الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْكِتَابَةِ
وَهِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا، وَهُوَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِحْدَاهُمَا، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ إِثْبَاتُ الْحَرِيَّةِ، وَتَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، فَلَا يَثْبَتُ ذَلِكَ إِلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ.
(وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ) لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِعْجَالَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ، فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، كَمَنْعِ الْمِيرَاثِ بِقَتْلِ الْمُوِّرِثِ، وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ، فَيَبْطُلُ بِالْقَتْلِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ لِكَوْنِهَا آكَدُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَإِبْطَالِ وَصِيَّةِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ قِيلَ: لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ، فَالتَّدْبِيرُ أَوْلَى نَظَرًا لِلْعِتْقِ.
فَرْعٌ: إِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ، لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ، وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ، وَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَهُ أَوْجَبَ فِدَاءَهُ عَلَى سَيِّدِهِ، كَأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ بَيْعِهِ، عَتَقَ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ فِي تَركة سَيِّدَهُ، وَإِنْ فَدَاهُ سَيِّدُهُ، بَقِيَ تَدْبِيرُهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ بِهَا، فَبَاقِيهِ مُدَبَّرٌ، وَإِنْ جَنَى عَلَى الْمُدَبِّرِ، فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ، وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ بِهَلَاكِهِ، لَا يُقَالُ: قِيمَتُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْمَوْقُوفِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَازِمٌ، فَتَعَلَّقَ الْحَقُّ بِبَدَلِهِ وَالتَّدْبِيرُ غَيْرُ لَازِمٍ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِبْطَالُهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقِ الْحَقُّ بِبَدَلِهِ.
[بَابُ الْكِتَابَةِ]
سُمِّيَتْ بِهِ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كِتَابًا بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ مِنَ الْكَتْبِ، وَهُوَ الضَّمُّ ; لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ يَضُمُّ بَعْضَ النُّجُومِ إِلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ سُمِّي الْحِرْزُ كَتْبًا، وَالْكَتِيبَةُ كَتِيبَةً ; لِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ. وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ: عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ
الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا ابْتَغَاهَا بقيمته مِنْ سَيِّدِهِ، أُجْبِرَ عَلَيْهَا، وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا إِلَى أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ ; لِأَنَّ النُّجُومَ هِيَ الْأَوْقَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ، إِذِ الْعَرَبُ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ، وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النُّجُومِ، فَسُمِّيَتِ الْأَوْقَاتُ نُجُومًا، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
إِذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ
…
فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ الْجَذَعْ
(وَهِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ) لَوْ قَالَ: الرَّقِيقُ لَعَمَّ (نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْكِتَابَةِ شَرْعًا، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مَعْلُومًا، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، مُنَجَّمًا يُعْلَمُ قِسْطُ كُلِّ نَجْمٍ وَمُدَّتُهُ أَوْ مَنْفَعَتُهُ مُؤَجَّلَةً، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَقَوْلُهُ عليه السلام: «مَنْ أَعَانَ غَارِمًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُكَاتَبًا فِي كِتَابَتِهِ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَإِذَا كَاتَبَ رَقِيقَهُ وَلَهُ مَالٌ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ لِلرَّقِيقِ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا) لِلنَّصِّ (وَهُوَ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَسْقَطَ الْأَمَانَةَ فِي الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا ابْتَغَاهَا بِقِيمَتِهِ مِنْ سَيِّدِهِ) (أُجْبِرَ عَلَيْهَا) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، ذكره الحلواني، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَاهُ سِيرِينَ كَانَ عَبْدًا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَ سِيرِينُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَرَفَعَ الدِّرَّةَ عَلَيْهِ، وَقَرَأَ الْآيَةَ، فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ، وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ الْإِبَاحَةَ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ بِعُوَضٍ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالِاسْتِسْعَاءِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَقَوْلُ عُمَرَ يُخَالِفُهُ فِعْلُ أَنَسٍ، قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ
كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، صَحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَلا يَصِحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ وَالْأَمَانَةِ، وَفَسَّرَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غِنَاءٌ وَإِعْطَاءٌ لِلْمَالِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ لَا تَجِبُ إِجَابَتُهُ (وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا - وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ -: أَنَّهَا تُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ ; لِأَنَّ فِيهَا إِضْرَارًا بِالْمُسْلِمِينَ، وَجَعْلَهُ كَلًّا وَعِيَالًا عَلَيْهِمْ، مَعَ تَفْوِيتِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَى سَيِّدِهِ.
وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ -: لَا تُكْرَهُ ; لِأَنَّ بَرِيرَةَ كَاتَبَتْ وَلَا حِرْفَةَ لَهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ كَانَ يَجِدُ مَنْ يَكْفِيَهُ مَؤُونَتَهُ، لَمْ تُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَتْ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةٍ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا كَانَتْ لَا كَسْبَ لَهَا، فَإِنَّهَا تُكْرَهُ لَهَا إِجْمَاعًا (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، صَحَّ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ صَحِيحٌ فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ، فَكَذَا فِيهَا (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، كَالْمَجْنُونِ، وَبَنَاهُ فِي الشَّرْحِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إِعْتَاقٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، كَالْعِتْقِ بِغَيْرِ مَالٍ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إِذَنِ وَلَيِّهِ، وَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَلَّفُ عَبْدَهُ الطِّفْلَ أَوِ الْمَجْنُونَ، لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ إِذَا قَالَ: إِذَا أَدَّيْتُمَا إِلَيَّ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، عُتِقَا بِالْأَدَاءِ صِفَةً لَا كِتَابَةً، وَمَا فِي أَيْدِيهِمَا لِسَيِّدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، فَوَجْهَانِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْعِتْقَ (وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، صَحَّ) لِأَنَّهُ مُمَيِّزٌ، وَالْمَصْلَحَةُ لَهُ فِي الْعِتْقِ بِخَلَاصِهِ مِنَ الرِّقِّ، كَالْبَالِغِ.
فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْتَرَطَ قَوْلُهُ أَوْ نِيَّتُهُ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، يَعْلَمُ قَدْر مَا يُؤَدّي فِي كُلِّ نَجْمٍ، وَقِيلَ: تَصِحُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: وَإِذَا كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَا، صَحَّ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَوْ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الذِّمِّيِّ، لَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ، فَإِنْ عَجَزَ، أُجْبِرَ، فَإِنِ اشْتَرَى مُسْلِمًا وَكَاتَبَهُ، لَمْ تَصِحَّ الْكِتَابَةُ ; لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ، وَإِنْ دَبَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي يَدِهِ، صَحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ، صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: لَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ} [الأحزاب: 27] وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ تَقْتَضِي صِحَّةَ أَمْلَاكِهِمْ، فَتَقْتَضِي صِحَّةَ تَصَرُّفَاتِهِمْ (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ) لِأَنَّهَا إِمَّا بَيْعٌ، وَإِمَّا تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَكَلَاهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَوْلُ (وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا) لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا، فَانْعَقَدَتْ بِهِ كَلَفْظِ النِّكَاحِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَهُ قَبُولُهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهَا (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) ذَلِكَ، بَلْ قَالَ (فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْكِتَابَةِ، فَانْعَقَدَ بِهِ كَصَرِيحِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْتَرَطَ قَوْلُهُ) هَذَا وَجْهٌ فِي التَّرْغِيبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَقِيلَ:(أَوْ نِيَّتُهُ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ بِهِ أَوْ نِيَّتِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ، اعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءوسِ الْمَسَائِلِ: مِنَ الْكُلِّ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ) مُبَاحٍ (مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا ; لِأَنَّ جَعْلَهُ حَالًّا يُفْضِي إِلَى الْعَجْزِ عَنْ أَدَائِهِ، وَفُسِخَ الْعَقْدُ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةَ الصَّحَابَةِ عَقَدُوهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ جَازَتْ حَالَّةً لَفُعِلَ (فَصَاعِدًا) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: نَجْمٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَجْمَانِ، وَنَجْمَانِ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ نَجْمَيْنِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ
عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، وَلَهُ الْوَسَطُ، وَتَصِحُّ عَلَى مَالٍ وَخِدْمَةٍ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَتِ الْخِدْمَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ أَوْ أُبْرِئَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّمِّ، فَوَجَبَ افْتِقَارُهَا إِلَى نَجْمَيْنِ، لِيَحْصُلَ الضَّمُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وفي الشرح: إنه قياس المذهب (يَعْلَمُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي فِي كُلِّ نَجْمٍ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَسَوَاءٌ سَاوَتِ الْمُدَّةُ أَوِ اخْتَلَفَتْ، وَعَلَيْهِ فِي تَوْقِيتِهَا بِسَاعَتَيْنِ، أَمْ يُعْتَبَرُ مَا لَهُ وَقَعَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، فِيهِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ (وَقِيلَ: تَصِحُّ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ) قَالَه ابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْجِيلُ، فَجَازَ إِلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ كَالسَّلَمِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّأْجِيلِ إِمْكَانُ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنَّجْمِ الْوَاحِدِ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي كِتَابَةِ مَنْ نِصْفُهُ حُرُّ كِتَابَةٍ حَالَّةً وَجْهَانِ، وَفِي الْكَافِي: وَالْأَحْوَطُ نَجْمَانِ فَصَاعِدًا، انْتَهَى، فَإِنْ قَالَ: يُؤَدِّي إِلَيَّ فِي كُلِّ عَامٍ مِائَةً، جَازَ، وَيَكُونُ أَجَلُ كُلِّ مِائَةٍ عِنْدِ انْقِضَاءِ السَّنَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَرُدَّ بِقَوْلِ بَرِيرَةَ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَإِنَّ الْأَجَلَ إِذَا تَعَلَّقَ بِمُدَّةٍ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ " إِلَى " تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهَا، كَقَوْلِهِ: إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ " فِي " كَانَ إِلَى آخِرِهَا ; لِأَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَهَا وَقْتًا لِأَدَائِهَا (وَقَالَ الْقَاضِي) وَأَصْحَابُهُ (تَصِحُّ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ) صَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ كَمَهْرٍ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ الْمُطْلَقُ فِيهِ عِوَضًا كَالْعَقْلِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْكِتَابَةِ كَالثَّوَابِ الْمُطْلَقِ، وَيُفَارِقُ الْعَقْلَ ; لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ مُقَدَّرٍ فِي الشَّرْعِ، وَهُنَا عِوَضٌ مُقَدَّرٌ فِي عَقْدٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْمُطْلَقَ لَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعَبْدِ الْمُطْلَقِ (وَلَهُ الْوَسَطُ) وَهُوَ السِّنْدِيُّ ; لِأَنَّهُ كَذَلِكَ عَقْدُهُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، فَكَذَا هُنَا (وَتَصِحُّ عَلَى مَالٍ وَخِدْمَةٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ، فَلْيَكُنْ فِيهَا كَذَلِكَ (سَوَاءٌ تَقَدَّمَتِ الْخِدْمَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَهَا وَتَأَخُّرَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا صَالِحَةً لِلْعِوَضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَصِحُّ عَلَى الْخِدْمَةِ الْحَالَّةِ لَا الْمَالِ، فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِي الْمَالِ، إِنَّمَا كَانَ لِئَلَّا يَتَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ أَدَاءِ
مِنْهُ، عَتَقَ، وَمَا فَضُلَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ لَهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي صَارَ حُرًّا، وَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعِوَضِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ فِي الشَّهْرِ الْقَابِلِ، صَحَّ، كَالْمُحَرَّمِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَهَا فَأَوَّلَهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ، وَمَحَلُّهُ سَلْخُ الشَّهْرِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ عَيَّنَاهُ وَجْهَانِ، لِاتِّحَادِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ شَرَطَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكَثُرَ، صَحَّ، وَإِنْ شَرَطَهُ حَالًّا فَلَا (وَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ) فَقَبَضَهُ هُوَ أَوْ وَلِيٌّ مَجْنُونٌ، وَلَوْ مِنْ مَجْنُونٍ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ (أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ) وَالْأَصَحُّ: أَوْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ الْمُوسِرِ مِنْ حَقِّهِ (عَتَقَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُعْتَقُ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ:«الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ كِتَابَتِهِ، وَبِمَفْهُومِهِ: أَنَّهُ إِذَا أَدَّاهَا لَا يَبْقَى عَبْدًا (وَمَا فَضُلَ فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ قَبْلَ الْعِتْقِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي صَارَ حُرًّا) لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ لَهُ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَأَمَرَهُنَّ بِالْحِجَابِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ لِمَا يُؤَدِّيهِ، وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهُ (وَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ) أَيْ: إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْأَدَاءِ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ الْقَادِرِ عَلَيْهَا، فَإِنْ هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ قَبْلَ أَدَائِهِ، صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ مَعَ حُرِّيَّتِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ الْأَدَاءِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ أَلْفًا، فَعَلَيْهَا: إِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَقِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ عَلَى قَاتِلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ، لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْأَدَاءِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُؤَدِّيهُ الْإِمَامُ عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَجْزًا، وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ الْفَسْخَ فِي الْأَصَحِّ، وَيَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى
فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَإِذَا عُجِّلَتِ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحَلِّهَا، لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ، وَعَتَقَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ إِذَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْكَسْبِ، وَلَا يَمْلِكُهُ إِنْ مَلَكَ وَفَاءً عَلَى الْأَصَحِّ (فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ) مَاتَ رَقِيقًا وَانْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ (كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) أَيْ: إِذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقُلْنَا: لَا يُعْتَقُ بِمِلْكِهِ، انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ وَارِثٌ مُوسِرٌ حَقَّهُ، سَرَى فِي الْأَصَحِّ، وَضَمِنَ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ أُبْرِئَ مِنْ بَعْضِ النُّجُومِ، لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْأَصَحِّ (وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ) أَيْ يُعْتَقُ وَيَمُوتُ حُرًّا، فَيَكُونَ لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ حُرًّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ ; لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ تَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَتُفَارِقُ الْكِتَابَةُ الْبَيْعَ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِتَلَفِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ وَيَمُوتُ رَقِيقًا، وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْفَتْوَى، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ أَدَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي (وَإِذَا عُجِّلَتِ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحَلِّهَا لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ وَعَتَقَ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ) هَذَا رِوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمَالِ إِلَّا عِنْدَ نُجُومِهِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُكَاتَبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فِي مِلْكِهِ حَقٌّ لَهُ، وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ وَالْخِرَقِيُّ قَوْلَهُمَا فِيهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ كَالَّذِي لَا يَخْتَلِفُ قَدِيمُهُ وَلَا حَدِيثُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَؤُنَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا ذَكَرْنَاهُ فِي السَّلَمِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فِي غَيْرِ تَفْصِيلٍ اعْتِمَادًا عَلَى إِطْلَاقِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ، فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَسَقَطَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، لَا يُقَالُ: إِذَا عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ
كَانَ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ، فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيْبًا، فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَى فِعْلٍ فِي وَقْتٍ، فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ ; لِأَنَّهُ مَلَكَ صِفَةً مُجَرَّدَةً لَا يَعْتِقُ إِلَّا بِوُجُودِهَا، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ يُبْرَأُ فِيهَا بِأَدَاءِ الْعِوَضِ، فَافْتَرَقَا.
فَرْعٌ: لَوْ أَحْضَرَ مَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْضَهُ لِيُسَلِّمَهُ، فَقَالَ السَّيِّدُ: هُوَ حَرَامٌ، وَأَنْكَرَهُ الْمُكَاتَبُ، قُبِلَ قَوْلُهُ وَوَجَبَ قَبْضُهُ وَيُعْتَقُ، وَإِنْ أَقَامَ السَّيِّدُ بَيِّنَةً بِتَحْرِيمِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُ عَبْدِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ سَيِّدُهُ، وَلَهُ قَبْضُهُ مِنْ دَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَتَعْجِيزُهُ، وَفِي تَعْجِيزِهِ قَبْلَ أَخْذِ ذَلِكَ عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ وَجْهَانِ، وَإِنْ حَلَفَ الْعَبْدُ، قِيلَ لِسَيِّدِهِ: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَهُ، أَوْ تَبْرَأَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى أَخَذَهُ الْحَاكِمُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ) مِثْلَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى نَجْمَيْنِ إِلَى سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: عَجِّلْ لِي خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى أَضَعَ عَنْكَ الْبَاقِيَ، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ، جَازَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ ; لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا هُوَ مِنَ الدُّيُونِ الصَّحِيحَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إِلَى الْعِتْقِ، وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَتَخْفِيفًا عَنِ الْمُكَاتَبِ، وَإِذَا أَمْكَنَهُ التَّعْجِيلُ عَلَى وَجْهٍ، يَسْقُطُ عَنْهُ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ، كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ وَالْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، فَعَلَى هَذَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّعْجِيلِ، صَحَّ رُجُوعُهُ.
فَرْعٌ: إِذَا صَالَحَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، صَحَّ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُؤَجَّلٍ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ بِيعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ، أَوْ عَنِ الْحِنْطَةِ بِشَعِيرٍ، لَمْ يَجُزِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ ; لِأَنَّهُ بِيعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْمُصَالَحَةُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِ تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ كَيْفَ مَا كَانَتْ كَعَبْدِهِ الْقِنِّ وَسَيِّدِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ، فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيْبًا، فَلَهُ