الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب إِذا قتل الْمُسلم الذِّمِّيّ قتل بِهِ)
الطَّحَاوِيّ: عَن سعيد بن الْمسيب أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رضي الله عنهما قَالَ حِين قتل عمر قَالَ: " فمررت على أبي لؤلؤة وَمَعَهُ الهرمزان (وحفينه) ، فَلَمَّا بغتهم ثَارُوا، فَسقط من بَينهم خنجر لَهُ رأسان (ممسكه) فِي وَسطه فَقَالَ: فانظروا لَعَلَّه الخنجر الَّذِي قتل بِهِ عمر (فنظروا) فَإِذا هُوَ الخنجر الَّذِي وَصفه عبد الرَّحْمَن، فَانْطَلق عبيد الله بن عمر حِين سمع ذَلِك من عبد الرَّحْمَن وَمَعَهُ السَّيْف حَتَّى دَعَا الهرمزان، فَلَمَّا خرج إِلَيْهِ قَالَ: انْطلق حَتَّى تنظر إِلَى فرس لي، ثمَّ تَأَخّر عَنهُ حَتَّى) إِذا) مضى بَين يَدَيْهِ علاهُ بِالسَّيْفِ، (فَلَمَّا وجد مس السَّيْف) قَالَ:(لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ) عبيد الله: ودعوت حفينة، وَكَانَ نَصْرَانِيّا من نَصَارَى الْحيرَة، فَلَمَّا خرج إِلَيّ علوته بِالسَّيْفِ فصلب بَين عَيْنَيْهِ، ثمَّ انْطلق عبيد الله فَقتل ابْنة أبي لؤلؤة - صَغِيرَة تَدعِي الْإِسْلَام - فَلَمَّا اسْتخْلف عُثْمَان دَعَا الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَليّ فِي قتل هَذَا الرجل، الَّذِي قد فتق بِالدّينِ مَا قد فتق، فَاجْتمع الْمُهَاجِرُونَ فِيهِ على كلمة وَاحِدَة يأمرونه بالشد عَلَيْهِ، ويحثون عُثْمَان على قَتله. وَكَانَ
فَوْج النَّاس الْأَعْظَم مَعَ عبيد الله، يَقُولُونَ بحفينة والهرمزان أبعدهُمَا الله. وَكثر فِي ذَلِك الِاخْتِلَاف. ثمَّ قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن هَذَا الْأَمر قد عَفَاك الله من أَن يكون بَعْدَمَا بَايَعت، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك قبل أَن يكون لَك على النَّاس سُلْطَان، فَأَعْرض عَن عبيد الله. وتفرق النَّاس على خطْبَة عَمْرو بن الْعَاصِ وودى الرجلَيْن وَالْجَارِيَة ".
فَفِي هَذَا الحَدِيث: أَن عبيد الله قتل حفينة وَهُوَ نَصْرَانِيّ، وَقتل الهرمزان وَهُوَ كَافِر، ثمَّ كَانَ إِسْلَامه بعد ذَلِك. فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ على عُثْمَان بقتل عبيد الله وَفِيهِمْ عَليّ رضي الله عنه. فَمن الْمحَال أَن يكون قَوْله [صلى الله عليه وسلم] :" لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر " يُرَاد بِهِ غير الْحَرْبِيّ، ثمَّ (يُشِير الْمُهَاجِرُونَ) وَفِيهِمْ (عَليّ على عُثْمَان) بقتل عبيد الله بِكَافِر (ذمِّي) وَلَكِن مَعْنَاهُ / لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر حَرْبِيّ ".
يدل على ذَلِك مَا روى الطَّحَاوِيّ عَن قيس بن عباد قَالَ: " انْطَلَقت أَنا وَالْأَشْتَر إِلَى عَليّ رضي الله عنه فَقُلْنَا: هَل عهد إِلَيْك رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] عهدا لم يعهده إِلَى النَّاس عَامَّة؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مَا كَانَ فِي كتابي (هَذَا)، فَأخْرج كتابا من قرَاب سَيْفه فَإِذا فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، وَيسْعَى (بِذِمَّتِهِمْ) أَدْنَاهُم، وهم يَد على من
سواهُم، وَلَا يقتل مُؤمن بِكَافِر، وَلَا ذُو عهد فِي عَهده وَمن أحدث حَدثا فعلى نَفسه، (وَمن أحدث حَدثا) أَو آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ ".
ابْن مَاجَه: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ: " لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده "، فَمَعْنَى هَذَا الحَدِيث - وَالله أعلم - لَا يقتل مُؤمن وَلَا ذُو عهد فِي عَهده بِكَافِر حَرْبِيّ. وَمثل هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى:{واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن} . فَقدم وَأخر، وَالتَّقْدِير:" {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم واللائي لم يحضن إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر ". وَلَو كَانَ تَأْوِيله أَن الْمُسلم لَا يقتل بِكَافِر حَرْبِيّ وَلَا بِذِي عهد فِي عَهده، لَكَانَ لحنا وَرَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] أبعد النَّاس مِنْهُ. فَدلَّ أَن الْكَافِر الَّذِي منع عليه السلام أَن يقتل بِهِ الْمُؤمن فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ الْكَافِر الَّذِي لَا عهد لَهُ. وَلَيْسَ قَوْله عليه السلام:" وَلَا ذُو عهد فِي عَهده " كلَاما مستأنفا، لِأَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا جرى فِي الدِّمَاء المسفوك بَعْضهَا بِبَعْض، لِأَنَّهُ قَالَ:" الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ - الحَدِيث ". وَإِنَّمَا جرى الْكَلَام على الدِّمَاء الَّتِي تجْرِي قصاصا وَلم يجر على حُرْمَة دم بِعَهْد ليحمل عَلَيْهِ الحَدِيث.
فَإِن قيل: فَفِي الحَدِيث الأول: أَن عبيد الله قتل ابْنة لأبي لؤلؤة تَدعِي الْإِسْلَام. فَيجوز أَن يكون إِنَّمَا استحلوا سفك دم عبيد الله بهَا لَا بحفينة والهرمزان.
قيل لَهُ: فِيهِ مَا يدل على أَنه أَرَادَ قَتله بحفينة والهرمزان، وَهُوَ قَوْلهم (أبعدهُمَا} الله. فمحال أَن يكون عُثْمَان أَرَادَ قَتله بِغَيْرِهِمَا، وَيَقُول النَّاس أبعدهُمَا الله. ثمَّ لَا يَقُول (للنَّاس) إِنِّي لم أرد قَتله (بِهَذَيْنِ) إِنَّمَا أردْت قَتله بالجارية، وَلكنه أَرَادَ قَتله بهما وبالجارية. أَلا ترَاهُ يَقُول: وَكثر فِي ذَلِك الِاخْتِلَاف.
فَدلَّ على أَن عُثْمَان أَرَادَ قَتله بِمن قتل وَفِيهِمْ الهرمزان وحفينة.
فَثَبت بِمَا ذكرنَا (مَا صَحَّ) عَلَيْهِ معنى هَذَا الحَدِيث، وانتفى / أَن يكون فِي حَدِيث عَليّ حجَّة تدفع أَن يقتل الْمُسلم بالذمي.
وَقد شدّ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وعضده، مَا رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن الْبَيْلَمَانِي وَإِن كَانَ مُرْسلا:" أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] أُتِي بِرَجُل من الْمُسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذِّمَّة، فَأمر بِهِ فَضرب عُنُقه ".
وَقد روى (الطَّحَاوِيّ) عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ: " قتل رجل من الْمُسلمين رجلا من الْعباد، فَذهب (أَخُوهُ) إِلَى عمر، فَكتب عمر أَن يقتل، فَجعلُوا يَقُولُونَ حنين أقتل، وَيَقُول: حَتَّى يَجِيء الغيظ، قَالَ: فَكتب عمر أَن يودى وَلَا يقتل ".
فَهَذَا عمر قد رأى أَن يقتل الْمُسلم بالذمي، وَكتب بذلك إِلَى عَامله بِمحضر من الصَّحَابَة، فَلم يُنكر عَلَيْهِ مُنكر. وَهُوَ عندنَا دَلِيل متابعتهم (لَهُ) على ذَلِك. وَكتابه الثَّانِي مَحْمُول على أَنه كره أَن يُبِيح دَمه لما كَانَ من وُقُوفه عَن قَتله، وَجعل ذَلِك شُبْهَة مَنعه بهَا من الْقَتْل، وَجعل لَهُ مَا يَجْعَل فِي الْقَتْل الْعمد إِذا دخله شُبْهَة وَهُوَ الدِّيَة. ثمَّ إِن أهل الْمَدِينَة قَالُوا: إِذا قتل الْمُسلم الذِّمِّيّ غيلَة على مَاله قتل بِهِ، وَجعلُوا هَذَا خَارِجا من قَول النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] :" لَا يقتل مُسلم بِكَافِر ". وَالنَّبِيّ [صلى الله عليه وسلم] لم يشْتَرط من الْكفَّار وَاحِدًا. فَكَمَا كَانَ لَهُم أَن يخرجُوا من الْكفَّار من أُرِيد مَاله كَانَ لغَيرهم أَن يخرج من وَجَبت ذمَّته.