الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَضَعَتْ زَوْجَتَيِ ابْنَةً، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، لَمْ يَصِحَّ.
فَصْلٌ الثَّانِي: رِضَا الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ إِلَّا الْأَبُ لَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَلَوْ سَلَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ، فَمَلَّكَهُ إِتْلَافَهَا وَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ، (فَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي، وَلَهُ بَنَاتٌ، لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ (حَتَّى يُشِيرَ إِلَيْهَا، أَوْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَصِفَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ) ; لِوُجُودِ التَّعْيِينِ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، صَحَّ) ; لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ إِنَّمَا حَصَلَ مِنَ التَّعَدُّدِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، فَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ وَهُوَ اسْمُهَا، وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ: ابْنَتِي، لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، احْتَاجَ أَنْ يَرْفَعَ نَسَبَهَا حَتَّى يَبْلُغَ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ عَنِ النِّسَاءِ.
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ: كُبْرَى اسْمُهَا عَائِشَةُ، وَصُغْرَى اسْمُهَا فَاطِمَةُ، فَقَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَائِشَةَ، وَقَبِلَ الْمُزَوَّجُ - وَهُمَا يَنْوِيَانِ الصُّغْرَى - لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الَّتِي نَوَيَاهَا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ يُرِيدُ الْكُبْرَى، وَالزَّوْجُ يَقْصِدُ الصُّغْرَى، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا إِذَا خَطَبَ امْرَأَةً وَزُوِّجَ بِغَيْرِهَا ; لِأَنَّ الْقَبُولَ وُجِدَ فِي غَيْرِ مَنْ وُجِدَ الْإِيجَابُ فِيهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ مَا يَصْرِفُ الْقَبُولَ إِلَى الصُّغْرَى مِنْ خِطْبَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ نَوَى الْوَلِيُّ الصُّغْرَى، وَالزَّوْجُ الْكُبْرَى، أَوْ نَوَى الْوَلِيُّ الْكُبْرَى، وَلَمْ يَدْرِ الزَّوْجُ أَيَّتَهُمَا هِيَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَصِحُّ التَّزْوِيجُ ; لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي الَّتِي تَنَاوَلَهَا لَفْظُهمَا، وَعَلَى الْآخَرِ: يَصِحُّ فِي الَّتِي تَنَاوَلَهَا لَفْظُهُمَا، وَعَلَى الصَّرِيحِ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَقَطْ (وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَضَعَتْ زَوْجَتَيِ ابْنَةً، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ مُجَرَّدُ وَعْدٍ، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ حَمْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ.
[الشَّرْطُ الثَّانِي رِضَا الزَّوْجَيْنِ]
(الثَّانِي: رِضَا الزَّوْجَيْنِ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا ; لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا، فَاعْتُبِرَ تَرَاضِيهِمَا بِهِ
تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ، وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَالْبَيْعِ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ، (إِلَّا الْأَبُ، لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) أَيْ: لِلْأَبِ خَاصَّةً تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ - أَذِنَ أَوْ كَرِهَ - وِفَاقًا ; لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى زَيْدٍ، فَأَجَازَاهُ جَمِيعًا ; وَلِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهُ كَابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إِجْبَارِهِ مُرَاهِقًا نَظَرٌ، وَيَتَوَجَّهُ كَأُنْثَى أَوْ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ قُبِلَ، ذَكَرَهُ فِي " الْإِيضَاحِ "(وَالْمَجَانِينُ) ; لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمْ، فَكَانَ لَهُ وَلَاءُ تَزْوِيجِهِمْ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ; لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَازَ التَّزْوِيجُ مِنْ أَجْلِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُزَوِّجُ بَالِغًا إِلَّا إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَاتُ الشَّهْوَةِ بِاتِّبَاعِ النِّسَاءِ
لِلْمَصْلَحَةِ
، وَقِيلَ: بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: وَاحِدَةٌ، وَفِي أَرْبَعٍ وَجْهَانِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُ بِحَالٍ ; لِأَنَّهُ رَجُلٌ، فَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهُ كَالْعَاقِلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَالْبَالِغُ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ مَنْ يَخْنُقُ فِي الْأَحْيَانِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
فَرْعٌ: يُزَوِّجُهُمَا حَاكِمٌ لِحَاجَةٍ، وَظَاهِرُ الْإِيضَاحِ لَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْفُصُولِ "، وَغَيْرِهِ حَاجَةُ نِكَاحٍ فَقَطْ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " بِكُفْءٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ (وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ) أَيْ: تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ - بِغَيْرِ خِلَافٍ - إِذَا زَوَّجَهَا بِكُفْءٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تُزَوَّجُ ثُمَّ تُطَلَّقُ، وَلَا إِذْنَ لَهَا فَتُعْتَبَرُ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَهُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ، فَهِيَ امْرَأَةٌ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْقَاضِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا.
فَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً، فَلَهُ إِجْبَارُهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ; لِحَدِيثِ:«الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَإِنْ أُجْبِرَتْ، أُخِذَ بِتَعْيِينِهَا
ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَهَلْ لَهُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالسَّيِّدُ لَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كُفُؤا لَا بِتَعْيِينِ الْمُجْبِرِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِجْبَارِ بِشُرُوطٍ: أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ، بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُزَوَّجُ مُعْسِرًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَنْ يُزَوِّجَهَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إِلَّا بِإِذْنِهَا) ; لِأَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ تِسْعًا تَصْلُحُ لِلْبُلُوغِ، أَشْبَهَتِ الْبَالِغَةَ، وَلَهَا بَعْدَ التِّسْعِ إِذْنٌ صَحِيحَةٌ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: لَا إِذْنَ لَهَا كَمَالٍ، وَيُحْتَمَلُ فِي ابْنِ تِسْعٍ يُزَوَّجُ بِإِذْنِهِ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَإِذْنُهُ نُطْقٌ، وَلَا يَكْفِي صَمْتُهُ (وَهَلْ لَهُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ.
وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، كَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَفِي ثَالِثٍ: تُزَوَّجُ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ إِلَّا بِإِذْنِهَا فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ إِلَّا الْحَسَنَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ ; لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ:
تَزْوِيجُ إِمَائِهِ الْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبِ، وَعَبِيدِهِ الصِّغَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ، وَيُحْتَمَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا. وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
«لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ ; وَلِأَنَّهَا عَالِمَةٌ بِالْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، فَلَمْ يَجُزْ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا نِسْوَةً ثِقَاتٍ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا، وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى.
(وَالسَّيِّدُ لَهُ تَزْوِيجُ إِمَائِهِ الْأَبْكَارِ، وَالثَّيِّبِ، وَعَبِيدِهِ الصِّغَارِ، بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ) وَفِيهِ مَسَائِلُ، الْأُولَى: أَنَّ السَّيِّدَ لَهُ تَزْوِيجُ إِمَائِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ، هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ عَلَى مَنْفَعَتِهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ، أَشْبَهَتِ الْإِجَارَةَ، وَنَقَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يُزَوِّجُ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ غُلَامِهِ بِغَيْرِ مَهْرٍ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي إِلَّا بِمَهْرٍ وَشُهُودٍ، قِيلَ: فَإِنْ أَبَتْ؛ قَالَ: يُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ بِإِذْنِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُجْبِرُ الْأَمَةَ الْكَبِيرَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَيْسَتْ بِمَالٍ ; بِدَلِيلِ الْمُعْسِرَةِ لَا تُلْزَمُ بِالتَّزَوُّجِ، وَلَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ اتِّفَاقًا، وَمِلْكُ السَّيِّدِ لَهَا كَمِلْكِهِ لِمَنْفَعَةِ بُضْعِ زَوْجَتِهِ، وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ يَشْمَلُ الْمُدَبَّرَةَ وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ وَأُمَّ الْوَلَدِ ; لِمُسَاوَاتِهِنَّ لِلْأَمَةِ، وَفِي مِلْكِهِ إِجْبَارُ الْمُكَاتَبَةِ وَجْهَانِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا حُرًّا لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا إِنْكَاحَهَا وَحْدَهُ، وَيُعْتَبَرُ إِذْنُهَا وَإِذْنُ مَالِكِ الْبَقِيَّةِ كَأَمَةٍ لِاثْنَيْنِ، وَيَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا: زَوَّجْتُكَهَا.
الثَّانِيَةُ (أن السيد له تزويج عبده الصغير بغير إذنه) وَهِيَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ: إِنَّ لَهُ إِجْبَارَهُ قِيَاسًا عَلَى الِابْنِ الصَّغِيرِ، بَلْ أَوْلَى ; لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ عَلَيْهِ، وقال أبو الخطاب: يحتمل أن لا يملك تزويجه. (وَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ) ; لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهُ عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ (وَيُحْتَمَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا) هَذَا وَجْهٌ حَكَاهُ فِي
إِلَّا بِإِذْنِهَا، إِلَّا الْمَجْنُونَةَ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إِلَى الرِّجَالِ، وَعَنْهُ: لَهُمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
" الِانْتِصَارِ " كَالْكَبِيرِ، وَالْمَذْهَبُ: إِجْبَارُهُ كَالْمَجْنُونِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ) كَالْجَدِّ وَالْأَخِ، وَنَحْوِهِمَا (تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ إِلَّا بِإِذْنِهَا) لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَا يُسَاوِيهِ، وَفِي تَزْوِيجِ الْأَبِ الْكَبِيرَةَ الْبَالِغَةَ خِلَافٌ، فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ - قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ، يُجْبِرُ (إِلَّا الْمَجْنُونَةَ) فِي اخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخَيْنِ (لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إِلَى الرِّجَالِ) ; لِحَاجَتِهَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ، وَصِيَانَتِهَا عَنِ الْفُجُورِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَحَاكِمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " الْمُغْنِي ": يَنْبَغِي أَنْ تُزَوَّجَ إِذَا قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: تَزُولُ عِلَّتُهَا بِالتَّزْوِيجِ كَالشَّهْوَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهَا، وَقِيلَ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ -: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةُ إِجْبَارٍ، فَلَا تَثْبُتُ لِغَيْرِ الْأَبِ، كَالْعَاقِلَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُوصَى لَهُ فِي النِّكَاحِ، أَمَّا مَعَ وُجُودِهِ، فَحُكْمُهُ كَالْأَبِ (وَلَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ بِحَالٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ; لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهَا يَتِيمَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا» ، وَالصَّغِيرَةُ لَا إِذْنَ لَهَا كَمَالٍ (وَعَنْهُ: لَهُمْ ذَلِكَ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] دَلَّتْ بِمَفْهُومِهَا أَنَّ تَزْوِيجَهَا إِذَا أَقْسَطُوا جَائِزٌ، وَقَدْ فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ بِذَلِكَ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": كَحَاكِمٍ، وَلَعَلَّهُ كَالْأَبِ، بَلْ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ " مَا يُخَالِفُهُ، وَذَكَرَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُهُ ; لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا عِنْدَ عَدَمِهِمْ ; بِدَلِيلِ مَا نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ، أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ صَبِيَّةٍ بِنْتِ ثَمَانِ سِنِينَ، مَاتَ أَبُوهَا، وَيُرِيدُ الْعُصْبَةُ أَنْ يُزَوِّجُوهَا، قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تُسْتَأْمَرَ، وَلَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا عَمٌّ، أَوِ ابْنُ عَمٍّ، أَوْ عُصْبَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ، فَعَلَى هَذَا يُفِيدُ الْحِلَّ، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنَ الْإِرْثِ وَنَحْوِهُ، وَفِي " الْفُصُولِ ": لَا، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ فِي يَتِيمَةٍ زُوِّجَتْ قَبْلَ أَنْ
ذَلِكَ، وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ، وَعَنْهُ: لَهُمْ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا، وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ، وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِأُصْبُعٍ أَوْ وَثْبَةٍ، فَلَا تُغَيِّرُ حِفْظَ الْإِذْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تُدْرِكَ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا - هَلْ يَتَوَارَثَانِ؟ قَالَ: فِيهِ اخْتِلَافٌ، قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَتَوَارَثَانِ، وَمِثْلُهُ كُلُّ نِكَاحٍ لُزُومُهُ مَوْقُوفٌ، وَلَفْظُ الْقَاضِي: نَسْخُهُ مَوْقُوفٌ، وَكُلُّ نِكَاحٍ صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَالْأَحْكَامُ مِنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهِ.
(وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ) ; لِتَسْتَدْرِكَ مَا فَاتَهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي صَغِيرٍ مِثْلِهَا، وَقَاسَهُ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَاعَةٌ عَلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي صَغِيرٍ زَوَّجَهُ عَمُّهُ، قَالَ: إِنْ رَضِيَ بِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فُسِخَ، (وَعَنْهُ: لَهُمْ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَهُ جَمْعٌ ; لِقَوْلِهِ عليه السلام:«تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْوَى دَلِيلًا ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِهَا جَمْعٌ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَقُيِّدَتْ بِالتِّسْعِ ; لِأَنَّهَا تَصِيرُ عَارِفَةً بِمَا يَضُرُّهَا وَيَنْفَعُهَا، فَتَظْهَرُ فَائِدَةُ اسْتِئْذَانِهَا ; وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ: فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهَا إِذَا بَلَغَتْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الرِّعَايَةِ "، وَذَكَرَهُ نصا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إِذْنُهَا، فَلَهَا الْخِيَارُ، (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ) بِلَا خِلَافٍ (وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ) ; لِلْأَخْبَارِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ مَرْفُوعًا، قَالَ:«الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ رِضَاهَا صُمَاتُهَا فَإِنْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ فَكَذَلِكَ، وَنُطْقُهَا أَبْلَغُ ;» لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ) وَعَلَى الْأَصَحِّ ; لِعُمُومِ الْخَبَرِ ; لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي اقْتَضَتِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبِكْرِ - مُبَاضَعَةُ الرِّجَالِ وَمُخَالَطَتُهُمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمُصَابَةِ بِالزِّنَا ; وَلِهَذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَوْ أَوْصَى لِثَيِّبٍ دَخَلَا (فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِأُصْبُعٍ أَوْ وَثْبَةٍ فَلَا تُغَيِّرُ صِفَةَ