الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا أطلقهُ حَدِيث عدي ". وَقد روى الطَّحَاوِيّ: عَن أبي رَجَاء العطاردي قَالَ: " خرجنَا حجاجا فصاد رجل من الْقَوْم أرنبا، فذبحها بظفره فأكلوها وَلم آكل مَعَهم، فَلَمَّا قدمنَا الْبَلَد سَأَلنَا ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فَقَالَ: لَعَلَّك أكلت مَعَهم، قَالَ: قلت: لَا، قَالَ: أصبت، إِنَّمَا قَتلهَا خنقا ".
أَفلا ترى ابْن عَبَّاس قد بَين فِي حَدِيثه الْمَعْنى الَّذِي (بِهِ) حرم أكل مَا ذبح بالظفر (أَنه الخنق، لِأَن من يذبح بِهِ إِنَّمَا يذبح بكف لَا بغَيْرهَا فَهُوَ مخنوق. فَدلَّ ذَلِك إِنَّمَا نهي عَنهُ من الذّبْح بالظفر) إِنَّمَا هُوَ الظفر الْمركب فِي الْكَفّ، لَا (الشفر) المنزوع مِنْهَا. وَكَذَلِكَ مَا نهى عَنهُ من الذّبْح بِالسِّنِّ فَإِنَّمَا هُوَ على السن المركبة فِي الْفَم، لِأَن بذلك يكون / (عضا) فَأَما السن المنزوعة فَلَا.
(بَاب الْأُضْحِية وَاجِبَة)
قَالَ الله تَعَالَى: {فصل لِرَبِّك وانحر} رُوِيَ أَنه أَرَادَ بِالصَّلَاةِ صَلَاة يَوْم الْعِيد، وبالنحر الْأُضْحِية. وَالْأَمر يَقْتَضِي الْإِيجَاب، وَإِذا وَجب على النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] فَهُوَ وَاجِب علينا، لقَوْله تَعَالَى:{فَاتَّبعُوهُ} و {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} .
وَقَوله عليه السلام: " من فعل ذَلِك فقد أصَاب سنتنا "، لَا يدل على أَنَّهُمَا غير
مَأْمُور بهما فِي الْكتاب، لِأَن مَا سنه الله وفرضه، فَجَائِز أَن نقُول: هَذَا سنتنا وفرضنا، كَمَا نقُول: ديننَا، وَإِن كَانَ الله (قد) فَرْضه علينا. وَتَأْويل من تَأَوَّلَه على حَقِيقَة نحر الْبدن أولى، لِأَنَّهُ لَا يعقل بِإِطْلَاق اللَّفْظ غَيره، وَلَا يعقل مِنْهُ وضع الْيَمين على الشمَال تَحت النَّحْر.
وروى أَحْمد بن حَنْبَل: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " من وجد سَعَة فَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا ".
فَإِن قيل: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله: " هَذَا حَدِيث مُنكر "، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:" قد رُوِيَ مَوْقُوفا، وَالْمَوْقُوف أصح ".
قيل: (كَونه مُنْكرا يحْتَاج إِلَى دَلِيل، و) كَونه مَوْقُوفا لَا يمْنَع (صِحَة) الِاحْتِجَاج بِهِ، لِأَن مثل هَذَا لَا يَقُوله عَن رَأْي، ثمَّ قد أخرج فِي الصَّحِيح عَن الْبَراء قَالَ: " خَطَبنَا رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فَقَالَ: (إِن) أول مَا نبدأ بِهِ فِي يَوْمنَا هَذَا أَن نصلي ثمَّ نرْجِع فننحر. من فعل ذَلِك فقد أصَاب سنتنا، وَمن ذبح قبل ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ لحم قدمه لأَهله لَيْسَ من النّسك فِي شَيْء. فَقَالَ (أَبُو بردة) : يَا رَسُول الله ذبحت
وَعِنْدِي جَذَعَة خير من مُسِنَّة، قَالَ: اجْعَلْهَا مَكَانهَا وَلنْ تجزي أَو توفّي عَن أحد بعْدك ". وَجه التَّمَسُّك بِهَذَا الحَدِيث: أَنه فِيهِ لفظ السّنة وَهِي الطَّرِيقَة، وَفِيه " لن تجزي " والأغلب اسْتِعْمَالهَا فِي الْوَاجِبَات.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " يَا رَسُول الله أستدين وأضحي؟ قَالَ: نعم ".
فَإِن قيل: فِيهِ هرير بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع بن خديج، وَلم يسمع من عَائِشَة وَلم يُدْرِكهَا.
قيل لَهُ: فَهُوَ مُرْسل، والمرسل حجَّة. وروى أَحْمد بن حَنْبَل عَن مخنف بن سليم قَالَ:" بَيْنَمَا نَحن مَعَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن على كل أهل بَيت (فِي كل عَام) أضْحِية / وعتيرة، تَدْرُونَ مَا العتيرة؟ هِيَ: الَّتِي يَقُول النَّاس الرجبية ".
فَإِن قيل: فِي الحَدِيث رجل مَجْهُول، والْحَدِيث مَتْرُوك إِذْ لَا تسن عتيرة أصلا، وَلَو قُلْنَا بِوُجُوب الْأُضْحِية لكَانَتْ على الشَّخْص الْوَاحِد (لَا) على جَمِيع أهل الْبَيْت.
قيل لَهُ: إِن جَهَالَة الرَّاوِي لَا تقدح فِي صِحَة الحَدِيث. وَفِي الحَدِيث وَالله أعلم (حذف) مُضَاف تَقْدِيره: " وعَلى كل قيم أهل بَيت أضْحِية ".
وروى الطَّحَاوِيّ عَن جُنْدُب قَالَ: " شهِدت رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَقد صلى بِالنَّاسِ (الْعِيد) فَإِذا هُوَ بِغنم قد ذبحت، فَقَالَ: من (كَانَ) ذبح قبل الصَّلَاة فَتلك شَاة لحم، وَمن لم يكن ذبح فليذبح على اسْم الله ".
وَعنهُ: عَن جُنْدُب بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : - يَعْنِي فِي يَوْم النَّحْر - " من كَانَ ذبح قبل أَن يُصَلِّي فليعد مَكَانهَا أُخْرَى، وَمن لم يكن ذبح فليذبح ".
فَثَبت بِهَذِهِ الْأَحَادِيث أَن الْأُضْحِية وَاجِبَة، وَأَن أول وَقت الذّبْح فِي (يَوْم) النَّحْر هُوَ من بعد الصَّلَاة لَا من بعد ذبح الإِمَام.
فَإِن قيل: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما (عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قَالَ: " ثَلَاث هن عَليّ فَرِيضَة وَلكم تطوع، مِنْهَا النَّحْر ".
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " كتب عَليّ النَّحْر وَلم يكْتب عَلَيْكُم ".
وَعَن ابْن عَبَّاس، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " أمرت بالنحر وَلَيْسَ بِوَاجِب ".
قيل لَهُ: الحَدِيث الأول يرويهِ (أَبُو جناب) وَهُوَ مَتْرُوك. وَفِي الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث جَابر الْجعْفِيّ، وَهُوَ ضَعِيف. فَلَا يُعَارض مَا ذكرنَا من الْأَحَادِيث.
وروى التِّرْمِذِيّ: عَن جبلة بن سحيم: " أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر عَن الْأُضْحِية أَوَاجِبَة هِيَ؟ فَقَالَ: ضحى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وضحى الْمُسلمُونَ، فَأَعَادَهَا
عَلَيْهِ، فَقَالَ: أتعقل، ضحى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] والمسلمون ". هَذَا حَدِيث (حسن) صَحِيح.
وَفِي الحَدِيث إِشَارَة إِلَى وُجُوبهَا، فَإِنَّهُ لما أعَاد عَلَيْهِ الْمَسْأَلَة فِي الْمرة الثَّانِيَة، وَقَالَ:" أتعقل " فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْأُضْحِية سَبِيل الْمُؤمنِينَ، فَمن لم يضح دخل فِي قَوْله تَعَالَى:{يتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} الْآيَة.
وَمِمَّا يدل على وجوب الْأُضْحِية قَوْله تَعَالَى: {قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت} ، فقد اقْتضى (الْأَمر بالضحية) (لِأَن النّسك فِي (هَذَا الْموضع) المُرَاد بِهِ الْأُضْحِية) . رُوِيَ أَن عليا رضي الله عنه كَانَ يَقُول عِنْد بالأضحية: / {قل إِن صَلَاتي ونسكي} الْآيَة.
وَقَوله عليه السلام: " إِن أول نسكنا فِي يَوْمنَا هَذَا "، يدل على أَن هَذَا النّسك أُرِيد بِهِ الْأُضْحِية، وَأخْبر الله تَعَالَى أَنه مَأْمُور بذلك، وَالْأَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب. وَالله أعلم.