الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وترثني وأرثك " فَكَانَ ذَلِك على التناصر على الْحق وَالْبَاطِل، فحظر الْإِسْلَام المناصرة على الْبَاطِل وَأوجب مَعُونَة الْمَظْلُوم على الظَّالِم. وَكَذَلِكَ كَانَ الْحلف فِي الْجَاهِلِيَّة (لتقدم المعاقد على الْقَرِيب) فَبَقيَ ذَلِك فِي الْإِسْلَام وَقدم الْقَرِيب عَلَيْهِ.
فَإِن قيل: الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} .
قيل لَهُ: الَّذِي ورد أَنَّهَا نسخت فِي حق التَّقْدِيم على الْإِرْث بِسَبَب الْقَرَابَة، أما نسخ الْإِرْث بهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا نسلم. وَمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ من حمل الحَدِيث على مَا ذَكرْنَاهُ أولى، لِأَن فِيهِ الْجمع بَين الْآيَة الَّتِي تلونا وَبَين الْخَبَرَيْنِ المتعارضين. والمصير إِلَى هَذَا أولى من القَوْل / بالنسخ الْمُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال الْعَمَل بِالْآيَةِ وبالخبر الَّذِي روينَا أصلا ورأسا.
(بَاب فِي مِيرَاث الْمُرْتَد)
مَذْهَب عَليّ، وَعبد الله، وَزيد بن ثَابت، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَسَعِيد بن الْمسيب، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَجَابِر بن زيد، وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَحَمَّاد بن الحكم، وَالثَّوْري، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَشريك أَن الْمُرْتَد يَرِثهُ ورثته الْمُسلمُونَ إِذا مَاتَ أَو قتل على ردته، وَمَا اكْتَسبهُ فِي حَال الرِّدَّة فَهُوَ فَيْء. قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ:" ظَاهر قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} . يَقْتَضِي تَوْرِيث الْمُسلم من الْمُرْتَد. إِذْ لم يفرق بَين (الْمَيِّت) الْمُسلم وَالْمُرْتَدّ ".
فَإِن قيل: يَخُصُّهُ قَوْله عليه السلام: " لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر " كَمَا خص
تَوْرِيث الْكَافِر من الْمُسلم. وَهُوَ وَإِن كَانَ من آحَاد الْأَخْبَار فقد تَلقاهُ النَّاس بِالْقبُولِ، واستعملوه فِي منع تَوْرِيث الْمُسلم من الْكَافِر، فَصَارَ فِي حيّز الْمُتَوَاتر. وَلِأَن آيَة الْمَوَارِيث خَاصَّة بالِاتِّفَاقِ وأخبار الْآحَاد مَقْبُولَة فِي تَخْصِيص مثلهَا.
قيل لَهُ: فِي بعض أَلْفَاظ حَدِيث أُسَامَة " لَا يتوارث أهل ملتين، لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر "، فَأخْبر أَن المُرَاد إِسْقَاط التَّوَارُث بَين أهل الملتين، وَلَيْسَت الرِّدَّة بِملَّة قَائِمَة، لِأَنَّهُ وَإِن ارْتَدَّ إِلَى الْيَهُودِيَّة أَو النَّصْرَانِيَّة فَغير مقرّ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ هُوَ مَحْكُوم لَهُ بِحكم أهل الْملَّة الَّتِي انْتقل إِلَيْهَا. فَإِنَّهُ لَا تحل ذَبِيحَته، وَإِن كَانَت امْرَأَة لَا يحل نِكَاحهَا. فَثَبت أَنَّهَا لَيست بِملَّة. وَقد ورد حَدِيث أُسَامَة مُفَسرًا بِهَذَا. وَمن أصل أبي حنيفَة أَن ملكه يَزُول بِالرّدَّةِ، فَإِذا قتل أَو مَاتَ انْتقل إِلَى الْوَارِث. وَمن أجل ذَلِك لَا يجوز تصرف الْمُرْتَد فِي مَاله الَّذِي اكْتَسبهُ فِي حَال الْإِسْلَام وَحِينَئِذٍ لم يُورث مُسلم من كَافِر.
لَيْسَ وَيمْتَنع تَوْرِيث الْحَيّ، قَالَ الله تَعَالَى:{وأورثكم أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ} وَكَانُوا أَحيَاء. وعَلى أَنا نقلنا المَال إِلَى الْوَرَثَة بعد الْمَوْت فَلَيْسَ فِيهِ تَوْرِيث من الْحَيّ.
وَإِذا جعل مَاله لبيت المَال (فقد) ورثت مِنْهُ جمَاعَة الْمُسلمين وَهُوَ كَافِر حَيّ، إِذا لحق بدار الْحَرْب مُرْتَدا، فقد اجْتمع للْوَرَثَة الْقَرَابَة وَالْإِسْلَام فصاروا أولى. كمن اجْتمع لَهُ / قرب الْقَرَابَة وَالْإِسْلَام مَعَ من بعد نسبه وَهُوَ مُسلم. بِخِلَاف مَال الذِّمِّيّ، لِأَنَّهُ بعد مَوته لَيْسَ مُسْتَحقّا بِالْإِسْلَامِ، لِاتِّفَاق الْمُسلمين على أَن المَال لوَرثَته من أهل الذِّمَّة. واتفاق جَمِيع فُقَهَاء الْأَمْصَار على أَن مَال الْمُرْتَد يسْتَحق بِالْإِسْلَامِ على حسب الِاخْتِلَاف.
وَإِن مَاتَ الذِّمِّيّ لَا عَن وَرَثَة ذمَّة كَانَ بِمَنْزِلَة مَال وجده الإِمَام فِي دَار الْإِسْلَام
وَلَا مَالك لَهُ، كاللقطة الَّتِي لَا يعرف مستحقها، فتصرف فِي وُجُوه الْقرب. وَلَا يلْزم جعل مَا اكْتَسبهُ فِي حَال ردته فَيْئا، لِأَنَّهُ لَا يملكهُ ملكا صَحِيحا. فَصَارَ مَالا مغنوما كَسَائِر أَمْوَال أهل الْحَرْب. والغنائم لَيست بمستحقة لغانميها بِالْإِسْلَامِ بِدَلِيل رضخنا (للذِّمِّيّ) وَمن شَرط المَال المغنوم أَن يكون ملكه غير صَحِيح.
وَأما من أسلم بعد قسْمَة الْمِيرَاث، أَو أعتق، فَإِنَّهُ لَا مِيرَاث لَهُ. وَهُوَ قَول عَطاء، وَسَعِيد بن الْمسيب، وَسليمَان بن يسَار، وَأبي الزِّنَاد، لِأَن حكم الْمَوَارِيث قد اسْتَقر فِي الشَّرْع على وُجُوه مَعْلُومَة بحدوث الْمَوْت من غير شَرط الْقِسْمَة، فَوَجَبَ أَن لَا يَزُول ملك من اسْتحق شَيْئا بِإِسْلَام من أسلم كَمَا لَا يَزُول بعد الْقِسْمَة. وَحكم مَوَارِيث الْجَاهِلِيَّة لما لم يسْتَقرّ فطر الْإِسْلَام حملت عَلَيْهِ. وَلَا خلاف أَن من مَاتَ بعد مَا ورث مِيرَاثا قبل الْقِسْمَة أَن نصِيبه لوَرثَته. وَكَذَا لَو ارْتَدَّ لَا يبطل مِيرَاثه الَّذِي اسْتَحَقَّه. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.