الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيع مَا روى التِّرْمِذِيّ: عَن حميد، عَن أنس رضي الله عنه قَالَ:" نهى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود، وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد ". وَمَا بعد الْغَايَة يُخَالف مَا قبلهَا. وَفِي هَذَا دَلِيل على جَوَاز بَيْعه بَعْدَمَا يشْتَد و (هُوَ) فِي سنبله، لِأَنَّهُ لَو لم يكن كَذَلِك لقَالَ حَتَّى يشْتَد وَيرى من سنبله. فَلَمَّا جَازَ بيع الْحبّ فِي سنبله دلّ على جَوَاز بيع مَا لم يره الْمُتَبَايعَانِ. وَالله أعلم.
(بَاب فِي بيع الْمُصراة)
إِذا اشْترى شَاة مصراة فحلبها فَلم يرض حلابها فَلَيْسَ لَهُ ردهَا، وَلَكِن يرجع على البَائِع بِنُقْصَان الْعَيْب كَغَيْرِهِ من الْعُيُوب.
فَإِن قيل: روى البُخَارِيّ: عَن ثَابت مولى (عبد الرَّحْمَن) بن زيد أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه يَقُول: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " من اشْترى غنما مصراة
فاحتلبها، فَإِن رضيها أمْسكهَا، وَإِن سخطها (فَفِي حلبتها صَاع) من تمر ". وروى التِّرْمِذِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قَالَ:" من اشْترى مصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا رد مَعهَا صَاعا من طَعَام لَا سمراء ". يَعْنِي لَا بر. (قَالَ أَبُو عِيسَى) : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قيل لَهُ: الْجَواب عَن هَذَا الحَدِيث من وُجُوه.
أَحدهَا: أَنه قد اخْتلف (فِي) مَتنه، فَمرَّة جعل الْوَاجِب صَاعا من تمر، وَمرَّة جعله صَاعا من طَعَام غير بر.
وَمن طَرِيق أبي دَاوُد: عَن جَمِيع بن عُمَيْر التَّيْمِيّ قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه يَقُول: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " من بَاعَ محفلة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا (رد) مَعهَا (مثل أَو مثلي) لَبنهَا قمحا ". وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل على أَن
المُشْتَرِي مُخَيّر بَين دفع هَذَا، (وَبَين دفع هَذَا) ، وَلَا دَلِيل على أَن (أَحدهمَا) يُؤْخَذ أَصَالَة، وَالْآخر على سَبِيل الْقيمَة.
فَإِن قيل: رُوَاة دفع التَّمْر أَكثر وَأحد الْخَبَرَيْنِ يرجح بِكَثْرَة الروَاة.
قيل لَهُ: لَا نسلم أَن أحد (الْخَبَرَيْنِ) يرجح بِكَثْرَة الروَاة، كَمَا أَن الشَّهَادَة لَا ترجح بِكَثْرَة الْعدَد. وَإِن سلمنَا أَنه يرجح فَنَقُول: يحْتَمل أَن يكون عليه السلام ذكر ذَلِك على سَبِيل الصُّلْح / لَا على سَبِيل الْإِلْزَام.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا الحَدِيث (مَنْسُوخ) . قَالَ الطَّحَاوِيّ رحمه الله: " (رُوِيَ) هَذَا الْكَلَام عَن أبي حنيفَة رحمه الله مُجملا، ثمَّ اخْتلف بعد ذَلِك فِي (الَّذِي) نسخه، فَقَالَ مُحَمَّد (بن شُجَاع) : نسخه قَوْله [صلى الله عليه وسلم] : البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار. فَلَمَّا قطع النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] بالفرقة الْخِيَار ثَبت أَنه لَا خِيَار إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي هَذَا الحَدِيث ".
قَالَ الطَّحَاوِيّ: " وَهَذَا فِيهِ ضعف، لِأَن الْخِيَار المجعول فِي الْمُصراة هُوَ خِيَار الْعَيْب، (وَخيَار الْعَيْب) لَا تقطعه الْفرْقَة بالِاتِّفَاقِ ".
قلت: وَمَا ذكره الطَّحَاوِيّ رحمه الله فِيهِ نظر، فَإِن فِي رِوَايَة (الْإِصْرَار
لَا يرجع بِالنُّقْصَانِ، (لِأَن اجْتِمَاع اللَّبن فِي الضَّرع لَا يكون عَيْبا، فَكَذَا جمعه. فَلَا يُمكن الرُّجُوع بِالنُّقْصَانِ) بِسَبَب الْعَيْب بِدُونِ الْعَيْب فَتبين بِهَذَا أَن التصرية (بِهِ) لَيست بِعَيْب، فَلَا يكون هَذَا الْخِيَار خِيَار عيب، فَيجوز أَن تقطعه الْفرْقَة.
وَقَالَ عِيسَى بن أبان: " كَانَ مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] من الحكم فِي الْمُصراة فِي وَقت مَا كَانَت الْعُقُوبَات تُؤْخَذ بالأموال.
فَمن ذَلِك مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي الزَّكَاة " أَن من أَدَّاهَا طَائِعا فَلهُ أجرهَا وَإِلَّا أخذناها وَشطر مَاله عَزمَة من عَزمَات رَبنَا عز وجل ".
وَمن ذَلِك مَا رُوِيَ فِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب فِي سَارِق التَّمْر الَّذِي لم يحرز: " أَن يضْرب جلدات نكالا وَيغرم (مثليهما) ". هَكَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، ثمَّ نسخ الله الرِّبَا فَردَّتْ الْأَشْيَاء الْمَأْخُوذَة إِلَى أَمْثَالهَا إِن كَانَ لَهَا أَمْثَال، وَإِلَى قيمتهَا إِن كَانَ لَا أَمْثَال لَهَا، وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عَن التصرية، فَكَانَ من فعل ذَلِك وَبَاعَ مُخَالفا لرَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فَكَانَت عُقُوبَته فِي ذَلِك أَن يَجْعَل اللَّبن المحلوب فِي الثَّلَاثَة الْأَيَّام للْمُشْتَرِي بِصَاع من تمر، وَلَعَلَّه يُسَاوِي (أضعافا) كَثِيرَة ".
فَإِن قيل: وَأَيْنَ نهى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] عَن التصرية؟
قيل لَهُ: روى البُخَارِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " لَا تصروا الْإِبِل وَالْغنم، فَمن ابتاعها بعد فَإِنَّهُ بِخَير النظرين (بعد أَن يحتلبها) ، إِن شَاءَ أمسك، وَإِن شَاءَ ردهَا وصاعا / من تمر ". قَالَ أَبُو جَعْفَر: " وَالَّذِي قَالَه عِيسَى بن أبان مُحْتَمل، غير أَنِّي رَأَيْت فِي ذَلِك وَجها هُوَ أشبه عِنْدِي بنسخ هَذَا الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن لبن الْمُصراة الَّذِي احتلبه المُشْتَرِي مِنْهَا فِي الثَّلَاثَة الْأَيَّام، وَقد كَانَ بعضه فِي ملك البَائِع قبل (الشِّرَاء) ، وَبَعضه حدث فِي ملك المُشْتَرِي بعد الشِّرَاء، لِأَنَّهُ قد احتلبها مرّة بعد مرّة، فَكَانَ مَا فِي يَد البَائِع من ذَلِك مَبِيعًا، فَإِذا وَجب نقض (البيع فِي الشَّاة، وَجب نقض) البيع فِيهِ، وَمَا حدث فِي ملك المُشْتَرِي من ذَلِك فَإِنَّمَا يملكهُ بِسَبَب البيع أَيْضا، وَحكمه حكم الشَّاة، لِأَنَّهُ من بدنهَا، هَذَا على مَذْهَبنَا. وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قد جعل لمشتري الْمُصراة بعد ردهَا جَمِيع لَبنهَا الَّذِي كَانَ حلبه مِنْهَا، بالصاع التَّمْر الَّذِي عَلَيْهِ رده مَعَ الشَّاة، وَذَلِكَ اللَّبن حِينَئِذٍ قد تلف أَو تلف بعضه، فَكَانَ المُشْتَرِي قد ملك لَبَنًا دينا (بِصَاع من تمر دينا) (فَدخل) ذَلِك فِي بيع الدّين بِالدّينِ، ثمَّ نهى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] عَن بيع الدّين بِالدّينِ، فنسخ هَذَا مَا كَانَ (قد) تقدم فِي الْمُصراة مِمَّا حكمه حكم بيع الدّين بِالدّينِ ".
قَالَ الطَّحَاوِيّ رحمه الله: " وَقد قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : الْخراج بِالضَّمَانِ.
وَزعم الْقَائِل بِحَدِيث الْمُصراة أَن رجلا لَو اشْترى شَاة فحلبها، ثمَّ أصَاب بهَا عَيْبا غير التحفيل أَنه يردهَا يكون اللَّبن لَهُ، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مَكَان اللَّبن ولد وَلدته، ردهَا على البَائِع، وَكَانَ الْوَلَد لَهُ، وَكَانَ ذَلِك عِنْده من الْخراج الَّذِي جعله النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] للْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ ".
قَالَ الطَّحَاوِيّ: " فَلَيْسَ يَخْلُو الصَّاع الَّذِي يُوجِبهُ على مُشْتَرِي الْمُصراة إِذا ردهَا على البَائِع بالتصرية أَن يكون عوضا من جَمِيع اللَّبن الَّذِي احتلبه مِنْهَا، الَّذِي (كَانَ) بعضه فِي ضرْعهَا وَقت البيع، وَحدث بعضه فِي ضرْعهَا بعد البيع، أَو يكون عوضا من اللَّبن الَّذِي كَانَ فِي ضرْعهَا فِي وَقت (وُقُوع) البيع خَاصَّة، فَإِن كَانَ عوضا مِنْهُمَا فقد نقض بذلك أَصله الَّذِي جعل الْوَلَد وَاللَّبن للْمُشْتَرِي بعد الرَّد بِالْعَيْبِ، لِأَنَّهُ جعل (حكمهَا) حكم الْخراج الَّذِي جعله النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] للْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ، وَإِن كَانَ الصَّاع عوضا مِمَّا كَانَ فِي ضرْعهَا وَقت (وُقُوع) البيع خَاصَّة، وَالْبَاقِي سَالم للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ من الْخراج، فقد جعل / للْبَائِع صَاعا دينا بِلَبن دين، وَهَذَا غير جَائِز فِي قَوْله وَلَا فِي قَول غَيره، فعلى أَي الْوَجْهَيْنِ كَانَ (هَذَا) الْمَعْنى عِنْده فَهُوَ تَارِك (بِهِ) أصلا من أُصُوله، وَقد كَانَ (بالْقَوْل) بنسخ هَذَا الحكم فِي الْمُصراة أولى من غَيره، لِأَنَّهُ يَجْعَل اللَّبن فِي حكم الْخراج، وَغَيره لَا يَجعله كَذَلِك " وَالله أعلم.