الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتستحقون "، لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على جَوَاز رد الْيَمين، لِأَنَّهُ لم يكن من الْيَهُود رد الْيَمين على الْأَنْصَار فيردها النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] . إِنَّمَا قَالَ: " أتبرئكم يهود بِخَمْسِينَ يَمِينا؟ فَقَالَت الْأَنْصَار: كَيفَ نقبل أَيْمَان قوم كفار، فَقَالَ أتحلفون وتستحقون "، على النكير مِنْهُ عَلَيْهِم، أَو يجوز أَن يكون كَذَلِك حكم الْقسَامَة. فَلَمَّا احْتمل الحَدِيث هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَجب حمله على مَا روينَا لظُهُور مَعْنَاهُ.
فَإِن قيل: هَب أَن هَذِه الْيَمين جربها الْمُدَّعِي إِلَى نَفسه مغنما، لَكِن الْمُدعى عَلَيْهِ قد رَضِي بذلك.
قيل لَهُ: رضى الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يُوجب زَوَال الحكم من جِهَته، أَلا ترى لَو أَن رجلا قَالَ: مَا ادّعى عَليّ فلَان من شَيْء فَأَنَّهُ مُصدق، فَادّعى عَلَيْهِ درهما فَمَا فَوْقه هَل يقبل ذَلِك مِنْهُ؟ . أَو قَالَ: قد رضيت بِمَا (يشْهد بِهِ) زيد لرجل فَاسق أَو لرجل جَار / إِلَى نَفسه بِتِلْكَ الشَّهَادَة مغنما، فَشهد زيد عَلَيْهِ بِشَيْء، هَل يحكم بذلك عَلَيْهِ؟ . فَلَمَّا كَانُوا قد اتَّفقُوا أَنه لَا يحكم عَلَيْهِ بِشَيْء من ذَلِك رَضِي أَو لم يرض، ثَبت أَن يَمِين الْمُدَّعِي لَا يجب لَهُ بهَا حق على الْمُدعى (عَلَيْهِ) ، وَإِن رَضِي بِهِ فَلَا يسْتَحْلف.
(بَاب الْمَحْدُود فِي الْقَذْف لَا تقبل شَهَادَته إِذا تَابَ)
قَالَ الله تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا} .
فَقَوله: {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} خبر وَالِاسْتِثْنَاء دَاخل عَلَيْهِ، لِأَن الْوَاو للاستئناف، إِذْ غير جَائِز أَن تكون للْجمع، لِأَنَّهُ غير جَائِز أَن يَنْتَظِم لفظ وَاحِد الْأَمر وَالْخَبَر. أَلا ترى أَنه لَا يَصح جَمعهمَا فِي كِتَابَة وَلَا فِي لفظ وَاحِد، وَيدل عَلَيْهِ أَنه لم يرجع إِلَى الْحَد إِذْ كَانَ أمرا. (وَنَظِيره قَول الْقَائِل: أعْط زيدا درهما، وَلَا يدْخل فلَان الدَّار، وَفُلَان خَارج إِن شَاءَ الله. فمفهوم هَذَا الْكَلَام الرُّجُوع إِلَى الْخُرُوج، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي آيَة الحراب لِأَن قَوْله:{إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} ، وَإِن كَانَ أمرا) فِي الْحَقِيقَة فَإِن صورته صُورَة الْخَبَر (فَلَمَّا كَانَ الْجَمِيع فِي صُورَة الْخَبَر) جَازَ رُجُوع الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع، وَمَعَ ذَلِك فَإنَّا نقُول: مَتى اخْتلفت صِيغَة الْمَعْطُوف (بعضه) على بعض لم يرجع إِلَّا إِلَى مَا يَلِيهِ، وَلَا يرجع إِلَى مَا تقدم مِمَّا لَيْسَ فِي (مثل) صيغته إِلَّا بِدلَالَة. فَإِن قَامَت الدّلَالَة جَازَ، وَقد قَامَت الدّلَالَة فِي الْمُحَاربين
وَلم تقم فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ، وَالْوَاو إِنَّمَا تكون للْجمع فِيمَا لَا يخْتَلف مَعْنَاهُ وينتظمه جملَة وَاحِدَة فَيصير الْكل كالمذكور مَعًا كَقَوْلِه تَعَالَى:{إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} كَأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا هَذِه الْأَعْضَاء. وَآيَة الْقَذْف ابْتِدَاؤُهَا أَمر وَآخِرهَا خبر، وَلَا يجوز أَن ينتظمها جملَة وَاحِدَة، فَكَانَت الْوَاو للاستئناف، إِذْ غير جَائِز دُخُول معنى الْخَبَر فِي لفظ الْأَمر. وَقَوله تَعَالَى:{إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} ، لَا يجوز أَن يكون عَائِدًا إِلَى قَوْله:{وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} لِأَن التَّوْبَة تزيل عَذَاب الْآخِرَة قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِم وَبعدهَا. فَعلمنَا أَن هَذِه التَّوْبَة مَشْرُوطَة للحد دون غَيره، وَالتَّوْبَة الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْآيَة إِنَّمَا هِيَ التَّوْبَة من الْقَذْف وإكذاب نَفسه فِيهِ، لِأَنَّهُ بِهِ اسْتحق سمة الْفسق / وَقد كَانَ جَائِزا أَن تبقى سمة الْفسق عَلَيْهِ إِذا تَابَ من سَائِر الذُّنُوب وَلم يكذب نَفسه، فَأخْبر الله تَعَالَى بِزَوَال اسْم (الْفسق) عَنهُ إِذا كذب نَفسه.
وَوَجهه أَن سمة الْفسق إِنَّمَا لَزِمته بِوُقُوع الْجلد بِهِ، وَلم يمْتَنع عِنْد إِظْهَار التَّوْبَة أَن لَا تكون مَقْبُولَة فِي ظَاهر الْحَال وَإِن كَانَت مَقْبُولَة عِنْد الله تَعَالَى، لأَنا لم نقف على حَقِيقَة تَوْبَته، فَكَانَ جَائِزا أَن يتعبدنا بِأَنا لَا نصدقه على تَوْبَته، وَأَن نتركه على الْجُمْلَة، وَلَا نتولاه على حسب مَا نتولى سَائِر أهل التَّوْبَة. فَلَمَّا كَانَ ذَلِك جَائِزا ووردت الْعِبَادَة (بِهِ) أفادتنا الْآيَة قبُول تَوْبَته، وجوب موالاته وتصديقه على مَا أظهر من تَوْبَته. وَإِلَى هَذَا ذهب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رضي الله عنه.