الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلسَّفَهِ، وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ أَخْذَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ فَضَلَ عَنِ الْأَدَاءِ فَضْلٌ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَهَلْ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، وَلَا الْجُنُونِ، وَلَا الْحَجْرِ، وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَارِثِ.
بَابٌ أَحْكَامُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ
وَإِذَا عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ إِنْسَانٍ، صَارَتْ بِذَلِكَ أُمَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِالْإِبْرَاءِ) لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ صِفَةٌ أَوْ لَا، وَأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْكِتَابَةِ (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ) لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ، لَا يَئُولُ إِلَى اللُّزُومِ، فَانْفَسَخَتْ بِذَلِكَ كَالْوَكَالَةِ (وَجُنُونِهِ وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ، وَالصِّفَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ هُنَا ; لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَلِيَغْلِبَ فِي هَذِهِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ (وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ أَخْذَ مَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَمَالُهُ (وَإِنْ فَضَلَ عَنْ الْأَدَاءِ فَضْلٌ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّهُ عَتَقَ بِالصِّفَةِ لَا بِالْمُعَاوَضَةِ، وَقَالَ القاضي وتبعه فِي الْمُغْنِي: مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ، فَهُوَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَهَلْ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا، وَهُوَ أَقَيْسُ وَأَصَحُّ: لَا يَتْبَعُهَا ; لِأَنَّهُ إِنْمَا تَبِعَ فِي الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَالثَّانِي: يَتْبَعُ كَالصَّحِيحَةِ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْإِيتَاءِ فِيهِ، وَكَذَا جَعَلَ مَنْ أَوْلَدَهَا أُمَّ وَلَدِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الصِّحَّةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، وَلَا الْجُنُونِ، وَلَا الْحَجْرِ) لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ كَالصَّحِيحَةِ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ، وَفِي تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ وَذَوِي رَحِمِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْفَسْخِ، وَلِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إِلَى الْعِتْقِ، وَمَا ذُكِرَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَطْلُوبِ الشَّرْعِيِّ (وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَارِثِ) عَلَى قَوْلِهِ لِكَوْنِهَا لَا تَنْفَسِخُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَى الْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ مُورِثِهِ.
[بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]
بَابٌ
أَحْكَامُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ
الْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقَضَاءُ وَالْحِكْمَةُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: خِطَابُ
وَلَدٍ لَهُ، فَإِذَا مَاتَ، عَتَقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا، وَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اللَّهِ الْمُفِيدُ فَائِدَةً شَرْعِيَّةً، وَأَحْكَامُهُنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ، وَجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِنَّ وَنَحْوِهِ. وَأُمَّهَاتٌ جَمْعُ أُمٍّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَأُمَّاتٌ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ: الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ، وَقَدْ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِجَوَازِ التَّسَرِّي، وَهُوَ إِجْمَاعٌ بِلَا شَكٍّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وَاشْتُهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَوْلَدَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ، وَعَمِلَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أُمَّهَاتُهُمْ أُمَّ أَوْلَادٍ (وإِذَا عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ إِنْسَانٍ، صَارَتْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) نَقُولُ: يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ شَرْطَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَحْمِلَ بِهِ فِي مِلْكِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، فَأَمَّا إِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنْ تَضَعَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، أَسْقَطَتْهُ، أَوْ كَانَ تَامًّا، رَوَى الْأَثْرَمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا وَإِنْ كَانَ سِقْطًا، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو الْحَارِثِ: يُغَسَّلُ السِّقْطُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَوْمَ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَتَعْتِقُ الْأَمَةُ إِذَا دَخَلَ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ. وَقَدَّمَ فِي الْإِيضَاحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ شَرْطًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ تَحَمِلَ بِحُرٍّ (فَإِذَا مَاتَ، عَتَقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ ; لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِتْلَافٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَاجَةٍ أَصْلِيَّةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ فِي أَكْلٍ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: إِنْ جَازَ بَيْعُهَا، لَمْ تَعْتِقْ بِمَوْتِهِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ إِنْ لَمْ تَضَعْ، وَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا فِي بَطْنِهَا، عَتَقَتْ، وَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ لِمَا فِي بَطْنِهَا حَتَّى يُعْلَمَ.
فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا، عَتَقَ الْجَنِينُ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَعَنْهُ: تَصِيرُ. وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ أَحْكَامُ الْأَمَةِ فِي الْإِجَارَةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: إِذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، فَمَا فِي يَدِهَا فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ لَهَا، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ رِوَايَتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ وَالْعَفِيفَةِ وَالْفَاجِرَةِ، وَالْمُسْلِمِ وَالْفَاجِرِ وَضِدَّهِمَا فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَلَامًا، قَالَ الْمُؤَلِّفُ عَقِبَهُ: فَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْمُسْلِمَةِ، وَالْعَفِيفَةِ دُونَ ضِدِّهِمَا.
(وَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ) مِثْلَ الْمُضْغَةِ وَنَحْوِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَلَدٍ، وَعِتْقُهَا مَشْرُوطٌ بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَعَلَى هَذَا لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ الْمُتْلِفِ لَهُ غُرَّةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ، فَعَلَى ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ ثِقَاتٍ مِنَ الْقَوَابِلِ، أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ ; لِأَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْ نُطْفَةً، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَكَذَا إِذَا أَلْقَتْ عَلَقَةً، قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَالْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى أَنَّهَا تَعْتِقُ، وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ أَنْ يُرَى خَلْقُهُ، وَيُعْلَمَ أَنَّهُ وَلَدٌ (وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَشُبْهَةٍ (ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا عَتَقَ الْجَنِينُ) لِأَنَّهُ ابْنُهُ، وَقَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ مَلَكَهَا حَامِلًا، فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلُقْ فِي مِلْكِهِ، أَشْبَهَ لَوِ اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْوَضْعِ (وَعَنْهُ: تَصِيرُ) أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالَيْنِ ; لِأَنَّ لِحُرْمَةِ الْبَعْضِ أَثَرًا فِي تَحْرِيرِ الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهَا، قَالَ أَحْمَدُ: مَا سَمِعْنَا فِيهِ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَلِدَ فِي مِلْكِهِ، وَعَنْهُ: إِنْ مَلَكَهَا حَامِلًا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ ابْنُ
وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ وَسَائِرِ أُمُورِهَا، إِلَّا فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهَا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوُقُوفِ، أَوْ مَا يُرَادُ لَهُ كَالرَّهْنِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا عَمَلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَمْدَانَ: أَوْ وَطِئَهَا فِي أَثْنَاءِ حَمْلِهَا أَوْ وَسَطِهِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَحْبَلَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ الْوَلَدِ وَيَعْتِقُهُ نَصًّا (وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ أَحْكَامُ الْأَمَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ أَشْبَهَتِ الْقِنَّ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ:«مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ، فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» أَوْ قَالَ: مِنْ بَعْدِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ، فَعَلَى هَذَا لِسَيِّدِهَا كَسْبُهَا (وَسَائِرِ أُمُورِهَا) كَالتَّزْوِيجِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِمَاءِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَوْنُهَا لَا تَرِثُ، بَلْ تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، وَيُحَدُّ قَاذِفُهَا، وَتُسْتَرُ سَتْرَ الْحُرَّةِ عَلَى رِوَايَةٍ، نَعَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ طَرَأَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى التَّدْبِيرِ أَبْطَلَهُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: قُلْتُ: يَصِحُّ إِنْ جَازَ بَيْعُهَا، وَقُلْنَا: عِتْقٌ بِصِفَةٍ، وَقَدْ يُرَدُّ مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَا يَطَؤهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، فَجَعَلَ الْعِلَّةَ عَدَمَ الْبَيْعِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا (إِلَّا فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكُ فِي رَقَبَتِهَا كَالْبَيْعِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ، وَلَا يُوهَبْنَ، وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا السَّيِّدُ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«ذُكِرَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْمُغيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَرَأَيْتُ أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ، فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وَلِيتُ رَأَيْتُ فِيهِنَّ رَأْيًا، قَالَ عُبَيْدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْإِجْمَاعِ (وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ أَوْ مَا يُرَادُ لَهُ) أَيْ: لِلْبَيْعِ (كَالرَّهْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي انْعِقَادَ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ وَيُبْطِلُهُ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا
عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ وَلَدَتْ مَنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، فَلِوَلَدِهَا حُكْمُهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، سَوَاءٌ عَتَقَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَسَأَلَهُ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ؛ قَالَ: أَكْرَهُهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي: فَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ رِوَايَةً، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَهُ دَاوُدُ، وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بِعْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ أَحْمَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَقِيلَ: لَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَهَلْ هَذَا الْخِلَافُ شُبْهَةٌ؟ فِيهِ نِزَاعٌ، وَالْأَقْوَى شُبْهَةٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ، هَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ أَوْ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ؟ أَمَّا التَّعْزِيرُ، فَوَاجِبٌ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَجُوزُ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ لَا يَرْفَعُهُ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ (وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ) وَلَيْسَ هَذَا رِوَايَةً مُخَالِفَةً لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ; لِأَنَّ السَّلَفَ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَثِيرًا، وَمَتَى كَانَ التَّحْرِيمُ مُصَرَّحًا بِهِ، وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ جَابِرٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ، وَلَمْ يَظْهَرِ النَّهْيُ لِمَنْ بَاعَ ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ، وَكَانَ مُشْتَغِلًا بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، ثُمَّ ظَهَرَ ذَلِكَ زَمَنَ عُمَرَ، فَأَظْهَرَ الْمَنْعَ اعْتِمَادًا عَلَى النَّهْيِ لِتَعَذُّرِ النَّسْخِ حِينَئِذٍ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْإِسْفَرَايِينِيُّ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَالْبَغَوِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ (ثُمَّ إِنْ وَلَدَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ (مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا) مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَلِوَلَدِهَا حُكْمُهَا) أَيْ: فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِبَنَاتِهَا ; لِأَنَّهُ دَخَلَ بِأُمِّهِنَّ قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا: وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ، إِلَّا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: هُمْ عَبِيدٌ (فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَتَبِعَهَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ (سَوَاءٌ عَتَقَتْ) الْأُمُّ (أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ) لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ قَدِ انْعَقَدَ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِنَفْسِ الْعِتْقِ، فَكَمَا لَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ النَّسَبُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ أَعَتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ
حَمْلِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا جُنَّتْ أُمَّ الْوَلَدِ، فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ دُونَهَا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ، فَإِنْ عَادَتْ، فَجنَتْ، فَدَاهَا أَيْضًا. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَوِ الْمُدَبَّرَةَ، لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا، وَإِنْ أَعَتَقَ وَلَدَهَا لَمْ يُعْتَقَا بِعِتْقِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ، عَتَقَ وَلَدُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ حَمْلِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَفَقَةِ الْحَامِلِ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْحَمْلِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ; لِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْمِيرَاثِ، فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْحَامِلِ، فَلَهَا النَّفَقَةُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ شَغَلَهَا بِحَمْلِهِ، فَكَانَ عِوَضُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ دَارًا كَانَتْ أُجْرَتُهَا عَلَيْهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ، هَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي الْكُلِّ أَوْ فِي حِصَّةِ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (وَإِذَا جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ) تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا كَالْقِنِّ (فَدَاهَا سَيِّدُهَا) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا (بِقِيمَتِهَا أَوْ دُونِهَا) أَيْ: بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ فِدَائِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَى سَيِّدِهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَهُ أَيْضًا، وَجَبَ فِدَاؤُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا زَادَ فِدَاؤُهَا، وَإِنْ كَسَبَتْ بَعْدَ جِنَايَتِهَا شَيْئًا، فَهُوَ لِسَيِّدِهَا، وَكَذَلِكَ وَلَدُهَا، وَإِنْ فَدَاهَا حَالَ حَمْلِهَا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا، وَإِنْ أَتْلَفَهَا سَيِّدُهَا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ نَقَصَهَا، فَعَلَيْهِ نَقْصُهَا (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ) كَالْقِنِّ فِي رِوَايَةٍ بَالِغَةٍ مَا بَلَغَتْ لِمَنْعِهِ مِنْ تَسْلِيمِهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهَا لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْقِنِّ (فَإِنْ عَادَتْ، فَجنتْ، فَدَاهَا أَيْضًا) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ ; لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ جَانِيَةٌ، فَلَزِمَهُ فِدَاؤُهَا كَالْأَوَّلِ (وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِذِمَّتِهَا) أَيْ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، قَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ حِذَارًا مِنْ إِصْرَارِ السَّيِّدِ بِتَكْرَارِ الْفِدَاءِ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ بَيْعِهَا، وَلِأَنَّهَا جَانِيَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فَدَاهَا، وَعَلَى هَذِهِ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: قُلْتُ يرجع الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا يَخُصُّهُ مِمَّا أَخَذَهُ كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْأَكْثَرِ، وَقَيَّدَهَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي الْمُغْنِي، حَاكِيًا لَهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ بِمَا إِذَا فَدَاهَا أَوَّلًا بِقِيمَتِهَا،
ذَلِكَ بِذِمَّتِهَا. وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَوا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً، فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا، وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ فَدَاهَا أَوَّلًا بِالْأَرْشِ، لَزِمَهُ فَدَاؤُهَا ثَانِيًا بِمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهَا بِلَا خِلَافٍ.
فَرْعٌ: إِذَا جَنَتْ جِنَايَاتٍ قَبْلَ الْفِدَاءِ، تَعَلَّقَ أَرْشُ الْجَمِيعِ بِرَقَبَتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا كُلِّهَا إِلَّا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ أَرْشُ جَمِيعِهَا، وَيَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ فِي الْوَاجِبِ لَهُمْ، فَإِنْ أَبْرَأَ بَعْضَهُمْ مِنْ حَقِّهِ، تَوَفَّرَ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ، إِذَا كَانَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ عَنْهَا بَعْدَ فِدَائِهِ تَوَفَّرَ أَرْشُهَا عَلَى سَيِّدِهَا.
(وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ) إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ، فَلَا قِصَاصَ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ الدَّمِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَعَنْهُ: يَقْتُلُهَا أَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا (فَإِنْ عَفَوْا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا) كَذَا أَطْلَقَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وُجِدَتْ مِنْهَا، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وَابْنُ حَمْدَانَ: عَلَيْهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهَا، وَلَعَلَّ إِطْلَاقَ الْأُولَى مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ قِيمَةَ الْأَمَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ; لِأَنَّ عِنْدَ آخِرِ جُزْئِيَّاتِ الْمَقْتُولِ عَتَقَتْ، وَوَجَبَ الضَّمَانُ (وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) لِأَنَّ الْمُقْتَضَى فِي عِتْقِهَا قَدْ زَالَ، إِذْ لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَعْتِقَ كَالْقَاتِلِ لَا يَرِثُ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا وَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَذَلِكَ النَّسَبُ سَبَبٌ لِلَازِمِهِ، فَكَمَا جَازَ تَخَلُّفُ الْإِرْثِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ بِالنَّصِّ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ الْعِتْقُ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، قَالَ السَّامِرِيُّ: إِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا،