الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَهَذَا يدل على أَنه فتحهَا) عنْوَة، لِأَنَّهُ قد نَهَاهُ عَن الصُّلْح فِي هَذِه الْآيَة وَأخْبر الْمُسلمين أَنهم هم الأعلون الغالبون.
وَمَتى دَخلهَا صلحا برضاهم فهم مساوون (لَهُم) ، إِذْ كَانَ حكم مَا يَقع بتراضي الْفَرِيقَيْنِ فهما متساويان فِيهِ لَيْسَ أحدهم بِأولى أَن يكون غَالِبا.
(بَاب إِذا فتح الإِمَام بَلْدَة عنْوَة فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قسمهَا بَين الْغَانِمين وَإِن شَاءَ أقرّ أَهلهَا عَلَيْهَا وَوضع عَلَيْهِم الْخراج)
الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن الْمُبَارك، عَن أبي حنيفَة وسُفْيَان رحمهمَا الله (بذلك) وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى.
أَبُو دَاوُد: عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب:" أَن خَيْبَر كَانَ بَعْضهَا عنْوَة وَبَعضهَا صلحا، والكتيبة أَكْثَرهَا عنْوَة وفيهَا صلح. قلت لمَالِك - يَعْنِي ابْن هَب -: مَا الكتيبة قَالَ: أَرض بِخَيْبَر وَهِي أَرْبَعُونَ ألف عذق ".
وَعَن ابْن شهَاب قَالَ: " بَلغنِي أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] افْتتح خَيْبَر عنْوَة بعد الْقِتَال، وَترك من ترك من أَهلهَا على الْجلاء بعد الْقِتَال ".
البُخَارِيّ: عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ عمر رضي الله عنه: " لَوْلَا
آخر الْمُسلمين مَا فتحت قَرْيَة إِلَّا قسمتهَا بَين أَهلهَا كَمَا قسمت خَيْبَر ". وَمن طَرِيق أبي دَاوُد: " إِلَّا قسمتهَا كَمَا قسم رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] خَيْبَر ".
الطَّحَاوِيّ: عَن أبي الزبير، عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ: أَفَاء الله على رَسُوله (خَيْبَر) فأقرهم (رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ) كَمَا كَانُوا وَجعلهَا بَينه وَبينهمْ، فَبعث عبد الله بن رَوَاحَة فخرصها عَلَيْهِم ".
فَثَبت بِهَذَا أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يكن قسم خَيْبَر بكمالها وَلكنه قسم طَائِفَة مِنْهَا.
وَعنهُ: عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ: " قسم رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] خَيْبَر نِصْفَيْنِ، نصفا لنوائبه وَحَاجته، وَنصفا بَين الْمُسلمين، قسمهَا بَينهم على ثَمَانِيَة عشر سَهْما ". وَأخرجه أَبُو دَاوُد. فَبين بِهَذَا الحَدِيث كَيفَ كَانَت قسْمَة النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] . وَالَّذِي كَانَ / أوقفهُ مِنْهَا هُوَ الَّذِي دَفعه إِلَى الْيَهُود على مَا مر فِي حَدِيث جَابر رضي الله عنه. وَهُوَ الَّذِي تولى عمر قسمته فِي خِلَافَته بَين الْمُسلمين لما أجلى الْيَهُود عَن خَيْبَر. و (قد) فعل عمر رضي الله عنه مثل ذَلِك فِي أَرض السوَاد تَركهَا للْمُسلمين أَرض خراج ينْتَفع بهَا من يَجِيء بعده مِنْهُم، كَمَا ينْتَفع بهَا من كَانَ فِي عصره.
فَإِن قيل: يجوز أَن يكون عمر رضي الله عنه (إِنَّمَا فعل) ذَلِك لِأَن الْمُسلمين جَمِيعًا رَضوا بذلك.
قيل لَهُ: إِنَّمَا نعلم أَن أَرض السوَاد لَو كَانَت كَمَا ذكرْتُمْ، لَكَانَ قد وَجب فِيهَا خمس لله بَين أَهله الَّذين جعلهم مستحقين لَهُ، وَقد علمنَا أَنه لَا يجوز للْإِمَام أَن يَجْعَل
الْخمس وَلَا شَيْئا مِنْهُ لأهل الذِّمَّة. وَقد كَانَ أهل السوَاد الَّذين أقرهم عمر (قد) صَارُوا ذمَّة، وَكَانَ السوَاد بأسره فِي أَيْديهم. فَثَبت بذلك أَن مَا فعله عمر من ذَلِك كَانَ من جِهَة غير الْجِهَة الَّتِي ذكرْتُمْ، وَهُوَ أَنه لم يكن وَجب فِيهَا خمس، وَكَذَلِكَ مَا فعله فِي رقابهم فَمن عَلَيْهِم بِأَن أقرهم فِي أَرضهم وَنفى الرّقّ عَنْهُم، وَأوجب الْخراج عَلَيْهِم فِي رقابهم وأراضيهم (فملكوا بذلك أراضيهم وانتفى الرّقّ عَن رقابهم) .
فَثَبت بذلك أَن للْإِمَام أَن يفعل هَذَا بِمَا افْتتح عنْوَة، فينفي عَن أَهلهَا رق الْمُسلمين، وَعَن أراضيهم ملك الْمُسلمين، وَيُوجب ذَلِك لأَهْلهَا وَيَضَع عَلَيْهِم مَا يجب وَضعه من الْخراج، كَمَا فعل عمر رضي الله عنه بِحَضْرَة أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] . وَاحْتج عمر لذَلِك بقول الله عز وجل " {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} . ثمَّ قَالَ:{للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} فأدخلهم مَعَهم. قَالَ: {وَالَّذين تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم} يُرِيد بذلك الْأَنْصَار فأدخلهم مَعَهم ثمَّ قَالَ: {وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ} فللإمام أَن يفعل ذَلِك ويضعه حَيْثُ وَضعه مِمَّا سمى الله عز وجل فِي هَذِه الْآيَة.
فَإِن قيل: رُوِيَ عَن قيس بن (أبي) حَازِم قَالَ: " (لما وَفد جرير بن عبد الله وعمار بن يَاسر وأناس من الْمُسلمين (إِلَى عمر، قَالَ عمر لجرير: (يَا جرير) وَالله لَوْلَا أَنِّي قَاسم مسؤول لكنتم على مَا قسمت لكم، وَلَكِنِّي أرى أَن
أرده على الْمُسلمين) ، فَرده فَكَانَ ربع السوَاد لبجيلة، فَأَخذه مِنْهُم وَأَعْطَاهُمْ ثَمَانِينَ دِينَارا ".
قيل لَهُ: (مَا) دلّ هَذَا الحَدِيث على مَا ذكرت / وَلَكِن يجوز أَن يكون عمر (فعل ذَلِك) فِي طَائِفَة من السوَاد فَجَعلهَا لبجيلة، ثمَّ أَخذ ذَلِك مِنْهُم للْمُسلمين وعوضهم مِنْهَا عوضا من مَال الْمُسلمين. فَكَانَت تِلْكَ الطَّائِفَة الَّتِي جرى فِيهَا هَذَا الْفِعْل للْمُسلمين بِمَا عوض عمر أَهلهَا مَا عوضهم مِنْهَا من ذَلِك، وَمَا بَقِي بعد ذَلِك من السوَاد فعلى الحكم الَّذِي قدمنَا. وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ أَرض السوَاد أَرض عشر.
فَإِن قيل: رُوِيَ أَيْضا عَن قيس بن (أبي) حَازِم قَالَ: " جَاءَت امْرَأَة من بجيلة إِلَى عمر فَقَالَت: إِن قومِي رَضوا مِنْك من السوَاد بِمَا لم أَرض، وَلست أرْضى حَتَّى تملأ كفي ذَهَبا، وجملي طَعَاما، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ، فَفعل ذَلِك بهَا عمر ".
قيل لَهُ: هَذَا (أَيْضا) عندنَا - وَالله أعلم - على الْحَرْف الَّذِي كَانَ سلمه عمر لبجيلة فملكوه ثمَّ أَرَادَ انْتِزَاعه مِنْهُم بِطيب أنفسهم، وَلم يخرج تِلْكَ الْمَرْأَة إِلَّا بِمَا طابت بِهِ نَفسهَا فَأَعْطَاهَا عمر مَا طلبت حَتَّى رضيت فَسلمت مَا كَانَ لَهَا من ذَلِك كَمَا سلم سَائِر قَومهَا حُقُوقهم.
فَإِن قيل: قَوْله تَعَالَى: {وأورثكم أَرضهم وديارهم} فِيهِ دلَالَة على أَن الأَرْض المغنومة الَّتِي ظهر عَلَيْهَا الإِمَام لَا يجوز أَن يقر أَهلهَا عَلَيْهَا.
قيل لَهُ: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن ظَاهر قَوْله تَعَالَى:{وأورثكم} (لَا) يخْتَص بِإِيجَاب الْملك بالظهور وَالْغَلَبَة، فَإِن الله تَعَالَى قَالَ:{ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} وَلم يرد بذلك الْملك. وَلَو صَحَّ أَن المُرَاد الْملك فَالْمُرَاد بِهِ أَرض
بني قُرَيْظَة، {وأرضا لم تطؤوها} يَقْتَضِي أَرضًا وَاحِدَة لَا جَمِيع الأَرْض. فَإِن كَانَ المُرَاد خَيْبَر فقد ملكهَا الْمُسلمُونَ، وَإِن كَانَ المُرَاد أَرض فَارس (فقد ملك الْمُسلمُونَ أَرض فَارس) وَالروم، (فقد) وجد مُقْتَضى الْآيَة فَلَا دلَالَة فِيهِ على مَا قَالَ.
الطَّحَاوِيّ: عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: " لما فتح عَمْرو بن الْعَاصِ أَرض مصر جمع من كَانَ مَعَه من أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ، واستشارهم فِي قسْمَة أرْضهَا بَين من شَهِدَهَا، كَمَا قسم بَينهم غنائمهم، وكما قسم رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] خَيْبَر بَين من شَهِدَهَا، أَو يوقفها حَتَّى يُرَاجع فِي ذَلِك أَمِير الْمُؤمنِينَ.
فَقَالَ نفر مِنْهُم فيهم الزبير بن الْعَوام: وَالله مَاذَا إِلَيْك وَلَا إِلَى عمر، إِنَّمَا هِيَ أَرض فتحهَا الله علينا وأوجفنا عَلَيْهَا خَيْلنَا ورجالنا وحوينا مَا / فِيهَا فاقسمها بِأَحَق من قسم أموالها.
وَقَالَ نفر مِنْهُم: لَا تقسمها حَتَّى تراجع أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيهَا. فاتفق رَأْيهمْ على أَن يكتبوا إِلَى عمر فِي ذَلِك ويخبروه فِي كِتَابهمْ إِلَيْهِ بمقالتهم.
فَكتب (إِلَيْهِم) عمر: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما بعد: فقد وصل إِلَيّ مَا كَانَ من إجماعكم على أَن تغتصبوا عَطاء الْمُسلمين، ومؤن من يغزوا (أهل) الْعَدو من أهل الْكفْر، و (إِنِّي) إِن قسمتهَا بَيْنكُم لم يكن لمن بعدكم من الْمُسلمين مَادَّة (يقوون بهَا) على عَدوكُمْ، وَلَوْلَا مَا أحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله وَأَرْفَع عَن الْمُسلمين من