفسه مغنما بِيَمِينِهِ، فَهَذِهِ سنة مُتَّفق عَلَيْهَا تدفع الحكم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد، فَأولى